صراع الفضاء.. هكذا انتصر إيلون ماسك على فلاديمير بوتين

سباق الفضاء لم يعد لصالح روسيا
سباق الفضاء لم يعد لصالح روسيا المصدر: صور غيتي
Clara Ferreira Marques
Clara Ferreira Marques

Columnist for Bloomberg Opinion in Hong Kong. Commodities, ESG, Russia & more. Via Singapore, Mumbai, London, Milan, Moscow, Paris, Cape Town, Lisbon.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

"ينبغي تذكُّر الماضي، والافتخار به، بل ويتعين علينا ذلك". هكذا قال رائد الفضاء، فيودور يورتشيخين، في مقابلة العام الماضي، مستطرداً "ولكن لا ينبغي العيش عليه"، وهو ما ينطبق على قطاع الفضاء الروسي الذي كان رائداً في وقت من الأوقات.

وفي مثل هذا الشهر قبل 60 عاماً، وبعد صرخة حماسية روسية “Poekhali!” التي تعني تقريباً "هيا ننطلق"، ورحلة مدَّتها 180 دقيقة، أصبح يوري غاغارين أوَّل رجل في المدار، مقدِّمًا صورة ضاحكة للصفحات الأولى للجرائد، وفوزاً لا يضاهيه شيء للعلاقات العامة في الاتحاد السوفييتي.

ولا تزال المعرفة الروسية بالفضاء قوية، كما لا يزال "غاغارين" بطلاً قومياً، ويعتقد أغلب الروس أنَّ دولتهم رائدة في أحدث ما توصَّل إليه العلم، وبطبيعة الحال اعتمدت موسكو أوَّل مصل لفيروس كورونا بعد "سبوتنيك"، تيمُّناً باسم القمر الصناعي الذي أرعب إطلاقه في عام 1957 العام الغربي.

وبرغم أنَّ الرئيس فلاديمير بوتين ليس متحمساً للسفر بين الكواكب، فإنَّه يدرك تماماً التداعيات العسكرية والجيوسياسية لبرامج الفضاء.

لكن لم تعد روسيا القوة التي كانت عليها، وتضرَّر القطاع من العقوبات الغربية، والأسوأ من ذلك مزيج البيروقراطية، والسرية العسكرية، والاقتصاد الذي تسيطر عليه الدولة، الذي أدَّى إلى الفشل في رعاية مشروعات الفضاء الخاصة من النوع الذي يقود الابتكار في الولايات المتحدة.

كما أنَّ وجود الرؤية يعدُّ أمراً مساعداً أيضاً. وتبذل بكين، التي أطلقت أوَّل قمر صناعي لها في 1970، محاولات حثيثة للوصول إلى مدار المريخ، والهبوط وإطلاق رحلة استكشافية على الكوكب في الذكرى المئوية للحزب الشيوعي.

إرث الستينيات

ويعدُّ الحنين إلى الماضي مفهوماً، كما كانت الإنجازات الأولى التي تحقَّقت عندما كانت توترات الحرب الباردة في أوجها بمثابة نجاحات رئيسية، سياسياً وتكنولوجياً، بغض النظر عن مدى صغر الفوارق بين الدولتين.

وكما أشار ستيفن والكر، مؤلف " (Beyond)، أو "على الجانب الآخر"، وهو الكتاب الذي يسرد أوَّل رحلة قام بها بشر للفضاء، كان الأمر ليختلف في عام 1961، إن لم تؤجل الولايات المتحدة مهمة آلان شيبرد بعدما نفد الوقود من رحلة تجريبية مبكراً بمقدار نصف ثانية.

ولا تزال روسيا لها ثقل كبير، وتعدُّ واحدة من الدول القليلة القادرة بموثوقية على إرسال أشخاص إلى الفضاء، وخلال أغلب العقد الماضي، اعتمد روَّاد الفضاء الأمريكيين على مركبات سويوز (Soyuz) الروسية للوصول لمحطة الفضاء الدولية، لكن ذلك يوشك على الانتهاء، إذ أصبحت إنجازات الماضي أكثر ندرة.

وشهد الجيل الجديد من الصواريخ والمركبات تأخيرات لا نهائية، مع قليل جداً من الإبداع، وكثير من الإنفاق المسرف، وبعض الأعطال المحرجة، ولم تتمكَّن مهمة "فوبوس غرانت" في 2011، التي كانت لتسجل عودة روسيا إلى الاستكشاف عبر الكواكب، من الانطلاق أبداً. وفي العام نفسه، أطلقت "ناسا" مهمتها الناجحة للعربة المتجوِّلة على المريخ "كيوريوسيتي روفر".

أزمة التمويل

واستجاب رئيس وكالة الفضاء الاتحادية، "روسكوسموس"، ديمتري روغوزين، للنجاحات التي أحرزها القطاع الخاص بالخارج من خلال التقليل من مجهودات شركات مثل "سبيس إكس" المملوكة لإيلون ماسك.

وفي عام 2014، غرَّد بأنَّ الولايات المتحدة قد تحتاج إلى "ترامبولين" لإيصال روَّاد فضائها إلى محطة الفضاء الدولية بعدما فرضت واشنطن عقوبات ضد مسؤولين هو من بينهم، عندما كان حينها يتولى منصب نائب رئيس الوزراء، ومنذ ذلك الحين اتهم ماسك بالتسعير الجائر.

وتعدُّ الأموال جزءاً من المشكلة بالنسبة لروسيا؛ فقد ارتفع الإنفاق الفيدرالي بالروبل، ولكنَّه انخفض من ناحية القيمة بالدولار. ويقدِّر المحلل المستقل، بافيل لوزين، إجمالي إنفاق عام 2020 على برنامج الفضاء، ومواقع الإطلاق، ونظام الملاحة بالأقمار الصناعية "غلوناس" (GLONASS) عند 2.4 مليار دولار أي نصف القيمة بالدولار في 2013، كما جفَّ مصدر النقدية القادم من المشتريات الأمريكية لمحرِّكات الصواريخ "RD-180".

تعثر روسي

وكانت المدفوعات الأمريكية مقابل رحلات مركبة سويوز إلى محطة الفضاء الدولية تمثِّل دعماً حيوياً لروسيا، وبالتالي كان إرسال "سبيس إكس" لروَّاد فضاء إلى المدار العام الماضي بمثابة صحوة، وقال ماسك ساخراً: "نجح الترامبولين".

وحاولت "روسكوسموس" إجراء تغييرات، ولكنَّ مبادراتها الرئيسية لم تتحوَّل إلى خطط.

ويهدف موقع الإطلاق "فوستوشني" في الشرق الأقصى إلى تأمين استقلال روسيا، وتقليل اعتمادها على مركز بايكونور الفضائي في كازاخستان، ومع ذلك يقول الخبراء، إنَّ التضاريس الصعبة في سيبيريا، وظروف البيئة المحيطة قد تجعل عمليات الإنزال في حالات الطوارئ خطيرة، كما أنَّه حظي باهتمام قليل - وغضب بوتين - بسبب التأخيرات، وتجاوز التكاليف الميزانيات المقرَّرة، ومزاعم الفساد.

وأصبحت عائلة صواريخ "أنغارا"، التي تعمل منذ ربع قرن، باهظة الثمن بشكل تعجيزي، كما تعثَّر صنع مركبات جديدة تحمل روَّاد فضاء، وبدونها، ستواجه روسيا صعوبة في الوصول إلى القمر.

واستناداً إلى ذلك، فمن غير المرجَّح أن تنجح خطط إنتاج مركبات شحن قابلة لإعادة الاستخدام، ويمكن إطلاقها سريعاً بأسعار مخفضة.

وتصرُّ موسكو على السيطرة المركزية والسرية، وتفشل في فهم أهمية القطاع التجاري المزدهر الذي يمكن أن يحتضن شبيهة روسية بـ"سبيس إكس". وتركت الدولة الشركات الخاصة في فخٍّ يصفه العاملون في القطاع بأنَّه بيروقراطية تنظيمية في أرض لا يحكمها أحد، وهو أمر بدأ المسؤولون معالجته مؤخراً.

وحتى الجهود المبدئية من أصحاب رأس المال المغامر والمحاولات رفيعة المستوى لاحتضان الشركات الناشئة في مجال الفضاء في مجموعات على غرار وادي سيليكون، حققت نجاحات قليلة، وإخفاقات بارزة.


طموحات صينية

وفي ظلِّ عدم وضوح إمكانية التعاون الأمريكي الروسي في مجال الفضاء في المستقبل، كان هناك ميل لإنشاء روابط مع الصين من خلال خطط لتأسيس محطة أبحاث قمرية مشتركة، ولكن الصين لديها طموحاتها الخاصة، ونزعة للاعتماد على ذاتها.

ويستشهد الصحافي المختص بشئون الفضاء، إريك برغر، في كتابه "Liftoff" (الانطلاق)، الذي يسرد قصة الأيام الأولى لشركة "سبيس إكس"، بعالم يدرس الجهود المحمومة للشركة، وقدرتها على جذب المهندسين الشباب اللامعين قائلاً: "على المدى البعيد، الموهبة تغلب الخبرة، وكذلك تهزم ثقافة ريادة الأعمال الموروثة"..

وبدون تغيير الهياكل السياسية والاقتصادية التي تعيق روسيا، ستواجه الدولة التي أطلقت يوماً ما "غاغارين" أنباء سيئة.