الحكومات تعود لقمرة قيادة شركات الطيران الأوروبية بعد إنقاذها

شركات الطيران تلقت ضربة قوية بسبب كورونا، وتلقت أموالاً ضخمة من الحكومات في صورة قروض ومنح ورؤوس أموال
شركات الطيران تلقت ضربة قوية بسبب كورونا، وتلقت أموالاً ضخمة من الحكومات في صورة قروض ومنح ورؤوس أموال المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد عقودٍ من اختفاء القيود وغياب السيطرة، عادت كبرى شركات الطيران الأوروبية، تحت وطأة جائحة كورونا، إلى الهيمنة الحكومية مرة أخرى.

إذ تضطر شركات الطيران قبول الجهات المنقذة كمساهمين يملكون حصصاً كبيرة لبعض الوقت في المستقبل مع استمرار الأزمة، وعدم ظهور بوادر لتعافي صناعة السفر الجوي في المنطقة.

وتنضمُّ الخطوط الجوية الفرنسية (كيه إل إم) إلى تلك القائمة من شركات الطيران بعد أن حصلت يوم الثلاثاء على تمويل بقيمة 4 مليارات يورو (4.7 مليار دولار) ضمن خطة الإنقاذ الحكومية لتصبح الحكومة الفرنسية أكبر مالك في الشركة بحصة تبلغ 30 %، ويصبح الناقل الوطني أحد الشركات التي تلقَّت دعماً مثل: دويتشه لوفتهانزنا، الخطوط الجوية الإيطالية، وساس السويدية، وتاب إير البرتغالية، لتعود الحكومات للظهور مرة أخرى ضمن قائمة كبار الملَّاك بعد ما قدَّمته من مساعدات لدعم الشركات التي تشهد واحدة من أسوأ أزمات الصناعة.

ضربة موجعة للطيران

ويحلُّ قطاع الطيران بين أكثر القطاعات تضرراً من تداعيات جائحة كورونا التي قضت على صناعة السفر الجوي.

وحتى قبل الانتكاسات الأخيرة، قال الاتحاد الدولي للنقل الجوي، إنَّ شركات الطيران ستحتاج إلى نحو 80 مليار دولار إضافية من المساعدات الحكومية هذا العام.

ويسود القلق في أوروبا من تأثير زيادة ملكية الحكومات في أسهم شركات الطيران، وما قد يترتب على ذلك من تأثيرات قد تطول كل شيء من خفض التكلفة، وتحديد الوجهات، وخطوط الطيران، وأسعار التذاكر، مما قد ينحرف بالصناعة عن مسارها الطبيعي.

ويقول ساشا ألبرز، أستاذ الإدارة الدولية بجامعة أنتويرب: "تدخُّل الحكومة لإنقاذ شركات الطيران في ظلِّ أزمة كورونا، يمثِّل إجراءً طارئاً وشرعياً، ولكن الشكوك تكمن في احتمال اعتبار بعض الحكومات تلك الظروف ذريعة للعودة لملكية شركات الطيران للدولة لتخدم أجندات سياسية".

دعم حكومي

قدَّمت دول الاتحاد الأوروبي قبل ما تمَّ الإعلان عنه يوم الثلاثاء ما لا يقل عن 23 مليار يورو لدعم شركات الطيران في شكل قروض، وضمانات، وضخ رؤوس أموال، ومنح.

وعالمياً، تلقَّت شركات الطيران حول العالم مساعدات حكومية؛ فقد باعت شركة طيران كاثي باسيفيك، في يونيو الماضي، أسهماً تحمل حقوق أفضلية، بالإضافة إلى عقود خيارات مضمونة صادرة عن الشركة، وقابلة للتحوُّل إلى أسهم لصالح حكومة هونغ كونغ.

كذلك جمعت الخطوط الجوية السنغافورية الأموال نتيجة إصدار أسهم حقوق أولوية بدعم من أكبر مساهميها "تيماسيك هولدنغز بي تي إي" الذراع الاستثماري للحكومة.

وفي الولايات المتحدة، قدَّمت الحكومة الأمريكية منذ بداية الجائحة نحو 50 مليار دولار من المساعدات لشركات الطيران في شكل منح وقروض شرط استخدامها في تغطية تكاليف الموظفين.

والآن، عادت أوروبا لتشهد زيادات كبيرة في ملكية الحكومات بأسهم شركات الطيران بعد مرور أكثر من عقدين على بدء خصخصة شركات الطيران في المنطقة، التي بدأت بالخطوط الجوية البريطانية في 1987، تلتها لوفتهانزا في 1997، ثم الخطوط الجوية الفرنسية في 1999.

كما شهدت حقبة التسعينيات من القرن الماضي تحرير الاتحاد الأوروبي لقواعد صناعة الطيران، وتعزيز عمل شركات الطيران منخفضة التكلفة، بما في ذلك إيزي جيت، ورايان إير هولدنغ.

تقليص الوظائف

تحتاج شركات الطيران إلى إلقاء نظرة فاحصة على الهيكل التنظيمي، وهيكل النفقات الخاص بها استعداداً لحقبة ما بعد الجائحة. إذ يقول بعض المحللين، إنَّ هناك وجوداً نقابياً قوياً في شركات الطيران الأوروبية، التي كانت مملوكة للدولة من قبل، مما قد يدفع بعض الحكومات للتدخُّل السياسي في العمليات التجارية، لا سيَّما فيما يتعلَّق بقضايا مثل تقليص الوظائف.

قال جون ستريكلاند، مالك ومدير "جيه إل إس" للاستشارات، ومقرُّها لندن: "لا تزال العديد من الحكومات ترى أنَّ الناقل الوطني يمثِّل جزءاً من رؤيتها السياسية الشاملة".

وأضاف ستريكلاند: "ليس من المستغرب أن نرى المزيد من الاستثمارات الحكومية في الخطوط الجوية الفرنسية، ولكنَّ السؤال الرئيسي هو ما إذا كان سيؤدي ذلك لمحاولة فرض اتجاه سياسي على إدارة المجموعة بما يؤثِّر على أهدافها التجارية".

ولدى فرنسا تاريخ حافل بالتدخل الحكومي في عمل الشركات، ويتزامن ذلك مع تملكها حصة كبيرة في الخطوط الجوية الفرنسية (كيه إل إم)، كما تسارع الحكومة إلى تقديم ضمانات باستمرار عمل الناقل الوطني.

وفي هولندا، تتبع الحكومة سياسة أكثر حذراً، فقد تباطأت في منح القروض العام الماضي، ولم تقدِّم مساعدات إضافية يوم الثلاثاء في الوقت الذي أقرَّت فيه باهتمامها بعدم فشل الشركة.

وكتب وزير المالية الهولندي، فوبكه هوكسترا، في تغريدة على موقع التواصل الاجتماعي تويتر، يوم الثلاثاء: "الخطوط الجوية الفرنسية (كيه إل إم) مهمة لاقتصادنا، وكلا الشركتين توفِّران العديد من فرص العمل بشكل غير مباشر".

وأضاف هوكسترا: "من مصلحة فرنسا وهولندا أن تتخطى شركتا الخطوط الجوية الفرنسية، والخطوط الجوية الملكية الهولندية هذه الأزمة".

شروط صارمة

وقد منحت ألمانيا قروضاً بمليارات اليوروهات، ضمن خطة إنقاذ لوفتهانزا، التي تملك الحكومة حصة تصل إلى 20%من أسهمها، التي تمَّت خصخصتها وسط ضجة كبيرة قبل عقدين من الزمن.

كما أقرضت برلين المليارات لشركتي "كوندور"، و"تي يو أي"، للحفاظ على استمرار طيران تلك الشركات وسط عاصفة كورونا.

وقال شوكور يوسف، مؤسس شركة "إنداو أناليتيكس" لاستشارات الطيران: "في الحقيقة، تكافح شركات الطيران وسط تلك الجائحة، ولذلك تمثِّل مساعدة الدولة ضماناً سيادياً يؤكِّد دعم شركات الطيران، والتعهد باستمرار استدامة أعمالها في مرحلة ما بعد جائحة كورونا. والتأكيد على أنَّ غياب الدعم الحكومي يمثِّل كارثة بالنسبة للعديد من شركات الطيران، وخاصة شركات الطيران الكبرى".

وقد استجابت المفوضية الأوروبية، لما تعرَّضت له من ضغوط من أجل تقديم مساعدات إنقاذ اقتصاد المنطقة. لكنَّها فرضت شروطاً صارمة زادت من أعباء شركات الطيران، فقد أجبرتها على التخلي عن مواقع في المطار، وحظر صرف المكافآت للإدارة التنفيذية، وكذلك عمليات الاستحواذ في بعض الحالات.

ولم يمنع ذلك شركات الطيران منخفضة التكاليف مثل "رايان إير"، و"ويز إير هولدنغ"، من الاعتراض إذ ترى أنَّ عمليات الإنقاذ سوف تشوِّه السوق، وغياب العدالة بشأن المنافسة.

تقدَّمت رايان إير، بأكثر من عشرة طعون قضائية ضد موافقات الاتحاد الأوروبي على برنامج الإنقاذ. وقالت، إنَّ تلك المساعدات تمثِّل تمييزاً غير عادل ضد الشركة، وتزيد من قوة المنافسين، وقدرتهم على خفض الأسعار، والاستحواذ على الآخرين.

لكنَّ الشركة الأيرلندية خسرت أوَّل استئنافين في فبراير، فقد قالت المحكمة الابتدائية في الاتحاد الأوروبي، إنَّ الدعم الفرنسي والسويدي لا ينتهك قواعد مساعدات الدولة في الاتحاد الأوروبي، وتعهدت بالاستئناف ضد خسارتها أمام المحكمة العليا في الاتحاد الأوروبي.

حرب مواقع المطارات

تقول رايان إير، إنَّ الثمانية عشر موقعاً التي يتعين على الخطوط الجوية الفرنسية التخلي عنها ليست قريبة بالشكل الكافي للسماح للشركات الأخرى بالمنافسة، والحد من هيمنة الخطوط الجوية الفرنسية (كيه إل إم) على مطاري شارل ديغول، وأورلي في مدينة باريس، إذ تسيطر فيهما على نحو ألف موقع.

وفي ألمانيا، لن تمنح شروط خطَّة الإنقاذ شركتي "إيزي جت"، و"رايان إير"، إلا القليل لتخفيف القبضة الحديدية لشركة "لوفتهانزا" على المطارات، وخطوط الطيران الأكثر ربحاً في البلاد.

وفي الوقت الذي طلبت اللجنة من "لوفتهانزا" التخلي عن 24 موقعاً في مطاراتها الرئيسية في ألمانيا؛ إلا أنَّها حرمت الشركات التي تمتلك مواقع في تلك المطارات من حق الإقلاع والهبوط، الأمر الذي يمنع "رايان إير" من التوسُّع في فرانكفورت، و"إيزي جيت" في ميونيخ.

وقال دارين إليس، المحاضر المتخصص في إدارة النقل الجوي بجامعة كرانفيلد: "شركات الطيران مثل الخطوط الجوية الفرنسية ولوفتهانزا لديها أولويات استراتيجية مختلفة عن شركات الطيران لمسافات قصيرة المدى منخفضة التكلفة، إذ تخدم تلك الشركات طرقاً ذات أهمية استراتيجية حول العالم".

وأضاف إليس: "إذا لم تنقذ الحكومات تلك الشركات، فسوف تقوم بتسليم سوق المسافات الطويلة إلى شركات طيران تدعمها الحكومات في دول أخرى بما في ذلك الشرق الأوسط".

ويرى الكثيرون أنَّ تدخل الحكومات في صناعة الطيران يمثِّل ظاهرة مؤقتة من المحتمل أن تتراجع مع تقلُّص احتياج شركات الطيران لدعم الدولة، وانتعاش صناعة السفر، والاتجاه عالمياً لمرحلة ما بعد الجائحة.

إذ يقول يان ديروكليس، المحلل في "أودو بي إتش إف"، والمقيم في باريس: "تستطيع شركات الطيران الحصول على تمويل بشروط أفضل، وتكلفة أقل مما تقدِّمه الحكومات، لذلك لن تهتم الشركات بالحصول على دعم الحكومات بمجرد عودة حركة الطيران بأحجامها الطبيعية".

في المقابل، لا يزال بعض الناس حذرين؛ إذ يقول خورخي غويرا، الأستاذ المساعد في القانون بجامعة ريدينغ: "هناك قول مأثور فرنسي قديم: احذر الأمر المؤقت الذي يمكن أن يصبح دائماً في بعض الأحيان".