الاقتصاد الدائري.. هل يُنقِذ العالَم من كابوس النفايات؟

صناعة الصلب
صناعة الصلب Photographer: Andrey Rudakov/Bloomberg
Emma Vickers
Emma Vickers

Reporter at large. Previously wealth reporter @business , South Sudan for the UN and @Global_Witness . Other words @bw , @qzafrica . @columbiajourn alum.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ظَلَّ النمط الأساسي للإنتاج والاستهلاك لعقودٍ يتمحور حول استخراج الموارد وتصنيعها واستخدامها، ثم التخلُّص منها، أو ما يمكن تسميته بالاقتصاد التقليدي، أو أحادي المسار، إذ تستخرج الشركات المواد الخام، وتحولها إلى منتجات يشتريها المستهلكون، ثم تذهب في نهاية المطاف إلى صناديق النفايات.

لكن مع ارتفاع الأصوات التي تحذِّر من تغيُّر الْمُناخ، والتدهور البيئي، بدأ الناس في رفض استدامة هذا النموذج، إذ يرى كثير من قادة الأعمال والحكومات، بما في ذلك الصين واليابان والمملكة المتحدة، أنه يجب التخلّي عن نظام الاقتصاد بالاتجاه الواحد (الأحادي المسار)، لصالح ما يسمى بالاقتصاد الدائري، الذي يقوم على استخراج الموارد وتصنيعها واستخدامها، ثم إعادة تدويرها لاستخدامها مرة أخرى.

1. ما عيوب نموذج الاقتصاد الأحادي المسار؟

يؤدي الاقتصاد الأحادي المسار إلى نظام يتّسم بعدم الفاعلية على الغالب ، والتكلفة المرتفعة، واستنزاف الموارد الطبيعية.

على سبيل المثال، يتطلَّب تصنيع الفولاذ من مادته الخام كمِّية كبيرة من الطاقة التي ينتج عنها ثاني أكسيد الكربون، الذي يتسبَّب بدوره في الاحتباس الحراري. وتُعدُّ النفايات المادية نتاجاً ثانوياً لنموذج الاقتصاد الأحادي المسار، كما تشغل مساحات واسعة، وقد تتضمن ملوثات للبيئة، كما ينتهي الأمر بالمهمَلات في أماكن غير مرغوب فيها.

وتُعَدُّ ،ما يُطلَق عليها، رقعة نفايات المحيط الهادي الكبيرة أكثر الأمثلة شهرة على التلوث البلاستيكي على نطاق عالمي. ومع ذلك، يمكن إعادة استخدام منتجات مثل الفولاذ والبلاستيك، وتجديدها، وإعادة تدويرها للحصول على القيمة غير المستغَلَّة.

ومن ناحيةٍ أخرى، فإنَّه يُعَدُّ من المستحيل تحقيق اقتصاد دائري تماماً دون نفايات أو دون أن يعتمد على مواد خام جديدة على الإطلاق، ولكن الضغط للتخلُّص من الحد الأقصى من النفايات خارج النظام، يمكن أن يحدَّ من استخدام الموارد الجديدة.

2. يبدو الاقتصاد الدائري أشبه بإعادة التدوير.. فما مميزاته؟

إنَّ الفكرتين مرتبطتان، لكنَّ اختلافاً بينهما في الحقيقة ، فعبارة "الاقتصاد الدائري" تظهر في أعمال عدد قليل من خبراء الموارد، الذين يعود تاريخهم إلى الثمانينيات على الأقل، وأصبح استخدام مصطلح "الاقتصاد الدائري" في السنوات الأخيرة، يشير إلى نهج أكثر نظامية وطموحاً من إعادة التدوير.

على سبيل المثال، يحتاج صانعو الزجاجات البلاستيكية إلى مزج البلاستيك المُعاد تدويره مع المواد الخام للحفاظ على مستوى الجودة، لكنَّ الاقتصاد الدائري الحقيقي لن ينطوي على أيِّ مدخلات مادّية جديدة على الإطلاق، الأمر الذي يحدُّ من الانبعاثات والنفايات والتكاليف في نهاية الأمر.

وتقترب بعض الصناعات بالفعل من تحقيق ذلك، إذ يمكن على سبيل المثال استخلاص جميع أجزاء السيارات تقريباً، على أنَّ بعضهم لا يزال أمامهم كثير. فمثلاً لا يزال نحو 97% من المواد المستخدَمة لصُنع الملابس جديدة تماماً، ويُحرَق 73% من هذه المنتجات، أو يُلقى في مكبّات النفايات.

ولا تُعدُّ هذه الفكرة جديدة تماماً، فقد رُوِّج لشعار "الاكتفاء والإصلاح" خلال الحرب العالمية الثانية، الذي نادى بإدارة وإصلاح الممتلكات التي يمتلكها المرء بالفعل لتكون بديلاً عن شراء بدائل جديدة، وللتشجيع على إنتاج أقلِّ قدْر ممكن من المخلَّفات.

3. هل يشكّك بعضهم في الاقتصاد الدائري؟

الإجابة عن هذا التساؤل هي: نعم، إذ يعدُّ هؤلاء المشكِّكون، أنَّه من المستحيل عمليَّاً جعل دورة الإنتاج مكتفية ذاتيَّاً بشكل كامل، نظراً إلى ضرورة إضافة بعض المدخلات الجديدة دائما،ً كما ستُنتَج المخلَّفات بصورة دائمة. وعلى سبيل المثال، تؤدي إعادة تدوير الورق مراراً وتكراراً إلى إنتاج ورق منخفض الجودة بشكل متزايد. ويمكن أن ينطوي بناء اقتصاد دائري على تحمُّل تكاليف عالية مقدَّماً أيضاً ، مما يتطلَّب الاستثمار لإعادة تصميم المنتجات، والتحوُّل إلى الموادّ المُعاد تدويرها.

وتقدِّر المملكة المتحدة تكلفة التحوّل إلى اقتصاد دائريّ بنحو 3% من الناتج المحلّي الإجمالي. ومن الممكن أن تغذّي التكلفة العالية المخاوف من اتجاه الشركات إلى إصلاحات سريعة بدلًا من الممارسات المستدامة على المدى الطويل.

4. ما الممكن فعله عملياً؟

جعل سلاسل الإمداد أكثر دائرية، ويمكن أن يعني هذا التحوُّل إلى المواد المُعاد تدويرها إطالة دورة حياة المنتَج، وتحسين عملية استعادته في نهاية عمره الافتراضي.

وقد أطلقت شركة "تيراسايكل"، ومقرُّها ولاية نيوجيرسي الأمريكية، مبادرة "لووب" بالتعاون مع كبريات شركات السلع المنزلية، مثل شركة "نستله" لتوفير منتجات شائعة كالمثلجات في عبوات، يمكن إعادة تعبئتها، على سبيل المثال.

وفي السياق نفسه ، تقود كبرى شركات السيارات مثل "جنرال موتورز"، و"بي إم دبليو"، و"تويوتا" حملة متعددة الجنسيات لإنشاء سوقِ ما بعد البيع لبطاريات السيارات الكهربائية المستعملة، التي يمكن استخدامها لتبريد البيرة في متاجر "7-إيليفين" الصغيرة في اليابان، أو بنوك الطاقة التي تعمل بالطاقة الشمسية في الكاميرون.

وتقدِّم شركة "رنت ذا رانواي"، وهي شركة ناشئة في نيويورك، خدمات تأجير ملابس للمناسبات، مثل حفلات الزفاف والاحتفالات، مما يسمح للعملاء بالتخلّي عن عملية شراء الملابس التي تُستخدم مرة واحدة، وقد ازدهرت هذه الفكرة، مما رفع القيمة السوقية للشركة إلى مليار دولار.

5. ماذا تفعل الحكومات؟

تحاول الحكومات دفع المستهلِكين والمنتجِين نحو اقتصاد أكثر دائرية، فمثلاً تقدِّم الحكومة الألمانية مِنَحاً لتصميم منتجات ذات تأثير بيئي أقلّ، أو رخيصة الإصلاح. وفي تشيلي، تستهدف الحكومة جعل جميع أنواع البلاستيك قابلة لإعادة الاستخدام، كما تستثمر هولندا 40 مليون دولار في صندوق خاص، سيبدأ في تمويل الزراعة دون إزالة الغابات، وقد تبرَّعت مجموعة "رابوبانك" بالمبلغ نفسه. أمَّا المفوضية الأوروبية فلديها خطة عمل لتحقيق اقتصاد أكثر دائرية، وتتضمَّن تغيير طريقة إنتاج المنتجات البلاستيكية وإعادة تدويرها، كما وضعت الصين التحوُّل نحو الاقتصاد الدائري ضمن خطتها الخمسية.