الأسواق في انتظار دورة سلع فائقة جديدة المصدر: بلومبرغ

هل سنرى دورة قياسية للسلع والمعادن بداية من 2021؟

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

دفع ارتفاع أسعار السلع المحللين والاستراتيجيين في البنوك إلى التساؤل عما إذا كان الطلب المتزايد على الموادّ الخام وعدم كفاية المعروض منها سيخلق دورة جديدة للسلع الأساسية، حيث تُعَدّ تقلُّبات الأسعار، بطبيعة الحال، قديمة قدم الأعمال التجارية نفسها، مع ذلك فإن دورة السلع الفائقة مختلفة.

وفي دورة الأعمال المعتادة يؤدي الطلب إلى رفع الأسعار، فيزيد العرض لمحاولة الاستفادة من تلك الزيادة المفاجئة، بما يؤدي إلى انخفاض الأسعار مرة أخرى، ففي الدورة القياسية، يكون العرض غير كافٍ للمطالبة بالنموّ بحيث ترتفع الأسعار لسنوات، قد تزيد على عقد.

وقبل أن نفحص الدورة الفائقة الحالية المحتملة، يجب أن نلقي نظرة سريعة على آخر دورتين، في سبعينيات القرن الماضي أحدث ارتفاع أسعار النفط طفرة استمرت حتى أوائل الثمانينيات، و في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أبقى طلب الصين على النحاس والصلب والألمنيوم والفحم والنحاس الأسعار مرتفعة حتى عام 2014، مع ارتفاع كبير بفضل أسعار النفط المرتفعة القياسية في عام 2008.

النفط والغاز

عنصران من هذه الدورة الفائقة المحتملة (النفط والغاز والمعادن) لهما صلة بآفاق إزالة الكربون، كما أنهما مترابطان بشكل متزايد.

أولاً، وفي ما يتعلق بالنفط والغاز، يُعَدّ الاستثمار المنخفض للغاية في التنقيب عن النفط والغاز أحد المؤشرات المؤيدة للدورة الفائقة المحتملة. و مع انخفاض الأسعار من أعلى من 100 دولار للبرميل في عام 2014، انخفض الإنفاق الرأسمالي أيضاً. ومن حيث القيمة الحقيقية للدولار، كانت النفقات الرأسمالية للنفط والغاز عند نفس المستوى تقريباً منذ 15 عاماً، عندما كان الطلب على النفط أقلّ بنسبة 10% مما كان عليه في نهاية عام 2020، وأكثر من 15% أقلّ مما كان عليه قبل الوباء.

أمران يمكن أن يبطلا ذلك: الأول ارتفاع أسعار النفط والغاز باستمرار وزيادة عوائد رأس المال، فقد يطالب المستثمرون بمزيد من الاستثمار. والثاني ارتفاع الطاقة الإنتاجية الاحتياطية لمنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خلال الوباء إلى أكثر من 10 ملايين برميل يومياً، ولا تزال أعلى بكثير مما كانت عليه في أي وقت خلال هذا القرن. يمكن أن تكون هذه السعة الفائضة بمثابة صمام تحرير للأسعار المرتفعة، كما هو الحال مع عودة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة إذا كانت الأسعار مرتفعة بما يكفي لدعم الاستثمار الجديد (وإذا كانت أسواق رأس المال مستعدة لتمويله).

بدائل النفط

ومع توقع وكالة الطاقة الدولية عدم انتعاش الطلب العالمي على النفط ووصوله إلى مستويات ما قبل كوفيد حتى عام 2023، فقد تكون الطاقة الاحتياطية لـ"أوبك" ذات أهمية كبيرة، بخاصة إذا كان الطلب على النفط قد بلغ ذروته بالفعل، كما قالت شركة "بريتش بتروليوم" العام الماضي. وهذا لا يعني أن الأسعار لن تستمر في الارتفاع، بل يعني أن القطاع لديه آليات مطبَّقة لتلبية الطلب.

الآن، سنتحدث عن المعادن، وإن كان ذلك بطريقة محورية.

لطالما كان صحيحاً القولُ إن ارتفاع أسعار النفط سيدفع المستهلكين إلى البحث عن بدائل. في السبعينيات كان النفط لا يزال يُستخدم على نطاق واسع كوقود لتوليد الطاقة، وأضيفت محطات التوليد التي تعمل بالفحم للاستبدال به عندما ارتفعت أسعار النفط. لكن في مجال النقل، كان الوقود البديل والمحركات الكهربائية أحلاماً بعيدة المنال.

في هذه المرة، للنفط بدائلُ في النقل البري، وهي فعالة تقنياً ومنافِسة اقتصادياً بشكل متزايد، ومتاحة عالمياً. في آخر مرة وصل سعر النفط فيها إلى 100 دولار للبرميل، في عام 2014، بِيعَت 300 ألف سيارة ركاب كهربائية فقط. في العام الماضي، بلغ هذا الرقم 3.1 مليون. في هذا العام، من المحتمَل أن يقترب الرقم من أربعة ملايين ونصف مليون.

يقلّل أسطول المركبات الكهربائية المتنامي الطلبَ على النفط، أضف إلى ذلك المركبات الكهربائية الخفيفة ذات العجلات الثنائية والثلاثية، والحافلات في العالم، فنحن نتطلع بالفعل إلى مليون برميل يومياً من الطلب على النفط الذي تُجُنّب اعتباراً من عام 2019.

سيستفيد منتجو المعادن في العالم من زيادة الاعتماد على الكهرباء، وليس فقط في قطاع النقل. وتقدر "بلومبرغ إن إي إف" أن الطلب العالمي على النحاس في كل من قطاعَي الطاقة النظيفة والنقل النظيف، سيتضاعف في العقود القادمة، بمعدل 5 ملايين طن سنوياً. ومن المتوقع أن يصل الطلب على النحاس هذا العام إلى نحو 24 مليون طن، وبالتالي فإن هذه القفزة ستكون زيادة ملموسة.

دورة أكثر نظافة

كما يعلم الاقتصاديون، يقول الأذكياء: "إن هذه المرة مختلفة"، لمدة ثمانية قرون، وثبت أنهم مخطئون بشكل متكرر وشامل. بينما ننظر اليوم إلى بداية دورة السلع الفائقة المحتملة، يجب أن نسأل حقاً: هل كانت هذه المرة مختلفة؟

في هذه المرة، سيؤدي تقليل الطلب على سلعة واحدة (النفط) إلى زيادة الطلب على سلعة أخرى (المعادن)، بطريقة يمكن أن تستمرّ لسنوات أو عقود. ستخضع الشركات التي تلبي هذا الطلب لمزيد من التدقيق، إذ يهتم المستثمرون والجمهور بشدةٍ بالاستدامة البيئية وكثافة الكربون في عميات الاستخراج والمعالجة. إذا دخلنا في دورة المعادن الفائقة، فستكون أكثر نظافة، مع إمكانية إزالة الكربون من جزء من الاقتصاد وتقليل الانبعاثات في هذه العملية.