أزمة قناة السويس تدحض الصورة السلبية عن العمال المصريين.. كيف؟

أزمة قناة السويس كشفت عن الإمكانات الحقيقية للعمالة المصرية
أزمة قناة السويس كشفت عن الإمكانات الحقيقية للعمالة المصرية المصدر: أ.ف.ب
Timothy Kaldas
Timothy Kaldas

Timothy Kaldas is an independent risk adviser and nonresident fellow at the Tahrir Institute for Middle East Policy.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد إعادة تعويم السفينة "إيفر غيفن"، شارك طاقم الحفارة "مشهور" الذي ساعد في تحرير حاملة الحاويات العملاقة، مقطع فيديو يمكن رؤيتهم فيه، وهم يهتفون "مشهور رقم 1!". وسرعان ما انتشر الفيديو بسرعة، وهو مناسب في هذه الحالة، لأنَّ "مشهور" تعني ذائع الصيت باللغة العربية.

وعكَس ابتهاج الطاقم الإحساس بالراحة والفرح والفخر الذي شعر به المصريون بسبب نجاحهم، فقد عملت الحفارة مع أسطول من قوارب السحب ليلاً ونهاراً من أجل فكِّ انسداد أحد أهم الممرَّات المائية في العالم، مما أدى في النهاية إلى إعادة تعويم سفينة "إيفر غيفن" في غضون أسبوع، وهو ما أشار إلى تفوُّق "استطاعة المصريين" على توقُّعات الخبراء التي تنبأت باستغراق الأمر ضعف الوقت.

ويعدُّ هذا نوعاً من المفخرة التي وحدَّت المصريين حول الإيمان بقدراتهم كشعب. لكنَّه كان أيضاً بمثابة تذكير بمدى تعثُّر إمكاناتهم بسبب الاقتصاد السياسي الذي يردع التجريب، ويعاقب الابتكار، ويدفع في النهاية العديد من المصريين إلى البحث عن فرص في الخارج.

انطباع زائف

ويُمثِّل فكُّ انسداد قناة السويس دحضاً للرواية السلبية عن البلاد، التي يتشارك فيها على حدٍّ سواء العديد من المراقبين الأجانب والنخب المصرية. وتتمحور هذه الرواية حول التوقُّعات المنخفضة لإنجاز العمالة المصرية الفريدة من نوعها وغير المجتهدة؛ وهي بالتحديد الصفات المسؤولة عن الإخفاقات الاقتصادية للبلاد، بدلاً من سيطرة حكامهم.

وفي الواقع، فإنَّ الاجتهاد والبراعة التي أظهرها طاقم "مشهور" وزملاؤهم على قوارب القطر، هي الصفات نفسها التي تسمح لملايين المصريين بالصمود أمام سوء الحكم الذي أدى إلى ارتفاع مستويات الفقر، حتى مع الإصلاحات المحدودة التي أفادت النخب الحاكمة والرأسماليين المقرَّبين في المقام الأول.

وفي حين اكتسبت الحكومة في القاهرة صيتَ نمو الناتج المحلي الإجمالي، تضاعف معدَّل الفقر، على مدار 20 عاماً تقريباً، من 16.7% في عام 2000 إلى 32.5% في عام 2019.

ويأتي هذا المعدَّل برغم حقيقة أنَّ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي المصري تضاعف في ذلك الوقت، مخالفاً أرقام الناتج المحلي الإجمالي الاسترشادي المحدود، الذي قدَّمه المحللون.

طاقات مقيدة

وغالباً ما يتمُّ تمويل تطوير وتعميق هذه الحقائق السوقية غير المتكافئة، ومن ثمَّ الإشادة بها، من قبل وكالات التنمية الدولية والمؤسسات المالية التي تبنَّى مسؤولوها النظرة المتعالية لدى النخب تجاه الطبقة العاملة المصرية.

كما شجَّعت النظرة المتعالية القائلة حول أنَّ رجل الشارع يحتاج إلى اليد المرشدة لتوجيهه، الشركاء الدوليين على توجيه التمويل إلى النخب بدلاً من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة الحجم على مدار سنوات، برغم التعهدات بإعطاء الأولوية لتلك القطاعات تحديداً.

ولقي هذا الادعاء من قبل العديد من الطبقات الحاكمة، الذي شاركهم فيه بعض المسؤولين الأجانب سراً، صدى أيضاً لدى بعض ممن يرون أنَّ البلاد لا يمكن أن تُحكم إلا بيد حازمة لحاكم شديد. فالمصريون، من وجهة النظر هذه، غير مؤهلين للرأسمالية، كما أنَّهم غير مستعدين للديمقراطية.

وفي الواقع، لا توفِّر الحكومة للمصريين اقتصادَ سوق تنافسي، ولا حريات السياسية تسمح لهم بإظهار استعدادهم.

تحديات لا حصر لها

وبالعودة إلى القارب وبحارته المحتفلين، فإنَّ هيئة قناة السويس مؤسسة مموَّلة تمويلاً جيداً، وقد استفاد طاقم "مشهور" من استثمار الهيئة في سفينة تجريف قوية، مما سمح لهم بربط مواهبهم وجهدهم بالأدوات اللازمة لإنجاز المهمة.

كان هذا المزيج ممكناً لأنَّ الممر المائي له قيمة استثنائية لحكومة القاهرة، فهو ليس مصدراً مهماً فقط للعملة الصعبة في بلد يعاني من عجز تجاري مزمن، بل ترفع أهميته الاستراتيجية للتجارة العالمية من مكانة مصر الدولية.

ولكن ماذا عن المصريين غير المحظوظين الذين لا يعملون في قطاعات تعدُّ مميَّزة للغاية؟، إذ يُجبَر الكثيرون ممن يسعون للحصول على الموارد والرواتب التي تتناسب مع مهاراتهم، على مغادرة البلاد للعثور عليها.

هذا هو السبب في أنَّ التحويلات المالية من الخارج تُقزِّم العديد من القطاعات الاقتصادية. فقد بلغت قيمة التحويلات في عام 2020 مبلغاً قدره 29.6 مليار دولار، أي ما يزيد بأكثر من خمسة أضعاف على عائدات قناة السويس البالغة 5.61 مليار دولار، وأكثر من ضعف الإيرادات من السياحة في ذروة عام2019، والبالغة 13 مليار دولار.

ويواجه المصريون الذين يعملون في بلادهم تحديات لا حصر لها تشمل أحياناً جنوح سفينة حاويات ضخمة، لكنَّها في كثير من الأحيان تتعلَّق بالسياسات المدمِّرة لحكومتهم.

ويحتاج تحرير الاقتصاد المصري إلى إصلاحات تضع الموارد في أيادي المصريين، وإلى إزالة القيود المفروضة من قبل حكامهم، بالطريقة نفسها التي ساعد بها طاقم الحفارة على تحرير "إيفر غيفن".