غياب التصنيف الموحد يصيب الثورة الخضراء في أوروبا بالتخبط

التحول نحو الاقتصاد الأخضر يواجه تحديات كبيرة في أوروبا
التحول نحو الاقتصاد الأخضر يواجه تحديات كبيرة في أوروبا المصدر: بلومبرغ
Huw van Steenis
Huw van Steenis

Huw van Steenis is senior adviser to the CEO at UBS Group AG. He formerly served as senior adviser to Mark Carney at the Bank of England.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يُعَدّ تمويل اقتصاد ابتكاري منخفض الكربون أحد التحديات الحاسمة في عصرنا، إذ يتطلب تحول الطاقة ما قيمته 3.5 تريليون دولار سنوياً لعقود زمنية، كما يقول الملياردير الأمريكي بيل غيتس في كتابه الجديد.

ومن المؤكد أن أهمية تحديد ما يعتبر استثماراً أخضر حول العالم ستزداد كثيراً مع بدء خروجنا من أزمة الوباء، كما أن التأكد من خلق مستقبل أفضل بالفعل وتجنب الوقوع في فخ "الغسل الأخضر" بات من الأمور الهامة أيضاً.

وفي السباق نحو تحقيق صافي الانبعاثات الصفرية، يجب أن يكون للاتحاد الأوروبي السبق في وضع تلك المعايير في ظلّ اهتمام المستثمرين الذي دام لأعوام عديدة.

ودخلت القواعد الجديدة للكتلة الأوروبية حيز التنفيذ هذا الشهر، تلك القواعد التي تُلزِم مديري الأصول الإفصاح عن السمات البيئية والاجتماعية والحوكمة المؤسسية لأموالهم. لكن الكتلة لم تتفق بعد على قائمة تضمّ تصنيفات وتعريفات ما هو أخضر وما هو غير ذلك -يُعرف باسم "التصنيف الأخضر"- الذي يُفترض أن يدعم الجهود وأن يصبح معياراً عالمياً.

من جانبها، غرقت بروكسل في التفاصيل والرغبة النبيلة في إيجاد حلّ شامل ومناسب الجميع، وأصبح النقاش حول ما يجب أن يوصف بأنه أخضر، بخاصة حول الغاز، قضية يختلف عليها الناس بشدة، كما أن المستثمرين والشركات شعروا بالقلق بشأن كيفية تنفيذ التوجيه الفني الذي يصل إلى 593 صفحة حتى الآن.

معضلة التصنيف

بالتأكيد تساهم الإجراءات البيروقراطية للتحول الأخضر، إذا صح التعبير، في تعريض الكتلة لخطر أن تتجاوزها الولايات المتحدة التي بدأت في اتخاذ خطوات جريئة مؤخراً. ومثلما حدث في حملة التطعيم الفاشلة، يمكن أن تتغلب المملكة المتحدة على الاتحاد الأوروبي، بخاصة بعد أن مضت قدماً في تكليف الشركات تقديم تقارير مناخية جديدة استناداً إلى المبادئ التوجيهية القائمة بالفعل.

ويبدو نظام التصنيف العالمي جذاباً بشكل بديهي، لكن من الصعب للغاية تقييم استدامة كل نشاط اقتصادي، ومن ثم تطبيق النتائج بشكل متسق في كل مكان.

ويقول بن كالديكوت، مدير "برنامج أكسفورد للتمويل المستدام" (Oxford Sustainable Finance Programme)، إن حججاً وجيهة حول سبب اعتبار فكرة التصنيف الأخضر الفردي فكرة سيئة.

وحتى وكالات التصنيف التي تسجل الاستدامة لا تتفق معاً إلا بنسبة 60% من الوقت، مقارنة بأكثر من 90% للتصنيفات الائتمانية، حسب دراسة أجرتها كلية سلوان للإدارة لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT Sloan School of Management).

ويطرح تصنيف الاتحاد الأوروبي على وجه الخصوص عديداً من التحديات:

التحدي الأول يتمثل في أن التصنيف "ثنائي" للغاية في دعم ما هو أنقى ظلّ للأخضر، مثل السندات الخضراء، وهي وسيلة متزايدة الأهمية لتمويل العقارات الموفرة للطاقة بأسعار مغرية. لقد ازدهرت السندات في ظل معايير القطاع الخاص التي وضعتها "الجمعية الدولية لأسواق رأس المال" (International Capital Market Association) و"مبادرة سندات المناخ" (Climate Bond Initiative). وتستخدم أعلى 15% من مخزون المساكن في كل بلد بديلاً، وتتطلع إلى تشديد النسبة بمرور الوقت.

تحديات وعقبات

وعلى النقيض من ذلك، فإن مقترحات الاتحاد الأوروبي لن تسمح إلا لنسبة 1% من العقارات بالحصول على شهادة تصنيف الطاقة "A"، على عكس مشورة مجموعة من الخبراء التابعين للمفوضية.

لذلك فإن جميع السندات الخضراء الأوروبية تقريباً ستفشل في تلبية الاحتياجات، الأمر الذي قد يؤدي إلى إغلاق السوق بضربة واحدة. وبلا تغييرات كبيرة في المعايير، حتى صندوق التعافي من الوباء التابع للاتحاد الأوروبي قد لا يتمكن من إصدار السندات الخضراء التي يخطّط لها بقيمة 250 مليار يورو.

أما التحدي الثاني فيتمثل في المنهجية الصارمة والواسعة للغاية. فقد وجدت دراسة أجرتها "مؤسسة خدمات المساهمين" للمعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة أن خُمس الإيرادات التي تولّدها الشركات المدرجة في مؤشر "يورو ستوكس 50" تتوافق بشكل كبير مع مبادئ التصنيف الأخضر للاتحاد الأوروبي، لكن 2% فقط يمكن اعتبارها متوافقة تماماً.

ولا يمكن اعتبار جميع أشكال الطاقة المتجددة خضراء بدرجة كافية، فطاقة الرياح ضمن المظلمة، في حين أن الطاقة الكهرومائية ليست كذلك، مما يحبط الدنماركيين والسويديين. وفي أماكن أخرى تثير مسؤولية "عدم التسبب في ضرر كبير" قضايا قانونية حول العناية الواجبة لفحص مثل هذا الالتزام الشامل.

نظام مرن

وبالنسبة إلى التحدي الثالث، فيتمثل في الافتقار إلى تصنيف للشركات التي تمر بمرحلة انتقالية. فمن المهم للغاية فهم كيفية تكيُّف الشركات وتحفيزها على التحرك في الاتجاه الصحيح، ولتحقيق ذلك يستخدم عديد من مستشاري التصنيف الأخضر نظام ترميز لونياً أكثر دقة، لأن المعايير الثنائية الثابتة لن تخدم الاقتصاد أو المستثمرين جيداً.

لذلك لن يصبح التصنيف الأخضر للاتحاد الأوروبي عالمياً بالطريقة التي كانت بروكسل تأملها. وفي وقت تتسابق فيه الدول لتأسيس أطر للاستثمار الأخضر، فإن أغلبها يعترف بمبادئ الاتحاد الأوروبي، لكنهم سيعملون بعد ذلك على صياغة مبادئهم الأبسط بكثير بالاعتماد على ركائز أساسية راسخة، وفي الآونة الأخيرة اقترحت سنغافورة نظاماً لتشجيع الانتقال بمجموعة من التصنيفات إلى الأحمر والعنبري والأخضر.

وأكّدَت أليسون هيرين لي، رئيسة لجنة الأوراق المالية والبورصات بالنيابة، الحاجة إلى إنشاء نظام مرن بما يكفي لمواكبة العلم والأسواق. وجاء ذلك عندما أنشأت لي فريق عمل معنياً بالمناخ والحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية لملاحقة سوء السلوك، وتبنّت مبادرة جديدة لمعايير الاستدامة من المنظمة الدولية لهيئات الأوراق المالية.

إطار عمل أفضل

ومن المؤكَّد أن فشل الاتحاد الأوروبي في الاتفاق على التصنيف يوفر فرصة لإعادة التقييم. وللمضي قدماً على الصعيد العالمي، إذ يجب أن تعطي الكتلة الأولوية لتحسين عمليات إفصاح الشركات المتعلق بمناخ بالاستعانة بإطارات العمل الحالية.

وتُعَدّ البيانات عالية الجودة والقابلة للمقارنة التي تتيح للمستثمرين والمستهلكين وجماعات الضغط والجهات التنظيمية تقييم المخاطر ومحاسبة الشركات، أداة قوية وفعَّالة، كما أصبحت فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ والتابعة لمجلس الاستقرار المالي (Financial Stability Board) هي المعيار الذهبي لإعداد التقارير، وعلى الكتلة أن تحذو حذو المملكة المتحدة في تفويضها للتعامل مع الشركات والصناديق.

ويجب أن تستخدم الكتلة انطلاقتها المبكرة في صياغة معايير قابلة للتطبيق وركائز أساسية يمكن أن تثبت فاعليتها في جميع الولايات القضائية.

وأنشأ 18 بنكاً مركزياً تقريباً، على غرار البنك المركزي البريطاني، اختبارات ضغط استكشافية لتغيُّر المناخ في المؤسسات المالية، وذلك في ظلّ حاجتهم إلى بيانات قوية لازمة لصياغة المعايير البيئية. وهذا الأمر يُعتبر هامّاً بنفس قدر أهمية إدراج مخاطر المناخ في التصنيفات الائتمانية.

أخيراً، لا بد أن تعمل الكتلة الأوروبية على تطوير إطار عمل أكثر ثراءً، وهو "50 درجة من اللون الأخضر" (50 shades of green)، كما قال حاكم بنك إنجلترا السابق مارك كارني، الذي يعمل على إصلاحات تمويل المناخ في الأمم المتحدة. فعلى سبيل المثال، هناك اهتمام بتشكيل المحافظ الاستثمارية بالتوازي مع أهداف التنمية المستدامة الأوسع نطاقاً التي حددتها الأمم المتحدة.

ومن الضروري أيضاً توخي الحذر لتفادي نظام من شأنه تثبيط تطوير مجموعة من الصناديق التي تلبي مجموعة واسعة من تفضيلات المستثمرين. وحتى تنجح الصفقة الخضراء في أوروبا، فإنها ستحتاج إلى توجيه "التجربة الجريئة والمستمرة" للصفقة الجديدة التي أبرمها الرئيس الأمريكي السابق فرانكلين روزفلت بين عامي 1933 و1936.

وللحفاظ على طموحاته وبقائه نموذجاً عالمياً يُحتذى، فعلى الاتحاد الأوروبي الابتعاد عن نهج "مقاس واحد يناسب الجميع"، وتشكيل معايير الإفصاح لتحفيز الابتكار والتمويل والانتقال المستدامين.