الغابات وسيلة روسيا لخفض انبعاثات الكربون رغم انتقادات علماء المناخ

روسيا تسعى لاستغلال الغابات في مواجهة الاحتباس الحراري.
روسيا تسعى لاستغلال الغابات في مواجهة الاحتباس الحراري. المصدر: بلومبرغ.
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يسعى الكرملين لإقناع العالم أنَّ موسكو تقوم بدورها في مكافحة التغير المناخي، من خلال استغلال الأجزاء الكبيرة الشاسعة والنائية من الشرق الأقصى لروسيا، التي تُركت في الغالب للدببة، والذئاب، والسلالة النادرة من النمور.

و تعمل روسيا، أكبر مُصدِّر للطاقة في العالم، وأحد أكبر الملوِّثين، على إنشاء منصة رقمية لجمع بيانات الأقمار الصناعية، والطائرات بدون طيار حول قدرة غابات المنطقة على امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون. والهدف ظاهرياً هو الاستفادة من مساحة تبلغ ضعف مساحة الهند تقريباً عن طريق تحويلها إلى سوق للشركات لتعويض بصمتها الكربونية.

وتأمل موسكو من هذه الخطَّة أن تبعد عنها الانتقادات التي واجهتها بسبب جهودها غير الطموحة للتصدي لتغير المناخ، وهي على أعتاب محادثات الأمم المتحدة في وقت لاحق من هذا العام. ولطالما جادلت روسيا بضرورة التراخي معها قليلاً في محادثات المناخ في ظلِّ إمكانية درجة امتصاص غاباتها، التي تضمُّ ما يقدر بنحو 640 مليار شجرة. ولكنَّ الغابات الثلجية الضخمة حتى الآن لم تتم إدارتها بشكل جيد، مما أدَّى إلى حدوث حرائق غابات قياسية خلال العامين الماضيين، فقد أدى الاحتباس الحراري إلى جعل الصيف أكثر سخونة وجفافاً.

و قال أليكسي تشيكونكوف، وزير تنمية الشرق الأقصى والقطب الشمالي الروسي في مقابلة، إنَّ: " روسيا تمتلك نسبة 20% من غابات العالم، لذلك يجب أن يكون المجتمع الدولي عادلاً في ظل ذلك. نحن لدينا القدرة على تحويلها إلى مركز ضخم لاحتجاز الكربون".

انتقادات العلماء

وبموجب هذه المنظومة، ستكون الشركات قادرة على تأجير أجزاء من الغابات من الحكومة الروسية للاستثمار في زراعة أشجار جديدة، وحماية ما هو موجود بالفعل. وإذا أكَّدت البيانات أنَّ الاستثمار قد أدَّى إلى تحسين امتصاص غاز ثاني أكسيد الكربون، فيمكن للشركة حينها إنشاء رصيد كربون يتمُّ تداوله على منصة رقمية.

وتشير التقديرات إلى أنَّ الغابات المدارة في روسيا قامت بامتصاص ما يقرب من نحو 620 مليون طن مكافئ لثاني أكسيد الكربون في عام 2018، بناءً على ما أفادته أحدث بيانات الدولة، وهو ما يكفي لمعادلة نحو 38% من الانبعاثات الوطنية، ولكنَّ خطط معادلة الكربون واجهت انتقادات من العلماء الذين حذَّروا من أنَّه لتجنُّب الاحترار العالمي الكارثي، يجب خفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى النصف على مستوى العالم مع حلول نهاية هذا العقد، وخفضها إلى الصفر بحلول عام 2050. وقد شبهت مجموعة "فيرن" (Fern)، وهي حملة جماعية مقرُّها بروكسل، والمملكة المتحدة، التعويض "بإزاحة كراسي الاسترخاء للمشاهدة، في حين تغرق سفينة التيتانيك".

وقد يكون الحصول على قبول هذه الفكرة أمر صعب، خاصة أنَّها آتية من روسيا التي لديها أضعف هدف مناخي لأيِّ اقتصاد رئيسي، وتخطِّط لزيادة طفيفة في الانبعاثات بحلول عام 2030. أما كندا، التي لديها ثالث أكبر منطقة غابات في العالم، واقتصاد يعتمد إلى حدٍّ كبير على استخراج الوقود الأحفوري، فهي تعمل على إنشاء سوق لتجارة أرصدة الكربون، لكن من المخطط أن يعمل هذا النظام جنباً إلى جنب مع الجهود المبذولة لتحقيق حياد الكربون مع حلول منتصف القرن.

و يقول أليكسي كوكورين، مدير برنامج المناخ والطاقة في الصندوق العالمي للطبيعة في روسيا: "نصيب الأسد من خطة روسيا لخفض الانبعاثات يجب أن يكون للطاقة المتجددة، والتكنولوجيا الجديدة، وكفاءة الطاقة. يأتي بعد كل ذلك، وباتباع معايير صارمة للغاية، تنمية الغابات".

أهداف غير كافية

وتعني الأهداف المناخية لروسيا، التي تمَّ تصنيفها على أنَّها "غير كافية بشكل خطير" من منظمة "كلايمت أكشين تراكر" (Climate Action Tracker)، أنَّها لن تكون مؤهلة لاستخدام تعويضات الكربون، التي تعدُّ جزءاً من هدف اتفاقية باريس، وفقاً لما قالته آنا رومانوفسكايا، مديرة "معهد يو إيه إيزرايل للمناخ العالمي والبيئة" في موسكو. إلا أنَّها قالت، إنَّه لا يزال بإمكان الشركات نظرياً بيع الائتمانات دولياً في حال تمكَّنت من إثبات أنَّها أضافت إلى قدرة الغابة الاستيعابية.

وبحسب ماكسيم خودالوف، رئيس تقييم مخاطر التنمية المستدامة في شركة "أكرا ريتينغز" (Acra Ratings) في موسكو، فإنَّ مشروع الشرق الأقصى قد يخفِّف من الخسائر الناتجة عن خطة الاتحاد الأوروبي لفرض ضريبة على بعض السلع كثيفة الانبعاثات. ويتوقَّع مصدرو المواد الخام الروسية فرض تكاليف إضافية سنوية تصل إلى 8 مليارات دولار مما يسمى بآلية ضبط حدود الكربون، التي من المقرَّر أن تدخل حيز التنفيذ في عام 2023.

و من الصعب الحصول على بيانات دقيقة عن معدَّل عزل الغابات للكربون، لأنَّ الأشجار معرَّضة لأحداث غير متوقَّعة، مثل الحرائق، وتفشي الأمراض. و تقول رومانوفسكايا، إنَّ ذلك يتطلَّب أيضاً بيانات جرد مفصَّلة، التي لم يتم تحديثها في روسيا منذ 25 عاماً تقريباً. و تعرَّضت برامج معادلة الكربون القائمة على زراعة الأشجار للنقد بعد أن وجد أنَّ العديد منها لا يساهم في تقليل كمية ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي.

و قالت رومانوفسكايا: "سنحتاج إلى أن نثبت للمجتمع الدولي أنَّ حساب امتصاص ثاني أكسيد الكربون في مشاريع معادلة الكربون لدينا دقيق وموثوق، وأنَّه لا يوجد خطأ في حساب وحدة واحدة، لأنَّ خطأً واحداً، ناهيك عن أيِّ تزوير متعمد، قد يضيِّع مصداقية مشاريعنا".