بتكوين تسعى لتحسين سمعتها المصدر: بلومبرغ

عملات سيئة السمعة.. مجموعات ضغط تسعى لتحسين صورة "بتكوين" وأخواتها

المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

برغم اكتساب العملات المشفرة الدعم بشكل مطَّرد في "وول ستريت"، لا تزال الجهات المنظمة تنظر إليها على أنَّها أداة للمجرمين لإخفاء معاملات مشبوهة، مما يشكِّل تحدِّياً لهذه الصناعة الناشئة في الوقت الذي تسعى فيه إلى اكتساب احترام أوسع.

وقد تمثِّل تلك الخطوة فرصة مربحة محتملة لمجموعات جديدة في واشنطن تناصر العملات الرقمية، إذ تقول بعض منظمات الضغط البارزة المؤيدة للعملات المشفرة، إنَّها زادت أعداد أعضائها، وجمعت ملايين الدولارات للمساعدة في تحسين صورة هذه الصناعة.

وفي حين تستكشف البنوك بما في ذلك "غولدمان ساكس" الأصول الرقمية لعملاء معينين، تظهر الإجراءات الأخيرة التي اتخذها المنظمون طريقاً مبهماً نحو الأمام، ففي أواخر الشهر الماضي، اقترحت إحدى هيئات المراقبة الدولية لمكافحة الاحتيال اللوائح التي يقول دعاة التشفير عنها، إنَّها ستسحق جزءاً كبيراً من صناعتهم.


ونصَّت التوصيات التي قدَّمها 39 عضواً من "مجموعة العمل المالي"، على زيادة مراقبة العديد من معاملات العملات المشفرة.

وجاءت هذه التوصيات في أعقاب اقتراح مماثل لمكافحة غسل الأموال قدَّمته وزارة الخزانة الأمريكية، ويتوقَّع إنهاءه في وقت لاحق من هذا العام. ومن جهة أخرى، يعارض العديد من أنصار العملات المشفرة زيادة المراقبة.

وتأتي مقترحات وزارة الخزانة، و"مجموعة العمل المالي" في الوقت الذي دخلت فيه الـ"بتكوين" بشدة وبسرعة فائقتين في التيار المالي السائد، وجرى تداول العملة الافتراضية يوم الإثنين الماضي بنحو 59 ألف دولار، أي أكثر من ضعف مستواها في نهاية عام 2020، وأكثر من ثمانية أضعاف مستواها في أبريل الماضي، وشهدت العملات المشفرة الأخرى مثل "إيثريوم" مكاسب مماثلة.

توسُّع كبير

وأعطت هذه الأسعار المرتفعة ذخيرة لمجموعات الضغط الناشئة في واشنطن التابعة لـ"بتكوين"، وفي الأشهر الثلاثة الماضية، استخدمت هذه المجموعات الضغوط التنظيمية الجديدة لجمع ملايين الدولارات من التمويل، وإقناع شركات العملات المشفرة بتأسيس وجود لها في واشنطن.

وحتى مع احتضان عالم التمويل للعملات المشفرة ورفعه لأسعارها، فقد حاول هذا العالم جاهداً زعزعة سمعتها كأداة تسمح للصوص، وتجار المخدرات بإخفاء المعاملات غير القانونية، لذا يقول بعض المدافعين عن العملات المشفرة، إنَّ تحرير المنظِّمين من هذا التصور يمثِّل التحدي الأكبر الذي تواجهه الأصول الافتراضية.

وقالت كريستين سميث، المديرة التنفيذية جمعية "بلوكتشين"، عن القوانين المقترحة: "نحن في هذه الصناعة نعتقد أنَّها مشكلة كبيرة". وأضافت أنَّ هذه القوانين من شأنها أن تضع أعباء مراقبة ثقيلة على المستثمرين، ومشغِّلي شبكات العملات المشفرة، وأن تجعل من الصعب على بعض الخدمات أن تظل لامركزية.

وتقول سميث: "إنَّهم بذلك يغفلون كل الهدف من هذا الابتكار"، مشيرة إلى أنَّه منذ ديسمبر أضافت "جمعية بلوكتشين"، وهي مجموعة تجارية لشركات العملات المشفرة، 10 أعضاء، ليصل مجموعها الشركات من هذا النوع إلى 34 شركة.

والجمعية، التي لم يتجاوز عمرها ثلاث سنوات، ضاعفت عدد موظفيها بأكثر من الضعف إلى سبعة موظفين. وقالت سميث، إنَّ أعضاء الجمعية، بما في ذلك منصات تبادل العملات المشفرة مصل "بينانس"، و "ريبل لابس"، ناقشوا إمكانية تقديم مساهمات كبيرة للجمعية لتكثيف التوظيف وشراء الإعلانات لتحسين صورة الـ"بتكوين".

ذخيرة حرب

ومنذ ديسمبر استطاع مركز "كوين سنتر" (Coin Center)، وهو مركز أبحاث يتخذ من واشنطن مقرَّاً له، ويعدُّ مجموعة مناصرة للعملات المشفرة، جمع أكثر من 300 ألف دولار من خلال حملة لجمع التبرعات، كان معظم المشاركين فيها من المانحين الأفراد الذين يساهمون بكميات صغيرة من العملات المشفرة. وكما تلقى المركز مليوني دولار من شركة استثمار العملات المشفرة "غرايسكايل إنفيسمنت" (Grayscale Investments LLC)، ومليون دولار من مؤسس "تويتر" جاك دورسي، الذي استثمرت شركته الأخرى "شركة سكوير" (Square Inc) مؤخَّراً 30 مليون دولار في "بتكوين".

وفي هذا السياق، قال جيري بريتو، المدير التنفيذي لمركز "كوين سنتر"، ، إنَّه في الوقت الحالي، تقوم مجموعته بادخار المال كصندوق تمويل حرب في حال احتاجت إلى خوض معركة ضغط أكبر أو رفع دعوى قضائية بشأن اللوائح الجديدة.

ويضيف بريتو قائلاً: "مهمتنا هي أن نقول قطعاً، إنَّ هناك خطراً حقيقياً هنا، ونحن جميعاً بحاجة إلى العمل معاً، لكن لا تزيلوا شيئاً جيداً عند المحاولة للتخلُّص من شيء سيىء."

يُذكر أنَّ أحد أوائل استخدامات "بتكوين" كان بسبب كونها العملة الوحيدة المقبولة على موقع الويب للمخدرات، والسلع غير المشروعة الأخرى المعروفة باسم "طريق الحرير"، التي أغلقها مكتب التحقيقات الفيدرالي في عام 2013. وفي الآونة الأخيرة، كانت "بتكوين" هي طريقة الدفع المفضَّلة لدى القراصنة الذين يقومون بتجميد بيانات الكمبيوتر فيما يسمَّى بهجمات (برامج الفدية).

وحتى أعمال الشغب في يناير في مبنى الكابيتول الأمريكي كان لها صلة مع "بتكوين"، فقبل شهر من الهجمات، أرسل من فرنسا مبرمج كمبيوتر (توفي الآن) أكثر من 500 ألف دولار من العملة المشفرة إلى الجماعات اليمينية المتطرفة التي ساعدت في شنِّ الهجوم.

النشاطات الإجرامية

ومن جهتهم، يقول المدافعون عن "بتكوين"، إنَّ النشاط غير المشروع أصبح أقل أهمية. إذ يتمُّ تحديد محافظ "بتكوين" فقط من خلال سلسلة من الرموز، ولكنَّ سجل "بلوكتشين" الذي يسجل معاملات "بتكوين" يكون عاماً؛ مما يسمح للسلطات بتتبُّع مسار الأموال عندما يحاول أصحاب المحفظة تحويل "بتكوين" إلى دولارات. ويمكنهم رؤية أنَّ المحفظة مستضافة بواسطة "كوينباس"، وعلى سبيل المثال، بإمكان السلطات طلب اسم المالك من "كوينباس" بشكل قانوني.

و تقول شركة "تشين أناليزيز" (Chainalysis)، وهي شركة تحليل جنائي لـ"بتكوين"، وتعمل مع وكالات إنفاذ القانون، إنَّ النشاط غير المشروع يشكِّل نسبة متناقصة من معاملات "بتكوين"، على الرغم من أنَّه لا تزال هناك مناطق إشكالية مثل هجمات (برامج الفدية).

و قال جيسي سبيرو، وهو كبير مسؤولي الشؤون الحكومية في "تشين أناليسيس": أصبح محققو إنفاذ القانون أكثر ذكاءً" في تتبُّع النشاط الإجرامي على شبكة "بتكوين".

وبرغم ذلك، ظلَّت حكومات العالم حذرة. فعلى سبيل المثال، قال مسؤول حكومي في الهند في وقت سابق من هذا العام، إنَّ البلاد ستتحرَّك لحظر العملات المشفرة. كما اتخذت نيجيريا والصين إجراءات صارمة على عمليات شراء هذه العملات.

حظر أمريكي

وفي الولايات المتحدة، يريد النائب براد شيرمان، وهو ديمقراطي من ولاية كاليفورنيا، حظر استخدام الأمريكيين لـ"بتكوين". وعلى الرغم من أنَّ فكرة شيرمان لم تتجذَّر، إلا أنَّ المستثمر الملياردير "راي داليو" من شركة "بريدج ووتر اسوشيتس" قال في شهر مارس، إنَّه يرى أنَّ هناك احتمالاً كبيراً بأن تحظر الولايات المتحدة استخدامها في مرحلة ما.

ولا تمنع التهديدات التنظيمية بعض البنوك من دخول هذه السوق. فقد قال "غولدمان ساكس" في شهر مارس، إنَّه يقترب من تقديم أدوات استثمارية للأصول الرقمية لعملاء وحدته الخاصة لإدارة الثروات. وتخطط "مورغان ستانلي" لتزويد عملائها بإمكانية الوصول إلى أموال العملة المشفرة. لكن، حتى الآن، لا تزال أكبر البنوك الأمريكية لا تسمح لعملائها بحيازة الـ"بتكوين" بشكل مباشر.

وفي قلب مقترحات الخزانة و"مجموعة العمل المالي" توجد توصيات لتوسيع مدى مراقبة الحكومات لمعاملات العملة المشفرة. ويتطلَّب كلا الاقتراحين من الشركات المالية تقديم تقارير أكثر تواتراً عن المعاملات الكبيرة، وتحديد الأطراف المقابلة للمعاملات التي يقوم بها عملاؤها عند القيام بأنشطة معينة.

من جهتهم، يقول معارضو اقتراح "مجموعة العمل المالي" إنَّهم سيجعلون استخدام العديد من ابتكارات العملة المشفرة الحديثة أمراً مستحيلاً. فعلى سبيل المثال، شهد العام الماضي نمواً هائلاً في "العقود الذكية" المبنية على شبكة "إيثريوم"، وهي منصة تشفير مفتوحة المصدر، تتيح التنفيذ التلقائي للمعاملات دون أن تتولى أي شركة مالية على الإطلاق عملية إيداع العملة المشفرة.

وسيتطلَّب اقتراح "مجموعة العمل المالي" من مشغِّلي هذه الشبكات تتبُّع نشاط مستخدميهم، وهو أمر لا تملك العديد من هذه الشبكات الموارد اللازمة لتنفيذه.

من جهة أخرى، جذب اقتراح وزارة الخزانة، الذي انتهت فترة التعليقات الرسمية بشأنه في 29 مارس، آلاف التعليقات من مستثمري الـ"بتكوين" الصغار، والشركات المالية الكبرى، فقد قال بعض أعضاء جماعات الضغط، إنَّهم متفائلون بأنَّ مسؤولي وزارة الخزانة سيقلِّصون على الأقل بعض القوانين.

لكن الآن، يمنحهم اقتراح "مجموعة العمل المالي" سبباً جديداً للقلق. فتوصيات "مجموعة العمل المالي" ليست ملزمة للأعضاء، بما في ذلك الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاقتصادات الكبرى الأخرى، ولكنَّها تعدُّ مخططاً أولياً لمنظِّمي مكافحة الاحتيال. وفي بعض الحالات، قد يؤدي عدم اتباع التوصيات إلى فرض عقوبات أو قيود تجارية.

ويتطلَّب قانون "مجموعة العمل المالي" من المشاركين في شبكة العملات المشفرة، التسجيل لدى المنظمين والإبلاغ عن أنشطتهم - وأنشطة مستخدميهم – للسلطات، حتى لو لم يكونوا يودعون أي عملة مشفرة.

ووفقاً لمركز "كوين سنتر"، يمكن أن يشمل هؤلاء المشاركين أشخاصاً، كمطوِّري البرامج الذين أنشأوا تبادلات عملة مشفرة لامركزية، أو الذين يديرون أنواعاً معينة من العقد التي تعالج عمليات التحويلات عبر شبكة "بتكوين".

وكتب "كوين سنتر" أنَّ التوصيات ترقى إلى مستوى "المراقبة الجماعية بلا إذن قضائي".

يُذكر أنَّ "مجموعة العمل المالي" تقوم بتلقي التعليقات على اقتراحها الجديد حتى تاريخ 20 أبريل، ويمكن أن تقوم بإنهائه في وقت لاحق من هذا العام.

و تقول سميث، إنَّ "مجموعة العمل المالي"، التي تتخذ من باريس مقرَّاً لها، ليس لديها عملية مفتوحة لتوصياتها، مما جعل اقتراحها أكثر مفاجأةً للصناعة، ويصعب التأثير عليه من خلال الضغط، وتقبل "مجموعة العمل المالي" التعليقات على الاقتراح، وأشارت سميث إلى أنَّ جمعية "بلوكتشين" وبعض أعضائها يخططون لإرسال تعليقاتهم.

وقالت سميث، إنَّ مجموعتها تخطط أيضاً للتواصل مع المسؤولين في بعض الدول الأعضاء في "مجموعة العمل المالي"، بما في ذلك الولايات المتحدة واليابان، التي تشارك في رئاسة مجموعة عمل الأصول الافتراضية في "مجموعة العمل المالي"، وكذلك إلى سنغافورة، التي كانت سبَّاقة بشكل خاص في محاولتها لتنمية صناعة العملات المشفرة.