النفط يقود نمو اقتصادات دول فقيرة.. ولكن ما الثمن؟

شخصان يسيران في طريق يمر بصهاريج تخزين في منشأة شركة النفط الهندية بالقرب من ميناء جواهر لال نهرو، في نافي مومباي. ماهاراشترا. الهند
شخصان يسيران في طريق يمر بصهاريج تخزين في منشأة شركة النفط الهندية بالقرب من ميناء جواهر لال نهرو، في نافي مومباي. ماهاراشترا. الهند المصدر: بلومبرغ
Liam Denning
Liam Denning

Liam Denning is a Bloomberg Opinion columnist covering energy, mining and commodities. He previously was editor of the Wall Street Journal's Heard on the Street column and wrote for the Financial Times' Lex column. He was also an investment banker.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تعمل الهند على دراسة هدف طموح للتخلص من الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2050، وهذا من شأنه الإنذار بمشاكل لمنتجي النفط، خاصة أن الهند تمثل 60% من نمو الطلب المتوقع حتى عام 2040. وهناك أمر آخر وهو أن الوضع الراهن ينطوي أيضاً على متاعب، ما يجعل مثل هذه التوقعات دون جدوى.

ويكمن مستقبل النفط إلى حد كبير في أيدي الدول الواعدة في العالم، فقد تجاوز الطلب القادم من الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نظيره القادم من الاقتصادات المتقدمة في عام 2013. ومع ذلك، يجب على الأسواق الناشئة الموازنة بين رفع مستويات المعيشة وخطر الفيضانات، أو الحرائق، أو أي كوارث أخرى ناتجة عن التغيرات المناخية.

وبينما تحاول صناعة النفط حماية نفسها من انقطاع التمويل، فإنها تجادل بأن منتجاتها حيوية أيضاً في تحسين المعيشة بالنسبة لأفقر سكان كوكب الأرض، وذلك رغم زيادتها للانبعاثات. وهذا يعيد صياغة النفط كأداة معيبة لكنها ضرورية في تعزيز العدالة الاقتصادية. والمشكلة هنا تكمن في أن الدول الأكثر فقراً ستعاني أكثر من غيرها عندما يتعلق الأمر بتغير المناخ.

ومثل تغير المناخ، فإن نموذج آثاره الاقتصادية يعتبر عملية محفوفة بالمخاطر، والتي لا تزال في بدايتها نسبياً. ومع ذلك، فإن أرجحية حدوث ذلك تشير إلى آثار سلبية. فعلى سبيل المثال يمكن أن يصل متوسط ​​الناتج المحلي الإجمالي العالمي إلى 15% بحلول عام 2100.

تكلفة تغيير المناخ على أمريكا

يؤدي تغير المناخ إلى تفاقم الظروف المناخية القاسية. فعلى سبيل المثال، كان متوسط درجة الحرارة في الولايات المتحدة في العقدين السابقين حتى عام 2019 أعلى بنسبة 3%، مما كان عليه بين عامي 1950 و1980، وهذا يبدو ضئيلاً. ومع ذلك، فإن عدد الأيام التي وصل فيها متوسط درجات الحرارة في الولايات المتحدة إلى أعلى من 90 درجة فهرنهايت ارتفعت بنسبة 23%.

كما أن درجات الحرارة الأكثر دفئاً تجعل الغلاف الجوي أكثر سخونة. فمن الممكن أن ترتفع وتيرة الفيضانات والعواصف بشكل أكبر من خلال ذوبان القمم الجليدية، كما قد ترتفع مستويات البحر، فضلاً عن تغيير أنماط هطول الأمطار والجفاف وحرائق الغابات أيضاً.

ورغم أن التجمد الأخير الذي شهدته ولاية تكساس لا يمكن ربطه بشكل قاطع بتغير المناخ، إلا أن هناك حجة قوية مفادها أن الارتفاع السريع في درجات الحرارة في القطب الشمالي يضعف الدوامة القطبية التي عادة ما تمنع الهواء البارد من الانزلاق جنوباً إلى ساحل خليج المكسيك.

يهدف مختبر تأثير المناخ "كلايمت إمباكت لاب" (Climate Impact Lab) إلى تحديد آثار التغير المناخي. وتشير تقديراته إلى أن هذه الآثار ستكلف الولايات المتحدة ما بين 1.2% و1.4% من الناتج المحلي الإجمالي سنوياً، وأن النسبة مرشحة للارتفاع بحلول نهاية هذا العقد تقريباً.

تكلفة تغير المناخ

لوضع الأمور في نصابها، إذا كانت التكلفة الاقتصادية لوباء "كوفيد-19" مقدرة بما بين 6% إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2020، فإن التكلفة الاقتصادية لتغيّر المناخ تعادل اضطراب النمط الوبائي كل 10 أعوام، ثم ستصبح كل 5 أعوام بحلول منتصف القرن. ومثل "كوفيد-19"، يعد تغير المناخ أمراً ذا أثر رجعي، كما أنه مدمر.

وتفتقر الاقتصادات الناشئة إلى موارد أقرانها الأكثر ثراءً اللازمة لمواجهة الكوارث، والعديد من هذه الدول يقع أيضاً حول المناطق الاستوائية أو داخلها، لذا فإنها تصبح أكثر احتراراً من المتوسط ​​العالمي. وهناك بعض الدول، مثل الهند، عرضة لمزيج من الحرارة المرتفعة والرطوبة، ما يحد من قدرة الجسم على تبريد نفسه عبر التعرق، وبالتالي زيادة خطر الإصابة بضربة الشمس. وهذا أمر سييء بشكل خاص للعمال العاملين في الجو الخارجي، كما هو الحال في الزراعة أو في المرافق ذات التهوية أو التبريد غير الملائمين.

تعتبر مغايرة الواقع واحدة من طرق التفكير في هذا الأمر، فهناك الجنوب الأمريكي، حيث تزامن انتشار مكيفات الهواء، خاصة من الخمسينيات فما بعدها، مع انعكاس قرن من الانتقال السكاني الصافي إلى الخارج، ما يبشر بارتفاع منطقة الحزام الشمسي.

ومع تقدم تغير المناخ، يزداد عدد الأشخاص المعرضين للإجهاد الحراري الشديد، إذ تتعرض أجزاء من جنوب آسيا والشرق الأوسط للخطر بصفة خاصة.

وبناءً على ذلك، رغم أن الاقتصادات الأكثر فقراً تساهم بقدر أقل في الانبعاثات الحالية، فإنها على الأرجح ستدفع أغلى ثمن سواء بالدولار أو الوفيات.

وفي عام 2015، وضعت دراسة أساسية نموذجاً لمتوسط ​​تأثير التغيرات المناخية على الناتج المحلي الإجمالي العالمي وحددته عند 23% بحلول عام 2100، لكن بالنسبة للدول الأشد فقراً كانت تلك الضربة توازي 75%، أي ما يعادل خوض حرب.

وبهذا تصبح توقعات النفط موضع تساؤل. وفي هذا الصديد يقول تريفور هوسر، المدير الشريك في "كلايمت إمباكت لاب" ومؤلف بحث حديث عن الآثار غير المتكافئة لتغير المناخ: "الدول التي سيكون تغير المناخ أكثر أهمية لها هي نفسها الدول التي يُتوقع أن تسهم في معظم نمو الطلب على النفط والغاز".

ويرتبط نمو الطلب على النفط على مدى العقدين المقبلين ارتباطاً كبيراً بأربعة من أكثر المناطق عرضة للخطر، وهي الهند، والشرق الأوسط، وأفريقيا، وأمريكا الجنوبية.

إذا كانت الولايات المتحدة تشعر بالفعل بثقل اقتصادي من تغير المناخ، فسيكون من العدل المراهنة على أن هذه المناطق الأربع ستعاني من تداعيات اقتصادية متفاقمة.

وباستخدام تحليل بسيط يربط الطلب على النفط بالافتراضات الأساسية للناتج المحلي الإجمالي، يمكن أن يكون للآثار الصغيرة نسبياً على النمو الاقتصادي نتائج هامة.

ظلم متأصل في الانبعاثات

لنفترض أن آثار تغير المناخ قد خفضت متوسط ​​نمو الناتج المحلي الإجمالي للمناطق الأربع بنسبة 0.25% سنوياً في العقد الجاري ثم ارتفعت إلى 0.5% في العقد المقبل. وبالتالي فإن هذا الأمر يؤدي إلى تقليص نمو الطلب المتوقع على النفط بمقدار 300 ألف برميل يومياً هذا العقد و 1.5 مليون برميل يومياً في العقد التالي. وهذا يعادل القضاء على كل النمو المتوقع من أمريكا الجنوبية في العقد الحالي وتغير نمو الطلب العالمي على النفط في العقد المقبل من إيجابي إلى سلبي.

وهناك ظلم متأصل في الانبعاثات حتى الآن يعكس التصنيع المبكر للعالم المتقدم، ما يعني أن الاقتصادات الناشئة لا يمكنها اتخاذ نفس المسار دون المخاطرة بمستقبل الجميع. والأسوأ من ذلك أنها قد تتضرر بشدة جراء ارتفاع درجات الحرارة، والفيضانات، والجفاف، والأمراض وكافة الآثار الأخرى لتغير المناخ. ولن يؤدي الاعتماد على تكييف الهواء في ظل نموذج الطاقة الحالي إلا إلى تفاقم المشكلة في الحلقة المفرغة.

وبطبيعة الحال، يتعين على دول مثل الهند الموازنة بين الوصول إلى مصادر الطاقة الموثوقة، والتأثير الإيجابي الذي ينطوي عليه هذا الأمر على مستويات المعيشة، مع المخاطر التي تهدد مستويات المعيشة التي تأتي مع بعض الخيارات. وفي العموم، لا تحقق الطبيعة الإنصاف، كما أن رخص الوقود الأحفوري الواضح يدحض ديون المناخ المستمرة في التراكم والتي أصبحت مستحقة بالفعل.