إنفاق ضخم على أبحاث تطوير السيارات الكهربائية.. فماذا عن الأرباح؟

شركات السيارات تحرق المليارات في عملية تطوير السيارات الكهربائية
شركات السيارات تحرق المليارات في عملية تطوير السيارات الكهربائية المصدر: بلومبرغ
Anjani Trivedi
Anjani Trivedi

Anjani Trivedi is a Bloomberg Opinion columnist covering industrial companies in Asia. She previously worked for the Wall Street Journal.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شركات السيارات تعدُّ من أكبر المنفقين في العالم، وتشير البيانات إلى حجم مذهل من الأموال يتمُّ انفاقها من قِبل هذا القطاع في سوق السيارات الكهربائية الذي

لايزال ناشئاً، وتحاول هذه الشركات بجهد أكبر تخصيص رؤوس أموالها، لمواجهة إنفاقها المتضخم.

فعلى مدى العقد الماضي، أنفقت شركات صناعة السيارات على البحث والتطوير، أكثر مما حقَّقته من الأرباح، إذ يمثِّل إنفاقها في هذا الإطار خُمس الإنفاق العالمي.

ويأتي هذا الإنفاق برغم غياب الدليل المادي الذي يثبت نجاح هذه الأبحاث أو تحقيق مكاسب مالية جرائها. إذ لا يوجد سوى عدد قليل من السيارات الكهربائية الجيدة في الطرقات، في حين تستمر عوائد رأس المال المستثمر والأصول في التراجع.

ومايزال من غير المعروف، إذا كان الاستثمار في هذا القطاع الناشئ سيحقق عائداً أو متى سيحدث ذلك؟ وكم ستكون التكلفة النهائية لذلك؟ إذ تبقى كل هذه الأمور في نطاق المجهول.

ويتمُّ توجيه جزء كبير من الإنفاق الرأسمالي إلى الأصول غير الملموسة في المجال، مثل أبحاث تكنولوجيا الكهرباء والبطاريات، والحصول على براءات الاختراع والحماية، والملكية الفكرية المستقبلية، وذلك بدلاً من الأصول الثابتة، مثل: المعدَّات والممتلكات الملموسة، التي تتمتَّع بقيمة محدَّدة وواضحة.

الأرباح لا تسير بشكل جيد

ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للقيم الدفترية للشركة، والأرباح الفعلية في نهاية المطاف؟ حتى الآن، لا يبدو الوضع جيداً.

وكانت شركة "جاغوار لاند روفر" المملوكة لشركة "تاتا موتورز" قد قالت الشهر الماضي، إنَّها تتوقَّع أن تقوم بعملية شطب لأصول غير نقدية، تقدَّر بنحو مليار جنيه إسترليني (1.4 مليار دولار) دفعة واحدة، وذلك مقابل زيادة الإنفاق السابق، وعدم اكتمال بعض خطط الإنتاج.

ويأتي ذلك بعد نفقات استثنائية بقيمة 3.1 مليار جنيه إسترليني خلال الربع المنتهي في ديسمبر 2018، فقد كان تمَّ تخصيص أكثر من نصفها لأصول غير ملموسة.

ووفقاً لتحليل "سانفورد بيرنشتاين" الذى استند إلى بيانات عام 2019، فقد كان مقدار المال الذي تمَّ إنفاقه على البحث والتطوير بالنسبة لكلِّ وحدة، هو الأعلى بين نظراء الشركة في القطاع.

وفي الوقت نفسه، تحمَّلت شركة "أستون مارتن" نفقات تخفيض القيمة الدفترية للأصول بواقع 79.3 مليون جنيه إسترليني العام الماضي.

وقالت الشركة، إنَّها أبرمت اتفاقية تقنية مع شركة "مرسيدس بنز" خلال العام نفسه، التي أسفرت عن استراتيجية تركِّز على مجموعات نقل الحركة المستقبلية للسيارات، إلى جانب خفض تكاليف التطوير. وشملت النفقات أيضاً خفض تكاليف تطوير مجموعة نقل الحركة الهجينة الحالية إلى صفر.

وهذه ليست سوى أحدث الأمثلة على الإنفاق المرتفع لشركات صناعة السيارات في هذا الصدد.

وتكمن المشكلة الأساسية في افتراض الشركات حول أنَّ التقنيات الجديدة من المؤكَّد أنَّها تحقِّق نتائج ملموسة، وبالتالي تدر أرباحاً، وتدفُّقات نقدية في المستقبل القريب. كما أنَّ تصريحات الشركات الطموحة مترسخة في هذا الهدف أيضاً.

والحقيقة هي أنَّه لا أحد يعرف حقاً متى ستبلغ أي من هذه التقنيات مرحلة النضج بالمعنى التجاري فعلياً.

ويمكن القول، إنَّ بيع سيارة كهربائية بشكل كامل بسهولة بيع سيارة "كورولا"نفسها من صنع شركة "تويوتا موتور"؛ لن يحدث هذا العام أو في المستقبل القريب.

الإنفاق الضخم مستمر

ومع ذلك، تواصل شركات السيارات الكبرى إنفاقها الضخم، فقد كشفت شركة "جنرال موتورز" في إطار أحدث بيانات إقراراتها المالية أنَّها تعمل على تسريع الاستثمارات في مستقبلها الكهربائي بالكامل بداية من العام الحالي. وتتوقَّع أن تنفق أكثر من 7 مليارات دولار سنوياً حتى عام 2023.

وكانت "جنرال موتورز" قد سجَّلت صافي دخل قدره 6.4 مليار دولار لعام 2020، وأشارت بعد ذلك إلى أنَّه في ضوء تقييمها للمشهد المتغير، فإنَّ الإجراءات التي قد تتخذها "من الممكن أن تؤدي إلى انخفاض قيمة الأصول، أو النفقات الأخرى في المستقبل، التي قد يكون لها تأثير جوهري على نتائجنا التشغيلية".

وفي هذا الإطار، تمادى آخرون في القطاع بشكل كبير، فقد خلص تحليل "سانفورد بيرنشتاين" في سبتمبر الماضي، إلى أنَّ شركات صناعة السيارات الألمانية، و"جاغوار لاند روفر" على سبيل المثال، "يقومون بإهدار الكثير من الموارد من خلال الاستثمار في التعقيدات بدلاً من مزايا العملاء المحددة جيداً، التي تخلق القيمة لأصحاب المصلحة في الشركة".

رسملة الإنفاق على البحوث

ومن ناحية أخرى، يكمن في الولايات المتحدة جزء من الصعوبة في إجراء العمليات الحسابية، دون الدخول في التفاصيل الخاصة بالمعايير المختلفة عبر قوانين الولايات القضائية، فإنَّ حساب الإنفاق على البحث والتطوير عادة ما يكون أمراً صعباً.

وفي بعض الحالات، يتمُّ تقييد هذه النفقات كمصروفات بسبب عدم وجود قدر كبير من اليقين بشأن العوائد.

وفي حالات أخرى، يمكن رسملة هذه النفقات في الميزانية العمومية كأصل غير ملموس، مما يعزِّز القيمة الدفترية، ثم يتمُّ إهلاكها بمرور الوقت.

وغالباً ما يكون من الصعب تحديد قيمة أو تكاليف التطوير أو الأصول غير الملموسة التي أنشأتها الشركة داخلياً.

وخلاصة القول، تستند المحاسبة عادةً إلى تقييمات ذاتية إلى حدٍّ ما من قبل الشركة.

ولكن في حالة السيارات الكهربائية، فإنَّ الأمر أعقد من ذلك؛ فلتحديد كيفية توزيع رأس المال وحسابه، يتعيَّن على فرق الإدارة أن تضع تصوراً لعمر الأصل، وأن تقوم بتفقد حد الإنفاق، وتحديد متى ستكون الأصول غير الملموسة متاحة للاستخدام أو ما إذا كان بإمكانهم إثبات وجود سوق لبيعها، أو حتى جدوى فنية لها.

وهذا يجعل من الصعب تحديد مكمن القيمة الفعلية لهذه الأصول غير الملموسة المتمثِّلة بالبحث والتطوير، ويصعِّب أيضاً من كيفية قياس ثقة المستثمرين بالإدارة، أو تحديد قيمة الحماس الذي تثيره الشركة فجأة لدى المستثمرين ،عندما تدرك أنَّها متأخرة عن المنافسين لها في القطاع. ولا تستند كل هذه الأمور إلى أوامر فعلية أو بيانات ثابتة مثلاً.

ومع ذلك استغنت صناعة السيارات نوعاً ما عن إنتاج نماذج سيارات محرِّكات الاحتراق الداخلي ذات الهامش المرتفع بوفرة، وهي المنتجات المجربة والمختبرة. وفي حين مع تسويق البحث والتطوير تجارياً، فإنَّ المنتجات الجديدة المتمثِّلة بالسيارات الكهربائية من الممكن أن تخفق بسرعة، كما حدث مثلاً في حالة استدعاء شركة "هيونداي موتور" للسيارات الكهربائية باهظة الثمن الخاصة بها.

وقد يستغرق الأمر مزيداً من التحليل لإيجاد قيمة من وراء كل تلك الوفرة والإنفاق الأخضر، كما سيستغرق الأمر المزيد لنشهد عوائد مقبولة للأسهم من هذه الأصول غير الملموسة في أيِّ وقت قريب.