هل سيدفع "كورونا" المستهلِكين باتجاه المحافظ الإلكترونية؟

أزمة كورونا وتفضيل الخدمات غير التلامسية يُغيِّران شكل قطاع المدفوعات إلى الأبد
أزمة كورونا وتفضيل الخدمات غير التلامسية يُغيِّران شكل قطاع المدفوعات إلى الأبد Photographer: Alexnader Pohl/NurPhoto via Getty Images
 Tae Kim
Tae Kim

Tae Kim is a Bloomberg Opinion columnist covering technology. He previously covered technology for Barron's, following an earlier career as an equity analyst.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مِن المعروف أنّ النقود الورقية والعملات المعدنية من أكثر الأشياء تلوثًا وحملًا للجراثيم والميكروبات، أمّا بطاقات الائتمان فقد تكون أكثر تلوثًا، وهذا ما يجعل التعامل مع النقود مشكلة حقيقية في ظلّ واقع كورونا الجديد، حيث رُهاب الجراثيم حالة لا مفرَّ منها، والتعلق بالنظافة ونبذ كل ما هو ملوّث أمر حتميّ للحفاظ على السلامة الشخصية.

ومع تحوُّل المستهلِكين إلى المنتجات والخدمات التي توفر لهم إمكانية تحقيق التباعد الاجتماعي، حتى بعد انحسار الفيروس، فمن المحتمل أن يكون في عالَم الأعمال المتعلِّق بأنظمة المدفوعات فائزون وخاسرون جُدد، فهل حان الوقت أخيرًا لتبني الْمَحافظ الرقمية؟

فعلى سبيل المثال "Apple Pay" التي أطلقتها "Apple" قبل ستّ سنوات، وهي خدمة تخزّن معلومات بطاقات الائتمان الخاصة بك، وتتيح لك الدفع مقابل المشتريات عبر هاتفك الـ"iPhone". وكانت شركة "Apple" تأمل أن تُغيِّر "Apple Pay" طريقة الدفع كُلّيًّا لتقودنا نحو مجتمع "لا نقديّ" كما هو الوضع في الصين، غير أنّ خدمتها لم تُحدِث الثورة التي كانت شركة التكنولوجيا العملاقة تأمل في حدوثها. سابقًا، لم تتوفر الأسباب المقنعة بما يكفي لتغيير عادات وسلوك المستهلكين الشرائية في الولايات المتحدة. ولكن حاليًّا، قدرة "Apple Pay" على السماح للعملاء بالتسوق داخل المتاجر ودفع ثمن مشترياتهم دون الحاجة إلى أيّ ملامسة فعلية للنقود أو لقارئ البطاقات الائتمانية، قد تكون هي الحافز الذي طالما انتظرته "Apple" لوضع بصمتها في صناعة المدفوعات أخيرًا.

وعلى هذا الصعيد فإنّ سلوكي الشرائي قد تغيَّر بشكل ملحوظ، فعلى الرغم من أنني قد سبق وحفظتُ معلومات بطاقاتي في "Apple Pay" منذ سنوات، فإنني نادرًا ما استخدمتها مِن قَبل، فالتخلُّص من العادات القديمة ليس سهلًا، ولم أكن أمانع سابقًا في إخراج بطاقتي الائتمانية ودفع ثمن مشترياتي بالطريقة التقليدية. أمّا اليوم، وبسبب الخوف من الفيروس، فإنني أفضّل عدم النقر بأصابعي على لوحات مفاتيح ماكينات الدفع الإلكترونية، أو استخدام يدي للتوقيع على الإيصال لعمليات الشراء، خصوصًا في ظلّ وجود بديل أكثر نظافة حتمًا. لذلك أصبحت "Apple Pay" حاليًّا طريقتي الرئيسية للدفع كلّما أمكن.

استخدام "Apple Pay" يكون عن طريق حفظ معلومات بطاقاتك الائتمانية في تطبيق "Apple Wallet"، وبمجرد إدخالك للمعلومات يمكنك الدفع لشراء السلع في معظم المتاجر عن طريق النقر المزدوج على زر التشغيل لهاتفك الـ"iPhone"، وبعد أن يتحقق جهازك خلال ثوانٍ معدودة من هُويتك عن طريق مُعَرّف الوجه أو البصمة، يمكنك تمرير هاتفك على ماكينة الدفع الإلكترونية وتنتهي العملية. كذلك الأمر مع كل من ميزتَي "Google Pay" و"Samsung Pay" على الهواتف الذكية، فهذا النوع من الدفع عبر الهاتف المحمول يمكّن المستهلكين من شراء السلع دون لمس أو تسليم أيّ غرض.

تُعتبر النقود الورقية التقليدية والبطاقات الائتمانية "متسخة" جدًّا مقارنة بالمحافظ الإلكترونية، ووفقًا لدراسة أكاديمية نوّهت بنتائجها شركة "Mastercard"، فإنّ الأوراق النقدية تحمل بالمتوسط 26 ألف مستعمرة بكتيرية، إذ تُتداوَل يدويًّا باستمرار من يد إلى أخرى. ووفقًا لموقع "LendEDU" المختص بمقارنة منتجات التمويل الشخصي، فإنّ بطاقات الائتمان تحتوي على جراثيم أكثر من النقد، وأكثر كذلك من الأعمدة الموجودة داخل مترو الأنفاق في مدينة نيويورك، وهذا ما يُعَدّ أمرًا منطقيًّا كون البطاقات الائتمانية غالبًا ما توضع على الطاولات أو داخل المجلدات الخاصة بتقديم فواتير المطاعم، ونادرًا ما تُنظَّف.

مِن جانبها، تدعم شركات بطاقات الائتمان نسختها الخاصّة من أنظمة الدفع اللاتلامسي عن طريق إتاحة خدمة التمرير للدفع الفوري للبطاقات الجديدة دون الحاجة إلى لمس آلة الدفع الإلكتروني. وفي آخر تقاريرها الربعية، صرحت كل من "Visa" و"Mastercard" بأنّ نحو ثلث معاملات الدفع العالمية أصبحت الآن لا تلامسية. لكن معدّل استخدام البطاقات الجديدة لا يزال أقلّ بكثير في الولايات المتحدة نظرًا إلى أن كثيرًا من الأمريكيين لم يتلقَّوها بعد، أو لكون هذه البطاقات لا تزال تتطلب لمس البطاقة المادية والنقر على الجهاز، أو على الأقلّ وضع البطاقة على بُعد بضعة سنتيمترات من آلة الدفع. ووفقًا لتوقعات شركة "eMarketer" المختصة بأبحاث السوق، فإنّ "Apple Pay" ستسيطر على 47 في المئة من سوق الدفع عبر الهاتف المحمول في الولايات المتحدة، أمّا "Google" فستسيطر على 19 في المئة، و"Samsung" على 17 في المئة، وذلك بحلول نهاية العام الحالي.

وعندما يتعلّق الأمر بصناعة المدفوعات وتقنياتها عالميًّا، فإنّ سوق الدفع الإلكتروني في الولايات المتحدة لا تزال تُعَدّ صغيرة نسبيًّا، وكانت التوقعات للعام الحالي متواضعة قبل اندلاع الوباء. فكان من المتوقع أن يستخدم نحو 33 مليون أمريكيّ فقط خدمة "Apple Pay" في عام 2020، وأفادت توقعات "eMarketer" الصادرة في سبتمبر 2019 بأن 14.5 في المئة فقط من مستخدمي الهواتف الذكية في الولايات المتحدة سيدفعون عبر خدمة "Apple Pay"، لكن الأمور اختلفت كثيرًا الآن.

في حال انتشار استخدام محفظة "Apple Pay" ومثيلاتها على نطاق أوسع، سيترتب على ذلك تداعيات أعمق في قطاع المدفوعات. بالنسبة إلى شركات بطاقات الائتمان، فمن المتوقع أن يبقى وضعها مستقرًّا، وذلك لكون خدمات الدفع عن طريق الهواتف الذكية الجديدة ستبقى تعتمد على شبكات هذه الشركات لتمرير المدفوعات. لكن الأثر السلبي قد يكون واضحًا على شركة "PayPal" القابضة، وهي شركة المدفوعات التي تهيمن على سوق الدفع الرقمي للتسوق عبر الإنترنت.

"PayPal" تتيح لمستخدميها دفع ثمن طلبات الشراء عبر الإنترنت من خلال نقرة واحدة عن طريق مواقع البيع المختلفة، دون الحاجة إلى إعادة كتابة العنوان أو معلومات الدفع في كل مرة. وتُعَدّ هذه الميزة المصدر الأكبر لأرباح الشركة، إذ تمثل نحو 90 في المئة من أرباحها، وفقًا لشركة "MoffettNathanson" لأبحاث السوق. لكن "Apple Pay" تقدّم هي الأخرى خاصية دفع منافسة عبر الإنترنت، وفي حال تزايد استخدام المحفظة الرقمية للدفع في المتاجر على أرض الواقع، فمن المحتمل أن يميل العملاء إلى استخدامها كذلك للتسوق في العالم الافتراضي، وهو الأمر الذي من شأنه أن يؤثر بشكل كبير على أعمال "PayPal". ومع تغيّر عادات المستهلِكين في عالَم فيروس كورونا قد تصبح مكاسب "Apple Pay" هي خسائر "PayPal".