محامي "نيسان" السابق يكشف تفاصيل مثيرة عن معركتها مع كارلوس غصن

رافيندر باسي، كبير محامي نيسان السابق
رافيندر باسي، كبير محامي نيسان السابق المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كشف رافيندر باسي كبير المحامين السابق في شركة "نيسان موتور"، اليابانية لصناعة السيارات، الذي قاد تحقيقاً داخلياً في مزاعم سوء السلوك المالي من قِبل كارلوس غصن، أنَّه تعرَّض للانتقام، وتخفيض رتبته، حتى مراقبة الشركة لعائلته بعد تشكيكه في نزاهة التحقيق.

وتحدَّث المستشار العام العالمي السابق، رافيندر باسي، لأوَّل مرة عن اعتقال رئيس "نيسان" السابق الشهير غصن، وهروبه الجريء من اليابان، ووصف ما يراه ثقافة مؤسسية سامة، مليئة بالخوف والتآمر والانتقام من هؤلاء الذين يخرجون عن المسار.

وفي هذا السياق، قال باسي: "هذا ليس سلوكاً طبيعياً" حول ما زعم أنَّه مراقبة شديدة لعائلته، هذه شركة سيارات، وليست كي جي بي".

وخلال مقابلة مطوَّلة مع برنامج (QuickTake Storylines) الذي يُعرض على تلفزيون بلومبرغ، أشار باسي إلى أنَّه علم بحالات مماثلة لكبار مديري"نيسان"، فقد قامت فرق أمنية بتعقب أفراد، مضيفاً، "لقد رأيت إدارة الأمن في نيسان تتصرَّف بطريقة فظيعة للغاية مع الآخرين، من ناحية المتابعة والمراقبة".

تضارب المصالح

ووفقاً لما قاله باسي، كان هناك إشراف ضئيل من قبل مجلس إدارة شركة صناعة السيارات فيما يتعلَّق بتضارب المصالح الداخلية من قبل كبار الموظفين، بالإضافة إلى تعويضات التنفيذيين، وسياسات منح خيار الأسهم.

ويذكر أنَّ غصن واجه لوائح اتهام جنائية يابانية بأنَّه قلَّل من الإبلاغ عن أجره بأكثر من 140 مليون دولار، وأساء استخدام أموال الشركة بالإضافة إلى تحويله ملايين الدولارات إلى كيانات سرية وخارجية من أجل مصلحته الخاصة.

وفي الوقت نفسه، تلقى متهمو غصن الرئيسيون، وهم الرئيس التنفيذي السابق هيروتو سايكاوا، والنائب الأول للرئيس هاري نادا، جوائز مالية على شكل أسهم مبالغ فيها، وذلك وفقاً لأشخاص مطَّلعين على الأمر، ووفقاً للوثائق التي اطَّلعت عليها بلومبرغ.

ويشار إلى أنَّ سايكاوا استقال في أواخر عام 2019 بعد ظهور هذه المخالفات في التعويضات. كما خسر "نادا" بعض مسؤولياته التشغيلية، لكنَّه لا يزال يعمل في الشركة، وأدلى بشهادته في وقت سابق من هذا العام في محاكمة سوء السلوك المالي ضد مدير "نيسان" السابق غريغ كيلي، الذي يحاكم في طوكيو بتهمة مساعدة غصن في إخفاء تعويضاته، لكن كيلي كان قد نفى هذه الاتهامات.

وفي هذا الصدد قال باسي: "لقد تمَّ اكتشاف أنَّ عدداً من المديرين التنفيذيين قد استفادوا من حقوق تقدير الأسهم، لقد أخذ هؤلاء الأشخاص مبالغ طائلة من المال، عندما لم يكن لهم الحق في أخذها".

وتجدر الإشارة إلى أنَّ باسي كان جزءاً من دائرة داخلية مختارة لديها معرفة مسبقة باعتقال غصن في نوفمبر من عام 2018. وكان قد غادر "نيسان" الخريف الماضي، وواصل الإجراءات القانونية في لندن ضد شركة تصنيع السيارات بسبب فصله عن العمل بطريقة غير مشروعة بحسب قانون يحمي كاشف الفساد في المملكة المتحدة.

من جهتها قالت المتحدِّثة باسم "نيسان" لافانيا وادجاونكار، التي رفضت تقديم "نادا" للتعليق: "تطعن شركة "نيسان" في ادعاء السيد باسي الذي يحتوي على العديد من المزاعم المغلوطة، نحن غير قادرين على التعليق أكثر حول هذه المسألة التي تخضع لدعاوى التقاضي الجارية."

ويقول باسي، إنَّه خلال الأشهر الأخيرة التي قضاها في اليابان العام الماضي، تمَّ تجريده من المسؤوليات الرئيسية، وتخفيض رتبته، والضغط عليه لنقل زوجته وأطفاله الأربعة إلى المملكة المتحدة في وسط جائحة كورونا.

وبالإضافة إلى ذلك، وكما ذكرت وكالة بلومبرغ سابقاً، تعرَّضت عائلته لمداهمة مفاجئة لمنزلها قامت بها "نيسان" بعد أن أمرت محكمة يوكوهاما بمصادرة جهاز الكمبيوتر المحمول، والهاتف الذكي الخاص بشركة باسي، وهو الذي يزعم أنَّ الأجهزة تحتوي على أدلة حول "سوء السلوك وأشكال أخرى من السلوك غير اللائق" من قبل المسؤولين التنفيذيين في "نيسان".

الصراعات الداخلية

بصفته أكبر محامٍ لدى شركة "نيسان"، لجأت الإدارة العليا إلى باسي للمساعدة في قيادة التدقيق الداخلي لسوء السلوك المالي المزعوم لكارلوس غصن، جنباً إلى جنب مع التحقيق الجنائي من قبل المدَّعين العامين في طوكيو.

ومع ذلك، ومع تقدُّم تحقيق "نيسان"، قال باسي، إنَّه أصبح على علم بالتضارب الخطير في المصالح من قبل مسؤولين تنفيذيين رئيسيين.

وكان باسي قد أبلغ ذلك إلى "نادا"، الذي كان لاعباً محورياً في الحملة الهادفة للإطاحة بغصن وسط مخاوف بشأن خطَّته لزيادة دمج "نيسان" وشريكتها في التحالف "رينو"، وفقاً لاتصالات عبر البريد الإلكتروني كشفت عنها بلومبرغ في يونيو الماضي.

كما أبرم "نادا" صفقة مع مدَّعين في طوكيو يحصل بموجبها على الحصانة مقابل تعاونه في قضية المدَّعين ضد غصن وكيلي، الأمر الذي أثار تساؤلات حول دوافعه الحقيقية في التحقيق مع غصن.

وحول ذلك قال باسي: "كانت لديَّ شكوك حول العملية منذ البداية، لم تكن رائحتها جيدة."

يقول باسي، إنَّه تعرَّض لضغوط للتحرك بسرعة، والتوصل إلى أدلة تدعم مزاعم المدَّعين بأنَّ غصن قام بالإفصاح بشكل أقل عن أجره، وأساء التعامل مع أموال نيسان.

لكنَّ هذه الجهود سوف تذهب سدى. ففي أواخر عام 2019، هرب غصن من اليابان بعد تهريبه على متن طائرة خاصة في صندوق معدَّات موسيقية.

وبعدها تمَّ تسليم المتهمين بالتواطؤ معه، وهم المستشار الأمني الأمريكي، والعضو السابق في "غرين بيريه" مايكل تايلور وابنه بيتر، إلى اليابان، في أوائل مارس لمحاكمتهم، ووجهت إليهم لائحة اتهام في طوكيو الأسبوع الماضي.

وقبل هروب غصن، عندما جمع باسي معلومات حول جرائم غصن وكيلي المزعومة، بدأ المحامي في مشاركة مخاوفه بشأن تضارب المصالح مع "نادا". إذ يقول، إنَّه تمَّ تجاهل هذه المخاوف إلى حدٍّ كبير، لذلك اتخذ الخطوة المصيرية في سبتمبر 2019 بكتابة مذكرة مفصَّلة توضِّح مخاوفه بشأن مصداقية التحقيق إلى المديرين المستقلين في مجلس إدارة "نيسان".

وقال باسي، إنَّه في غضون ثلاثة أيام من تقديم تلك المذكرة، تمَّ إبعاده عن تحقيق غصن. وبعد فترة وجيزة، تمَّ استبعاده من اجتماعات مجلس الإدارة، على الرغم من مسؤولياته كمستشار عام عالمي.

وبعد ذلك، فقد باسي رقابته على الشؤون القانونية للشركة، وعلى فريق يضمُّ أكثر من 200 محامٍ وموظف حول العالم. ووظيفته الجديدة؛ هي نائب الرئيس "للمشاريع والتحول" مع ثلاثة موظفين في المملكة المتحدة.

وحول ذلك قال باسي: "يمكنك أن تتخيَّل كيف للمرء أن يشعر في هذه المرحلة، رحيل شبه تعسفي من اليابان، فقد عشت لمدة ثماني سنوات، ولدي ثلاثة أطفال."

ثم بدأت المراقبة، في مارس من عام 2020، وعلم باسي ذات يوم أثناء قيادته لسيارته أنَّه كان يتبعه ما قال إنَّه عنصر أمني في شاحنة رمادية اللون. واصفاً الموقف بقوله: "لقد لاحظت أنَّ شخصاً ما في الشاحنة كان يلتقط الصور".

ويذكر باسي أنَّ بعد ذلك، كانت هناك مشاهدة فرق المراقبة الصغيرة، المؤلَّفة عادة من رجلين أو ثلاثة من رجال الأمن الأقوياء، وهذا أمر شائع بالنسبة للعائلة.

وفي وقت لاحق، وذات صباح جاءت المداهمة الصادمة على منزله، تلك التي أزعجت أطفال باسي، وزوجته سونيا، و يشرح باسي ذلك بقوله: "لقد كان مجرد شكل آخر من أشكال التخويف، وشكل آخر من أشكال المضايقة، مما أجبرني على مغادرة الشركة والبلد".

النقمة على غصن

إنَّ رحلة باسي في الخبايا المظلمة للشركة اليابانية لا تخلو من المفارقات، بدءاً من علاقته بالشخصية الرئيسية وراء اختفاء غصن. بالإضافة إلى تجنيد باسي من قبل "نادا" في فرع شركة "نيسان" في المملكة المتحدة، وهنا تجدر الإشارة إلى أنَّ "نادا" كان معلمه، وقدَّمه ليعمل في المقر الرئيسي للشركة في اليابان.

وحول هذا يقول باسي: "لدي علاقة طويلة الأمد معه، أو تربطني به علاقة طويلة الأمد، فقط في الجزء الأخير من تلك المهنة، بالنظر إلى بعض الأشياء التي شارك فيها، بدأت أرى جانباً مختلفاً تماماً عنه. في كثير من النواحي، كان يتصرَّف كعميل، على

ما أعتقد، للمدَّعين العامين في طوكيو ".

وكانت"نيسان" قد أكَّدت منذ أواخر عام 2019 أنَّ مزاعم سوء السلوك المالي ضد غصن وكيلي تستند إلى "أدلة جوهرية ومقنعة"، كشفت عنها شركة صناعة السيارات، وذلك هو السبب الوحيد وراء توقيفهما وإبعادهما.

وعلى عكس باسي، يبدو أنَّ "نادا" في وضع جيد مع نظام إدارة "نيسان" الحالي، بقيادة الرئيس التنفيذي ماكوتو أوشيدا، الذي يحاول إعادة "نيسان" إلى الربحية طويلة الأجل، والحفاظ على تحالف صناعة السيارات بين "نيسان"، و"رينو"، و"ميتسوبيشي موتورز".

وفي أواخر عام 2018، ومع استمرار صدمة هذه الصناعة بسبب احتجاز غصن في اليابان، والادعاءات الموجَّهة ضده، زوَّدت "نيسان" "نادا" بحارس شخصي، وسيارة، وسائق، واستأجرت له شقة فاخرة بقيمة 12 ألف دولار شهرياً في منطقة روبونغي بطوكيو، وفقاً لما ذكرته صحيفة الغارديان البريطانية. بحسب شخص مطَّلع على الأمر.

كارلوس غصن

وماذا عن الشخصية الرئيسية في هذه الدراما التجارية الغريبة، كارلوس غصن؟ يعيش الآن في موطن طفولته لبنان، الذي لا توجد بينه وبين اليابان معاهدة لتسليم المجرمين.

وسواء كان يعتقد أنَّ غصن تجاوز الحدَّ نحو السلوك الإجرامي أو لا أثناء وجوده في قمة هرم شركة "نيسان"، فإنَّ باسي ليس لديه رأي جاهز. وعلى أي حال، على الأرجح لن يضطر أسطورة هذه الصناعة الذي تحوَّل إلى هارب دولي إلى مواجهة متهميه في قاعة محكمة يابانية.

لكنَّ باسي فوجئ إلى حدٍّ ما بكيفية رد فعل بعضهم على سقوط غصن في شركة "نيسان"، وهي الشركة التي أنقذها هو، والموارد المالية لشركة "رينو" من الخراب المالي في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين.

ويختم باسي بقوله: "لقد ولَّد ذلك الكثير من القلق على جانب من السياج، وعلى الجانب الآخر من السياج، كان الأمر حاقداً تقريباً بهذا المعنى، كما أنَّهم يقولون لقد نلنا منهم، كان هذا أمراً غريباً للغاية ليعيشه المرء، لأنَّ هؤلاء الرجال - لم يقتلوا أحداً".