العالم يفقد ولعه باللحوم.. هذه أخبار جيدة للمناخ

كيف يستفيد المناخ من انخفاض استهلاك اللحوم؟
كيف يستفيد المناخ من انخفاض استهلاك اللحوم؟ بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

"البشر يتخلون تدريجياً عن تناول البروتينات الحيوانية"، هذا ليس كلاماً مرسلاً، بل يستند إلى إحصاءات وبيانات دقيقة، فبعد انخفاض إنتاج العالم من اللحوم في عام 2019، تتوقَّع منظمة الأغذية والزراعة (الفاو)، أن يواصل الإنتاج تراجعه خلال العام الحالي، الأمر الذي لم يحدث منذ نحو 60 عاماً، مما يجعلنا على يقين من أنَّ تعلُّق البشر باللحوم يتجه إلى الزوال، وهو ما يحمل في طياته أخباراً جيدة للمناخ.. كيف؟

ظلَّ الاستهلاك العالمي للبروتينات الحيوانية، يسير بوتيرة مرتفعة خلال العقود الستة الماضية، وبقي الوضع هكذا، حتى جاء فيروس "كورونا" ليغير هذا المسار، ويفرض واقعاً جديداً في هذا الصدد، يتمثَّل في تراجع معدَّلات الإقبال على البروتين الحيواني.

ويتمثَّل أول مؤشرات تراجع الاستهلاك والإقبال على اللحوم، في انخفاض إنتاجها خلال العام الماضي 2019، وذلك وفقاً لتقديرات منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة، التي تتوقَّع انخفاضاً جديداً في عام 2020، وبذلك تكون المرة الأولى منذ 1961، التي ينخفض فيها إنتاج اللحوم العالمي على مدى عامين متتالين.

ومن المتوقَّع أن ينخفض استهلاك الفرد من اللحوم بنسبة 3 % هذا العام، وقد يكون هذا الانخفاض هو الأكبر منذ عام 2000 على الأقل، وهذه الدلائل تعني الكثير خاصة لقضايا البيئة وتغير المناخ.

وبالمجمل هناك عاملان رئيسيان يحدِّدان استهلاك اللحوم، هما النمو السكاني، وتزايد الثروات الإجمالية، وفيما يتعلق بالعامل الأول فهو آخذ في التباطؤ؛ وبالتأكيد فإنَّ وباء "كورونا" قد أثَّر على العامل الثاني بشكل كبير.

يذكر أنَّ إنتاج اللحوم لم ينخفض في السابق حتى في أثناء الأزمة المالية التي ضربت العالم في 2008.

3 أنواع من اللحوم تسيطر على السوق

ومن المعروف أنَّه عندما تبلغ سلعة ما الذروة في الإنتاج توازياً مع الطلب عليها في الأسواق، فإنَّ عودة النمو في انتاجها لا يمكن أن يتمَّ إلا على حساب حصة سلعة مماثلة في السوق، وهذا يعني أنَّنا في حال وصلنا إلى ذروة الإنتاج في سوق اللحوم بالنسبة للطلب عليه، فإنَّ الوسيلة الوحيدة له ليتابع النمو، هي بأن تقتطع حصة سوقية من سلعة أخرى مشابهة. ولذلك فإنَّه من المهم النظر إلى الكيفية التي نما بها سوق اللحوم على مدار العقود الستة الماضية سواء بالأرقام أو من ناحية التقديرات.

الأرقام الخاصة بأسواق اللحوم، وبيانات منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) لإنتاج 18 نوعاً من اللحوم بما فيها لحوم الجِمال، والدجاج الحبشي، واللحوم البرية، أن ثلاثة فقط من بين هذه اللحوم تتمتع بتأثير كبير في حجم السوق عالمياً، وهي لحم البقر، والخنزير، والدجاج، وفيما بلغ إجمالي إنتاج اللحوم على مستوى العالم 340 مليون طن في عام 2018، سيطرت هذه الأنواع الثلاثة على 302 مليون طن من إجمالي الإنتاج.

بالنظر عن قرب إلى هذا الرسم البياني، من الواضح أنَّ إنتاج لحوم الخنزير والدجاج ينموان بمعدَّل أعلى من لحوم الأبقار.

وإذا نظرنا إلى هذه الأنواع الثلاثة من حيةنا القيمة النسبية، (كنسبة مئوية من إجمالي استهلاك اللحوم)، فسوف نلاحظ أنَّ إجمالي الحصة السوقية لهذه الأنواع بقيت ثابتة بشكل ملحوظ مع مرور الوقت، بين 85 %، و88 % من إجمالي الإنتاج على مدى العقود الخمسة الماضية.

الدواجن تصعد بقوة وتراجع في إنتاج لحوم الأبقار

ويلاحظ من الرسم البياني، أنَّ إنتاج اللحم البقري شهد انخفاضاً واضحاً خلال السنوات الماضية، فقد انخفضت نسبته من الإنتاج العالمي من 39 % في عام 1961 إلى 20 % فقط في عام 2018. في حين بقي إنتاج لحم الخنزير ثابتاً عند نسبة 35 % منذ عام 1961. وتضاعف إنتاج الدجاج ثلاث مرات ليقفز من 11 % عام 1961 ليشكِّل اليوم 34 % من إنتاج اللحوم.

وفي حال نظرنا إلى إنتاج اللحوم على أساس نصيب الفرد، فسنرى تغيُّراً في السلوك الاستهلاكي، فقد بلغ استهلاك لحوم البقر للشخص الواحد ذروته في أواخر السبعينيات، بينما بلغ استهلاك لحم الخنزير ذروته في عام 2015، أما الدجاج فهو

لا يزال في طريقه إلى الارتفاع، وبمعدَّلات الاستهلاك الحالية للفرد سوف يتجاوز لحم الخنزير قريباً.

إنتاج لحوم الأبقار الأكثر تلويثاً

وتحمل اتجاهات انخفاض إنتاج اللحم البقري، أهمية كبرى فيما يتعلق بالمناخ، وذلك لأنَّ قطاع إنتاج لحوم الأبقار يعدُّ من أكثر قطاعات الإنتاج الغذائي تلويثاً للبيئة، وإطلاقاً لانبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري. فالانبعاثات التي يطلقها إنتاج اللحم البقري هي أكثر بعشرة أضعاف من الانبعاثات الناتجة عن إنتاج لحوم الخنزير أو الدجاج.

كما أنَّ الانبعاثات الصادرة عن إنتاج لحوم الأبقار لا تقتصر على تربية الأبقار والمساحات الكبيرة المستخدمة لذلك أو عملية إطعامها فحسب؛ بل إنها تأتي أيضاً من تغيير استخدام الأراضي اللازم لهذه العملية، مثل إزالة الغابات من أجل توفير المساحات اللازمة للرعي.

ويجري حالياً تطوير سبل جديدة لتربية الأبقار بغرض الحدِّ من هذه الانبعاثات، وهو ما وجَّه بعض الشركات العاملة في مجال إنتاج اللحوم إلى الإعلان عن طرق أكثر صداقة للبيئة، وكان منها ما طبَّقته سلسلة مطاعم "برجر كنج" لتغذية الأبقار بالاعتماد على أعشاب الليمون بدلاً من الأعلاف التقليدية، التي وفقاً لتوقُّعات الشركة من المفترض أن تخفِّض الانبعاثات بنسبة الثلث خلال الأشهر الثلاثة إلى الأربعة الأخيرة من حياة البقرة (هذه التوقُّعات بانتظار مراجعة الخبراء الأكاديمية).

الانبعاثات وإنتاج اللحوم

ويشكِّل الحد من الانبعاثات الناتجة عن استخدام الأراضي لإنتاج اللحوم أهمية بالغة في المستقبل، إذ تمثِّل المزارع إلى جانب الغابات واستخدامات الأراضي نحو 18.5% من مجمل الانبعاثات العالمية للغازات المسببة للاحتباس الحراري على الأرض. وقد تكون هناك حلول تكنولوجية للحدِّ من هذه الانبعاثات.

ويعلِّق القطاع ثقته بالكامل على الشركات التي تعده بإمكانية تحقيق ذلك. منها، شركة "Indigo Ag" العاملة في مجال تجارة المحاصيل الرقمية، التي تُعَدُّ أكثر الشركات الناشئة أهمية وقيمة في مجال التكنولوجيا الزراعية.

وحتى يومنا الحالي، فإنَّ إنتاج اللحم البقري يشغل الكثير من الأراضي، ويطلق الكثير من الانبعاثات من هذه الأراضي التي يشغلها. ولكن بأخذ كافة المؤشرات بعين الإعتبار، يبدو استهلاك لحم الأبقار قريباً جداً من وصوله للذروة.

ويأمل المستثمرون الذين أنفقوا أكثر من مليار دولار على البروتينات البديلة هذا العام، من أن تتمكَّن شركاتهم ومنتجاتهم من دفع الطلب على اللحوم إلى المزيد من الانخفاض.

ولكن اليوم، يتمثَّل الحل الأسهل والأقرب زمنياً للحدِّ من الانبعاثات، في تقليل استخدام الأراضي للإنتاج الحيواني. وكذلك استبدال اللحم البقري بالدجاج، وهو ما يحصل بالفعل. والتحول الموجود حالياً- بعيداً عن استهلاك لحم الأبقار - قد يأخذ هذه التوجُّهات إلى مدى أبعد مستقبلاً.