جيل "روبن هود" يغير استراتيجيات تداول الأسهم في "وول ستريت"

روبين هود تسعى لجمع تمويل إضافي
روبين هود تسعى لجمع تمويل إضافي المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان الباحثون عن المغامرة والإثارة والدراما في الماضي يحترفون الفنّ أو ربما يتطوعون في القوات المسلحة أو يمارسون أي عمل آخر لا يتطلب الجلوس المملّ خلف المكتب ومتابعة الأرقام.

لكن الوضع تغير. فالآن، أصبح فتح حساب تداول عبر تطبيق "روبن هود" والتحقق من أسعار "غيم ستوب" أو "تسلا" وتحليل بيانات السوق على جداول "أكسيل" أو شراء الأسهم لمجرد "حب الأسهم"، من الأمور الرائجة، وهو أيضاً رمز للتمرد ضدّ العمل المؤسسي التقليدي القائم.

وفي الوقت ذاته، يقف المستثمرون التقليديون، من أتباع وارين بافيت الذين يستندون إلى الأبحاث ويفضلون الإيرادات الثابتة، مذهولين أمام تفشي ظاهرة انتقاء الأسهم بين أبناء الجيل الجديد وسرعة التداول والبحث عن الربح الفوري. وغالباً ما يصطدم التياران معاً، وينتقدان بعضهما بعضا بواسطة "الميمز"، وغيرها من المنشورات عبر وسائل التواصل الاجتماعي.

المستقبل يبدأ اليوم أيها العجوز

وقال دوغلاس بونبارث، رئيس شركة إدارة الثروات "بون فايد ويلث" Bone Fide Wealth : "يوجد جيل من الشباب الذي يثقف نفسه ويتعلم كيف يعمل السوق، وهذا أمر جيد"، لكنه أضاف أن "البعض منهم يطلبون الاحترام بسبب تحقيقهم الأموال في سوق سهل، ويشعرون وكأنك تتهجم عليهم إذا ما أشرت إلى مدى خطورة بعض قراراتهم".

وكانت العديد من الدراسات قد أظهرت أن استراتيجية انتقاء الأسهم تواجه صعوبة في التغلب على السوق الأوسع على المدى الطويل، حتى حين يقوم بها الخبراء. وجاء أداء صناديق الشركات ذات رأس المال الكبير الخاضعة لاستثمار نشط أضعف من أداء شركات مؤشر "أس أند بي 500" للسنة الـ11 على التوالي في عام 2020، بحسب بيانات مؤشرات "أس أند بي داو جزنز". واستمر هذا التخلف في الأداء حتى في فترة تقلبات السوق نتيجة الوباء في بداية العام.

ووجدت إحدى الدراسات، إنه في المعدل العام، حين يشتري المتداولون الأسهم بواسطة تطبيق "روبن هود" لا يتحسن أداؤها في خلال الأيام الثلاثة إلى عشرين التالية، بل يتراجع قليلاً. كما أظهرت دراسة أخرى أن الهواتف الذكية تجعل الأشخاص أكثر عرضة لشراء أصول خطرة ولملاحقة الإيرادات السابقة.

لكن كلّ ذلك لم يُثن عزيمة الجيل الجديد الذي يقود موجة ما يعرف بأسهم "الميمز"، كما لم يثن عن الأسماء الكبيرة مثل "تسلا". ويعتمد المستثمرون الجدد استراتيجيات غير تقليدية، فيبحثون عن النصائح الاستثمارية عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويناقشون اختياراتهم عبر منتديات التداول على منصة "ريديت" ومنتديات مثل "وول ستريت بيتس". كما أنهم لا يمانعون مواجهة خطر تكبد خسائر كبيرة إذا أتاح لهم ذلك اكتساب مهارات جديدة.

وثمة أدلة تثبت النجاح الذي يحققونه. فقد نشر الأستاذ في جامعة كاليفورنيا – لوس أنغلوس، إيفو وولش، دراسة العام الماضي عرض فيها محفظة أصول مشتركة على "روبن هود" تتفوق على معايير السوق، وكذلك على نموذج العامل الكمي للاستثمار، [Ma1] خلال السنتين الماضيتين حتى العام 2020.

وقال بونبارث "أصبحت البدلة نموذج لمؤسسة الخبراء التقليدية، فيما نحن في الواقع نسعى فقط الحرص لمحاولة تجنيب الأذى للمتداولين"، وأضاف "الخلط بين هذين المنهجين أدى إلى هذا الانقسام بين المستثمرين من المدرسة الحديثة والمستثمرين من المدرسة التقليدية".

ودخل هذا الجدل الدائر بين الأجيال حول استراتيجية الاستثمار المثلى إلى قلب العائلة، ولم يعد محصوراً على الأنترنت.

فعلى سبيل المثال نرى جوزيف ألدريان البالغ من العمر 55 عاماً هو طيار في شركة خطوط جوية تجارية لديه حساب تداول منذ 35 سنة. وقد استوحى أسلوبه الاستثماري من مستثمرين مخضرمين أمثال بافيت وبيتر لينش وويليام أونيل. وعلى مدى السنوات، ظلّت استراتيجيته ثابتة تعتمد بشكل أساسي على تحديد الشركات التي تقوم على أسس صلبة مثل التدفق النقدي والأرباح. وهو غالباً ما يحتفظ بالأسهم التي يختارها لفترة طويلة تصل إلى أربع أو خمس سنوات.

وقال ألدريان "أحب أن أدخل مبكراً وأبني مراكزي بتمهل"، مضيفاً "لا أحب أن ألحق بالأمور ذات الزخم قوي، فلو فعلت ذلك، سأصبح مضطراً للقيام بالتداول النهاري، وهنا ترتفع القيمة بسرعة ثمّ تنهار".

أمّا نجله، كيفن ألدريان البالغ من العمر 20 عاماً فيتداول الأسهم منذ ثلاث سنوات، ولكن أسلوبه يختلف عن أسلوب والده.

وقال كيفن "استراتيجيتي تنسجم أكثر مع عمري والزمن الذي نحن فيه"، مشيراً إلى أنه في كثير من الأحيان يشتري ويبيع في اليوم نفسه. وأضاف "أبي يركز على الأسس، ولكن بالنسبة لي الأمر يقوم بحوالي 90% على التحليل الفني وحوالي 10% على الأسس المالية. حين أتداول، أعتمد في بياناتي على الجداول، وأتداول بحسب ما تقوله لي هذه الجدول".

وجاءت الاستراتيجيات المختلفة بنتائج مختلفة للرجلين. فالأب حقق عوائد بنسبة 77% في العام 2020، فيما الابن تكبد خسائر. ومع ذلك، فإن كيفن مقتنع أن السبب يكمن في أنه لا يزال بصدد اكتشاف الاستراتيجية الناجحة التي تركز على التحليل الفني. وبالفعل، هو يحقق التقدم، وقد ارتفعت عوائده بين 55 إلى 65% في الشهر الماضي.

وأشار كيفن إلى أنه يتابع وسائل التواصل الاجتماعي باستمرار من أجل جمع المعلومات عن الأسهم، إلا أنه تعلم الدروس من والده: لا تؤخذ بالضجة عبر الانترنت وحذاري من الأسهم ذات الأسعار المتضخمة واقرأ دائماً عن الشركات الأساسية والمعلومات المتعلقة بالقطاع.

خبرات متبادلة

من جهته، تعلم المستثمر المخضرم بعض الأمور من ابنه. فحين بدأت أسهم "غيم ستوب" في الصعود في بداية العام مدفوعة بالمتداولين المتحمسين الذين كانوا يتبادلون التهاني عبر موقع "ريديت"، أخبره ابنه عن الأرباح التي يمكن تحقيقها.

وقال كيفن "أدخل إلى ريديت كلّ يوم وأحلل باستمرار كافة التعليقات عبر وسائل التواصل الاجتماعي والمغردين على تويتر، لذا أرى هذه البيانات أسرع من أبي".

وقد أقنع والده بشراء أسهم في شركة "أيه أم سي" AMC Entertainment Holdings Inc، وهو أحد أسهم الـ" ميم" الذي استفاد هو الآخر من صيحة "غيم ستوب" المدفوعة بـ"ريديت". وقد حقق الأب وابنه أرباح كبيرة بعد أن اشتريا بدولارين وباعا مقابل 17 دولاراً.

ويرى جوزيف ألدريان أن الانترنت وضعت "وول ستريت" على قدم المساواة بين المستثمرين، بما أنها أتاحت الوصول إلى المعلومات. مع ذلك يشير إلى إن بعض الشكّ قد يكون صحياً. ويضيف "وجدت أنه في حال تابعتم أي أحد من دون أن يكون لديكم نوع من الفرضية الاستثمارية، فسوف تخسرون".

المنصات الرقمية

ويأمل مارك تيلبوري (53 عاماً) من مدينة "كنت" في إنجلترا أن يتغلب على هذا الانقسام بين الفئات العمرية من خلال التواصل مع الشباب عبر واحد من تطبيقاتهم المفضلة على وسائل التواصل الاجتماعي، ويقصد "تيك توك". وقد تمكن بالفعل من جمع 6 ملايين متابع من خلال مشاركته نصائح مالية مستمدة من خبرة ثلاثين سنة في مجال الاستثمارات.

تيلبوري الذي يملك أيضاً قناة على "يوتيوب" يعتبر أن مقاطع الفيديو التي يشاركها تلعب دور مرشد الأعمال التقليدي، ويرى في "تيك توك" منصة يمكن أن تساعد المستثمرين الشباب أكثر ممّا تؤذيهم بما أنها ترشدهم إلى الأدوات التي تمكنهم من إدارة الأصول المالية، وهذا ما لم يكن متوفراً في السابق.

ووصف مقاطع الفيديو بـ"نوع من المزيج بين الترفيه والتعليم"، مضيفاً "هذا الأمر لو كنت رأيته حين كنت أصغر سناً، لاستفدت الكثير".

ولا يواجه تيلبوري قلقاً حيال ارتكاب المستثمرين الشباب أخطاء فهم يكتسبون الخبرة، وهو يفضل وصف ذلك بـ"الفرص للتعلم". وقال "طالما تتعلم منها ولا تصاب بأذى، فهذه دروس جيدة". وتابع ناصحاً: "تجاوز المسألة وتعلم منها، ثم انتقل لتبلي أفضل فيما تحاول القيام به".

وفي حين أن مشاهدة آخر الرقصات الرائجة على "تيك توك" لا يؤثر على وضعك المالي، إلا أن الأخذ بالمعلومات المالية الخاطئة المنتشرة على هذه المنصة قد يكون كارثياً بالنسبة لحسابك المصرفي.

وبالعودة إلى ألدريان الأب والابن، فهما يتداولان الأسهم معاً في كلّ صباح أمام سبع شاشات في منزلهما في فيرجينيا. وحتى حين يكون الأب مسافراً، يحرصان على تبادل الرسائل عبر منصة "ديسكورد" لمناقشة شؤون السوق. وغالباً ما يشارك كيفن أفكارهما عبر حسابه على "تيك توك" حيث يطلّ والده بشكل متكرر.

وقال كيفن "أعلم أن المعرفة التي يمكن أن يقدمها لهؤلاء المستثمرين الجدد هي معرفة حقيقية". وأضاف: "أريد دائماً أن أقوم بأمور سخيفة وهو يكشفني، ولكن، أحب القيام بأمور مضحكة".