"S&P": التمويل المشترك نافذة جديدة لإنعاش الاقتصاد الإسلامي

 AFP
AFP EMMANUEL DUNAND
المصدر: الشرق
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

قالت وكالة "ستاندرد أند بورز غلوبال" للتصنيفات الائتماني، إنَّ الدول الإسلامية الرئيسية في سوق التمويل الإسلامي، مثل تركيا، وماليزيا، وإندونيسيا، ودول مجلس التعاون الخليجي، تواجه انكماشاً اقتصادياً كبيراً في عام 2020 بسبب تفشي وباء "كوفيد-19"، وانخفاض أسعار النفط.

وأضافت الوكالة في تقرير حديث لها، أنَّ احتياجات التمويل الحكومية في هذه الدول زادت بشكل حادٍّ نتيجة للوباء، في حين تعمل الشركات على خفض الإنفاق الرأسمالي، والاحتفاظ بالسيولة النقدية.

ووجدت وكالة "ستاندرد آند بورز"، أنَّ سوق قروض التمويل الإسلامي المشترك تفوَّقت بشكل محدود على سوق الصكوك هذا العام.

وترى أنَّه على الرغم من أنَّ الجزء الأكبر من صفقات التمويل المشترك، البالغ مجموعها أكثر من 50 مليار دولار، لا تزال تقليدية، فإنَّه من المتوقَّع أنَّ قروض التمويل المشتركة الإسلامية يمكن أن تكون مكملة لخيارات التمويل التقليدية بشكل متزايد.

وأشارت إلى أنَّه نظراً إلى أنَّ مثل هذه القروض المشتركة يتضمن عدداً محدوداً من المشاركين، فإنَّها من الممكن أن تصدر بطريقة أسرع وأسهل مقارنة بالصكوك.

الأزمة الاقتصادية تدفع المُصدِّرين الإسلاميين باتجاه مصادر التمويل التقليدية

ووفقاً لتقرير "ستاندرد آند بورز"، فإنَّ الدول الإسلامية تميل إلى البحث عن التمويل التقليدي في أوقات الأزمات، فقد اعتمدت حكومات دول مجلس التعاون الخليجي والهيئات التابعة لها هذا العام، على الأسواق التقليدية للسندات، وقروض التمويل المشترك في كثير من الأحيان، بطريقة تفوق اعتمادها على سوق الصكوك.

ولفتت الوكالة أنَّ لذلك عدَّة أسباب، لعل أكثرها شيوعاً يتعلَّق بتعقيدات إصدار أدوات التمويل الإسلامية، خصوصاً الصكوك، بسبب نقص المعايير القياسية الموحدة.

وتُعَدُّ السرعة والمَبالِغ المالية الأكبر من العوامل الرئيسية وراء قرار الحكومات السيادية في دول مجلس التعاون الخليجي باتخاذ مسار التمويل التقليدي في عام 2020.

وينبع تزايد حاجة الحكومات إلى التمويل إلى حدٍّ كبير من انخفاض أسعار النفط والتداعيات الاقتصادية لوباء "كوفيد-19"، وكانت آخر مرة شهدنا فيها طفرة مماثلة بإصدارات التمويل التقليدية في عام 2015.

وأشارت "ستاندرد آند بورز"، إلى أنَّه بالمقارنة بالقروض المصرفية التقليدية، يمكن لصفقات التمويل المشترك بطبيعتها أن تجتذب مبالغ أكبر لآجال سداد أطوَل، على اعتبار أنَّ تحالفاً من البنوك يتقاسم مخاطر التمويل.

وعلى الرغم من أنَّ صفقات التمويل المشتركة الإسلامية تعتمد على أصول وآليات أساسية لضمان قدرتها على توليد إيرادات للأطراف المشاركة في الصفقة، بطريقة متوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية، فإنَّها تتطلَّب وقتاً وتوثيقاً للمستندات أقلّ من الصكوك.

وبلغ إجماليّ صفقات التمويل المشترك التي نُفِّذَت في النصف الأول من العام الحالي 50.1 مليار دولار في الدول الرئيسية بسوق التمويل الإسلامي، وهو ما يمثِّل نحو

40 % من إجمالي الصفقات لعام 2019.

في المقابل، انخفض إجمالي إصدارات الصكوك بنسبة 27 % في النصف الأول من هذا العام، ومع ذلك، لاحظنا بعض التحسن مؤخراً، مما يشير إلى أنَّ الانخفاض الحادّ في أحجام إصدارات الصكوك قد لا يكون مؤشراً على أداء السوق للعام الجاري بأكمله.

الإقراض المصرفي يصبح أكثر انتقائية مع ارتفاع مخاطر الائتمان

وزادت المصارف المركزية في بعض البلدان الرئيسية من تدفُّقات السيولة النقدية، وطلبت من البنوك توجيه هذه الأموال إلى الشركات المحلية لدعم النشاط الاقتصادي.

وتتوقَّع "ستاندرد آند بورز"، أن تنخفض شهية البنوك للمخاطرة في ضوء الضغوط الاقتصادية في المنطقة. وقد سعت الشركات حتى الآن إلى الحصول على تمويل مصرفيّ بشكل أساسيٍّ لتلبية احتياجات السيولة على المدى القريب، وكان معظمها يحصل على التمويل المصرفي للاستفادة من أسعار الفائدة الأساسية المدعومة أكثر من أغراض دعم التوسع.

وفي عام 2020، نتوقَّع أن يزداد الإقراض المصرفي بنسبة من 1 إلى 9 %، وذلك في معظم البلدان التي تعتمد على التمويل الإسلامي. ويمكن أن يكون انخفاض أسعار التسهيلات المصرفية بمثابة حافز للشركات، ومع ذلك فقد خفَّضت الشركات الإنفاق الرأسمالي، وأقدمت على تدابير لخفض التكاليف، لا سيَّما في القطاعات الأكثر عرضة للمخاطر مثل العقارات، والطيران، والسياحة، كما قلَّصت بعض الشركات توزيعات الأرباح، وأرجؤوا مواعيد استحقاق القروض المصرفية قصيرة الأجل للاحتفاظ بأرصدتهم النقدية.

التمويل الإسلامي المشترك يمنح المقترضين فوائد ملموسة

ويمكن للتمويل الإسلامي المشترك أن يعوِّض النقص في إصدارات الصكوك من ناحيتي الإجراءات والوقت، إذ يعطي التمويل المشترك كيانات الشركات، والحكومات القدرة على جمع مبالغ مالية كبيرة، وتجنُّب تعقيدات إصدارات سوق رأس المال.

ويعود ذلك إلى قلّة عدد الأطراف المشاركين في هذا النوع من التمويل والتنفيذ الأسرع له، مع الأخذ بعين الاعتبار أنَّ المعاملات القانونية لصفقات التمويل المشترك التقليدية تحتاج عادة إلى الخضوع لاختبارات وتوحيد معايير القياس.

وبينما يميل التمويل الإسلامي المشترك إلى التعقيد، لكن مشاركة أطراف قليلة به تجعله أسهل نسبياً في التنفيذ مقارنة بالصكوك. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ هذه الصفقات لا تعدُّ صفقات داخل السوق المالية، وبالتالي لا تتطلَّب موافقة السلطات.

ومن المزايا الرئيسية الأخرى التي تحظى بها صفقات التمويل المشتركة الخاضعة لأحكام الشريعة الإسلامية أنَّها تجذب بشكل رئيسيٍّ البنوك الإسلامية التي بلغ إجمالي أصولها 1.8 تريليون دولار في عام 2019، هذا عدا عن البنوك التقليدية.

ويمكن لاتساع قاعدة المستثمرين بقدر أكبر أن يساعد في ازدهار هذه السوق، إذ تفضِّل الحكومات الإسلامية والشركات العاملة بها عادةً أدوات التمويل الإسلامية.

حالة عدم اليقين في الاقتصاد والسوق قد تعطي أفضلية لصالح التمويل المشترك

وترى "ستاندرد آند بورز"، أنَّه في نهاية المطاف، قد يكون تنفيذ صفقات التمويل المشتركة وفقاً للشريعة الإسلامية أكثر تعقيداً من إصدار الأدوات المالية التقليدية، إذ يُعَدُّ من الضروري امتلاك واحد أو أكثر من الأصول الأساسية بشرط أن تتفق مع معايير الشريعة، وكذلك هيكلة الصفقات بطريقة مدرَّة للدخل في الوقت نفسه. وبالإضافة إلى ذلك، فإنَّ تقلُّبات السوق الأخيرة صعَّبت على الشركات الحصول على تمويلٍ وسط التغيرات السريعة في شروط الجدارة الائتمانية.

وبينما تتحسَّن ظروف السوق ببطء، نعتقد أنَّ المُصدِّرين الذين يتمتَّعون بجودة ائتمانية جيّدة مِن المرجَّح أن يظلّوا على رادار المستثمرين. ويعتمد اختيار الأداة المالية على الاعتبارات ذات الصلة بالتكلفة والتوقيت المناسب وتعقيد الإجراءات والمعايير التفضيلية وفقًا للشريعة. وفي هذا السياق، نعتقد أنَّ قروض التمويل المشترك يمكن أن تصبح آلية تتمتع باستمرارية أكثر للتمويل الإسلامي، ومكمٍّلة لسوق الصكوك.