3 رسائل هامَّة من رئيس "الفيدرالي" إلى سوق السندات.. فما هي؟

جيروم باول
جيروم باول المصدر: صور غيتي
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يستهدف رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي (البنك المركزي الأمريكي) جيروم باول، ما هو أكبر من مخاوف صعود التضخُّم على المدى القريب في سوق السندات.

وربما في أكثر مؤتمر صحفي يتّسم بالصراحة منذ توليه رئاسة البنك المركزي قبل ثلاث سنوات، أرسل باول خلال الأسبوع ثلاث رسائل مهمة إلى المستثمرين الذين يدفعون عائدات السندات إلى أعلى، إذ يراهنون على أن صعود التضخم سيجبر الفيدرالي في النهاية على تشديد السياسة النقدية (رفع أسعار الفائدة) بأسرع مما يشير إليه.

فما الرسائل التي أراد باول أن يبعث بها؟ أنه ليس قلقاً من ارتفاع العائدات على سندات الخزانة، وأنه يسيطر على مسائل السياسة النقدية، كما أنه على استعداد لإدارة الاقتصاد المحموم لمساعدته على التعافي من تداعيات كوفيد-19.

رفض السوق

لدى سؤاله مباشرة خلال مؤتمره الصحفي يوم الأربعاء الماضي عما إذا كان قلقاً بشأن زيادة عوائد سندات الخزانة، أشار باول إلى الأوضاع المالية وقال إنها تظل "تيسيرية للغاية"، في إشارة إلى الإبقاء على أسعار الفائدة المنخفضة. وكانت إجابة باول بمثابة إشارة واضحة على أنه ليس منزعجاً من التقلبات حول مخاطر التضخم التي تثير هواجس المستثمرين. ويمتلك باول استراتيجية واضحة لإعادة إنعاش الاقتصاد، ولا يعتقد أن هذا سيكون سهلاً بعد عقود من انخفاض معدلات التضخم.

لذلك يريد باول أن يرى البيانات الفعلية، وهو غير مقتنع بأن خمول التضخم –إذ تشبه تغيُّرات الأسعار اليوم إلى حدّ كبير نفس تغيرات الأمس- على وشك التغيير.

وقال باول إن "التغيير الأساسي في إطار عملنا هو أننا لن نتصرف استباقياً بناءً على التوقعات في الغالب وسننتظر رؤية البيانات الفعلية". وأضاف: "أعتقد أن الأمر سيستغرق وقتاً حتى يتكيف الناس مع ذلك، ومع هذه الممارسة الجديدة، والطريقة الوحيدة التي يمكننا بها حقاً بناء مصداقية بشأنها تتمثل في تطبيقها". لكن نوبة غضب الأسواق تؤثّر في مواقف باول.

وتابع باول: "سأكون قلقاً من الظروف غير المنضبطة في الأسواق أو من التشديد المستمر للأوضاع المالية التي تهدّد تحقيق أهدافنا".

تلقّي الإشارة

وقلّل باول مراراً من أهمية الموجز الفصلي للتوقعات الاقتصادية الذي يصدره بنك الاحتياطي الفيدرالي. وقال إن "موجز التوقعات الاقتصادية ليس توقعات اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة. إن التوقعات ليست بمثابة المادة التي نجلس حولها ونناقشها ونوافق عليها"، مشيراً إلى أن مخطَّط النقطة لتوقعات أسعار الفائدة التي قدمها كل من صانعي السياسة البالغ عددهم 18 في الاحتياطي الفيدرالي "لم يكن وعداً في الواقع أو حتى بمثابة توقُّع بشأن توقيت تحرُّك أو تصرُّف اللجنة" إزاء أسعار الفائدة.

وتعرض التوقعات استجابة سياسية، في حال ظهور افتراضات أخرى من جانب المسؤولين، كما هو متوقع. لكن التنبؤ بزيادة أسعار الفائدة قبل ثلاث سنوات، كما فعل سبعة من مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي، "أمر غير مؤكَّد إلى حد كبير" كما أشار باول، مضيفاً أن الجميع ليس لديهم الخبرة الكبيرة للتنبؤ بكيفية تعافي الاقتصاد بعد وباء كورونا.

وقللت كل هذه التعليقات عمداً من سياسة مخطط النقاط، كما طرحت سؤالاً: إذا لم يكن التوجيه بشأن توقيت التشديد النهائي (رفع أسعار الفائدة) موجوداً في مخطَّط النقاط، فأين هو؟ وأوضح باول أن بحوزته توقيت رفع أسعار الفائدة لمواجهة صعود التضخم المتوقع بعد حزم التحفيز المالي.

وفي خطة التشديد النقدي، تتمثل الخطوة الأولى في تقليص 120 مليار دولار من مشتريات الأصول شهرياً التي ربطتها اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة بـ"إحراز مزيد من التقدم الكبير" في ما يتعلق بالتوظيف والتضخم. وقال باول إن خفض مشتريات الأصول شهرياً سيصدر بإجماع لجنة يتولى تشكيلها بنفسه، وأضاف: "حتى نعطيك إشارة، يمكنك أن تفترض أننا لم نصل إلى هناك بعد".

هل يحصل باول على ولاية ثانية في رئاسة الفيدرالي؟

إن التحكم في الرسالة يمنح باول سمة لا غنى عنها شبيهة بالتي كان يتمتع بها الرئيس الأسبق للفيدرالي آلا غرينسبان، في وقت تكون فيه رسائل الفيدرالي مهمة للأسواق المالية، وفي ظل تزايد النقاش حول ما إذا كان سيظل في منصبه لولاية ثانية عندما ينتهي أمد ولايته الحالية في فبراير 2021 أم لا.

ولم يوضح الرئيس الأمريكي جو بايدن بعد ما إذا كان منفتحاً على إبقاء باول في منصبه أو اختيار من يخلفه في رئاسة الفيدرالي.

وقال ديريك تانغ، الخبير الاقتصادي في مؤسسة "LH Meyer / Monetary Policy Analytics" المعنية بأوضاع الاقتصاد الكلي والسياسة النقدية عالميا، ومقرها واشنطن: "يودّ باول إعادة تعيينه في منصبه، وقد أبقى الديمقراطيون الباب مفتوحاً، إذا كان الديموقراطيون يحاولون إقناع باول بسياسة مواتية، فقد يُبقُون عليه في منصبه، لكنهم لن يجعلوه المرشح الأكيد. إن تولي المنصب يخضع لعملية تفاوضية صعبة للغاية".

نموّ الاقتصاد وتراجع البطالة

تجسدت الرسالة الثالثة التي أراد باول أن يبعث بها في صورة التوقعات وكيف ستستجيب لمعدل البطالة.

إذا أخذنا في الاعتبار متوسط ​​التوقعات المجمعة، التي أظهرت أن التضخم قد يرتفع قليلاً إلى ما فوق 2% هذا العام، فإنه ينخفض أقرب إلى المستهدف في 2022 و2023.

وقد يتسارع النمو الاقتصادي في عام 2021، ويرجع الفضل في ذلك جزئياً إلى السياسة المالية، إذ يقفز بنسبة 6.5% ويظلّ فوق معدل النمو الذي تقدره اللجنة البالغ 1.8% خلال العامين المقبلين. وقد تنخفض نسبة البطالة إلى 3.5% بنهاية عام 2023، وهو ما يعادل المستوى المنخفض السائد قبل انتشار الوباء.

ورغم كل هذه العوامل المشجعة، لا يرى غالبية المسؤولين حاجة كبيرة إلى رفع أسعار الفائدة.

الأمر هنا أن "هدفهم الواسع والشامل" بالنسبة إلى المسؤولين في الفيدرالي المتمثل في توفير الحد الأقصى من فرص العمل، لا يمثله معدَّل البطالة على الإطلاق.

وعندما يبلغ معدل البطالة 3.5%، فإن المسؤولين يعتقدون أن في استغلاله تراخياً، ربما بشكل خاصّ في القطاعات الأكثر تضرُّراً في سوق العمل، مثل النساء في سنّ العمل، والأقلّيات.

الأمر سيستغرق بعض الوقت

وركز باول من كَثَب على الأثار غير المتكافئة التي يسببها الوباء، ويريد إعادة 9.5 مليون أمريكي فقدوا وظائفهم خلال "حقبة كوفيد" إلى العمل في أسرع وقت ممكن.

وعلى الرغم من أن معدل البطالة انخفض الشهر الماضي إلى 6.2%، فإنه ارتفع إلى 9.9% بين صفوف الأمريكيين السود على الرغم من الافتراض بأن الاقتصاد في حالة انتعاش قوي.

ويجادل باول بأنه لأن توقعات التضخم مثبتة عند 2%، يمكن لمجلس الاحتياطي الفيدرالي أن يدير الاقتصاد بسرعة لتحقيق انتعاش أكثر شمولًا دون التعرض لزيادة مستدامة في الأسعار. وقال باول: "ستستغرق البطالة وقتاً طويلاً حتى تنخفض"، لكونه يفكّر وفق المقاييس الأوسع للبطالة.

وأضاف أنه "كلما انخفض معدل البطالة أسرع كان ذلك أفضل. نودّ أن يتحقق ذلك عاجلاً لا آجلاً. نحن لا نرحب بأي أمر أكثر من ذلك. لكن من الناحية الواقعية، بالنظر إلى الأرقام، سيستغرق الأمر بعض الوقت".