200 ثري أمريكي يضيفون تريليون دولار لخزائنهم في عهد ترمب

الرئيس الأمريكي دونالد ترمب
الرئيس الأمريكي دونالد ترمب Jim Lo Scalzo/EPA/Bloomberg
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كشفت بيانات مؤشر "بلومبرغ" للمليارديرات، أنَّ صافي ثروات أغنياء أمريكا قفز خلال فترة رئاسة دونالد ترمب، من أقل من 1.8 تريليون دولار في ليلة انتخابات عام 2016، إلى أكثر من 2.8 تريليون دولار بنهاية الأسبوع الماضي.

وقبل أربع سنوات، انتخبت أمريكا أول رئيس ملياردير لها، ومنذ ذلك الحين، استطاع أغنى 200 شخص في البلاد، وهم مجموعة تمُثل 0.00006 في المئة من السكان، زيادة مجموعة ثرواتهم بمقدار مذهل يصل إلى تريليون دولار، مما يجعلنا نقول بكل تأكيد إنَّنا "نعيش فعلياً في عصر المليارديرات".

الآن وفي هذه اللحظة الحرجة تنتخب الولايات المتحدة من جديد، وفي حالة لم يشهدها التاريخ من قبل، زاخرة بالاستقطاب السياسي.

نتيجة الانتخابات ومستقبل أمريكا

ولن تحدد نتيجة الانتخابات المنتظرة مستقبل أمريكا فحسب، بل ستحدد حالة أكبر ثروات البلاد، لأنَّ القوى التي تعمل على تركيز الثروات في أيدي قلة من الناس، كانت تعمل على هذا الأمر حتى قبل الفوز المفاجئ لدونالد ترمب.

ومهما كانت نتيجة الانتخابات، فإنَّ عوامل عدَّة، وعلى الأخص التغيير التكنولوجي ستظل تشكِّل اقتصاد وسياسة البلاد لسنوات، إلا أنَّ رئاسة ترمب سرَّعت النزعة التي جعلت الأمريكيين فاحشي الثراء أكثر ثراءً، ويقوم حالياً الكثير منهم بالمناورة لحماية ثرواتهم في حال فوز نائب الرئيس السابق جو بايدن، والتزامه بتعهده برفع الضرائب على هذه الشريحة.

تستشهد كيمبرلي كلاوزينغ أستاذة الاقتصاد في كلية ريد (Reed) بقانون الضرائب الصادر عام 2017 ، الذي يعطي أفضلية للشركات والأثرياء حيث تقول: "ترمب ليس مسؤولاً عن كثير من العوامل الموجودة منذ زمن التي تدفع باتجاه انعدام المُساواة، لكنَّ سياسة ترمب ساعدت بتفاقم هذه العوامل عوضاً عن إضعافها".

تطور ثروات أغنياء أمريكا خلال رئاسة ترامب

وبحسب مؤشر بلومبرغ للمليارديرات فقد ارتفع صافي ثروات الأمريكيين من أقل من 1.8 تريليون دولار في ليلة انتخابات عام 2016 إلى أكثر من 2.8 تريليون دولار خلال الأسبوع الماضي، ويمكن لأعضاء هذا المؤشر الذي يشمل تصنيفاً يومياً لأغنى 500 شخص في العالم أن يتغيروا، إلا أنَّ أعداد الأميركيين منهم تظل ثابتة نسبياً، فقد بلغ في هذا الشهر 166 عضواً مقارنةً مع 168 ليلة انتخابات 2016.

وذهب الجزء الأكبر من المكاسب في عهد ترمب إلى أغنى الأغنياء، وهي مجموعة تضمُّ بعض الأشخاص (غير المُفضلين للرئيس ترمب). على سبيل المثال جيف بيزوس مؤسس شركة أمازون ((Amazon الذي أطلق عليه ترمب اسم "جيف بوزو"، الذي زاد ثروته خلال رئاسة ترامب بحوالي 121 مليار دولار، على الرغم من طلاقه المُكلف.

وفي الوقت ذاته، خسر أولئك الذين يقفون وراء شركات الطاقة والعقارات والشركات الصناعية (القطاعات المُفضلة لدى ترمب) بشكل جماعي قاعدتهم بحسب المؤشر منذ نهاية عام 2016، وكانت خسائر معظمهم ترجع لتأثيرات جائحة كورونا.

ويعود سبب المكاسب الضخمة التي حققها المليارديرات، إلى الارتفاعات التي شهدته البورصات خلال ولاية ترامب، فمنذ ليلة الانتخابات 2016 حتى الآن، بلغت مكاسب مؤشر (S&P 500) نسبة 67 في المئة، بما يشمل توزيعات الأرباح، في حين بلغت مكاسب مؤشر Nasdaq لأسهم شركات التكنولوجيا 125 في المئة.

مكاسب محدودة للعمال

من جانبهم، حقق العمال الأمريكيون مكاسب صغيرة، ولكنَّها مهمة في عهد ترمب، وذلك حتى بداية جائحة كورونا، فقد ساهم الوباء في اتساع فجوة عدم المساواة بطريقة دراماتيكية، وفقد الملايين وظائفهم في اللحظة ذاتها التي انتعش فيها سوق الأسهم، في حين استفاد من التغييرات السريعة في طريقة عيشنا وعملنا عدد قليل من المليارديرات، خاصة أولئك الذين يملكون شركات التكنولوجيا.

وتعدُّ قدرة الرئيس أو أي سياسي على التأثير في التوجه القوي لزيادة ثروات من يقبعون في القمة محدودة، فقد تضخَّمت ثروات أغنى الأمريكيين منذ أواخر السبعينيات.

وبحسب تقديرات عدّة، زادت ثروة الشريحة الأغنى التي تمثِّل 1 في المئة من المجتمع بمقدار النصف، في حين تضاعفت ثروة الشريحة البالغة نسبتها 10 في المئة من المجتمع، وهي الشريحة التي تتضمَّن 200 ألف أسرة أميريكية مع صافي ثروة لكل منها يبدأ بمقدار 20 مليون دولار.

وخلال السنوات الأخير، استمر نمو متوسط ثروات الشريحتين، وهم أغنى 1 في المئة وأغنى0.1 في المئة، لكنَّ حصتهم من إجمالي ثروة الولايات المتحدة راوحت مكانها خلال الولاية الثانية للرئيس السابق باراك أوباما وولاية ترمب الأولى. ويعود سبب ذلك إلى التحسن الطفيف الذي حققته شريحة الـ99 في المئة من المجتمع. وعلى النقيض من ذلك، فقد استمر أغنى المليارديرات في التفوق على جميع الطبقات.

استهلاك التباهي

وبصورة إجمالية، حصد أغنى 50 أمريكياً مكاسب تقدَّر ب 835 مليار دولار خلال عهد ترمب، أي حققوا 80 في المئة من مكاسب جميع مليارديرات أميركا الموجودين على المؤشر.

وغذَّت هذه المكاسب حقبة من استهلاك التباهي، فقد ضخَّ الأثرياء مبالغ مذهلة في العقارات الراقية، بما في ذلك شقة بنتهاوس في نيويورك بقيمة 238 مليون دولار، كما ارتفعت أسعار القطع الفنيّة إلى مستويات قياسية، وكذلك المُراهنات الرياضية، إلى درجة حول فيها الأمريكيون تركيزهم إلى شراء الامتيازات الأوروبية الرخيصة، كما ضخَّ الأثرياء مبالغ غير مسبوقة في السياسة على كلا الجانبين السياسيين.

واليوم يركِّز جو بايدن على إلغاء العديد من سياسات ترمب، واعداً برفع الضرائب على الأمريكيين الذين يكسبون أكثر من 400 ألف دولار سنوياً، فقد قال بايدن خلال خطاب ألقاه في ديترويت هذا الشهر:" الناس قلقون بشأن سداد إيجارهم القادم أو سداد رهونهم العقارية أو تسديد أقساط سياراتهم". "إنَّهم يرون تحسُّن حال من هم في القمة بشكل يفوق كثيراً بقيتنا، فيتساءلون: "من يعتني بي؟" هذه هي رئاسة ترمب".

دخل الأسرة

دافع ترمب عن سجله مدَّعياً أنَّه يستطيع إعادة "أعظم اقتصاد في التاريخ"، وقال هذا الشهر في خطاب ألقاه أمام النادي الاقتصادي في نيويورك: "انعدام المساواة قد انخفض بشكل كبير، وهو ما كان انعكاساً لكامل لسنوات حكم أوباما، لقد عادت سياساتي بالنفع على أولئك الذين هم في أمس الحاجة إليها".

وفي فترة ما قبل جائحة كورونا شهد العمال الأمريكيون ارتفاعاً في أجورهم، وانخفاضاً شديداً في معدلات البطالة، فبعد ضبط التضخم، ارتفع خلال العام الماضي متوسط دخل الأسرة بنسبة 6.8 في المئة أي ما يبلغ 68,703 دولار، بعد أن كان قد ارتفع بنسبة 1.8 %، و0.5 % خلال أول عامين من رئاسة ترمب.

وعلى الجهة الأخرى، كان لدى المليونيرات والمليارديرات الكثير ليحتفلوا به، إذ إنَّ الإصلاح الجمهوري لقانون الضرائب أدى إلى ترك المستثمرين والأثرياء يدفعون معدَّلات ضرائب عامة أقل من معظم العاملين في مُختلف المهن.

ولم يكن في الولايات المتحدة وقت أسهل من هذا الوقت لتجنب ضريبة العقارات والهدايا، ونقل الثروة إلى الورثة، فعند بداية جائحة كورونا، دعمت الخزانة الأمريكية والاحتياطي الفدرالي الأسواق، واستفاد من هذا الدعم فئة أغنى 1 %، الذين يمتلكون غالبية الأسهم المملوكة من قبل العائلات الأمريكية.

تجارة بطاقات الهدايا

ويقول ستيفين برنس الذي جمع معظم ثروته من تجارة بطاقات الهدايا، التي يُقدرها بـ35 مليون دولار إلى 40 مليون دولار "نحن الأثرياء نجحنا بشكل مُذهل خلال فترة الرئيس ترمب".

تكمن المفارقة في فترة ولاية ترمب في أنَّ عدداً كبيراً من أولئك الذين حقَّقوا أفضل أداء خلال فترته الرئاسية يدعمون خصمه، من بينهم برنس، نائب رئيس (المليونيرات الوطنيين)، وهم مجموعة من الأثرياء يسعون لرفع الضرائب الخاصة بهم، إذ قال "يقلقني أنَّ هذا الخلل سيذهب من سيىء الى أسوأ".

وفي الربع الثالث من هذا العام، قام المانحون الذين يحررون شيكات بقيمة 100 ألف دولار أو أكثر بتقديم 134 مليون دولار للجان التي تجمع الأموال لبايدن، وهما اللجنة الوطنية الديمقراطية وأحزاب الولايات، وفقاً لملفات لجنة الانتخابات الفيدرالية. وعلى النقيض من ذلك، جمعت لجنة ترمب، "ترامب فيكتوري"، 96.9 مليون دولار من المانحين الذين حرروا شيكات بمقدار مُماثل.

وبذلك يكون أكبر ممولي بايدن من وادي السيليكون (Silicon Valley)، الذين حصدوا مكاسب كبيرة في ثرواتهم خلال الأعوام الأربعة الماضية.

ومن بين المانحين الديمقراطيين الرئيسيين هذا العام، الشريك المؤسس لشركة "فيسبوك" داستن موسكوفيتز، الذي شهدت ثروته ارتفاعاً نسبته 32 %، فقد وصلت إلى 16 مليار دولار منذ فوز ترمب، والرئيس التنفيذي لشركة "غوغل" اريك شميدت، الذي بلغت ثروته الصافية 17.4 دولار، مما يعني أنَّها ارتفعت بنسبة 61 %، مما كانت عليه يوم 8 نوفمبر عام 2016، أما لورين باول جوبز فقد تضاعفت ثروتها تقريباً.

هذا لا ينفي أنَّ ترمب يتمتع بالكثير من التأييد بين طبقة أغنى 1 %، إذ يقول برنس "أغلب أصدقائي الأغنياء يظنون أنَّني مجنون".

ولقد ازدهرت أعمال العديد من أنصار ترمب خلال السنوات القليلة الماضية، فقد ضاعف ستيفن شوارزمان، الشريك المؤسس لشركة "بلاكستون جروب" (Blackstone Group Inc) العملاقة للأسهم الخاصة، صافي ثروته تقريباً إلى حوالي 18 مليار دولار، ومنذ الانتخابات الأخيرة ارتفع عدد أصحاب المليارات المالية بنسبة 39 %، أو 120 مليار دولار.

كذلك، فإنَّ العديد من أقدم وأشرس مؤيدي ترمب يأتون من قطاعات تقلَّصت فيها الثروة خلال فترة ولايته الأولى، بما في ذلك قطاع عمل ترمب، أي قطاع العقارات الأمريكية الذي بحسب مؤشر بلومبرغ خسر الأثرياء فيه ما نسبته 12 % منذ نوفمبرعام 2016، ويقع اللوم في هذا الأمر على جائحة كورونا، لأنَّ صافي ثروة مليارديرات هذا القطاع انخفض من 93 مليار دولار إلى 69 مليار دولار خلال العام الحالي.

ولا ينفي هذا الأمر أنَّ بعض مؤيدي ترمب تكبَّد خسائر ، ومنهم شيلدون أديلسون (صاحب كازينو) الذي خسر حوالي مليار دولار خلال ولاية ترمب الأولى، أي ما يعادل

4 % من مجموع ثروته، وعلى الرغم من ذلك فقد تمَّ تصنيف شيلدون أديلسون كأكبر مانح لترمب خلال عام 2020 بحسب مركز (Center for Responsive Politics ).

وحتى ترمب تكبَّد خسائر أيضاً، وبرغم أنَّه ليس ثرياً بدرجة كافية ليتمَّ إدراجه في مؤشر بلومبرغ، لكنَّ صافي ثروته انخفض إلى أكثر من 10 % منذ توليه منصبه.