الوباء والتجارة الإلكترونية عززا من الطلب على الشحن المصدر: بلومبرغ

كيف غيّر الوباء معالم صناعة الشحن عالمياً؟

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

طوال سنوات، كان شحن الحاويات عملاً شاقاً. فالهوامش كانت صغيرة، والمخاطر عالية، بينما شهدت آفاق النمو تأرجحا مع المد غير المتوقع في التجارة العالمية. ومثّل تحقيق أرباح قياسية من القطاع كأحد مفاجآت الوباء الاقتصادية العظيمة.

وجاء التحول الذي حدث خلال العام الماضي ليفضح الفرضية التي عبر عنها النقاد والسياسيون بصوت عالٍ في السنوات الأخيرة بأن التجارة بين الولايات المتحدة والصين، وهي الطريق الأكثر حيوية للتجارة الدولية، تتجه بلا هوادة إلى مسار التدهور المطرد. اليوم يريد العالم المزيد من شركة "تشاينا" أكثر من أي وقت مضى، وكما يتضح من الحاويات المكدسة على متن سفينة عالقة في قناة السويس هذا الأسبوع، فإن الشركات في الولايات المتحدة وأوروبا بحاجة إليها بشكل أسرع من ذي قبل.

ووسط تسارع عمليات التسوق عبر الإنترنت، أصبح الطلب قوياً لدرجة أن عملاء الشحن البحري على استعداد متزايد للدفع مقابل ذلك أيضاً. و في شركة "ماتسون"، وهي شركة مقرها هونولولو ولديها أسطول من السفن الصغيرة الأكثر رشاقة، تتقاضى الشركة أسعار نقل أعلى من السفن الأكبر بكثير، بعدما أصبحت الحاجة إلى خدمة سريعة من شنغهاي إلى لوس أنجلوس كبيرة جداً، لدرجة أن المديرين التنفيذيين قرروا إضافة جولة أسبوعية ثانية العام الماضي وعرض الخدمة بشكل دائم.

تأثير حزم التحفيز

وقال ماثيو كوكس، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "ماتسون"، في مقابلة معه: "كنت أتلقى مكالمات في الساعة الثانية صباحاً من عملاء يقولون: "انظر، عليك أن تفعل شيئاً، عليك مساعدتي".

ويتمثل النشاط التجاري الرئيسي لشركة "ماتسون" في نقل السلع الأساسية إلى جزر هاواي وغوام، وهي تحتل مرتبة خارج أكبر 20 خطاً للحاويات. لكن أسهمها قفزت بنسبة 40% تقريباً في العام الماضي، وصارت الصناعة ككل أكثر صحة من أي وقت مضى، حيث تجاوزت الإيرادات التقديرية 200 مليار دولار في عام 2020.

ومن اللافت أن أكبر اللاعبين بمن فيهم "إيه بي موللر ميرسك" الدنماركية وشركة "كوسكو شيبينغ هولدينغز" الصينية أنهتا عاماً مضطرباً مع الربع الأكثر ربحية حتى الآن.

وقد يحافظ ضخ 1.9 تريليون دولار أخرى من التحفيز المالي الأمريكي على استمرار الأوضاع الجيدة في عام 2021، حيث قال سورين سكو كبير المديرين التنفيذيين لشركة "ميرسك" يوم الثلاثاء الماضي: "علينا أن نتوقع استخدام بعض من هذه الأموال في شراء السلع التي يجب نقلها".

ومع ذلك، فقد كشف التشغيل بالقوة الكاملة عن مدى مزاجية العمود الفقري لنظام التجارة العالمي عند التوسع، حيث تعمل أطقم العمل فوق طاقتها، بينما سقطت آلاف الحاويات في البحر مع تعالي أمواج أعالي البحار، كما تهدد السفينة التي جنحت في قناة السويس بحدوث مشكلات اقتصادية أوسع إذا ما تعطلت حركة المرور لأكثر من بضعة أيام.

إلى جانب الانتكاسات، كانت شركات الشحن البحري مدفوعة بمجموعة من العوامل، أولها إبقاء الحكومات من أستراليا إلى بلجيكا، المستهلكين مزودين بالنقود، بجانب الحفاظ على سيولة نظامهم المالي. وتعافت المصانع الصينية والمستهلكون الأمريكيون بسرعة من الصدمات الأولية في العام الماضي وخرجت من دوامة استمرت ثلاث سنوات من اضطرابات العرض والطلب، بينما لا تزال الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي تبعها الوباء قائمة.

شبكة قوية

وقال كوكس في أوائل مارس: "تبقى الصين أرضية التصنيع في العالم. هناك مشاكل حقيقية وتحتاج إلى التعامل معها، لكنها لا تغير حقيقة أن الصين قد أنشأت شبكة قوية للغاية سيجد الناس صعوبة كبيرة في استبدالها على المدى القصير".

وطوال ستة عقود قبل وباء كوفيد 19، انخفض إنفاق الأسر الأمريكية على السلع بشكل متناسب، حيث أنفق الأمريكيون المزيد على الخدمات. وانقلب هذا الاتجاه في عام 2020، ليصل إلى زيادة قدرها 523 مليار دولار في مشتريات البضائع، بحسب تقديرات شركة "ماكينزي آند كو".

وقال لودفيغ هاوسمان"، الشريك في مكتب "ماكينزي" في ميونيخ: "كل أصول الشحن والنقل استنزفت إلى حد ما بسبب الممر التجاري القوي عبر المحيط الهادئ. الصين في الوقت الحالي لا تقبل المنافسة".

أما في واشنطن وفي العواصم الأوروبية، شوه السياسيون سلاسل التوريد التي امتدت إلى الاقتصادات التي تديرها الدولة مثل الصين أو فيتنام. لكن الحديث مع تجار التجزئة والمصنعين المعتمدين على آسيا يُوضح أن الأزمة عززت تلك الروابط، وكانت بمثابة تذكير لتنويع الموردين وإثبات أن عبارات التأبين للعولمة كانت سابقة لأوانها. وارتفعت تكاليف الشحن والمخزون بشكل كبير، ولكن ليس بما يكفي لتجنب مخاطر الإمدادات الجديدة التي تتنوع بين الطقس والتعريفات الجمركية وحتى الأمراض.

وشكّل كل من الطلب والعرض تحدياً في العام الماضي لشركة "بولاريس"، الشركة المصنعة لعربات الثلوج والدراجات النارية والمركبات الصالحة لجميع التضاريس والتي كانت قد بدأت بالفعل في تعزيز قاعدة مورديها قبل بضع سنوات قبل إعادة تسميتها في عام 2019 إلى "التفكير بالخارج".

وخلف ما يقرب من 3600 تاجر من "بولاريس" هناك شبكة إنتاج تغذي المصانع في آسيا وأمريكا الشمالية وأوروبا، وقال كين بوسيل، نائب الرئيس التنفيذي للعمليات والهندسة العالمية بالشركة، إن صنع مركبة ترفيهية واحدة من "بولاريس" ينطوي على نحو 2000 قطعة، وهو إنجاز عندما كان حوالي 10% من الموردين في أي وقت يخضعون لنوع من الضغط المرتبط بكوفيد.

وقامت الشركة التي تتخذ من مدينة مينيسوتا مقراً لها بتعديل خطوط التجميع لتصنيع المنتجات بناءً على الأجزاء المتوفرة، واستخدمت المزيد من الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا الرقمية، كما أرسلت موظفاً إلى لوس أنجلوس لإجراء عملية تُترك عادةً لمقدمي الخدمات اللوجستية، ألا وهي تدفق واردات الحاويات. وقال بوسيل: "يعد ازدحام الموانئ أحد أكبر مشكلات سلسلة التوريد لدينا اليوم".

اختلالات مؤقتة

ووصلت أزمات المحيط الهادي إلى أوروبا، حيث قامت شركة "إكستاف" التي يقع مقرها دوسلدورف، وهي شبكة مشتريات لتجار التجزئة وتجار الجملة، باستئجار سفينة شحن خاصة بها في فبراير للمساعدة في ضمان قدرة الأعضاء على استيراد البضائع من آسيا. وقال بادو كنوب رئيس مجلس إدارة "إكستاف"، إن أسعار حاوية 40 قدماً من الصين إلى أوروبا تحوم حول 8000 دولار، أي حوالي أربعة أضعاف التكلفة قبل عام، ومن المحتمل أن تظل أعلى من 5000 دولار على الأقل حتى يونيو. وأضاف: "جانب الطلب أكبر بكثير من جانب العرض".

مثل هذه الاختلالات سوف تنتهي في النهاية، لكن من غير المرجح أن تعود تجارة السلع إلى ذروتها قبل بضعة عقود، حيث توسعت أسرع بمرتين من الاقتصاد العالمي، ويتوقع كوبمان من منظمة التجارة العالمية العودة إلى متوسط النمو العالمي على المدى الطويل عند 1.4 مرة.

ومن المتوقع أن تستمر التجارة الإلكترونية في تأجيج ذلك التوجه، وقال ريان بيترسن، المؤسس وكبير المديرين التنفيذيين لشركة "فليكسيورت"، وهي شركة شحن مقرها سان فرانسيسكو: "لقد اختبر الكثير من الأشخاص لأول مرة راحة النقر على زر وظهور المنتج عند بابهم. هذا شيء يسبب الإدمان".

ويعتقد بيترسن أن التكنولوجيا الأفضل ستساعد في التحول إلى المزيد من السرعة والتعقيد لكنه لا يتوقع "تحولات كبيرة" في سلاسل التوريد أو مواقع الإنتاج.

مرونة التجارة

وقال روبرت كوبمان، كبير الاقتصاديين في منظمة التجارة العالمية، التي تقع في جنيف: "شركات قررت أنها تستطيع إدارة ذلك وما زالت تسعى لتحقيق مكاسب وهذه الكفاءة تساعد في تفسير سبب مرونة التجارة".

ويخبرنا هيث بيتمان عن الأزمة من خلال ثلاثة أشهر قضاها في شيكاغو لضمان استمرار حركة الشحن حتى بقيت الرفوف مليئة في "رورال كينغ"، وهي سلسلة مقرها إلينوي تضم حوالي 125 متجراً للبضائع العامة في البلدات الصغيرة في أمريكا.

استخدم مدير الخدمات اللوجستية الدولية في "رورال كينغ" 10 أضعاف الحاويات التي يبلغ طولها 40 قدماً لاستيراد جزازات العشب من فيتنام في عام 2020 مقارنة بالعام السابق. لن يتم تقليص عمل "بيتمان" في عام 2021 أيضاً، حيث استوردت شركته حوالي ثلاثة أضعاف عدد حاويات الجزازات العام الماضي. وسيتم افتتاح منشأة دمج في فيتنام في يونيو، لتكمل خمسة مرافق موجودة بالفعل في الصين، بهدف ضمان توفر منتجات كافية بشكل دائم.

وقال بيتمان: "هذه تكاليف كثيرة بالنسبة لنا وكثير من المخاطر. لكن يقابلها إيجابيات ساحقة نحصل عليها لعملائنا، وقررنا أن ذلك يستحق أكثر من الشراء المفرط"

"نحن أفضل في تحريك الأشياء"

وشهد جون ماكوون، مؤسس "بلو ألفا كابيتال"، الكثير من فترات الازدهار والانهيار في مجال الشحن. كان معلمه مالكوم ماكلين، مدير النقل بالشاحنات في نورث كارولينا والذي كان رائداً في مجال النقل بالحاويات في الخمسينات. وإذا كان من الممكن لصدمة عالمية مثل الوباء أن تختار فريستها، فإن الصناعة ذات التكاليف الثابتة العالية مثل السفن الضخمة تبدو من بين الصناعات الضخمة. ومع انعكاس تلك النظرية قال ماكوون: "حمام الدم الحقيقي هو ما كنت أفكر فيه".

لأنه بدلاً من ذلك، التصقت خطوط الحاويات ببعضها البعض ولم تكرر حروب الأسعار التي دمرتها في الماضي. ويقدر ماكوون الآن أن شركات النقل التي يتتبعها، سواء كانت مملوكة ملكية عامة أو خاصة، ستظهر صافي دخل قياسي قدره 8.4 مليار دولار في الربع الرابع، ويقول إن خدمات الحاويات رخيصة حتى بالمعدلات المرتفعة اليوم، ويذكر كيف كان ماكلين صديقاً لسام والتون، مؤسس شركة ولمارت، حيث استمتع كلاهما بصيد السمان، وطلب ماكلين ذات مرة مفتاح نجاح بائع التجزئة. وفقاً لماكاون، أجاب والتون "نحن أفضل في تحريك الأشياء".