لماذا علينا المحافظة على ارتداء الأقنعة الطبية حتى بعد انتهاء جائحة "كورونا"؟

كانت هناك حاجة للأقنعة الطبية في نيودلهي حتى قبل الجائحة
كانت هناك حاجة للأقنعة الطبية في نيودلهي حتى قبل الجائحة المصدر: صور غيتي
Mihir Sharma
Mihir Sharma

Mihir Swarup Sharma is a Bloomberg Opinion columnist. He is a senior fellow at the Observer Research Foundation in New Delhi and head of its Economy and Growth Programme. He is the author of "Restart: The Last Chance for the Indian Economy," and co-editor of "What the Economy Needs Now."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع استمرار رحلة العالم نحو التعافي من جائحة "كوفيد-19"، تنشر "رأي بلومبرغ" سلسلة من المقالات التي تبحث في الابتكارات المستوحاة من الأزمات، التي تَعدُ بحياة أفضل على المدى الطويل. وذلك بدءاً من الاقتصادات الأكثر مرونة، والمدن النظيفة، والمكاتب الصحية إلى مجموعات تحضير الوجبات من فئة خمس نجوم في المنازل، حتى ما يتعلَّق بتخفيض عدد رحلات العمل غير الضرورية.

وبعد مرور عام منذ أن ضربت الجائحة الهند، ما يحيرني ويثير استغرابي هو أنَّني

لاأزال بصحة جيدة، ولم أتعرَّض للإصابة. فمثل معظم الناس الذين أراهم في الشوارع، وليس كلهم، قمت بارتداء القناع الطبي خلال 12 شهراً الماضية، وحرصت على غسل يدي باستمرار، وابتعدت عن الازدحام. ونتيجة لذلك، ولأوَّل مرة في حياتي، لم أصب بنزلة برد على مدى عام كامل.

القناع والوقاية من الأمراض

وهذا أمر مذهل. فأنا أعيش في مدينة نيودلهي ذات الحشود الكبيرة، والتغيرات المفاجئة خلال المواسم، مما يعني أنَّ الفرد يكون معرَّضاً لالتقاط الأمراض والفيروسات بشكل أكبر.

وفي الحقيقة، أنا لست من محبي القناع الطبي. وقد يكون ارتداء شيء ما على وجهك في صيف شمال الهند الذي يشبه حمام البخار أمر خانق. ومع ذلك، أجد نفسي آملاً أن تبقى عادة ارتداء القناع الطبي حتى مع انتهاء الجائحة.

وبالطبع، أنا لا أطالب أن نرتدي الأقنعة الطبية طوال الوقت، لأنَّ هذا سيكون مطلباً كبيراً. ولكنَّه ألأ يكون رائعاً إن بدأ سكان المدن في جميع أنحاء العالم يتصرفون بشكل يشبه إلى حدٍّ ما سكان منطقة شرق آسيا؟ فإذا ارتدى الناس أقنعة أثناء موسم الإنفلونزا كلما خططوا لأخذ رحلة أو الانضمام إلى حشد من الناس على سبيل المثال. أو أخذ قناع طبي معهم، وهم في طريقهم إلى الخروج، إذا كانوا يعانون من رشح أو زكام.

وأنا أدرك بالطبع أنَّ هذا الحلم قد يكون صعب التحقق في أجزاء من العالم. فقد وضع هذا القرن معايير عالية للحزبية والاستقطاب بشكل مثير للسخرية، ولكن حتى بوجود هذه المعايير، صار من المروع أن نرى كيف أصبح ارتداء الأقنعة شكلاً من أشكال التوجهات السياسية في الولايات المتحدة وأماكن أخرى.

ومن المؤكَّد بالطبع أنَّ ارتداء القناع الطبي هو من أسهل الأمور التي يمكن للمرء أن يقوم بها لمنع انتشار المرض مقارنة بغيرها من الأمور. ولكن بدلاً من ذلك، يبدو الأمر وكأنَّ جزءاً كاملاً من البشر على هذا الكوكب قرروا أنَّه من الطبيعي، ومن التهذيب أن يقوم الأشخاص بالسعال في وجوه بعضهم.

العيش في المدينة الأكثر تلوثاً

وفي خضم ذلك لم تكن السلطات الصحية عقلانية دائماً حيال موضوع الأقنعة، كما كنا نود. ففي شهر مارس الماضي، على سبيل المثال، يمكننا أن نتذكَّر أِشخاصاً مثل الدكتور أنتوني فاوتشي، ممن كانوا يخبرون الأمريكيين أنَّه "لا يوجد سبب للتجول، وأنتم مرتدون الأقنعة"، وهو ممن غيَّروا رأيهم لاحقاً بهذا الخصوص. فحتى مع تغييرهم لرسائلهم، لا يمكن تجاهل الضرر الكبير الناتج عن تضارب الرسائل، وعدم اتساقها.

وهناك سبب آخر جعل الأقنعة الطبية تشكِّل جانباً مضيئاً من الحياة في هذا العام الرهيب، على الأقل بالنسبة لي. ففي شهر مارس الماضي، أمر رئيس الوزراء ناريندرا مودي بفرض أكثر عمليات الإغلاق تقييداً في العالم في الهند. فتمَّ إغلاق الأسواق، وتوقَّفت عمليات التسليم، ولم يتمكَّن أحد من شراء أي شيء، إلا أنَّني مع ذلك شعرت بالثراء. فقد كان لدي الكثير من الأقنعة الطبية من نوع (N95)، التي كنت أنظر إليها، وأنا أستلقي على أعتاب باب شقتي في مدينة دلهي.

ولم أكن أمتلك الأقنعة، لأني توقَّعت بأعجوبة حصول الجائحة. (لو كنت قد فعلت ذلك، لكنت اشتريت في سوق الأسهم، ولم أشترِ الأقنعة). ولم أكن قد خزَّنت الأقنعة لحظة صدور أخبار ظهور الفيروس، إلا أنَّ السبب وراء امتلاكي الأقنعة الطبية كان أمراً بسيطاً، فقد كنت قد اشتريت عدداً كبيراً منها قبل بضع سنوات، ليس خوفاً من الأنفلونزا، بل لأنَّني في مدينة نيودلهي، إذ يصبح التنفس بكل بساطة أمراً خطراً في الكثير من المواسم. فهي أكثر المدن الضخمة تلوُّثاً في العالم.

وفي عام 2020، تمَّ التوصل إلى أنَّ ثلثي المدن الأكثر تلوُّثاً في العالم تقع في الهند، ومعظمها يقع في السهول الشمالية حول مدينة نيودلهي. وبالطبع فإنَّ العقلاء من الناس في هذه المدينة، ممن يواجهون جودة هواء أسوأ مما ينبغي أن تكون عليه بعشر مرات، يرتدون قناعاً طبياً لحماية رئتيهم.

ومع ذلك، شعرت بالحماقة في المرات القليلة الأولى التي خرجت فيها إلى مدينة نيودلهي، وأنا أرتدي قناعاً طبياً. فلم يكن أحد من حولي في تلك الأيام التي سبقت الجائحة يرتدي أي قناع. لقد كان الناس يقفون ويتحدَّثون مع بعضهم في طقس الشتاء المعتدل، ويتنفسون بشجاعة في الهواء الضبابي السام، وهذا سبب آخر يجعلني أشعر بالسعادة أنَّ الناس اعتادوا على ارتداء الأقنعة الطبية، وعلى رؤيتها. فحتى إن لم تكن هناك جائحة حولك، فإنَّ الذهاب إلى مدينة نيودلهي بدون ارتداء قناع طبي يمكن أن يقتلك.