ماذا يمكن تعلمه من أول 100 يوم أعقبت "بريكست"؟

رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، يتلقى الجرعة الأولى من لقاح "أسترازنيكا" المضاد لكورونا
رئيس الوزراء البريطاني، بوريس جونسون، يتلقى الجرعة الأولى من لقاح "أسترازنيكا" المضاد لكورونا المصدر: صور غيتي
محررو بلومبرغ
محررو بلومبرغ

الهيئة التحريرية في (رأي بلومبرغ)

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

ما هي الدروس التي يمكن استخلاصها من أول 100 يوم أعقبت خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟ وذلك مع النظر إلى حقيقة أنَّ الأشهر الأخيرة أكَّدت لنا صعوبة، وربما عبثيّة، محاولة وضع أي توقُّعات وسط حالة عدم اليقين التي نعيشها.

ففي البداية، طغى وباء "كوفيد-19" على النتائج قصيرة المدى للخروج من الاتحاد الأوروبي. وأصبحت كل الحسابات المتعلِّقة بتأثير الخروج على النمو والتجارة والتوظيف في بريطانيا بلا قيمة. فقد تسبَّب الوباء في تراجع الاقتصاد البريطاني، وتحطُّم حجم التجارة، كما اختفت العديد من الوظائف، وربما بلا عودة على الإطلاق. وعلاوةً على ذلك؛ فإنَّ التكيّف مع الخروج قد بدأ بالكاد.

حالة طاغية من عدم اليقين

ما تزال العديد من الترتيبات المؤقتة قائمة، كما أنَّ الاتفاقيات الجديدة الحاسمة، مثل الصفقات التي ستشكِّل مستقبل مدينة لندن كمركز مالي، لم يتم التفاوض عليها بعد. ومن المؤكَّد أنَّ البلاد تحتاج إلى بعض الوقت قبل أن يتضحَّ المعنى القانوني الكامل لـ"بريكست"، ولأعوام لاحقة قبل الحكم على آثاره الدائمة.

في الوقت الحالي، كلما نظرت بتمعن أكبر، بدت مثل هذه المضاعفات أكثر وضوحاً. فعلى سبيل المثال، من كان يتوقَّع منذ ثلاثة أشهر عودة الوباء مرة أخرى ليكون مثالاً لصالح إدارة رئيس الوزراء بوريس جونسون؟ ففي تلك المرحلة، كانت إدارة بريطانيا للأزمة ضمن الأسوأ في العالم، مع ارتفاع حالات الإصابة والوفيات، ولم تكن تحليلات الحكومة المتقلِّبة والرسائل المضطربة إلا سبباً في تفاقم المشكلات. لكنَّ الأزمة بدت كأنَّها تخضع لإدارة أكثر مهارة من معظم دول الاتحاد الأوروبي.

ثم استطاعت المملكة المتحدة إدارة توفير اللقاح بشكل جيد، في حين أنَّ الاتحاد الأوروبي لم يستطع فعل ذلك، مما آثار تساؤلات حول الاختلافات بين الجهتين.

أظهر استطلاع جديد أجرته "بلومبرغ" أنَّ دعم "بريكست" قد نما بالفعل منذ استفتاء عام 2016. إذ قال نحو ثلثي البالغين أنَّ الوجود خارج الاتحاد الأوروبي ساعد برنامج التطعيم البريطاني. ويقول معظمهم أيضاً، إنَّ الاتحاد الأوروبي أظهر عداءً تجاه بريطانيا خلال النزاع حول اللقاح، في حين كان يعتقد أكثر قليلاً من واحدٍ من كل 10 مستطلعين، أنَّ الكتلة الأوربية تصرَّفت كصديق لبريطانيا.

وأوضح الاستطلاع أنَّه إذا أجري استفتاء على الخروج من الكتلة الأوروبية الآن؛ فإنَّ مستوى التأييد سيحقق فارقاً أكبر من ذي قبل.

انقسامات سياسية

ثمَّة حالة طارئة أخرى، وخطيرة بشكل خاص بشأن "بريكست". وهي تتلخَّص بعودة النزاعات الطائفية الأخيرة في أيرلندا الشمالية لإحياء ذكريات الصراع الطويل الذي سبق اتفاق الجمعة العظيمة لعام 1998. وتكمن القضية الأساسية للاتفاق (ينصُّ على تجنُّب الحدود الصعبة بين أيرلندا الشمالية وجمهورية أيرلندا، وخفض قيود التجارة بين المقاطعة ومناطق المملكة المتحدة) في أنَّ النزاعات مسألة مستعصية على الحل، وكثيراً ما أعاقت مفاوضات خروج بريطانيا. وفي النهاية، تمَّ حلّ الأمر بشكل ما.

الآن، في ظل تجربة النتائح بأنفسهم، فإنَّ العديد من زعماء النقابات في الشمال الإيرلندي باتوا يشعرون بالغضب. كما بدأ الإحباط تجاه الآثار المترتبة على الضوابط التجارية على البضائع المتجهة إلى أيرلندا الشمالية من بقية المملكة المتحدة. لتضاف هذه المشاعر إلى الغضب، ونفاد الصبر الناجمين عن الوباء، في الخروج عن السيطرة.

من الواضح أنَّ "بريكست" زعزع استقرار تسوية اتفاق الجمعة العظيمة، بما يتماشى مع تحذيرات الكثيرين. وثمة أمر آخر لم يحدث بعد وهو الاستقلال الأسكتلندي، إذ يتوقَّع الحزب الوطني الأسكتلندي الموالي للاتحاد الأوروبي تسجيل أداء جيد في الانتخابات المقبلة. وإذا حدث ذلك، فسوف يتزايد الضغط من أجل إجراء استفتاء على خروج أسكتلندا من المملكة المتحدة، ويعقبه عودة أسكتلندا إلى الاتحاد الأوروبي.

التعاون.. أهم درس

برغم حالة عدم اليقين، والقبول بأنَّ آثار "بريكست" لن تنعكس في المستقبل المنظور. إلا أنَّ هناك درساً رئيسياً واحداً يجب على بريطانيا والاتحاد الأوروبي استخلاصه، وهو ضرورة تجاوز مرارة الانقسام، والبدء في التصرف بإطار الصداقة. إذ يحتاج كلٌّ منهما إلى تعاون الآخر في تصنيع اللقاح، وحلّ قيود السفر وما إلى ذلك. وذلك من أجل التغلب على الوباء، واستعادة النمو الاقتصادي.

وبرغم صعوبة تحييد النزاعات في أيرلندا الشمالية بشكل كامل، إلا أنَّه من الممكن تخفيف حدَّتها من خلال مرونة أكبر من كلا الجانبين، بدءاً من الاعتراف بأنَّ الحفاظ على السلام يجب أن تكون له أولوية أكبر من التنظيم الصارم لأيِّ حدود اقتصادية.

بمرور الزمن، ستدرك بريطانيا، أو ما تبقى منها، أنَّ "بريكست" كان خطأً مأساوياً. لكن هذا لا يعني أنَّ بريطانيا والاتحاد الأوروبي، في الوقت نفسه، مدانان بإلحاق المزيد من الضرر غير الضروري ببعضهما.