صفقة أنابيب "أرامكو" بـ12 مليار دولار.. متى تخرج السعودية من عباءة النفط؟

موظف يراقب خطوط أنابيب نقل النفط في مصفاة رأس تنورة التابعة لشركة أرامكو السعودية
موظف يراقب خطوط أنابيب نقل النفط في مصفاة رأس تنورة التابعة لشركة أرامكو السعودية المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تحتفل المملكة العربية السعودية بواحدة من أكبر صفقات الاستثمار الأجنبي غير المتوقعة في تاريخها، بعد أن جمعت أكثر من 12 مليار دولار من خلال بيع حصة في خطوط أنابيب النفط التي تمر عبر أراضيها.

ففي 9 أبريل الجاري، أعلنت "أرامكو" السعودية عن توقيع اتفاقية لبيع حصة 49% من "شركة أرامكو لإمداد الزيت الخام"، التابعة لها، لصالح "إي آي جي غلوبال إنرجي بارتنرز" (EIG Global Energy Partners LLC)، مقابل 12.4 مليار دولار (46.5 مليار ريال سعودي).

وستظل "أرامكو" محتفظة بملكية شبكة خطوط الأنابيب، ولديها السيطرة التشغيلية عليها. لكنها ستقوم بتأجير شبكة خطوط أنابيب الزيت الخام المركّز لديها إلى "شركة أرامكو لإمداد الزيت الخام" لمدة 25 عاماً.

غير أن السعودية قد تواجه أيضاً حقيقة غير مريحة نتيجة تلك الصفقة.

الطاقة مقابل السياحة

كون العلاقات التي تمت ترسيخها بعناية مع شركات مثل "بلاك روك" و"سوفت بنك غروب" لم تجتذب بعد تدفقات الاستثمارات المأمولة، فقد تحولت السعودية إلى جوهرة صناعة الطاقة لديها لجذب أموال جديدة، في إشارة إلى "أرامكو".

ويكشف بيع الحصة في "شركة أرامكو لإمداد الزيت الخام" مؤخراً إلى ائتلاف بقيادة "إي آي جي" مدى اعتماد المملكة العربية السعودية على دعائمها التقليدية، والتحديات التي يواجهها ولي العهد الأمير محمد بن سلمان في تنويع اقتصاد البلاد بعيداً عن النفط والغاز لتحقيق أهدافه وفق "رؤية السعودية 2030".

ولم تستثمر شركات مثل "بلاك روك" و"سوفت بنك" في السعودية بالقدر الذي كانت تأمله الحكومة، في مؤشر أن الأجانب يفضلون الاستثمار بأصول الطاقة الغنية بالعائدات مقارنة بقطاعات السياحة والترفيه.

وترى كارين يونغ، الباحثة في "معهد أميركان إنتربرايز" ومقره بواشنطن، في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "ربما كان من الممكن أن يحقق قطاعا الترفيه والسياحة بالسعودية أداءً أفضل فيما يتعلق بالاستثمار الأجنبي المباشر خلال 2020، لولا تفشي فيروس كورونا".

مُضيفةً: "لكن رغم ذلك، فإن المستثمرين الأساسيين الذين يتطلعون للقيمة في السعودية، سيكونون مهتمين بالقطاع الأكبر والأكثر ربحية، أي النفط والطاقة".

صفقة نوعية

مع أن "إي آي جي"، شركة الأسهم الخاصة ومقرها واشنطن ورئيسها التنفيذي بلير توماس، تستثمر بقوة في أمريكا الشمالية وأوروبا، إلا أنها بالكاد معروفة في الأوساط السعودية.

ولم تنفذ "إي آي جي" أي عملية شراء للأصول في منطقة الشرق الأوسط حتى الآن، ولا في المملكة نفسها، ولم يظهر فريق إدارتها مطلقاً في مؤتمر "مبادرة مستقبل الاستثمار" في السعودية المعروف باسم "دافوس الصحراء"، وهو مؤتمر يشارك فيه عادة قادة كبرى الشركات الاستثمارية مثل ستيفن شوارزمان من "بلاكستون غروب" و راي داليو من "بريدجووتر أسوشيتس" ( BridgeWater Associates LP) وديفيد روبنشتاين، الرئيس التنفيذي لـ"كارلايل غروب" (Carlyle Group).

وجذبت السعودية 5.5 مليار دولار من التدفقات الاستثمارية الأجنبية المباشرة عام 2020، أي ما يعادل حوالي 1% من ناتجها الإجمالي، وفقاً للبيانات التي جمعتها بلومبرغ. ما يعني أن صفقة " إي أي جي" حققت أكثر من ضعف إجمالي الاستثمار الأجنبي المباشر الذي جذبته المملكة العام.

وتستهدف الحكومة السعودية أن تبلغ تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر 5.7% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2030، وبالتالي، تطرح أصولا ثمينة في قطاع الطاقة مثل حصص تابعة لـ"أرامكو السعودية"، عملاق الطاقة المملوكة للدولة.

ويعتبر جيم كرين، الزميل في "معهد بيكر للسياسة العامة" بجامعة رايس ومقرها في هيوستن، أن الصفقة الأخيرة تمثل أحدث المظاهر لعملية تحول مستمرة.

ويتابع قائلاً: "يواصل الأمير محمد بن سلمان ومستشاروه السعي لإيجاد طرق جديدة لتأمين الأموال عبر أصول شركة أرامكو دون تعطيل قدرتها التشغيلية. وفي الوقت الحالي، السيولة هي ما تحتاجه المملكة، وأرامكو تسيطر على مصادر تلك السيولة".

بيئة الاستثمار

تغلبت "إي آي جي" على الشركات المنافسة، بما في ذلك "أبولو غلوبال مانجمنت" (Apollo Global Management Inc) و"بروكفيلد آسيت مانجمنت" ( Brookfield Asset Management Inc) بصفقة شراء الحصة في "شركة أرامكو لإمداد الزيت الخام". ويجري حالياً تشكيل ائتلاف من المستثمرين الآخرين للانضمام إلى الصفقة.

وفي حين أن العديد من المستثمرين العالميين قد أقاموا علاقات أوثق مع المملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، فإن معظمهم يعتبرونها مصدراً لرأس المال أكثر من كونها وجهة استثمارية. ويُعدُّ صندوق الاستثمارات العامة السعودي أكبر مستثمر في صندوق "رؤية سوفت بنك"، الذي يستثمر في القطاع التكنولوجي والبالغ قيمته 100 مليار دولار، حيث تبلغ قيمة أموال صندوق الاستثمارات العامة بصندوق رؤية 45 مليار دولار.

كما تعهد صندوق الاستثمارات العامة السعودي بتخصيص نحو 20 مليار دولار لدعم "بلاكستون غروب" لتأسيس أكبر صندوق للبنية التحتية في العالم.

وترى العديد من الشركات العالمية السعودية مصدراً لرأس المال أكثر من كونها وجهة استثمارية، لأسباب متعددة، تشمل عدم اتساق النظام القانوني بالمملكة و الركود الاقتصادي إذ تُكيّف البلاد أوضاعها مع أسعار النفط المنخفضة.

ومن الأسباب بدرجة أقل، اعتقال عدد من رجال الأعمال السعوديين في فندق ريتز كارلتون بالرياض عام 2017، ومقتل الكاتب المعارض جمال خاشقجي في عام 2018.

وبلغت تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى المملكة العربية السعودية ذروتها بين عامي 2008 و2012، بمتوسط ​​يزيد عن 26 مليار دولار. وخلال تلك السنوات، كانت التدفقات متوجهة في الغالب نحو مشاريع مصافي التكرير الكبيرة والبتروكيماويات التي تم تطويرها مع شركاء أجانب، في وقت كان متوسط ​​سعر النفط فيه أكثر من 90 دولاراً للبرميل.

وبعدما هبطت أسعار النفط، انخفضت تدفقات ​​الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية إلى حوالي 6 مليارات دولار سنوياً في المتوسط.

وتقول مونيكا مالك، كبيرة الخبراء الاقتصاديين في بنك "أبو ظبي التجاري": "رغم إجراءات تحرير الاقتصاد وفتحه للاستثمار أمام صناعات جديدة ، فإن الاستثمار الأجنبي المباشر لم يتدفق بالطريقة التي كان مخططاً لها أساساً".

ومن المحتمل أن تتزايد تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر إلى السعودية خلال 2021. ووقعت المملكة اتفاقيات مع شركات مثل "اليكتريسيتي دو فرانس"( Electricite de France SA) و"ماروبيني كوربو" ( Marubeni Corpo) لبناء محطات للطاقة الشمسية الأسبوع الماضي. وفي وقت لاحق من العام الجاري، من المحتمل أن يكتمل طرح "محطة رأس الخير" أكبر محطة لتحلية المياه في العالم.

إستراتيجية جديدة

في إطار بيعها حصة في شركة تابعة لـ "أرامكو"، تتبع المملكة العربية السعودية نموذجاً تم تنفيذه بنجاح في إمارة "أبوظبي" المجاورة. فبدلاً من تنفيذ طرح عام أولي لشركة بترول أبوظبي الوطنية (أدنوك)، المملوكة للدولة، جمعت الإمارة أكثر من 20 مليار دولار في السنوات الأخيرة من خلال جذب المستثمرين الدوليين إلى بعض أصولها الرئيسية.

وأجرت "إي آي جي" مباحثات لشراء بعض أصول "أدنوك" التي كانت معروضة ولكنها لم تتمكن من التوصل إلى اتفاق. ومن ثم، لم ترغب " إي أي جي" في خسارة صفقة أرامكو، بحسب مصدر مطلع على الأمر.

وتلفت المصادر إلى أن أرامكو السعودية تشعر بالتشجيع من التقييم والفائدة الناتجة عن الصفقة، مما يعني أن عملاق النفط قد يسعى لمزيد من عمليات التخارج من أصول مماثلة في السنوات المقبلة.

وكانت قد رشحت معلومات في ديسمبر 2020، أن أرامكو السعودية عهدت بالفعل إلى بنك الاستثمار "مويليس" (Moelis & Company) لصياغة استراتيجية لبيع حصص في بعض الشركات التابعة لها.

وتؤكد كارين يونغ أن "صفقة "إي آي جي" رائعة بالنسبة لأرامكو، ولكنها أيضاً بمثابة نوع جديد من استراتيجية الاستثمار، حيث "تتخلى" بشكل أكبر عن سيطرتها بما يتعلق بوصول المستثمرين إلى المعلومات والتحكم بالعمليات، مقارنة بالاكتتاب العام". وتتابع قائلةً: "إنها شراكة حقيقية، نابعة من جهد طويل الأمد مع مستثمرين خارجيين، وهو مستوى جديد تماماً من الثقة خارج إطار الشركة والحكومة".

ومنذ تأسيسها عام 1982، خصصت" إي أي جي" أكثر من 34 مليار دولار لقطاع الطاقة، وفقاً لبيانات على موقعها الإلكتروني. وتشمل محفظتها حصصاً في شركة تطوير الطاقة الشمسية الإسبانية "أبينغوا" (Abengoa SA)، وشركة تشينير إنرجي" (Cheniere Energy) ومقرها هيوستن الأمريكية، وشركة "تشيسابيك إنرجي كورب" (Chesapeake Energy Corp) المنتجة للغاز الطبيعي، وشركة "كيندر مورغان" (Kinder Morgan) المتخصصة في امتلاك وإدارة في خطوط أنابيب النفط والغاز والمحطات.