مخاوف التضخم تقفز بأسعار البلاستيك لمعدلات قياسية

داخل أحد مصانع البلاستيك في الولايات المتحدة.
داخل أحد مصانع البلاستيك في الولايات المتحدة. بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تشكِّل المواد الخام مثالاً ممتازاً عن تضخم الأسعار الحاصل في الوقت الحاضر. فقد حلَّقت أسعار النحاس، والصلب، والخشب إلى معدَّلات قياسية، أو إلى مستويات قريبة من المعدَّلات القياسية. ويشمل ذلك البلاستيك أيضاً، الذي غالباً ما يتمُّ تجاهله، على الرغم من أنَّه يحقق أفضل أداء له في الوقت الحالي.

وعلى الرغم من دخول البلاستيك والمواد الكيميائية المرتبطة به في صناعة آلاف المنتجات، إلا أنَّه لا يتمُّ تداوله في البورصات الرائدة للسلع، وغالباً لا يلاحظ العالم التقلبات الكبرى في أسعاره. ومع ذلك، فإنَّ أسعار البولي فينيل كلوريد ارتفعت بشكل كبير، مدفوعة بتحسُّن الطلب العالمي من المستهلكين، الذي ترافق مع توقُّف الإنتاج نتيجة موجة الصقيع التي ضربت تكساس بالولايات المتحدة خلال الشهر الماضي.

كما لا يزال إنتاج أكثر من 60% من البولي فينيل كلوريد متوقِّفاً بعد نحو شهر من موجة الصقيع التي ضربت تكساس ولويزيانا، وأدَّت إلى تدمير شبكة الكهرباء بها، وذلك بحسب هيئة معلومات السوق حول البتروكيماويات، والطاقة، والأسمدة (ICIS) التي توفِّر البيانات بهذا الخصوص.

ويعدُّ البولي فينيل كلوريد مادة بناء أساسية تستخدم في صناعة الأنابيب، وعزل الكابلات، وصنع الأرضيات والأسقف، مع العلم أنَّ الولايات المتحدة باتت في السنوات الماضية أكبر مصدِّر للبلاستيك في العالم.

ويقول بوب باتيل، المدير التنفيذي للشركة العملاقة " ليونديل باسيل إندستريز" المتخصصة بتصنيع المنتجات البلاستيكية: "حالياً، لا يوجد لدينا ما يكفي من الإنتاج لتلبية الطلب المحلي، فما بالك بالتصدير". وأضاف متحدِّثاً في مؤتمر "جي بي مورغان" للصناعة عقد مؤخراً: "أعتقد أنَّ الأمور لن تعود إلى طبيعتها قبل الربع الرابع".

وحتى ما قبل موجة الصقيع، كان قطاع البلاستيك يحارب من أجل التعافي من آثار الأعاصير المتعاقبة في العام الماضي، مما يعني أنَّ النقص في المواد سيكون له أثر غير مباشر على الصعيدين المحلي والعالمي، بالأخص في قطاع البناء الذي يرزح أصلاً تحت الضغوط نتيجة الارتفاع الكبير في أسعار الخشب. وتأتي هذه المشاكل في الإمدادات في وقت بدأت فيه الحكومة الأميركية بتوزيع حزمة التحفيز الاقتصادي الجديدة، مما أسهم في ارتفاع الطلب على السلع الاستهلاكية.

نقص البلاستيك والتصنيع

وكان كلٌّ من عملاقيّ السيارات اليابانيين "هوندا"، و"تويوتا" أعلنا عن خفض إنتاج المركبات في الولايات المتحدة الشمالية، وقد عزت الشركتان السبب جزئياً إلى النقص في المواد البتروكيميائية في سلسلة الإمداد. وقالت المتحدِّثة باسم "تويوتا" شيوري هاشيموتو مؤخَّراً، إنَّه من المتوقَّع توقُّف خطوط الإنتاج في المعامل مؤقتاً لعدَّة أيام في كنتاكي، وغرب فيرجينيا الغربية، والمكسيك.

وبحسب (ICIS)، فإنَّ المواد البتروكيميائية تستحوذ على أكثر من ثلث تكلفة المواد الخام اللازمة لصنع أيِّ مركبة عادية. مع العلم أنَّ قطاع صناعة السيارات يواجه أصلاً تحديات نتيجة النقص في أشباه الموصلات.

وكانت " ليونديل باسيل إندستريز" قد استأنفت العمل في وحدتيّ تكسير الإيثان التابعتين لها في تكساس بعد أن توقَّفتا بفعل العاصفة، في حين يتوقَّع أن تعود الوحدة الثالثة في كوربوس كريستي في تكساس للعمل في غضون ثلاثة أسابيع، بحسب باتيل.

وكانت شركات كبرى أخرى قد عانت من تعرقل الإنتاج في معاملها في ساحل الخليج الأميركي، من بينها "إكسون موبايل"، و"رويال داتش شيل"، و"شيفرون فيليبس كيميكال"، و"ويستلايك كيميكال"، و"دو كيميكال" وغيرها.

ويتوقَّع باتيل أن تؤدي موجة الصقيع وحدها إلى خفض انتاج الولايات المتحدة من البولي ايثيلين، وهو مركب البلاستيك الأكثر شيوعاً، بنحو 12% هذا العام.

كذلك، ارتفعت أسعار البولي بروبلين إلى معدَّلات قياسية، بأكثر من ضعفَيّ معدَّلات 2019 – 2020، بحسب (ICIS). ولكن كلّ هذا غيض من فيض، فأسعار البولي فينيل كلوريد حلَّقت أيضاً إلى معدَّلات قياسية، في حين ارتفعت أسعار البولي ايثيلين عالي الكثافة المستخدم في صناعة عبوات الشامبو، والأكياس البلاستيكية إلى أعلى المعدَّلات منذ عام 2008.

إعادة فتح الاقتصادات

ويقول جيريمي بافورد، مسؤول شؤون أميركا الشمالية في (ICIS)، إنَّ عاصفة تكساس شكَّلت "نقطة تحوُّل" بعد "تراكم العديد من سيناريوهات الإنتاج، والإمداد السيئة خلال العام الماضي". وأضاف: "هذه تكلفة سيتعيَّن على طرف ما تحملها في نهاية المطاف، وعادةً ما يعني ذلك المستهلك".

وعلى الرغم من عدم لفت ارتفاع أسعار البلاستيك للأنظار، أو مناقشته على نطاق واسع، مثل: أسعار الخشب اللين، أو أسعار الصلب، إلا أنَّ آثار هذا الارتفاع بدأت تظهر في الاقتصاد الحقيقي. فبحسب التقرير الأخير عن أسعار المنتجين الصادر عن وزارة العمل، فإنَّ تكلفة أنابيب البلاستيك ارتفعت بنسبة 16% في فبراير، مقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي. مع العلم أنَّ البيانات لم تحتسب الارتفاع الجديد في الأسعار.

ويصطدم هذا الشحّ في الإنتاج بارتفاع الطلب القوي على مواد البناء والتغليف في السنة الماضية. فقضاء المستهلكين لوقت أطول في المنزل أدَّى إلى انتعاش سوق العقارات السكنية في الولايات المتحدة، إذ يبحث السكان عن مساحات إضافية. كما أنَّ شراء البقالة والتسوق الالكتروني زادا بشكل كبير. ويتوقَّع أن يتواصل هذا النهج مع فتح الاقتصاد، بالأخص مع بدء الاستفادة الاقتصادية من حزمة التحفيز البالغة قيمتها 1.9 تريليون دولار، التي أطلقها الرئيس جو بايدن.

وتضمَّن مشروع قانون حزمة التحفيز "برنامج بنية تحتية ومساعدة في الإيجارات والرهونات العقارية، مما من شأنه أن يدعم الطلب على البولي فينيل كلوريد في قطاع البناء على المدى القصير" بحسب الملاحظة التي كتبها هوراش تشان من "بلومبرغ انتلجنس" في 16 مارس.

وأشارت الوكالة الدولية للطاقة في تقريرها عن النفط للعام 2021 إلى أنَّه على المدى الأبعد، فإنَّ المواد البتروكيميائية ستشكِّل المصدر الأكبر لارتفاع الطلب على النفط بسبب التوسُّع الاقتصادي، وازدياد استخدام البلاستيك في السلع الاستهلاكية عالمياً.

وبحسب التقرير، فإنَّ غاز النفط المسال والنفتا، وهما يستخدمان كمواد أولوية كيميائية في آسيا وأوروبا؛ سيسهمان بما يصل إلى 70% من ارتفاع الطلب على النفط حتى عام 2026، بالمقارنة مع معدَّلات 2019.

وفي الولايات المتحدة، التي يشكِّل الإيثان فيها المادة الكيميائية الأولية الأساسية؛ كان قطاع البتروكيماويات في ساحل الخليج مزدهراً إلى حين الانتكاسة التشغيلية مؤخراً، وذلك بفضل توفُّر سوائل الغاز الطبيعي بأسعار منخفضة من الحقول الصخرية في البلاد، فيما بينها الحوض البرمي.

ويسهم كل ذلك في توقُّعات ازدياد التضخم، بالأخص في قطاع السكن، وذلك مع توجه الولايات المتحدة نحو إعادة فتح الاقتصاد إثر اتساع حملة التلقيح ضد فيروس كورونا. وذلك بحسب ستيفن ستانلي، كبير الاقتصاديين في شركة "أميرهيرست بييربونت".

وأضاف ستانلي: "قد يشكِّل ذلك مؤشراً للمستقبل، بمعنى أنَّه عند فتح الاقتصاد بشكل كامل، سنرى في بعض الجوانب من الاقتصاد ارتفاعاً بشكل كبير على الطلب لفترة من الوقت على الأقل، مما سيؤدي إلى بعض الضغوط في الأسعار".

وأشار أخيراً إلى أنَّ قطاع السكن كان أوَّل القطاعات المتأثرة بهذا الموضوع، متابعاً: "ولكنَّنا اليوم، أصبحنا نرى ذلك على صعيد أوسع أيضاً".