بعد "الصفرية".. تعرّف على الانبعاثات السلبية وعلاقتها بقضايا المناخ

هذه الكائنات المهيبة، تلتقط ثاني أكسيد الكربون وتخزنه بعيداً في جذوعها أو داخل التربة
هذه الكائنات المهيبة، تلتقط ثاني أكسيد الكربون وتخزنه بعيداً في جذوعها أو داخل التربة المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مؤخراً، علَّق مبعوث المناخ الأمريكي، جون كيري، على موضوع انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قائلاً: "في مرحلة ما سنصل إلى صافي انبعاثات صفرية. وبمجرد أن نتمتَّع بالقدرة على تحقيق ذلك، نحتاج إلى أن نحقق صافي انبعاثات سلبية".

ومن هذا المنطلق، فإنَّ عليك توقُّع أن تسمع المزيد عن الانبعاثات السلبية في السنوات القليلة القادمة. وتتلخَّص الفكرة في أنَّ البشر ليسوا مضطرين فقط للتوقُّف عن إطلاق الغازات الدفيئة الجديدة في الغلاف الجوي. بل إنَّنا نحتاج إلى البدء في التخلُّص من تلك الموجودة بالفعل. وفي هذا الإطار، فإنَّ معظم دعاة حماية البيئة

مايزالوا غير متفقين على الكيفية المُثلى للقيام بذلك.

عكس المسار

مفهوم "الانبعاثات السلبية" هو بسيط في الحقيقة، وذلك لأنَّ درجات الحرارة العالمية آخذة في الارتفاع، لأنَّ النشاط البشري يتسبَّب في إطلاق غازات الاحتباس الحراري. ومن ثمَّ، يحتاج العالم إلى التوقُّف عن الإضافة إلى تلك الغازات المتراكمة.

غير أنَّ خفض الانبعاثات إلى مستوى الصفر هو أمر شبه مستحيل، إذ سيستمر إطلاق الغازات الناتجة عن الزراعة، مثل الميثان وأكسيد النيتروز.

ومن الحلول لهذه القضية، ما يتمثَّل بإزالة كمية من ثاني أكسيد الكربون تفوق

ما نبعثه. وفي بداية الأمر، يمكن أن يساعد ذلك في مواجهة تأثير الاحترار الناتج عن الغازات الدفيئة المتبقية. وبمجرد أن تصبح حلول إزالة ثاني أكسيد الكربون رخيصة وموثوقة، يمكننا سحب المزيد من الغاز، والبدء في عكس الارتفاع في درجة الحرارة.

حلول وهمية

وقد تحدَّث كيري عن الانبعاثات السلبية في نيودلهي، بعد أن علَّق وزير الطاقة الهندي، راج كومار سينغ، بأنَّ الدول الغنية، والمسؤولة عن الغالبية العظمى من الانبعاثات التاريخية، يجب أن تفعل أكثر من مجرد تحقيق صافي انبعاثات صفرية.

وعلى الجانب الآخر، ليس القادة الوطنيون وحدهم من يفكر في الانبعاثات السلبية. إذ تضع الشركات والحكومات المحلية أهدافاً لتحقيق صافي انبعاثات صفرية بأعداد كبيرة، الأمر الذي يعني أنَّ الكثيرين يبحثون عن طرق لإزالة الكربون للمساعدة في تحقيق هذه الأهداف.

وهناك عدد من السبل لتحقيق ذلك، بما في ذلك زراعة الأشجار، إذ تلتقط هذه الكائنات المهيبة ثاني أكسيد الكربون، وتخزّنه بعيداً في جذوعها أو داخل التربة. وإذا ما تمَّ فعل ذلك بشكل صحيح، فإنَّه يمكن للأشجار أيضاً تحقيق منافع مشتركة، من بينها تحسين جودة التربة، والاحتفاظ بالمياه، وزيادة التنوع البيولوجي النباتي والحيواني.

زراعة الأشجار ليست حلاً بسيطاً

لكنَّ الأشجار ليست حلاً بسيطاً كما قد يبدو، إذ تزرع العديد من البرامج نوعاً واحداً أو نوعين من الأشجار فقط، مما قد يضر أكثر مما ينفع، وإذا اعتمدت الدول والشركات عليها كحلٍّ رئيسي لإزالة الكربون، فسنحتاج إلى الكثير من الأراضي، كما تشير أحد التقديرات إلى أنَّ ذلك يتطلَّب منطقة من العالم بحجم الصين.

بالإضافة إلى أنَّ معظم هذه البرامج يتمُّ تنفيذها في الاقتصادات التي دخلت مرحلة التصنيع، مما قد يقود لاختلال توازن قواها مع الدول المتقدِّمة، ويحمل مخاطر لاستغلالها.

ومن جهة أخرى، تعدُّ العديد من البرامج التي تبيع تعويضات الكربون المرتبطة بالغابات برامج وهمية. وعند تداولها في أسواق الكربون الطوعية، وهو النوع الوحيد المتاح للتعويضات في الوقت الحالي، فإنَّه من السهل التلاعب بالأنظمة. فتحصل الشركات التي تشتري هذه التعويضات الرخيصة، التي يتمُّ تسعيرها عادةً ببضعة دولارات فقط لكلِّ طن من ثاني أكسيد الكربون، على الائتمانات لاتخاذ إجراءات لمواجهة تغيُّر المناخ دون خفض فعلي للانبعاثات.

ويقول داني كولينوارد، مدير السياسات في منظمة "كربون بلان"، والمحاضر في "جامعة ستانفورد": "أولئك الذين انتقلوا مبكراً للسؤال عن ائتمانات التعويضات الحقيقية، هم الأشخاص الذين علموا الحقيقة الصعبة، وهي أنَّ قلَّة من تلك الائتمانات حقيقية".

وليس من الصعب فهم سر جاذبية برامج التعويضات للشركات، وذلك لأنَّ تعويضات الكربون أرخص من خفض الانبعاثات، فتقوم العديد من الشركات بشراء تعويضات الكربون أولاً، قبل اتخاذها اجراءات فعلية لخفض انبعاثاتها، وفقاً لتحليل حديث من "جامعة أكسفورد".

وفي هذا الإطار، تقوم بعض شركات النفط ببيع هذه التعويضات من خلال برامج في محطات الوقود مقابل رسوم إضافية صغيرة، مؤكِّدةً للسائقين بأنَّ رحلاتهم أصبحت الآن محايدة كربونياً.

وعن ذلك، تقول إيزابيل كي، الباحثة في "أكسفورد"، إنَّ هذا النوع من التسويق يمكن أن يشجع الناس على القيادة أكثر. لذلك، يجب على الشركات إعطاء الأولوية دائماً لخفض الانبعاثات أولاً، واللجوء إلى الانبعاثات السلبية فقط عندما يتعلَّق الأمر بالنشاطات التي لا يمكن تحييدها كربونياً باستخدام التكنولوجيا.

تقنيات سحب الانبعاثات

وهناك المزيد من حلول تحقيق الانبعاثات السلبية المشروعة، التي يتمثَّل أحدها في استخدام المعادن المسحوقة التي تسرِّع من العمليات الطبيعية. وكذلك حرق كتلة حيوية في محطة توليد الكهرباء، ثم دفن ثاني أكسيد الكربون المنتج في الأرض. وهناك أيضاً مرشحات الهواء العملاقة التي تحبس ثاني أكسيد الكربون تماماً، كما تفعل الأشجار، وتضخ الغاز في أعماق الأرض.

وتفوق تكلفة هذه التقنيات، برامج غرس الأشجار بشكل كبير. ولا يزال يتعيَّن توسيع نطاقها لالتقاط ملايين أو مليارات الأطنان من ثاني أكسيد الكربون اللازمة لإحداث تأثير ملموس.

ومع ذلك، يحذِّر كولينورد من مقارنة الحلول التكنولوجية بالأشجار. ويذكر أنَّ برامج تعويضات الكربون من خلال زرع الأشجار تقوم بتخزين الكربون لمدَّة لا تزيد عن 100 عام (وغالباً ما تكون أقل بكثير)، في حين يبعد التخزين الجيولوجي الغازات المسبِّبة للاحتباس الحراري لآلاف السنين.

ومن المؤكَّد أنَّ قياس مدى تأثير حلول الانبعاثات السلبية سيكون مهماً، سواء من خلال غرس الأشجار أو من خلال الطرق الأخرى.

وهو يمثِّل جزءاً مهماً لتحقيق الأهداف المنصوص عليها في اتفاقية باريس. كما تحتاج الحلول المناخية إلى وقت لإزالة مكامن الخلل التي تجعلها أقل فعالية أو باهظة التكلفة. ولكن في حين يطوِّر العالم تقنيات إزالة ثاني أكسيد الكربون؛ يجب أن يعطي الأولوية لخفض الانبعاثات أولاً.