العالم يتقدم نحو المستقبل الأخضر لكن روسيا قد تصبح الملاذ الأخير للكربون

قطاع الطاقة الروسي يلعب دوراً رئيسياً في اتساع فجوة عدم المساواة في البلاد
قطاع الطاقة الروسي يلعب دوراً رئيسياً في اتساع فجوة عدم المساواة في البلاد المصدر: بلومبرغ.
Clara Ferreira Marques
Clara Ferreira Marques

Columnist for Bloomberg Opinion in Hong Kong. Commodities, ESG, Russia & more. Via Singapore, Mumbai, London, Milan, Moscow, Paris, Cape Town, Lisbon.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما يتعلق الأمر بالانتقال نحو مصادر الطاقة المستدامة، فإن روسيا تشبه شخصية الذئب "كايوتي" الكرتونية، الذي دائما ما يجد نفسه معلقاً في الهواء.

خاصة في ظل أسعار النفط اليوم، حيث تبدو موسكو مطمئنة. وذلك مع إدراكها للمخاطر السياسية المرتبطة بإنتاج النفط والغاز، وبالرغم من ذلك، قررت روسيا مقاومة التغيير الحتمي.

حيث نراها تحجب المحادثات المناخية وترفض فكرة التحول الشامل إلى مستقبل أكثر اخضراراً باعتباره عجرفة غربية. ولكن للأسف، وتماماً كما هو معروف عن الذئب الكرتوني "كايوتي"، فإن هذه الاستراتيجيات غير المدروسة جيداً، لا يمكن أن تنجح على المدى البعيد.

عالمياً، قدرتنا على إدارة التحول نحو عصر صديق للمناخ، تتطلب انضمام الدول المعتمدة على النفط والغاز بشكل رئيسي. ويمكن القول إنه لا توجد دولة على وجه الأرض يعد ابتعادها عن الوقود المنبعث من الكربون أكثر أهمية من روسيا. وهذا ليس لأنها أكبر دولة في العالم فحسب، وهي تعاني فعلياً أكثر من غيرها من ارتفاع درجة حرارة المناخ. كما أنها دولة لا تفعل الكثير لتخفيف الأضرار المناخية. بل لأنها أكبر مُصَدّر للتلوث في العالم. فصحيح أنها قد تتنافس مع المملكة العربية السعودية على المرتبة الأولى في النفط، إلا أن موسكو مُصدّر رئيسي للغاز أيضاً، وتأتي في المرتبة الثالثة في مبيعات الفحم. وسوف يؤدي فشلها في إدارة التحول إلى مخاطر سياسية واقتصادية داخل حدود روسيا وخارجها.

نقص في العزيمة وليس الفرصة

ومع ذلك، فإن روسيا دولة تحمل الكثير من الوعود الخضراء المبشرة، بما في ذلك ما يخص الطاقة المتجددة.

ويقدّر يوري ميلنيكوف، كبير المحللين في "مركز سكولكوفو للطاقة"، أن الإمكانات التقنية لطاقة الرياح وحدها يمكن أن تضيف للبلاد ما يصل إلى 17 ألف تيراواط/ساعة لعدة مرات في اليوم. وتمتلك روسيا القدرة على أن تصبح منتجاً رئيسياً للهيدروجين الأزرق، وذلك إذا تم دمج أكبر احتياطيات الغاز في العالم مع الاستثمار في تكنولوجيا احتجاز الكربون، مما يجعل العملية أكثر نظافة. كما أنه لدى روسيا بالفعل العديد من مولدات الطاقة النووية والطاقة الكهرومائية منخفضة الكربون.

إلا أن المشكلة ليست في نقص الفرص. بل هي في تكلفة الفرص المتزايدة نتيجة التلاعب في الهامش مع محاولة الحفاظ على النظام القائم حالياً دون تغيير. حيث تراهن موسكو على الطلب المستمر على الوقود الأحفوري من الأسواق الناشئة وهو ما تعتبره ميزة تنافسية لاحتياطيات النفط والغاز الضخمة، بينما تتجاهل أجراس الإنذار الصاخبة على نحو متزايد.

وفي هذه الأثناء تضغط أوروبا، وهي سوق تصدير رئيسي، من أجل تحقيق انتعاش يساند البيئة وتطبيق ضريبة حدود الكربون. بينما قد تشهد الصين ذروة الطلب على النفط في عام 2025، أما الولايات المتحدة فهي ستكون مختلفة تماماً في ظل الإدارة الجديدة. إذ إن الهدف المتفرد لن يساعد الاقتصاد الروسي في الاستيقاظ من سباته، وهو الذي أصبح غير قادر على المنافسة أكثر من أي وقت مضى، في وقت أصبح فيه الدخل الحقيقي للنفط، غير كاف، وقد ضعفت ثقة المستهلك فيه.

التأخر في اللحاق بركب التغيير

وقد تواجه روسيا ما يسميه إندرا أوفرلاند من المعهد النرويجي للشؤون الدولية: "لحظة كوداك"، وهي مصطلح بشير لفشل شركة التصوير الفوتوغرافي الشهيرة في إدراك أهمية الرقمنة. حيث استهانت الشركة بالتغيير الجاري، ثم أفلست نتيجة لذلك، وأصبحت نموذجاً يضرب به المثل في الفشل باللحاق بالتغيير ومواكبته.

وفي حين يجب أن تبدأ موسكو بالتصرف من أجل البقاء على أعمالها، تبذل روسيا بدلاً من ذلك جهوداً رمزية فحسب من أجل تنويع مصادر الطاقة بينما تتشبث بالهيدروكربونات، وتبالغ في تقدير دور الغاز الذي ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون بنسبة أقل من النفط أو الفحم، ليكون وقوداً انتقالياً بالنسبة لها.

ولقد كان الكرملين بطيئاً في إدراكه للتغيير الوشيك في السابق، كما هو الحال مع صعود النفط الصخري في الولايات المتحدة. والمشكلة اليوم هي وجود عوامل أخرى تزيد من تشويش الصورة.

وكانت الإدارة الجيدة إدارة الاقتصاد الكلي والحكمة المالية، قد ساعدت في التخفيف من تأثير الانخفاضات الحادة والسريعة في أسعار النفط، كما حدث في عام 2020. إلا أنها تخفي الحاجة إلى اتخاذ إجراء، فيما يمثل "لعنة موارد الكفاءة" كما وصفها لي أوفرلاند. كما أن موقف روسيا المنعزل بشكل متزايد، ودبلوماسية المواجهة التي تتبعها، يزيدان الأمور سوءاً.

وعقلية الحصار التي ظهرت خلال أزمة تسميم زعيم المعارضة أليكسي نافالني وسجنه، بالكاد دعت روسيا إلى إعادة النظر في تصرفاتها. ناهيك عن إعادتها التفكير في قضايا المناخ والطاقة. وأخيراً، فإن أسعار النفط الخام التي تحافظ على معدل نحو 60 دولارا للبرميل بفضل تخفيضات العرض، والتي توفر المستوى الذي تحتاجه روسيا لموازنة ميزانيتها، توفر إحساساً زائفاً بالأمان ووهماً بوجود طلب دائم.

وقد شكلت عائدات النفط والغاز فعلاً ما يزيد قليلاً عن ربع الميزانية الإجمالية للبلاد العام الماضي، وهو انخفاض عن المتوسط الذي كان يزيد عن 40% في العقد السابق. إلا أن هذا ليس انعكاساً للتنويع الاقتصادي، كما تجادل الحكومة، بقدر ما هو أمر متعلق بضعف أسعار النفط، والاعتماد المخفي بشكل متزايد على الانفاق على الإعانات والدعم غير المباشر.

ارتباط على كافة المستويات

وفي الواقع، من الصعب المبالغة في تقدير مستوى الاعتماد الذي تعيشه روسيا على النفط والغاز. فهذه ليست مجرد دولة تنتج الوقود الأحفوري وتصدّره.

فالبلاد ترتبط بالنفط والغاز والفحم على جميع المستويات، فهي تخدم المدن وتشغلّها، وتدعم النخب فيها، وتحدد رؤية روسيا لنفسها، فضلاً عن مكانتها في العالم.

وهذا الاعتماد هو أيضاً يقف وراء فجوة عدم المساواة التي تظهر واضحة في البلاد، حيث تقوم الشركات الكبيرة بامتصاص الموارد وإعادة توزيعها بشكل غير متوازن.

ولا شيء من هذا يتغير بسرعة كافية. والحقيقة هي أنه كلما كانت المشاريع أكبر وأكثر تعقيداً للحفاظ على إنتاج روسيا، كلما زادت أهمية دور أكبر الشركات المملوكة للدولة، مرسخة أكثر هيمنتها وهيمنة الهيدروكربونات، كما يقول ريتشارد كونولي من مجموعة "إيسترن أدفايزري غروب" الاستشارية.

مشاريع نفطية عملاقة

ومن المشاريع النفطية البارزة، هناك مشروع نفط "فوستوك" الرائد، الذي يتطلب استثماراً يُقدر بأكثر من 10 تريليونات روبل، (أكثر من 130 مليار دولار)، ويتضمن 15 مدينة صناعية جديدة، تديره شركة "روسنفت أويل". كما أنها ضمت أيضاً أحواض بناء السفن وشركة "روساتوم" (Rosatom) النووية الحكومية وغيرها الكثير.

وقد وجد تقرير لـ"بلومبرغ" الشهر الماضي أن مشاريع البنية التحتية المرتبطة بالمشروع كانت على رأس قائمة المشاريع المرشحة التي يمكن دعمها بالمليارات من صندوق الثروة الحكومي الروسي.

ويذكر أن الدعم المتواضع للشركات الصغيرة أثناء الجائحة لم يفعل شيئاً يذكر لتخفيف آثارها.

والأنظمة الاستبدادية بطبيعتها غير مرنة. فلن يتحمس سوى عدد قليل من المسؤولين للتجارب الجديدة، في وقت يلوح فيه انتقال سياسي في الأفق، فيمكن لفلاديمير بوتين الترشح مرة أخرى في عام 2024 عندما تنتهي ولايته الرابعة الرئاسية، وهو الذي بدأ في وضع خيارات إضافية لمستقبله.

وبالطبع لا يساعد قضايا المناخ، أن المديرين التنفيذيين داخل شركات النفط والغاز عادة ما يكونون ذكوراً وكباراً في السن، ولديهم خبرة قليلة خارج البلاد. كما لا يوجد مساهمون يطالبون بإصلاح شامل على غرار شركة "بي بي"، أو يضغطون من أجل اتخاذ إجراءات سياسية، ولا حتى شركة "بي بي" نفسها تستطيع ذلك وهي التي تمتلك حصة نسبتها 20% في شركة "روسنفت".

شعارات خلابة

وتُعد استراتيجية الطاقة الروسية حتى عام 2035، والتي نُشرت العام الماضي، مثالاً جيداً على التحديات المطروحة. فروسيا تتحدث عن الابتكار والكفاءة، إلا أنها تواصل إعطاء الأولوية لبيع النفط والغاز (وإن كانت تتوقع دوراً أكبر للغاز)، وتضع المناخ في المرتبة الأخيرة. كما أنها تبذل جهداً لتنويع الأسواق المستهدفة، ومن المتوقع أن تزيد من الصادرات.

وكل هذا يحدث على الرغم من ارتفاع تكاليف استخراج النفط مع تقدم العمر الزمني للحقول في البلاد. وهو الأمر الذي يترك روسيا في وضع أكثر خطورة من السعودية، على سبيل المثال، في حال ضعفت أسعار النفط وظلت كذلك.

وكان وزير الطاقة قد قدّر تكلفة الإنتاج في القطب الشمالي البحري في عام 2017، بأنها تتراوح بين 70 إلى 100 دولار، وهي مستويات من غير المرجح أن يظل النفط عندها لفترة طويلة. وبالتالي تخاطر روسيا بأن تصبح "ملاذ الكربون" في العالم، كما قال مستشار المناخ رسلان إيدلجيريف في وقت سابق من هذا العام.

الهيدروجين النظيف

ولكن هناك بصيص أمل واحد، ألا وهو الضغط من أسواق التصدير. الذي يعد العامل الوحيد الذي قد يؤدي إلى لحظة تتجلى فيها الحقيقة للدب الروسي.

والحقيقة هي أنه قد نجح بالفعل في زيادة الحديث عن إمكانات الهيدروجين النظيف، لا سيما من شركة "غازبروم "، وشركة إنتاج الغاز المستقلة "نوفاتيك" وشركة "روساتوم". كما أن خطة التنمية التي وافقت عليها الحكومة العام الماضي لا تزال غامضة، إلا أنها إشارة جيدة.

وبالنسبة لمصادر الطاقة المتجددة، بدأت القرى النائية بالبلاد في التحول إلى طاقة الرياح والطاقة الشمسية لمعالجة التكلفة والمخاطر الأمنية لتوصيل الديزل، وهنا يشير ميلنيكوف من مركز "سكولكوفو" إلى مستوطنة تيكسي في القطب الشمالي.

وفي الوقت نفسه، فإن عمال المناجم مثل "أم أم سي نوريلسك نيكل"، وهو أكبر منتج للنيكل عالي الجودة، وهو المكون الرئيسي للبطاريات، بات يتحدث عن الاقبال الكبير على المعدن الذي ينتجه، فضلاً عن امتلاك روسيا للنحاس والأتربة النادرة وغير ذلك الكثير من الثروات.

حتى أنه هناك مناقشات سياسية حول كيفية معالجة التحول إلى سلاسل التوريد منخفضة الكربون على مستوى العالم. ولا يزال كل شيء مؤقتاً. ولكن هناك بالفعل خطط لخفض تمويل الطاقة المتجددة، لزيادة التحكم في أسعار الكهرباء في العام الحالي.

ولا يوجد شك أن تحولات الطاقة باستطاعتها انتاج عالماً أكثر تنوعاً. ولكن هل روسيا مستعدة لما سيحدث في حال كان المحلل ميخائيل كروتيخين على صواب؟، وهو الذي قال إنه يمكن للبلاد أن تتوقف عن كونها مُصدراً صافياً للنفط بحلول عام 2035، من الصعب الإجابة على كل هذه التساؤلات، ولكن الجواب الأبسط هو لا.