"شبل النمر" يثير أزمة في بنوك "وول ستريت".. فما قصته؟

بيل هوانغ، مدير شركة "أرتشيغوس كابيتال مانجمينت" الأمريكية
بيل هوانغ، مدير شركة "أرتشيغوس كابيتال مانجمينت" الأمريكية المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تشهد صناديق التحوط مرحلة عصيبة منذ مطلع 2021. فخلال شهر يناير، نجح المستثمرون الأفراد في الإضرار باستثمارات صناديق رائدة مثل ملفين كابيتال مانجمنت.

ويوم الجمعة الماضي، تلقينا خبراً غير مسبوق عن مطالبة شركة "أرتشيغوس كابيتال مانجمينت" (Archegos Capital Management) العائلية التي يديرها بيل هوانغ ومقرها نيويورك بتغطية مشترياتها بالهامش من الأسهم.

ويعد هوانغ أحد الرعيل الأول من مديري استثمارات شركة "تايجر مانيجمينت" لصاحبها رجل الأعمال الأمريكي الرائد جوليان روبرتسون لدرجة أن البعض أطلق على هوانغ أحد أشبال النمر.

من يتحمل الخسائر؟

والسؤال الآن، من سيتحمل تلك الخسائر التجارية التي تقدر بمليارات الدولارات؟.

وكان هوانغ أحد مديري الاستثمار الذي تلقى مطالبات بتغطية مشترياته بالهامش من الأسهم في الأزمة العالمية في 2008 بعد انهيار بنك ليمان براذر لتعم الفوضى كافة أرجاء وول ستريت وقتها.

وذكرت وكالة بلومبرغ نيوز أن هوانغ يدير أصولاً تتراوح قيمتها بين 5 و10 مليارات دولار، ولكن معدل الدين المرتفع دفع إجمالي الأصول المتداولة لتتجاوز 50 مليار دولار. وهو ما دفع بنكي مورغان ستانلي وغولدمان ساكس غروب يوم الجمعة إلى تصفية مراكز استثمارية لهوانغ بأكثر من 20 مليار دولار.

ويبدو أن المزيد من التصفيات في الطريق. حيث أعلن مورغان ستانلي يوم الاثنين عرض أسهم للبيع في صفقة مجمعة تقدر قيمتها بنحو 2.2 مليار دولار من أسهم شركة فياكوم سي بي إس.

وفي الوقت نفسه، حذرت نومورا هولدنغ وكريدي سويس غروب من احتمال تكبدهما خسائر "كبيرة" من معاملات مع أحد العملاء الأمريكيين.

وقدرت نومورا مطالبتها على هوانغ بنحو ملياري دولار، بينما لم يعلن البنك السويسري عن أية بيانات. وذلك في الوقت الذي يمثل هوانغ أحد العملاء الرئيسيين لشركات السمسرة التابعة لكل من البنكين.

تورط البنوك

ومنذ نهاية 2020، تكشف الإفصاحات التي قدمها البنك إلى هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية تعرض المراكز الاستثمارية لنومورا بشكل كبير للأسهم التي يفضلها هوانغ مثل: فياكوم سي بي إس، تينسنت ميوزيك إنترتينمنت غروب، جي إس إكس تيدو، فيبشوب هولدنغ، وديسكفري.

وبالمثل، قد يواجه كريدي سويس هو الآخر تدهوراً كبيراً إذا تمت مراجعة حيازته من الأسهم والاطلاع على إفصاحات البنك لهيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية.

والسؤال الذي يستحق الطرح الآن هو: كيف وصلنا إلى تلك الدرجة؟ وكيف تتسبب شركتين إعلاميتين وستة شركات إنترنت صينية في صنع مثل تلك الفوضى وهي شركات لم يسمع عنها سوى القليل قبل يوم الجمعة؟

التفسير البسيط يتلخص في الجشع. فمع تعافي الاقتصاد الأمريكي ورغم ارتفاع عائد السندات، واصل مديرو صناديق التحوط مثل هوانغ مطاردة الأرباح السريعة.

حيث بدأت صناديق تحوط أمريكية طويلة الأجل أواخر العام الماضي في تخفيف مراكزها الاستثمارية الكبيرة والأكثر سيولة والتي تضم استثماراتها في أسهم شركات التكنولوجيا الرائدة، واشترت بدلاً منها أسهم لشركات تعمل في نفس القطاعات ولكنها لم تتحرك بعد على أمل ارتفاع تلك الأسهم بالتزامن مع استمرار انتعاش الاقتصاد الأمريكي.

ومن بين تلك الشركات الجديدة التي اشترت صناديق التحوط أسهمها كانت شركات إعلام مثل فياكوم سي بي إس، وديسكفري.

وقد بنى هوانغ العديد من المراكز الاستثمارية على أمل لعبة اللحاق بالركب هذا العام بينما كانت بنوك مثل مورغان ستانلي وجولدمان على استعداد لتمويل رهاناته.

وكان من السهل لصندوق بذلك الحجم أن تؤثر مشترياته على أسعار أسهم تلك الشركات الصغيرة بمجرد الإعلان عن شراء أسهمها. ولكن لم يحدث ذلك.

وكانت لأحداث خاصة بشركة مثل فياكوم وطرحها لأسهم جديدة للبيع تأثير مدمر على أداء سهم الشركة. وفي ظل انحسار مستويات السيولة على تداولات تلك الأسهم مقارنة بأسهم التكنولوجيا الكبيرة، اضطرت البنوك إلى مطالبة الصندوق بتغطية مشترياته بالهامش حتى يمكنها استرداد أموالها.

ولذلك فإن البنوك تتحمل المسؤولية بشأن ما قد يحدث من اضطرابات، وربما أيضاً المزيد منها. حيث مهدوا الطريق أمام شهية هوانغ المفتوحة للاقتراض. ولم يكن سراً أن بعض أسهم شركات الإنترنت الصينية التي اشتراها هوانغ تشهد معدلات تذبذب مرتفعة وسيولة قليلة ولا تحظى بدعم كبير من مستثمرين مؤسسيين منذ فترة طويلة.

ومن بين الأمثلة على تلك الشركات، مزود الخدمات التعليمية للطلاب في الإجازات "جي إس إكس تيدو" GSX Techeduوهي الشركة التي تم فتح تحقيق معها من هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية بشأن اتهامات من البائعين على المكشوف بتزييف الشركة لحجم مبيعاتها.

ونتيجة لنشاط تداولات شركات الوساطة على سهم "جي إس إكس" أظهرت إفصاحات الشركة بنوك كبرى باعتبارها أكبر المساهمين الخارجيين في الشركة. بينما تمكن هوانغ عن طريق استخدامه لعقود المبادلات مع شركات السمسرة التي يتعامل معها بشأن انكشافه طويل الأجل على الأسهم من البقاء مجهول الهوية حيث لم يكن بالفعل يمتلك الأسهم.

سوء الإدارة

ونشير هنا إلى واقعة خطيرة بشأن سوء الإدارة في بعض البنوك نتيجة تفضيلها مساعي أذرع السمسرة والتداولات التابعة لتحقيق الربح على حصافة لجان الائتمان والامتثال الأكثر حكمة. حيث جنت البنوك مئات ملايين الدولارات من رسوم الفائدة فقط نتيجة منح قروض شراء بالهامش لشبل النمر.

ولكن مع تجاوز قيمة مراكزه الاستثمارية 50 مليار دولار وصل حجم الديون إلى خمس أضعاف الأصول التي يديرها، وبالتالي ومع أول خطأ يثير الشكوك بقدرته على سداد قروضهم ستضطر البنوك إلى بيع الأسهم بسعر منخفض وهو ما حدث بالفعل.

ومن المحتمل بقوة أن يتم قطع رؤوس العديد من المديرين التنفيذيين في البنوك جراء تلك الواقعة. ولكن الأهم من ذلك بالنسبة للمساهمين معرفة ما هي نسبة ما سوف يتم استرداده من الأصول التي يديرها هوانغ؟.

وقد أعلن بنك جولدمان لعملائه أن الخسائر التي تكبدها من تعاملات هوانغ ستكون غير مؤثرة. وقد يكون ذلك صحيحاً ولكن إذا كان البنك يحسب الأرباح المحققة من قروض الشراء بالهامش.

ومع اندفاع جولدمان ومورغان ستانلي إلى بيع الأسهم في صفقات مجمعة، يتبادر سؤال حول ما إذا كان هناك مشترون لتلك الكمية الكبيرة في السوق وخاصة لأسهم شركات الإنترنت الصينية غير الشهيرة والتي لم تكن رخيصة عند شرائها؟ وهنا قد يتحمل كل من نومورا وكريدي سويس الجزء الأكبر من الخسائر نتيجة تباطئهما في تصفية المراكز الاستثمارية لشبل النمر.

هناك قول مأثور يقول، إذا كنت تلعب البوكر ولا يمكنك معرفة من هو المغفل بالنظر حول الطاولة، فاعلم أنه أنت.