سياسات الاستثمار الأخضر في أوروبا تواجه تحديات جديدة

التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر يواجه تحديات كبيرة في أوروبا
التحوّل نحو الاقتصاد الأخضر يواجه تحديات كبيرة في أوروبا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

باتت محاولات الاتحاد الأوروبي لحماية البيئة عبر تطوير المفاهيم المعقدة وواسعة النطاق المتعلقة بالاستثمارات الخضراء، تواجه المزيد من المشاكل والعقبات. وتتعلق العقبات هذه المرة بمعارضة أولئك الذين يدعمون نهجاً أكثر تدرجاً للتحوّل نحو المستقبل الأخضر للقارة العجوز.

وحالياً تطرح الكتلة الأوروبية مسودة حديثة لتصنيف التمويل المستدام، تسعى من خلالها إلى تصنيف الأنشطة التي تتوافق مع حماية المناخ فقط، ويشمل ذلك بعض أشكال توليد الغاز الطبيعي. وقد أثارت فكرة إضافة الوقود الأحفوري إلى القائمة احتجاجات كانت متوقعة من قبل الأكاديميين والمنظمات غير الحكومية وبعض المستثمرين، حيث وقّعت أكثر من 200 جهة على خطاب يعترض على التغيير. في خطوة تشكل اعترافاً من ممارسي الضغط على الصناعة والحكومات في الدول المعتمدة على الغاز، خاصة في أوروبا الوسطى والشرقية.

تصنيف أكثر صرامة

استجابت بعضٌ من أكثر الشخصيات البارزة في مجال التمويل المستدام للضجة المثارة من خلال انتقاد التصنيف، لكونه أشدّ صرامة من أن يكون فعالاً.

وتتمتع مجموعات المعارضة بحجج مختلفة إلى حد ما، فصناعة الوقود الأحفوري لا ترغب في تراجع إمكانية وصولها إلى رأس المال. ويشعر المسؤولون التنفيذيون في المجال المالي بالقلق من صعوبة تلبية الطلب المزدهر على المنتجات المتعلقة بالاستثمار الأخضر عند إدراج جزء ضئيل من الأصول ضمن التصنيف.

وفي إطار الحجج النموذجية من الفئة التي تقلق بشأن خسارة الأرباح من الوقود الأحفوري. كتبت آنا ميشيل أسماكوبولو، عضوة البرلمان الأوروبي، المتحالفة مع المحافظين من اليونان، في يناير، أن التصنيف سيضر بالصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة، مثل الألمونيوم، حيث يرجح أن تكون الشركات مطالبة بالامتثال للحصول على التمويل العام.

وبالنسبة للقطاع المالي، فإن الشكوى غالباً ما تكون متعلقة بفكرة أن وضع معايير عالية للغاية أمر غير واقعي. وقد كتب هوو فان ستينيس، رئيس لجنة التمويل المستدام لدى مصرف "يو بي إس"، في مقالات "رأي بلومبرغ"، أن تضمين "أنقى الاستثمارات الخضراء" فقط، من شأنه استبعاد معظم السندات. وحث فان ستينيس على ضرورة احتواء التصنيف على أنواع أخرى من الاستثمارات.

وقد ردد مارك كارني، مبعوث الأمم المتحدة الخاص المعني بالعمل والتمويل المناخي، هذه الحجة في مؤتمر عقدته صحيفة "فاينانشال تايمز".

وكلا الاعتراضين يسيء فهم الغرض من التصنيف، الذي يتخلص في وضع مستوى مرتفع للغاية يستند إلى ما توصل إليه العلماء بشأن المناخ. وهو ما يعد أمراً ضرورياً لتجنب أسوأ آثار تغير المناخ. وبدلاً من تقييم القطاعات أو الشركات كما هي الآن، يحدد التصنيف بشكل أكثر دقة أشكال الأنشطة المختلفة، مثل توليد الطاقة وتشييد المباني والتصنيع، التي تؤدي إلى كوكب أكثر أماناً.

وهذه الأمور هي التي تميز التصنيف عن الأطر الأخرى لسياسات المناخ، مثل فرقة العمل المعنية بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ (TCFD)، والتي تسعى إلى تحديد المخاطر الناشئة عن تغير المناخ. (مايكل آر بلومبرغ، مؤسس "بلومبرغ"، هو رئيس فريق العمل المعني بالإفصاحات المالية المتعلقة بالمناخ). أو مشروع إعداد تقارير الاستدامة الذي طورته مؤسسة المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية (IFRS)، التي تستضيف معايير المحاسبة المستخدمة في العالم بأسره.

كما أن هذا التصنيف الجديد يختلف كثيراً عن نظم تصنيف الاستدامة التجارية، التي غالباً ما توفر أفضل انتقاء للشركات التي لديها، انبعاثات أقل أو بيانات أفضل في قطاعها، على سبيل المثال،.

وتسعى كافة هذه النُهج إلى إدخال تحسين تدريجي على الوضع الراهن للتمويل والصناعة، وذلك بدلاً من مقارنتها بالوضع الذي يجب أن تكون عليه إذا حافظ العالم بأسره على درجات الحرارة من الارتفاع لحد أقل من 1.5 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الصناعة.

ومن الجدير بالذكر أن مستوى الانبعاثات الحالي من شأنه جعل جزءً كبير من كوكب الأرض غير صالح للحياة إذا استمرت الأوضاع كما هي دون حسيب أو رقيب لعقود زمنية. ولا غرابة في أن جزء صغير فقط من الأنشطة الاقتصادية الحالية يجتاز التقييم الصارم والقائم على العلم من أجل السلامة والاستدامة.

المشكلة ليست بالتصنيف وإنما بالسياسات

ولخّص منتدى الاستثمار الأوروبي المستدام (Eurosif)، وهو منظمة غير ربحية مقرها بروكسل وتؤيد الاستثمار المستدام في أوروبا، القضية في جملة مفادها: "المشكلة الحقيقية ليست في التصنيف، لكن في حقيقة أن حوالي 50% من الاستثمارات المطلوبة لتلبية الانبعاثات الصفرية في أوروبا بحلول عام 2050 غير مربحة في البيئة السياسية الحالية، وذلك وفقاً لتقديرات ماكينزي".

ويفتقد النقاد أيضاً فكرة أن التصنيف لا يُفترض تطبيقه عالمياً منذ اليوم الأول. وتعتبر النزاعات الناشبة حول النسبة المئوية للأصول الموائمة للتصنيف في المنتجات الاستثمارية وتمويل "الصفقة الخضراء الأوروبية" أموراً لا مفر منها، لكنها قد تُفصل عن التصنيف نفسه.

وهذا ما يحدث بالفعل، فعلى سبيل المثال، كان هناك ضغوط كثيفة من قبل كبار مديري الأصول حول علامة التميز البيئي (Ecolabel) الخاصة بمنتجات الاستثمار بالتجزئة في الاتحاد الأوروبي. وقدمت المسودة الأخيرة الكثير من التنازلات لهذا الغرض، حيث يتطلب الحصول على علامة التميز البيئي أن تكون نصف الأصول صديقة للبيئة، ويمكن أن يشمل مقياس "الخضرة" الاستثمار في انتقالها نحو أنشطة تتوافق مع التصنيف.

وسيسمح ذلك للمزيد من الشركات بإزالة العوائق، لكن إذا كانت التعريفات الكامنة وراء جميع تدابير الاتحاد الأوروبي "الخضراء" فضفاضة للغاية، فإنها ستقوض بذلك كل الجهود الأخرى، بداية من السياسة المالية إلى التنظيم المالي الذي تستند عليه. ولن يتمكن أي قدر من المساومة السياسية من إصلاح هذا الأمر.

وبهذا الصدد، فإن المعايير القادمة من الخارج ستسود على الأرجح. وتعمل الدول الأخرى على تطوير التصنيفات، وذلك يشمل المملكة المتحدة، التي تبحث عن سبل تحقيق التوازن في قطاعها المالي بعد الخروج من الاتحاد الأوروبي، كما أنها تخطط للاعتماد على قائمة الاتحاد الأوروبي النهائية.

وفي حال لم ينجح التصنيف الأوروبي للوصول إلى تسوية سياسية، فإن ذلك سيؤدي إلى تقويض القيادة المناخية التي اكتسبتها الكتلة الأوروبية عن جدارة على مدى سنوات.