الهجرة.. تحدي القرن بالنسبة لدول العالم الثري

مجموعة من العائلات المهاجرة تتوجه نحو مركز الجمارك ودوريات الحدود في تكساس، الولايات المتحدة
مجموعة من العائلات المهاجرة تتوجه نحو مركز الجمارك ودوريات الحدود في تكساس، الولايات المتحدة المصدر: بلومبرغ
Max Hastings
Max Hastings

Max Hastings is a Bloomberg columnist. He was previously a correspondent for the BBC and newspapers, editor in chief of the Daily Telegraph, and editor of the London Evening Standard. He is the author of 28 books, the most recent of which are "Vietnam: An Epic Tragedy" and "Chastise: The Dambusters Story 1943."

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

هذا العام، قد يتقرر مستقبل الديمقراطية الأمريكية بناءً على ما يحدث على الحدود المكسيكية. وهذا يعني أنَّه إذا كانت الجماهير الكبيرة التي تخشى من حركات الهجرة، غير مقتنعة بأنَّ إدارة الرئيس جو بايدن تنفِّذ سياسات ذات مصداقية للسيطرة عليها، فإنَّ "الترمبية" يمكن أن تعاود الظهور بشكل كبير في الانتخابات النصفية، وما بعد ذلك.

ومشكلة الهجرة هذه، لا تقتصر على الولايات المتحدة وحدها، وذلك لأنَّ ناقوس الخطر الذي تدقه حركات الهجرة، يعدُّ قضية سياسية رئيسية في كل ديمقراطية متقدِّمة تقريباً.

قضايا الهجرة أداة سياسية

وقد تجعل هذه القضية المرشحة اليمينية مارين لوبان، على سبيل المثال، رئيسة لفرنسا في انتخابات العام المقبل. كما ساهمت مسألة الهجرة إلى حدٍّ كبير، وربما بشكل حاسم، في خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وتقلَّد رئيس الوزراء بوريس جونسون السلطة. أما في الدول الواقعة بين أستراليا والسويد، فيشعر السكان المقيمون هناك بالقلق والانقسام بشأن معنى الاكتفاء من المهاجرين الجدد.

ويقول تقرير الهجرة في العالم الصادر عن الأمم المتحدة لعام 2020: "لقد أصبحت الهجرة الدولية بصورة متزايدة شكلاً من أشكال السلاح السياسي، فقد يتمُّ استخدامها من قبل بعضهم كأداة سياسية لتقويض الديمقراطية، والمشاركة المدنية الشاملة".

وفي حين أنَّ أعداد المهاجرين، وهم الأشخاص الذين يعيشون خارج بلدانهم الأصلية، كان يقدَّر بنحو 150 مليون مهاجر في عام 2000، فإنَّ هذا الرقم أصبح اليوم 272 مليوناً، وهو آخذ في الازدياد.

ففي الولايات المتحدة، على سبيل المثال، كان عدد المهاجرين في عام 1970 أقل من 10 ملايين، وهي الوجهة العالمية المفضلة بأغلبية ساحقة للمهاجرين. أما اليوم فقد بلغ عدد المهاجرين إلى الولايات المتحدة 44 مليون مهاجر. في حين تحتضن أوروبا 82 مليون مهاجر، وهو ما يمثِّل زيادة بنسبة 10% منذ عام 2015.

ولا يزال هناك الكثير من المهاجرين الذين يحاولون الوصل إلى وجهاتهم حتى الوقت الحالي، خاصة في إفريقيا؛ إذ يوجد ما يقدر بنصف مليون شخص يعبرون مصر حالياً في طريقهم إلى أوروبا، و800 ألف آخرين في ليبيا للغرض نفسه.

ويضيف تقرير الأمم المتحدة: "لا تزال الهجرة من شمال إفريقيا إلى أوروبا سمة مميزة لديناميكيات الهجرة في المنطقة".

حلول مؤقتة لمشكلة دائمة

وفي حين أنَّ كل دولة متقدِّمة تملك نوعاً ما من السياسات الفورية لإدارة المهاجرين، التي تتعلَّق في الغالب بإبعاد أكبر عدد ممكن منهم. فمثلاً، قام الرئيس دونالد ترمب ببناء جدار عازل، وتسعى بريطانيا اليوم إلى استغلال خروجها من الاتحاد الأوروبي والقناة الإنجليزية (بحر المانش)، في حين تعمل أستراليا على تسفير الوافدين غير المصرح لهم بالوجود فيها، في حين تؤوي فرنسا المهاجرين القادمين إليها من شمال إفريقيا في الضواحي النائية.

وفي جميع هذه الخطط، فإنَّ ما هو مفقود هو الاعتراف الحكومي بأنَّ هذه ليست مشكلة قصيرة الأمد، وأنَّها مشكلة تاريخية. إذ نشهد بداية - وأنا استخدم هذه الكلمة بحذر - لحركة واسعة، ذات آثار اجتماعية لا حدود لها، ما لم تضع دول العالم الغني برامج أكثر إبداعاً وسخاءً، وتُنفِّذها لتقليل الحوافز التي تدفع الناس إلى ترك أوطانهم في العالم الفقير.

وقد أخبرني البروفيسور مايكل هوارد، وهو أحد أكثر مؤرخي ومفكري جيله ذكاءً، قبل بضع سنوات: "يبدو أنَّ الهجرة القائمة الآن من نصف الكرة الأرضية الجنوبي إلى النصف الشمالي هي أهم تحرُّك للسكان منذ العصر المسيحي الأول". ويبدو أنَّ الأسباب جميعها تشير إلى أنَّه كان على حق، وتبرز أهمية ملحَّة لإنشاء سياسات راديكالية لمعالجتها.

ولكن يجب إيضاح نقطتين مهمتين في البداية. وهما أولاً، ما يتعلَّق بأنَّ أسباب الهجرة وانعكاساتها كثيرة، وتختلف من منطقة إلى أخرى. وثانياً، الإحصاءات الواردة تأتي جميعها من الأمم المتحدة، ومع أنَّها تمثِّل أفضل ما هو متاح حالياً. إلا أنَّها مثل جميع الإحصائيات لا تتعدى كونها تقديرات مستنيرة فقط، أو أدلة تقريبية للاتجاهات القائمة.

طرق مختلفة وهدف واحد

وهناك أمر واحد مشترك واضح في الأسفار التي يقوم بها الملايين وسط المصاعب التي غالباً ما تُعرِّض حياتهم للخطر؛ وهي أنَّ المهاجرين اليوم مثل جميع المهاجرين منذ بداية الزمن، يأملون في تحسين حياتهم.

وفي هذا الإطار، أتذكر حينما قمت بإنتاج فيلم لقناة "بي بي سي" في موريتانيا بغرب إفريقيا في عام 1971، وكان الفيلم يسلِّط الضوء على مجاعة انتشرت نتيجة الجفاف في منطقة الساحل. وبقيت أعمل لعدَّة أيام بين رجال القبائل في الأماكن النائية، وكنت مدركاً أنَّهم ينظرون إليَّ ولطاقم التصوير الذي يرافقني كأنَّنا زوار من المريخ، إذ لم يكن لديهم أدنى فكرة عن طبيعتنا أو المكان الذي أتينا منه.

واليوم، وفي كل مكان في العالم تقريباً، بدأ غياب الوعي للاختلافات في الحياة في التغير. فيمكن للناس اليوم، حتى في العديد من المجتمعات الفقيرة والنائية، الوصول إلى التلفزيون، والهواتف المحمولة، والإنترنت. ولديهم، وخاصة الشباب منهم، فهم قوي لما تبدو عليه المجتمعات الغنية.

وعند مصادفتهم في وسط إفريقيا، يمكن أن يشهد المرء نزاعاً مع أحد أفراد قبيلة الماساي في كينيا، وهو يرتدي الزي القبلي الكامل، بسبب محادثات حماسية حول الدوي الإنجليزي لكرة القدم.

فهم يعرفون، على عكس من صادفتهم من الموريتانيين قبل نصف قرن، ما لدينا وما ليس لديهم. وهذا يُعدُّ دافعاً قوياً بالنسبة لهم لمحاولة الهروب من حاضرهم إلى مستقبلنا.

وفي الجانب الآخر، فإنَّ معظم البلدان المتقدِّمة تحتاج إلى بعض المهاجرين للحفاظ على مستويات سكانها، بسبب انخفاض معدلات المواليد، والخصوبة المحلية. فضلاً عن أنَّ التحويلات المالية التي يرسلها العمال المهاجرون إلى عائلاتهم الفقيرة في الوطن، التي بلغت 689 مليار دولار عالمياً في عام 2018. وهذه الأرقام تشكِّل مساهمة مهمة في استدامة مجتمعاتهم، التي يمكن القول، إنَّها أكثر كفاءة من المساعدات الخارجية.

ومع ذلك، فإنَّ الجميع، باستثناء الليبراليين الأكثر حماسة، يدركون أنَّ الديمقراطيات الغربية سوف ترتبك وتغرق إذا جاء كل الذين يرغبون في العيش بينهم إليها. وباتت كلمة "حل" كلمة يمنع طرحها في إطار النقاشات حول القضايا الأكثر تعقيداً في العالم، بدءاً من السلام في منطقة الشرق الأوسط إلى تغيُّر المناخ.

فمفهوم الحلول الصعبة غير موجود. وبدلاً من ذلك، تعمد البشرية إلى إدارة صعوباتها الكبيرة والتخفيف من حدَّتها، وينطبق ذلك على قضية الهجرة غير المنضبطة.

التغير المناخي والنزاعات

قد يكون تغيُّر المناخ هو المعضلة الأكبر في القصة، الذي سنعود إليه بعد قليل. إذ توجد مشاكل خاصة في المثلث الشمالي لأمريكا الوسطى، أي السلفادور، وغواتيمالا، وهندوراس، وأجزاء من جيرانها. وهذه المشاكل يجب أن تكون مطروحة للمساعدات والدعم الأجنبي.

ويعدُّ الانهيار الوشيك للحكم فيها، والمقترن بالجريمة والفساد، نظاماً قد تراكمت عليه الكوارث الطبيعية المتتالية.

وينظر الأوروبيون أحياناً إلى معدل جرائم القتل في الولايات المتحدة كمعدل مرتفع للغاية، الذي بلغ 5 أشخاص من بين 100 ألف، في عام 2018. وذلك مقارنة بـ29 شخصاً في المكسيك، و24 شخصاً في بيليز، و38 شخصاً في هندوراس، و22 شخصاً في غواتيمالا، و52 شخصاً في السلفادور، وتبرز حروب المخدرات بشكل كبير وسط هذه المذبحة.

وكانت إدارة الرئيس باراك أوباما قد التزمت بتقديم 750 مليون دولار على شكل مساعدات للمثلث الشمالي، إلا أنَّ ترمب جمَّدها في عام 2019، كعقوبة على افتقار تلك الدول المزعوم إلى الدعم في إيقاف الهجرة. وتقترح إدارة بايدن إعادة إحياء مساعدات التنمية السخية. كما قام بتعيين ريكاردو زونيغا، وهو مسؤول محترم في السلك الدبلوماسي، كمبعوث خاص للمنطقة. وباتت الأولوية الواضحة هي استعادة القانون والنظام، والتغلب على الفساد، وتعزيز الحوكمة الرشيدة.

وأحد الإجراءات التي يجب أن تكون واشنطن منفتحة عليها هي إلغاء قوانين السرية المصرفية الأمريكية التي تسمح لأفراد العصابات في أمريكا اللاتينية بغسل الأموال بحرية، وشراء العقارات في بعض الولايات - كانت ديلاوير المفضلة لديهم منذ فترة طويلة - دون الكشف عن الملكية. (أقرَّ الكونغرس قانوناً ينصُّ على شفافية أفضل للشركات خلال العام الماضي).

ومن العقبات أمام الحلول لهذه المشكلة، هو أنه من الصعب بشكل يصعب قياسه في ظلِّ غياب سياسات الاستعمار الجديد، منع ابتلاع السياسيين والمسؤولين الفاسدين في تلك الدول للمساعدات الخارجية. وما هو مؤكَّد بالفعل هو أنَّ الأمل الوحيد لوقف الهجرة الجماعية من أمريكا اللاتينية لا يكمن في احتجاز أعداد كبيرة من الناس على الحدود المكسيكية، بل بإنقاذهم من اليأس داخل بلدانهم.

هذا عدا عن تداعيات تغيُّر المناخ على منطقتي أمريكا الوسطى والجنوبية، التي باتت مروعة. وذلك لأنَّ المنطقتين، فضلاً عن منطقة البحر الكاريبي، تعدُّ من المناطق التي تعاني من تأثير الكوارث الطبيعية المتكررة بشكل متزايد من الفئة 5، وهي تضمُّ الأعاصير، والفيضانات، والجفاف، وما يترتب على ذلك من قلَّة المحاصيل.

مخاوف ارتفاع درجة حرارة الأرض

وتشير تكهنات نُشرت في التقارير العلمية لباحثين من بينهم باحثان برازيليان، إلى أنَّه بحلول نهاية القرن الحادي والعشرين، يمكن أن يتلقى نصف الكرة الجنوبي أمطاراً أقل بنسبة 30%، وذلك إذا تحققت مخاوف ارتفاع درجة حرارة الأرض بمقدار 3 درجات مئوية.

ويزداد التأثير المناخي لمثل هذا الاحترار سوءاً بسبب الانكماش الهائل في حجم غابات الأمازون المطيرة، الذي لا بدَّ أن تكون له عواقب وخيمة على الزراعة.

وتتمتَّع دول الشمال الغنية بأقوى مصلحة ذاتية ممكنة لمساعدة أفقر دول الجنوب لمواجهة هذا الخطر، وإدارة تداعياته على شعوبهم، إذ يقول تقرير الهجرة في العالم: "إنَّ حجم الظواهر الجوية المتطرفة وتواترها آخذ في الارتفاع، ومن المتوقَّع أن يؤثِّر هذا بشكل متزايد على الهجرة".

وفي أفريقيا، فإنَّ الوضع أكثر سوءاً، إذ يؤثِّر التصحر على مناطق شاسعة في وسط وغرب القارة. وكانت بحيرة تشاد قد تقلَّصت بنسبة 90% خلال السنوات الأربعين الماضية، مما أدى إلى انتشار الجوع بين نحو 3 ملايين نسمة من سكان المنطقة.

وأقرَّ نائب الرئيس النيجيري، ييمي أوسينباجو، في مؤتمر النظام الغذائي للأمم المتحدة في شهر فبراير الماضي، أنَّ عدد سكان بلاده ينمو بوتيرة أسرع بكثير من اقتصادها. ومن المتوقَّع أن يصل عدد السكان في نيجيريا إلى 400 مليون نسمة بحلول منتصف هذا القرن، مما يجعل البلاد ثالث أكبر دولة في العالم من ناحية السكان. ففي ولاية كاتسينا، معدل الولادات يبلغ 7.3 مولود لكل امرأة، وهو معدل ينخفض إلى 3.4 مولود لكلِّ امرأة في مدينة لاغوس، وذلك فضلاً عن التصحر الذي يؤثِّر على 60% من أراضي نيجيريا. كما من المتوقَّع أن يصبح الذكاء الاصطناعي قوة كبيرة تؤدي إلى تقليل فرص العمل في جميع أنحاء إفريقيا.

وبمواجهة هذه الظروف، فإنَّ هناك حاجة فعلية لتدابير استثنائية، ومساعدات خارجية، التي ستصبح أكثر أهمية لثني عشرات الملايين من الشباب الأفارقة عن مغادرة أوطانهم بحثاً عن مستقبل أفضل، والتوجه شمالًا. ومنذ عام 1990، تضاعف عدد المهاجرين الذين يغادرون القارة، ليصل إلى 10.6 مليون مهاجر، توجَّه معظمهم إلى أوروبا.

ومن أسباب الهجرة أيضاً تأتي قضايا النزاعات والحروب، التي هي بالطبع محرِّك مخيف آخر للمغادرة، فقد نزح ستة ملايين شخص من سوريا التي مزقتها الحرب، التي توجَّه الكثيرون على إثرها غرباً عبر تركيا واليونان.

أما في أفريقيا، فقد أٌجبر 3 ملايين من جمهورية الكونغو الديمقراطية على ترك ديارهم، وهناك ما يقدَّر بنحو 71 مليون شخصاً اقتلعوا من جذورهم في جميع أنحاء العالم. وكان قد أعرب نحو 66 مليون شخص في عام 2017 عن أملهم في الانتقال بشكل دائم إلى بلد آخر في غضون 12 شهراً.

حلول مستدامة

قد يكون الدافع وراء هذا الوابل من الأرقام هو إقناعكم (وإقناعي) بأنَّ قضية الهجرة ليست مشكلة مؤقتة، وأنَّها مشكلة واسعة ومستمرة. وهي للأسف، مشكلة لا يمكن إلا أن تزداد سوءاً. كذلك فإنَّه لا يمكن أن يفشل الغضب والاستياء بين معظم السكان البيض في الدول الشمالية الغنية الميسورين الحال في أن يشكِّل قوة رئيسية، التي غالباً ما تكون سامة.

ويُنظر إلى المساعدات المالية اليوم على نطاق واسع، وخاصة من قبل المحافظين، على أنَّها لفتة، "لا حمداً فيها ولا شكوراً" من فاعلي الخير لأنظمة العالم الفاسدة.

وقد قلَّصت الحكومة القومية البريطانية التزام أسلافها بتخصيص 0.7% من الدخل القومي الإجمالي للمساعدات الخارجية. وتهدف المملكة المتحدة في المستقبل إلى إنفاق 0.5% من الدخل القومي الإجمالي مقارنة بنسبة 0.6% في ألمانيا، و0.44% في فرنسا، و0.29% في اليابان.

وتقدِّم الولايات المتحدة قدراً أكبر من المساعدات المالية - حوالي 40 مليار دولاراً – التي تمثِّل نسبة قليلة جداً من ثروتها. وتظهر استطلاعات الرأي أنَّ معظم الأمريكيين يظنون أنَّ المساعدات الخارجية تمثِّل ربع الإنفاق الفيدرالي، ويعتقدون أنَّه يجب خفضها لتصل إلى نحو 10%، إلا أنَّ إجمالي المدفوعات الأمريكية الحقيقي في الواقع بالكاد يمثِّل نسبة 1% من ميزانية الحكومة، أي حوالي 0.18% من الدخل القومي قبل انتشار جائحة "كوفيد –19".

ويتمثَّل التحدي السياسي في إقناع الناخبين المتشككين بأنَّ المساعدات الخارجية تحتاج إلى زيادة كبيرة في جميع أنحاء العالم باستثناء الدول الاسكندنافية السخية للغاية.

فالمساعدات المالية لا تمثِّل سخاءً مسرفاً، بل هي أفضل استثمار يمكن أن يقوم به نصف الكرة الشمالي لإنقاذ نفسه من الهجرة التي لا يمكن السيطرة عليها. أما البدائل، فهي عبارة عن بناء المزيد من الجدران غير المجدية، والبؤس البشري، والغرق في البحر الأبيض المتوسط، والمخيمات القبيحة على الجزر اليونانية.

وما لم يتمكَّن العالم الغني من مساعدة الفقراء والمهددين بإعطاء هذه الشعوب أسباباً للبقاء في أوطانهم، فإنَّ الملايين من الذين يعانون فيها سوف يتجهون شمالاً بحثاً عن أحلامهم الضائعة، وحاملين معهم عواقب سياسية واجتماعية لا يمكن وصفها.