"كلوركس" تراهن على استمرار عادات التنظيف بعد الوباء

"كلوركس" أضافت خط إنتاج جديد في مصانعها لمضاعفة قدرة إنتاجها من المناديل المعقمة
"كلوركس" أضافت خط إنتاج جديد في مصانعها لمضاعفة قدرة إنتاجها من المناديل المعقمة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تدرك ليندا ريندل، الرئيسة التنفيذية لشركة "كلوركس"، ما يقوله المشككون؛ فهم يعتقدون أنَّه مع انحسار الوباء، ستنتهي حقبة الأرباح الجنونية التي حقَّقتها الشركة، وستعود أسهم "كلوركس" لتترنح مجدداً.

إلا أنَّ ريندل على قناعة أنَّهم جميعاً على خطأ. فالسيدة البالغة من العمر 43 عاماً أصبحت مؤخراً أصغر رئيسة تنفيذية للشركة، وأول امرأة تشغل هذا المنصب. ومع العلم أنَّها تعمل في الشركة العملاقة في مجال السلع الاستهلاكية منذ نحو عقدين من الزمن. وحين تستذكر العام الماضي، مع كلِّ التنظيف والتعقيم والقلق، فإنَّ ريندل تستبعد أن تختفي هذه العادات مع انحسار الوباء. وتقول: "هذا السلوك سيبقى مرافقاً لنا".

وقد تجلَّت قناعة ريندل هذه بشكل واضح في ضاحية أتلانتا في الولايات المتحدة الأمريكية، فقد افتتحت "كلوركس" مؤخراً، خط انتاج ثانٍ في معملها هناك. وذلك بغرض رفع قدرتها على توفير صناديق المناديل المبللة إلى 1.5 مليون صندوق في اليوم. ومن أجل الحفاظ على نشاط هذه المنشأة مع انحسار وباء كورونا، قررت ريندل رفع الميزانية المخصَّصة للتسويق بنسبة 30%، مستغلة الصعود المفاجئ لعلامة "كلوركس" التجارية. وهي تهدف إلى التوسُّع نحو قطاعات جديدة، بما فيها إقامة شراكات مع الرابطة الوطنية لكرة السلة "إن بي أيه"، وشركة "أوبر".

وتضيف ريندل: "نريد أن نبذل كلّ ما بوسعنا ليبقى هؤلاء الأشخاص جزءاً من امتيازنا التجاري، ونستمر في جذب أشخاص جدد".

وتعدُّ هذه اللحظة حاسمة بالنسبة للشركة التي حقَّقت أرباحاً طائلة بين ليلة وضحاها في ظلِّ الوباء، تماماً مثل شركتيّ "زووم"، و"انستاكارت". وكانت مبيعات "كلوركس" التي تقدِّم منتجات متنوعة من أدوات لتنظيف أحواض السباحة إلى مستحضرات إزالة روائح الحيوانات، قد حلَّقت مع بقاء الناس في منازلهم، وبات التعقيم جزءاً أساسياً من حياتهم. فإيرادات الشركة التي كانت في مستويات متدنية حقَّقت قفزة هائلة، فقد ارتفعت بنسبة 23% لتصل إلى 7.5 مليار دولار في العام 2020.

وأسهمت المناديل المبللة بالجزء الأكبر من هذه الأرباح. فشركة "كلوركس" الرائدة في هذا المجال التي تستحوذ على حصة 50% من السوق (تليها بعيداً منتجات "ليسول" من " ريكيت بينكيزر") باعت كامل المنتجات التي طرحتها في السوق في غضون أسابيع. وقالت ريندل، وهي أم لولدين، إنَّها أيضاً كانت تواجه صعوبة في تأمين الكميات الكافية من المناديل المبللة في منزلها.

وسرعان ما أصبحت المناديل المبللة جزءاً من الحديث اليومي على الصعيد الوطني، وذلك مع تخصيص مواقع الكترونية كاملة للبحث عنها، لدرجة أنَّ الثنائي الموسيقي الكندي "كروميو" استغل الفرصة لإصدار أغنيته "مناديل كلوركس"، وجاء في كلمات الأغنية: "لو تمكَّنت من أن أكون شيئاً هذه الليلة، فسأكون منديل الكلوركس الخاص بك" (حصد الفيديو 8 ملايين مشاهدة على يوتيوب). وفي أغسطس، ظهرت ريندل في مقابلة ضمن برنامج "صباح الخير أميركا"، طمأنت ضمنها ريندل المذيعة روبن روبرتس، أنَّ الشركة في صدد إنتاج المزيد من المناديل المبللة.

المناديل المبللة

ويقول كريس كاري، المحلل في شركة "ويلز فارغو"، إنَّ هذه المنتجات حقَّقت قفزة ضخمة بسرعة خاطفة، مشيراً إلى أنَّ المناديل المبللة تسهم في نحو 10% من مبيعات الشركة، وتعدُّ واحدة من خطوط الإنتاج الخمسة الأهم لها، إلى جانب فحم "كينغسفورد"، وأكياس القمامة "غلاد". وأضاف كاري: "الشركات غير مهيأة للتعامل مع أمر مماثل".

وبحلول نهاية عام 2020 ارتفعت أسهم "كلوركس" إلى أعلى معدَّل لها منذ أكثر من عقدين، وقد تمكَّنت الشركة من تلبية الطلب المتزايد. ومع ذلك، يبدو أنَّ المستثمرين غير متأكِّدين من قدرة الشركة على المحافظة على حصة كبيرة في السوق مثلما كان الحال في ظلِّ الوباء. وشركة "كلوركس" ليست وحيدة في ذلك، فالكثير من منتجي السلع الاستهلاكية والبائعين بالتجزئة الذين حققوا أرباحاً خلال الوباء، وبات عليهم إثبات قدرتهم على المحافظة على هذه الأرباح.

وكانت "كلوروكس" قد توقَّعت في فبراير الماضي أن تظلَّ أرباحها ثابتة خلال الربعين التاليين (على الرغم من أنَّ الفترة التي وصل في الوباء إلى أوجه لعبت دوراً كبيراً في هذا الاستنتاج)، كما تراجعت قيمة أسهمها بنسبة 20% بالمقارنة مع المعدَّل القياسي الذي بلغته في أغسطس.

وتقول ليندا بولتن وايسر، المحللة في شركة "دي أي ديفيدسون" التي كانت قد خفَّضت تقييم أسهم الشركة إلى مستوى التحفظ (أي التوصية بعدم البيع وعدم الشراء): "الناس لن يستمروا في التعقيم بالقدر نفسه بعد أن نتجاوز الوباء، بل سيحصل انسحاب بطيء". ولكنَّها أشارت لوجود فرصة مشجعة قد تمكِّن "كلوركس" من المحافظة على عدد أكبر من المتوقَّع من زبائنها المستجدين.

ومن جهتها، استندت ريندل إلى بحوث أجرتها الشركة داخلياً، وأظهرت أنَّ أكثر من 90% من الأشخاص يقولون، إنَّهم لن يعودوا إلى عاداتهم القديمة في التعقيم والتنظيف التي كانوا يتَّبعونها ما قبل كورونا. وهي ذاتها واحدة من أولئك الأشخاص.

وقالت في اتصال عبر الإنترنت من منزلها في خليج سان فرانسيسكو: "أتحرَّق شوقاً للذهاب مجدداً إلى المطعم"، ولكنَّها حين تذهب، لا بد من أنَّها ستتساءل: "هل الأشخاص هنا بصحة جيدة؟ هل تمَّ تنظيف الأسطح"؟

الطموح

وتبدو ريندل الشخص الأكثر كفاءة لتحقيق طموحات "كلوركس"، فهي كانت قد انضمت إلى الشركة في عام 2003 كمحللة مبيعات، بعد بضع سنوات فقط على تخرجها من "جامعة هارفرد"، فقد نالت شهادة في الاقتصاد، ولعبت كرة اليد. وتمكَّنت تدريجياً من الارتقاء وظيفياً بالشركة التي تضمُّ نحو 9 آلاف موظف، وحصدت 13 منصباً في 17 عاماً. وبحلول شهر مايو الماضي، أصبحت هي الوريثة الظاهرية لمنصب الرئيس، وبعدها بأربعة أشهر، أصبحت الرئيسة التنفيذية للشركة، خلفاً لبينو دورير، أحد المسؤولين المخضرمين في "كلوركس" الذي كان قد شغل المنصب لنحو ستِّ سنوات.

وعند تفشي فيروس كورونا في الولايات المتحدة قبل عام، اختفى مخزون 70 يوماً من المناديل المبللة في غضون أسبوعين فقط. ولمدة أشهر، واجهت "كلوركس" صعوبة في إبقاء الرفوف ممتلئة. وبالتالي، قررت الشركة إضافة خط انتاج ثانٍ في معملها في منطقة فوريست بارك على بعد 10 أميال (1 ميل = 1,609 كم) جنوب مدينة أتلانتا في ولاية جورجيا.

وفي داخل المجمع البالغة مساحته 258 ألف قدم مربع، لا تخفى على أحد حالة الطوارئ التي تعيشها الشركة، التي ركَّزت في إنتاجها على اللفائف العملاقة من الأقمشة غير المنسوجة، لإنتاج الأوراق مربعة الشكل التي يعرفها المستهلكون باسم المناديل المبللة، التي تلتف على بكرات، وتقطَّع على شكل أوراق، ليتمَّ تمريرها بعد ذلك داخل الآلة المخصصة للتعليب عبر الحزام الناقل، فيما ينظِّم الذراع الآلي المنتجات النهائية قبل وضعها على ألواح تحميل على ارتفاع أطول من كلِّ العمال البالغ عددهم 200 في المعمل. وحين يعمل المصنع بكامل طاقته، يمكنه أن ينتج 500 ألف وحدة في ثماني ساعات.

ويقول ريك ماكدونالد، رئيس سلسلة الامداد في "كلوركس"، إنَّ المشروع "تمَّ بسرعة كبيرة جداً".

تغيير جذري

ونادراً ما يرتبط مفهوم الحنكة مع الشركات المتخصصة بالسلع التي تُعبَّأ مثل "كلوركس"، إلا أنَّ الإنجاز الأول الذي حقَّقته الشركة كان من خلال تجربة مهمة قامت بها في بداية انطلاقتها. وقد تأسست "كلوركس" في عام 1913 في مدينة أوكلاند التي

لاتزال مقرّ الشركة حتى الآن، وذلك على يد خمسة أشخاص، دفع كلٌّّ منهم 100 دولار من أجل بناء أول معمل للسوائل المبيضة في أمريكا. وبعد بضع سنوات، حدث تغيير جذري في الشركة على يد أحد أوائل المستثمرين الشركة، الذي اقترحت زوجته، آني موراي، تخفيف سوائل التبييض الصناعية من أجل استخدامها في المنازل. وكانت موراي سابقة لعصرها، فقد عملت على تعزيز الطلب على هذه المنتجات من خلال تقديم عينات مجانية في المتاجر المجاورة.

وبقيت "كلوركس" شركة تصنِّع منتجاً واحداً فقط لأكثر من نصف قرن، وقد استحوذت عليها شركة "بروكتر أند غامبل" في عام 1957، ثم تخلَّت عنها بعد نحو عقد من الزمن بعد خسارة قضية مكافحة احتكار أمام المحكمة العليا في الولايات المتحدة. وبعد أن استعادت استقلاليتها، عزَّزت الشركة نموّها من خلال صنع منتجات جديدة خاصة بها، مثل مستحضر "سوفت سكرب"، والاستحواذ على منتجات أخرى، مثل صوص الرانش "هيدن فالي" الخاصة بالسلطة التي أكسبتها الشركة شعبية واسعة بعد صفقة في عام 1972.

وكثيراً ما كان التسويق في صلب نجاحات "كلوركس". فمنذ البداية، استخدمت الشركة لوحة إعلانية ضخمة للفت أنظار ركاب العبَّارات في منطقة الخليج، ووضعت شعارها على سفن الشحن. وعلى مرِّ تاريخها، كانت رسالة الشركة تقوم بشكل أساسي على فكرة تسهيل العمل المنزلي، إذ ركَّزت أولى إعلاناتها على أنَّ "كلوركس" تنقذ المرأة في الظروف الحرجة. وكان إعلان قد تمَّ تصويره قبل الوباء شرح كيف يمكن لمنديل مبلل واحد أن ينظِّف لوحاً بطول 50 قدماً.

ولكن اليوم، انتقلت "كلوركس" لتوجيه رسائل أعمق، مثل شعارها المسجَّل تجارياً "حين يكون الأمر مهماً، ثق بـ "كلوركس". وفي أحد إعلاناتها الجديدة، تظهر أم وابنتها وهما تنظفان باستخدام منتجات "كلوركس"، قبل أن يزورهما الجدّ.

كذلك، أبرمت "كلوركس" العديد من الاتفاقيات مع مؤسسات أخرى، من ضمنها شراكة لعدَّة سنوات جعلتها الشريك الرسمي المختص بالتنظيف في دوريات الرابطة الوطنية لكرة السلة للرجال والنساء. وقد أطلقت في بداية الشهر الحالي تحالف "كلوركس" لحاضر أكثر أماناً، وهي شراكة تجمعها مع "كليفلاند كلينيك"، ومؤسسة مراكز مكافحة الأمراض والوقاية منها، تسعى من خلالها لمساعدة المؤسسات التجارية على "بناء مساحات عامة صحية أكثر".

وفي إطار هذه المبادرة، تستخدم "كلوركس" شركات مثل "أوبر"، وطيران "يونايتد"، وشركه "انتربرايز" لتأجير السيارات، ودور سينما "أي أم سي" منتجات "كلوركس"، وتروِّج لهذه الشراكة على أنَّها ختم مصادقة على السلامة. وعلى هذا الصعيد، تزوِّد "أوبر" سائقيها في الولايات المتحدة بالمناديل المبللة، وترسل للمستهلكين إشعاراً لتبلغهم فيما إذا كان لدى سائقهم مناديل.

"أوبر" اليوم بنظافة "كلوركس"

"تعاونا معاً من أجل تأمين أدوات التعقيم على متن سياراتنا في الولايات المتحدة. ساعد في حماية نفسك وحماية الآخرين، اطلب مناديل "كلوركس" المبللة في رحلتك المقبلة".

وهذه الحملة تعدُّ حلم أي مختص في مجال التسويق، كما تعدُّ حجر الزاوية لمساعي ريندل الهادفة لتوسيع هذا المنتج الذي على الرغم من صغر حجمه- بما أنَّ نسبة إيراداته لا تتجاوز الـ8%- إلا أنَّ أرباحه ارتفعت بنسبة 70% في الربعين الماضيين. وبفضل النجاح الذي حقَّقه هذا المنتج، بالإضافة إلى التوسع عالمياً، إذ لا تتجاوز نسبة المبيعات الـ15% من إجمالي مبيعات "كلوركس"، تمكَّنت الشركة من رفع مستوى توقُّعات النمو السنوي من 1 نفطة مئوية إلى 3% ثمَّ إلى 5%.

ويقول كاري، المحلل في "ويلز فارغو" الذي ينصح بشراء سهم "كلوركس": "حتى لو كنت كمستهلك لا تشعر بالحاجة لاستخدام هذه الفئات من المنتجات، يبدو أنَّ المؤسسات التجارية ستقوم بالتنظيف أكثر للحفاظ على سلامة موظفيها، ولإشعار المستهلكين أنَّهم في أمان أكثر". وتابع: "هذا أمر مهم جداً، لأنَّ قطاع الأعمال هذا لم يستكشف بعد ".

وبالعودة إلى منطقة الخليج، تلخِّص ريندل رؤيتها المتعلِّقة بالشركة للسنوات المقبلة. فهي لا تريد أن "يقلق الأشخاص حيال هذه الأمور"، وترى أنَّ "كلوركس" ستوفِّر شبكة أمان حين يعود الناس للسفر ولدور السينما.

وقالت أخيراً: "نريد أن يعود الناس إلى حياتهم السابقة، أنا شخصياً أتطلَّع لمشاهدة مباراة لفريق "ووريرز" مباشرة، أتحرَّق شوقاً لذلك".