هل يتعلم جو بايدن من الصين لإنجاح خطته للبنية التحتية؟

الصين نفذت مشروعات بنية تحتية ضخمة في العقد الماضي في مجالات الطرق والنقل والمواصلات
الصين نفذت مشروعات بنية تحتية ضخمة في العقد الماضي في مجالات الطرق والنقل والمواصلات المصدر: بلومبرغ
David Fickling
David Fickling

David Fickling is a Bloomberg Opinion columnist covering commodities, as well as industrial and consumer companies. He has been a reporter for Bloomberg News, Dow Jones, the Wall Street Journal, the Financial Times and the Guardian.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

إذا كان الرئيس الأمريكي جو بايدن، يسعى لإحداث تحولٍ في البنية التحتية الأمريكية، عبر خطته التي تبلغ قيمتها 2.25 تريليون دولار، والتي جرى الكشف عنها الأسبوع الماضي، فإن بإمكانه أن يتعلم من التجربة الصينية.

لقد مرت الصين بتحوُّلٍ بعد إنفاقها على الطرق، والسكك الحديدية، والجسور، وأنظمة المترو، والاتصالات، والمدن الجديدة، منذ الأزمة المالية في عام 2008.

ومنذ افتتاح الدولة أيضاً لأول خط سكة حديد عالي السرعة بشكل حقيقي بين بكين وتيانجينغ في عام 2008، أصبح لديها الآن خطوطاً أكثر سرعة عن بقية العالم مجتمعة.

كما تم في الصين إنفاق حوالي 42 سنتاً من كل دولار مُستَثمر في رأس المال العام بجميع أنحاء العالم بين الأعوام 2008 و2017.

الاعتماد على الحكومات المحلية

هناك درس حيوي في الطريقة التي تمكنّت بها الصين من طرح الكثير من الاستثمارات في مثل هذا الوقت القصير. فلا تعتمد البنية التحتية الفعّالة على التوجيهات والتمويل من أعلى إلى أسفل، بقدر ما هي تعتمد على منح الحكومات المحلية والشركات الخاصة، والحوافز المناسبة لتطوير المرافق التي يحتاجونها.

وفي أمريكا، لا تزال حكومات البلديات والولايات تعاني من أجل جني الفوائد الاقتصادية الناتجة عن استثماراتها في البنية التحتية. ومن هنا فإن عدم قيامهم ببناء ما يكفي لا يثير تعجبنا.

ويعتبر ازدياد قيمة الأراضي بعد تحسين البنية التحتية أمراً أساسياً للاقتصاد الصيني الحديث؛ بل ويعد هذا النموذج فعّالاً بشكل كبير.

أولاً، تقوم الحكومات بالحصول على أراضٍ في أطراف المدن، والتي غالباً تضعف فيها حقوق الملكية الفردية لملاك الأراضي، ثم تقوم بعد ذلك ببناء وسائل النقل والاتصالات اللازمة التي تحتاجها لكي تتحوّل العقارات الريفية لأراضٍ تنموية ذات قيمة عالية للغاية. وأخيراً، يتم بيع قطع الأراضي السكنية والتجارية الجاهزة للبناء إلى مطوري العقارات بأسعار متضخمة إلى حد كبير.

كان هذا النظام فعالاً للغاية على مدار العقد الماضي، حيث جاء حوالي 29% من عائدات الحكومة الصينية الموّحدة في عام 2017 من مبيعات العقارات، وفقاً لكايجينغ (Caijing).

ولأسباب واضحة، لا يمكن تكييف هذا النموذج بأكمله في أمريكا، حيث لا يمكن أن ينجح الأمر على الإطلاق بدون تجريد ملاك الأراضي الأفراد، والتركيز المقلق للسلطة في أيدي المسؤولين المحليين.

وفي الوقت نفسه، هناك مجموعة من الوسائل التي يمكن للقطاع العام من خلالها رفع قيمة الأراضي التطويرية، وهي وسائل تتجاوز الممارسات الحالية في الولايات المتحدة، وتعجز عن النهب الذي تمارسه العديد من البلديات الصينية.

الاستفادة من عائدات التطوير العقاري

خذ على سبيل المثال قطاع النقل الياباني المخصخص، الذي يضم في صناعته شركات تجمع بين التطوير العقاري والقطارات في نفس الوقت، بما في ذلك مشغلي قطارات الطلقة الشهيرة المعروفة باسم "تشينكانسين".

تجني شركة السكك الحديدية "كيوشو ريل واي" (Kyushu Railway Co)، التي تمتلك الجزء الجنوبي من الشبكة العالية السرعة، الكثير من الأموال من خلال بناء وإدارة مراكز التسوق وغيرها من الممتلكات، وهي مبالغ تفوق ما تحققه من بيع تذاكر القطار.

من خلال الاستثمار في الأراضي وتطويرها بالقرب من ممرات النقل الخاصة بها، فإنها قادرة على تقديم الدعم المتبادل لعمليات السكك الحديدية التي تعمل بتكلفة أو حتى بخسارة اقتصادية صريحة، مع استمرار تقديم الفوائد للجمهور.

وفي الواقع، تم بناء محطة "غراند سنترال" في نيويورك بمنطق مماثل، حيث تم تمويلها جزئياً من خلال العقارات التي تم تطويرها فوق ساحات السكك الحديدية المغطاة والممتدة إلى 16 مبنى في المدينة شمال الردهة الرئيسية.

ويربح مشروع "كروس ريل" في لندن 500 مليون جنيه إسترليني (691.55 مليون دولار) من تطورات مماثلة، وقد اشتمل خط مترو سيدني الجديد على هدم أبراج مكاتب متعددة لبناء مبانٍ شاهقة جديدة أكثر قيمة في مكانها.

وفي جميع هذه الحالات، يعتبر بناء البنية التحتية جذّاباً للحكومة لأنها قادرة على الاستئثار ببعض القيّم المتزايدة للأراضي الناتجة عن ذلك، ونادراً ما يحدث ذلك في الولايات المتحدة.


التردد الحكومي

قد يكون لتدابير فرض الرسوم على مالكي العقارات المحليين، مثل مناطق التقييم الخاصة المستخدمة لتمويل مشاريع مثل "ساوث ليك يونيون ستريت كار" في سياتل، تأثير مماثل من الناحية النظرية.

إلا أن المشكلة تكمن في أن فكرة توحيد الهدف المطلوب لتطوير البنية التحتية على نطاق أوسع، غير متوفرة في الولايات المتحدة الحديثة، وفقاً لديفيد ليفنسون، أستاذ هندسة النقل بجامعة سيدني ومخطط النقل السابق في ولاية ماريلاند. ويشرح ليفنسون: "تنقسم قرارات النقل بشكل كبير في الولايات المتحدة. فرض الضرائب على الممتلكات أمر تقره الحكومة المحلية؛ بينما يؤول قرار تمويل البنية التحتية للنقل إلى الولاية. ولكن الحكومات ليست مستعدة للتغلب على امتيازات البلديات لكي تقوم ببناء البنية التحتية".

ويعني هذا التقاسم أيضاً أن الإنفاق مفرط في رد فعله، فمثلاً، تتم توسعة الطرق عدة مرات للقضاء على الازدحام بدلاً من التفكير في تطوير رؤى متكاملة حول عمل المدن بشكل أفضل. وفي هذا الصدد يقول ليفنسون: "يتمتع مهندسو المرور بسلطة أكبر من المخططين، بينما ينظر صانعو القرار إلى الأمر من الزجاج الأمامي أثناء قيادة سياراتهم".

إهدار الأموال

تتمثل المخاطر الرئيسة في برنامج البنية التحتية الذي لا يعالج بعض المشكلات التنسيقية هذه في إهدار الأموال، أو في استبدال الأموال التي يجب أن تنفقها الولايات والبلديات بغيرها.

لا تكمن المشكلة الأساسية للبنية التحتية في الولايات المتحدة في نقص التمويل، فالإنفاق على النقل يعادل الإنفاق في الاتحاد الأوروبي الذي يزيد عدد سكانه مجتمعاً بالثلث. المشكلة تكمن في أن كل هذا الإنفاق يفشل في توفير الراحة التي يستحق أن يتمتع بها مواطنو الولايات المتحدة.

ورغم كل إخفاقاتها في الحوكمة، إلا أن الصين تفوقت على مدار العقد الماضي في استخدام الإنفاق العام لتحسين نوعية حياة الناس، بينما يجب ألا تتعالى أمريكا، التي تريد تكرار الحيلة، على التعلّم من تلك التجربة.