اضطرابات الأردن الأخيرة تؤكد حاجة المملكة للإصلاح

الملك عبد الله الثاني وولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله والأمير حمزة بن الحسين وعمهم الأمير الحسن بن طلال يزورون ضريح الملك الحسين بن طلال
الملك عبد الله الثاني وولي العهد الأمير الحسين بن عبد الله والأمير حمزة بن الحسين وعمهم الأمير الحسن بن طلال يزورون ضريح الملك الحسين بن طلال المصدر: وكالة الأنباء الأردنية "بترا"
Karen E. Young
Karen E. Young

Karen E. Young is a resident scholar at the American Enterprise Institute.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أعلن العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني يوم الأربعاء الماضي عن "وأد الفتنة"، في إشارةٍ إلى ما وصفته الحكومة الأردنية بأنَّه مؤامرة لزعزعة استقرار البلاد، شارك فيها الأمير حمزة، ولي العهد السابق. لكن حتى وإن انقضى التهديد المباشر للملك، وتمَّ احتجاز أخيه غير الشقيق قيد الإقامة الجبرية، فسيكون من الحماقة الاستنتاج أنَّ كلَّ شيء أصبح على ما يرام مجدداً في المملكة الهاشمية.

وبغض النظر عمَّا كان يخطط له الأمير حمزة – ومن غير المرجَّح أن يكون انقلاباً واسع النطاق لأنَّ الجيش يدعم الملك بشكل كامل – إلاّ أنَّ خطابه، بشكل محدد، استهدف الفساد، وعدم الكفاءة في المناصب العليا، وصولاً إلى القصور الملكية. وبرغم فشل تمرُّده، إلاّ أنَّ الأمير حمزة ربما قد نجح في لفت الانتباه الدولي إلى قضايا يشعر بها معظم الأردنيين بعمق.

ترتيب الأردن تراجع خلال السنوات الخمس الأخيرة على مؤشريْ الديمقراطية ومحاربة الفساد

عوامل الغليان

لقد تفاقم السخط الاقتصادي في جميع أنحاء المملكة منذ سنوات عدَّة، وكان يصل لحدِّ الغليان من حينٍ لآخر، كما حدث عام 2018 عندما أدَّت زيادة مقترحة على ضريبة الدخل إلى احتجاجات في الشوارع أوائل الصيف، ومرة ​​أخرى في الشتاء الذي تلاه، طالب خلالها المتظاهرون بإصلاحات سياسية جادَّة، وإجراءات لمكافحة الفساد.

وتراجع موقع الأردن بشكلٍ مقلق في كِلا الجانبين، فقد خفَّضت منظمة "فريدوم هاوس" الأمريكية، غير الهادفة للربح، تصنيف المملكة من "حرَّة جزئياً" إلى "غير حرَّة" في تقييمها لحالة الديمقراطية بدول العالم. كما انخفض الأردن في السنوات الخمس الماضية من المرتبة 45 إلى 60 من أصل 180 دولة في مؤشر مدركات الفساد الصادر عن منظمة الشفافية الدولية.

ويتحمَّل الملك عبد الله الكثير من اللوم، عمَّا آلت إليه الأمور، فرغم إجراء انتخابات في الأردن، إلا أنَّها مقيَّدة للغاية، ولدى الملك سلطة مطلقة على الحكومة وسياساتها وعملها.

لقد قام الملك معظم الأوقات بتكميم أفواه المعارضة الداخلية ووسائل الإعلام، إلاّ أنَّ انتقادات الأمير حمزة العلنية ستضع الملك عبد الله تحت ضغطٍ لتبديد اتهاماته بسوء الحكم. وعلاوةً على ذلك، سيحتاج، لكي يدفن الشقاق بين رعيته، إلى التوصل لحلول سياسية للبطالة المستمرة، والسجل المتعثِّر لجذب الاستثمار الأجنبي، وتناقص الإيرادات من السياحة، وتحويلات المغتربين، ونظام الصحة العامة المنهك، والديون الخارجية المتضخِّمة.

جائحة كورونا أدَّت لانكماش الاقتصاد الأردني 3% في 2020، دافعةً حوالي 1.5 مليون مواطن للفقر

كورونا فاقم الأزمة

لقد فشلت الحكومات المتتالية في معالجة هذه القضايا، وبدلاً من ذلك، ركَّزت على الاستثمارات البارزة في المشاريع، بدءاً من الفنادق الراقية، ومحطة الطاقة الكهربائية العاملة بالوقود الصخري، إلى الإنتاج الصناعي للبوتاس، والأسمدة الزراعية، ووصولاً للمشاريع العقارية المتميزة. وفي الغالب، ولَّدت هذه المشاريع وظائف ذات مهارات متدنية، وأسهمت بتشويه الطبيعية، في حين لم توفِّر الإسكان الميسور التكلفة، ولا الوظائف ذات الأجور المرتفعة في قطاع الخدمات، ولا المساحات الخضراء الحضرية التي يفتقدها الكثير من الأردنيين.

كما تفاقمت هذه المشاكل بسبب الضرر الاقتصادي الناجم عن جائحة كورونا، الذي أدَّى إلى انكماش بنسبة 3% في الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي خلال العام الماضي، دافعاً ما يصل إلى 1.5 مليون أردني إلى الفقر. واستناداً إلى تقديرات الحكومة، فإنَّ حوالي 25% من القوى العاملة تعاني البطالة، وتشمل 50% من الشباب، و34% من النساء.

إلى ذلك، كانت الوفيات الناجمة عن الجائحة كورونا كبيرة، فقد تمَّ الإبلاغ عن حوالي 500 ألف إصابة بالفيروس، وما يفوق 5000 حالة وفاة، وهي أعداد كبيرة بالنسبة لدولةٍ يبلغ عدد سكانها 10 ملايين فقط. كما كان أداء الحكومة بالتعامل مع كورونا ضعيفاً، مما عزَّز المخاوف لدى الكثير من الأردنيين، لا بل أدَّى إلى موجة من الغضب العارم خلال الشهر الماضي، عندما نفد الأوكسجين في مستشفى حكومي، مما أدَّى إلى وفاة سبعة مرضى كورونا على الأقل.

يبدو أنَّ "اتفاقية إبراهيم" بين الإمارات والبحرين وإسرائيل لن يكون لها تأثير إيجابي على تعزيز التوقعات الاقتصادية للأردن

من أين سيأتي المال؟

يتضاءل التفاؤل إذا تمَّ النظر لما بعد وباء كورونا. إذ لو حقَّق الأردن نمواً في الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى 2.5%، وفقاً لتوقُّعات الحكومة وصندوق النقد الدولي، فسيظل مثقلاً بدينٍ عام بلغ 85% من الناتج المحلي الإجمالي عام 2020، وبالتالي سيحتاج إلى تمويل خارجي جديد.

لكن من أين سيأتي المال؟ لدى المصادر التقليدية، أي دول الخليج العربي، أولويات أخرى، إذ تتعامل مع تداعيات جائحة كورونا. وفي عام 2018، تمكَّن البنك المركزي الأردني من الاعتماد على ودائع من الكويت، والإمارات، والسعودية لدرء أزمة مالية، ولكن قد لا يأتي هذا الدعم مجدداً في المستقبل.

كما انخفض الاستثمار الأجنبي المباشر من دول الخليج في الأردن بشكل حاد. فرغم ارتفاع الاستثمارات من السعودية والإمارات بين عامي 2018 و2019 إلى حوالي ملياري دولار، إلاّ أنَّها تقلَّصت إلى حوالي 10% من هذا الحجم عام 2020، وفقاً لمجلة "غلف فايننشال إيد آند إنفستمنت تراكر" (Gulf Financial Aid and Investment Tracker). ويتفوَّق استثمار رأس المال الخليجي في الأردن بشكل كبير على الاستثمارات من الصين، أو الولايات المتحدة، أو أوروبا.

كذلك لم يكن لِـ"اتفاقية إبراهيم" بين الإمارات، والبحرين، وإسرائيل تأثيراً إيجابياً على تعزيز التوقُّعات الاقتصادية للأردن، لا بل أصبح على المملكة التنافس مع إسرائيل لجذب اهتمام المستثمرين الإماراتيين والبحرينيين. فعلى سبيل المثال، ستلغي الرحلات المباشرة من إسرائيل إلى أبوظبي ودبي الحاجة إلى العبور عبر عمَّان، مُبدِّدةً بذلك مصدر دخل كانت تعتمد عليه الخطوط الجوية الملكية الأردنية لمواجهة تأثيرات أزمة كورونا على قطاع السفر.

المساءلة العامة ستزداد، وسيحتاج الملك لجعل الحكومة أكثر شفافية، وهي الخطوة الأولى بأي حملة جادّة ضد الفساد

خطوات مطلوبة

تكمن مشكلة المملكة الكبرى في الوضع الممزق للاقتصادين العربيين الذين ارتبط الرفاه الاقتصادي للأردن بهما تقليدياَ، مما يترك البلاد تحت عبء استضافة ملايين اللاجئين من سوريا والعراق، دون الدعم الاقتصادي الذي اعتادت الدولتان على توفيره.

ومع أنَّه لا يمكن عزل المملكة الأردنية الهاشمية عن المنطقة، لكن يمكنها تقليل اعتمادها على جيرانها وعلى دول الخليج، إذ تمتلك رأس المال البشري اللازم لتوسيع قطاع الخدمات، وخلق فرص عمل جديدة. فما يحتاجه الاقتصاد هو سياسات ملائمة، واستثمارات في التعليم، والبنية التحتية التقنية، بالإضافة إلى تعزيز ريادة الأعمال.

سيكون هذا أمراً صعباً لأيِّ حكومة، ولكن ستتضاعف صعوبته على حكومة لا تتمتَّع بثقة مواطنيها. أمَّا بالنسبة للملك عبدالله وللأمير حمزة، فمن الأفضل تنحية الدراما العائلية جانباً. غير أنَّه من المؤكَّد أنَّ قوة المساءلة العامة ستزداد، وسيحتاج الملك إلى جعل الحكومة أكثر شفافية، وهي الخطوة الأولى في أيِّ حملة جادَّة ضد الفساد.. إنَّ السماح بدخول بعض الضوء إلى القصر سيُعدُّ استجابة أفضل من فرض الحظر على التغطية الإعلامية لأحداث نهاية الأسبوع الماضي.