النقد الأجنبي يهرب من تركيا.. والسبب بنك "أردوغان" المركزي

الرئيس التركي رجب طيب أردوغان
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع إقالة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لثالث محافظ للبنك المركزي في أقل من عامين، أظهر الزعيم السياسي المهيمن في تركيا على طريقة القرن الماضي مرة أخرى تصميمه على محاربة أعراف الاقتصاد الحديث. والأسواق مرة أخرى غير مقتنعة.

تسبب هروب المستثمرين في هبوط الليرة بنسبة تصل إلى 15% يوم الاثنين، مما زاد من الخسائر التي أبقت التضخم عند أكثر من 10% على مدار الـ 16 شهراً الماضية.

لم تتغير أسعار صرف العملة كثيراً في بداية تداول يوم الثلاثاء. وارتفع العائد على سندات الليرة فئة استحقاق 10 سنوات بأكبر قدر على الإطلاق، وواصلت الأسهم خسائرها بعد أكبر انخفاض لها منذ 2013.

وقال "روبن بروكس"، كبير خبراء الاقتصاد في معهد التمويل الدولي في واشنطن: "هذا توقف مفاجئ في تدفقات رأس المال، على غرار انهيار العملة في 2018، وكانت النتيجة في ذلك الوقت ركوداً عميقاً بسبب تشديد الأوضاع المالية، وستكون هي نفسها الآن".

جاء قرار أردوغان بإقالة "ناجي إقبال" من منصب محافظ البنك المركزي في الساعات الأولى من صباح يوم السبت بعد زيادة مذهلة في سعر الفائدة بمقدار 200 نقطة أساس الأسبوع الماضي أدت إلى رفع سعر الفائدة الأساسي إلى 19%.

وفي الأشهر الأربعة التي قضاها في المنصب، رفع "إقبال" سعر الفائدة الأساسي بمقدار تراكمي قدره 875 نقطة أساس، وذلك في تناقض مباشر مع اعتقاد الرئيس غير المعتاد بأن تكاليف الاقتراض المرتفعة تغذي التضخم. وقد ساعدت تحركاته على استقرار العملة وجذب الاستثمار.

ما هو على المحك

بينما كان الرئيس التركي يتطلع إلى عام من النمو القوي والليرة المستقرة حتى يوم الخميس الماضي، فإن أفعاله خلال عطلة نهاية الأسبوع جعلت تركيا تعاني من عمليات بيع المستثمرين الأجانب على نحو أكثر حدة.

وتعتبر هذه العوامل ضرورية للمساعدة في تمويل عجز الحساب الجاري للبلد، والذي تجاوز 36 مليار دولار في عام 2020.

وأضرت الخطوة المفاجئة في البنك المركزي، بالمستثمرين في صعود سعر صرف الليرة، الذين آمنوا بتحول أردوغان الواضح نحو السياسات الاقتصادية المتعارف عليها في شهر نوفمبر الماضي، عندما عُيِّن "إقبال" في المنصب، فيما بدا وكأنه يتنازل عن الخيارات الاقتصادية اللازمة لاحتواء الأسعار المتصاعدة التي كانت تقوض شعبيته.

لم يتطرق أردوغان إلى هذه المسألة منذ تعيينه رئيساً جديداً للسياسة النقدية (البنك المركزي)، وهو "شهاب كافجي أوغلو"، أستاذ الاقتصاد بجامعة مرمرة.

وكتب "كافجي أوغلو" من حين لآخر لدعم أفكار أردوغان غير التقليدية بشأن أسعار الفائدة الأساسية في عموده الصحفي في صحيفة "يني شفق" الموالية للحكومة.

وفي تعليقات على محطة تلفزيون "أهابير" يوم الثلاثاء، قال المستشار الرئاسي البارز، "يجيت بولوت"، إنه تحدث للتو مع "أوغلو" وأن تكاليف الاقتراض يجب أن تظل منخفضة قدر الإمكان.

قال بولوت: "يجب أن تكون معدلات الفائدة الأساسية منخفضة بقدر ما تسمح به الحقائق الاقتصادية".

الارتداد للخلف

أثار التعيين مخاوف من إعادة السياسات النقدية التي كانت سائدة في العامين الماضيين، مما دفع الليرة للانخفاض بنسبة 7.5% إلى 7.8016 مقابل الدولار يوم الاثنين في إسطنبول.

وقلَّصت العملة خسائرها من 8.35، حيث تبيع كل من البنوك الحكومية والخاصة الدولارات للمستثمرين المحليين، الذين رأوا في الليرة الضعيفة فرصة لجني الأرباح من حيازات الدولار، وفقاً لمضاربين مطلعين على التدفقات.

وقال المضاربون: إن المقرضين التابعين للدولة لم يدافعوا عن مستوى معين من الليرة كما فعلوا طوال العامين الماضيين عندما كانوا يبيعون احتياطيات العملات الأجنبية الخاصة بتركيا، وطالبوا بعدم الكشف عن هويتهم، بما يتماشى مع لوائح شركاتهم.

وارتفع العائد على سندات الليرة التركية فئة استحقاق 10 سنوات 21 نقطة أساس إلى 19.1% في الساعة 10:46 صباحاً يوم الثلاثاء بعد أن قفز 484 نقطة أساس في اليوم السابق، وهو أكبر رقم يتحقق في 11 عاماً منذ أن بدأت تركيا بيع تلك الأوراق المالية.

وتراجعت سوق الأسهم بنسبة 7% ، مما يعني بلوغها الحدود القصوى للهبوط خلال جلسة التداول، والذي استلزم وقف التداول مرتين في بورصة إسطنبول خلال الساعة الأولى من التداول.

وارتفعت تكلفة الاقتراض بالعملة المحلية لمدة أسبوع إلى 2,067% يوم الاثنين حيث سارع المضاربون للحصول على السيولة بالليرة اللازمة للتخلص من مضارباتهم عالية المخاطر.


سياسة دعم الليرة

كان النهج الذي اتبعه وزير المالية "بيرات البيرق"، صهر أردوغان الذي استقال من هذا المنصب في شهر نوفمبر الماضي، هو استخدام الاحتياطيات الأجنبية لدعم الليرة.

وقدر بنك "غولدمان ساكس" أن هذه السياسة كلفت تركيا أكثر من 100 مليار دولار من الأصول المفقودة، ولم يتبق سوى القليل من الذخيرة للدفاع عن العملة الآن.

وقال "أندرياس ستينو لارسن" محلل العملات وأسعار الصرف في بنك "نورديا بنك" على موقع تويتر: "لن نتحول أبداً إلى الاتجاه الصعودي لليرة طالما أن أردوغان يدير البنك المركزي بنفسه فعلياً".

انخفض إجمالي احتياطيات تركيا الإجمالية، بما في ذلك الذهب والاحتياطيات التي يحتفظ بها البنك المركزي نيابة عن المقرضين التجاريين، بنسبة 20% العام الماضي حتى تعيين "إقبال" إلى 85.2 مليار دولار، في حين انخفض صافي احتياطيات النقد الأجنبي بأكثر من النصف إلى 19.6 مليار دولار.

النقد الأجنبي

يرتبط النمو التركي بالتدفقات للداخل ارتباطاً وثيقاً حيث يؤدي الطلب المحلي القوي -المحرك الرئيسي للنشاط تقليدياً- عادة إلى عجز كبير في ميزان الحساب الجاري للبلاد.

وأدت التدفقات الداخلة الضعيفة والنوبات المتقطعة من ضعف العملة إلى دورات ازدهار وكساد أدت إلى توقف الناتج المحلي الإجمالي عند أقل من 800 مليار دولار خلال معظم العقد الماضي.

بينما واصل أردوغان الفوز بمعظم الانتخابات في تلك الفترة، فشلت نسبة تأييده في التعافي من مستوى 46% الذي شوهد في عام 2019، وفقاً لمسح أجرته شركة "مترو بول" (MetroPOLL ) ومقرها أنقرة خلال شهر فبراير الماضي. كان ذلك عندما تعرض لأكبر هزيمة انتخابية على الإطلاق، حيث فقد منصب رئيس البلدية في اسطنبول لصالح المعارضة.

لا يتفاجأ الكثيرون من أن أردوغان ينتصر حين يتوقع الجميع هزيمته. وكتب "تشارلز روبرتسون"، كبير خبراء الاقتصاد في شركة "رينيسانس كابيتال"، في رسالة للعملاء: "على المدى الطويل، ربما ينصب تفكير أردوغان على انتخابات عام 2023، ولكن بحلول ذلك التاريخ قد تصبح تركيا سوقاً نامية (تعاني من ضعف أسواق المال ونقص الاستثمار الأجنبي) أو سوقاً دون الأسواق الناشئة".