"تسلا" تسعى لاختراق أساطيل سيارات الشركات في أوروبا

إيلون ماسك
إيلون ماسك المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدي راغبو اقتناء السيارات اهتمامًا متزايدًا بالطرازات التي تنتجها شركة "تسلا"، والعاملون في شركة "ساب سي" الألمانية للبرمجيات ليسوا استثناءً من ذلك. إذ تشتري أكبر شركة للتكنولوجيا في أوروبا، مثل الشركات الكبرى في القارة، سيارات للعاملين بها كنوعٍ من الحوافز لهم بحيث يُقتَطع ثمنها من رواتبهم على أقساط مريحة. وكانت الشركة تتلقى مؤخرًا عشرات الطلبات من العاملين فيها كل شهر للحصول على سيارات تسلا، لكن شركة البرمجيات لم تستجب لهذه الطلبات وتبرر ذلك بالنقص في مراكز صيانة سيارات تسلا قرب مقرها الرئيسي وفروعها ما يبعث على القلق من احتمال ألا يحصل موظفوها على خدمة الصيانة اللازمة لهذا النوع من السيارات الكهربائية وقت الحاجة. بينما تقدم شركات أخرى لصناعة السيارات مثل "بي إم دبليو" و"مرسيدس"- وكلاهما مدرجة في قائمة الشركات التي يتم التعامل معها لدى "ساب" - خدمة الصيانة في نفس اليوم، مما يجعل السيارات الهجين التي تعمل بالوقود والكهرباء معًا في مقدمة السيارات التي تُسهِّل "ساب" اقتناءها لموظفيها.

يقول "ستيفن كراتفاسر"، المسؤول عن إدارة 17 ألف سيارة يملكها موظفو الشركة في ألمانيا، إنه من الضروري حتى تتيح الشركة لموظفيها اقتناء طراز معين من السيارات أن تتوافر له خدمة الصيانة في أسرع وقت ممكن. ورغم الاهتمام المتزايد باقتناء سيارات تسلا بين العاملين في الشركة، فهي لا تستطيع أن تقدم لهم ذلك الطراز بسبب نقص خدمة الصيانة.

ورغم أن المستهلكين والمستثمرين حولوا "إيلون ماسك" الرئيس التنفيذي لشركة تسلا إلى شخصية عالمية، لا تزال الشركات في أوروبا – التي أصبحت أكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم – غير متحمسة لسيارات تسلا. وهذا التردد كلف ماسك قدرًا كبيرًا من المبيعات. والمعروف أن 60% من مبيعات السيارات الجديدة في أوروبا تتم عن طريق الشركات بوسائل عديدة بما فيها منحها للموظفين وخصم ثمنها من رواتبهم. وتقدر قيمة السيارات التي تباع عن هذا الطريق بحوالي 360 مليار دولار سنويًا. وسوف يؤدي حجم هذا السوق دورًا رئيسيًا في تحديد السرعة التي سيتوارى بها الاهتمام بالسيارات التقليدية ذات محركات الاحتراق الداخلي لصالح السيارات الكهربائية في القارة. وحتى الآن نجد تسلا، التي تُشيِّد حاليًا أول مصنع أوروبي لها قرب برلين ومن المقرّر أن يبدأ الإنتاج قبل نهاية العام الحالي، غائبة تقريبًا عن هذه القناة الرئيسية من قنوات التسويق التي تسيطر عليها الشركات الأوروبية بما فيها "بي إم دبليو" و"رينو" و"فولكس واجن".

تحديات أمام تسلا في أوروبا

وهناك عوامل عديدة تحد من وجود تسلا في هذه السوق منها تواضع شبكة الصيانة الخاصة بها ورفضها تقديم تخفيضات كبيرة في الأسعار وغياب علاقات بيع طويلة الأمد مع الشركات الأوروبية الكبرى. وكان من شأن هذه العوامل أن جعلتها تتأخر كثيرًا عن الطرازات الأوروبية التي تتمتع شركاتها بخبرة في تقديم عروضها بما يتناسب مع حجم الطلب لدى الشركات. ورغم أن تسلا بدأت تقتحم هذه السوق وتلقى بعض الإقبال لدى المشترين الأفراد، فإن مبيعاتها لم يزد حجمها عن 0.3% من السيارات التي تم بيعها عن طريق الشركات في ألمانيا العام الماضي، حسبما أفادت هيئة المركبات KBA في الدولة.

ويقول فرديناند دودين، رئيس مركز أبحاث السيارات في جامعة دويسبورغ-إيسن، إنه هذه المبيعات المتواضعة لتسلا في سوق سيارات الشركات ستمنحها طاقة إنتاجية فائضة في أوروبا. وأضاف إن تسلا اضطرت في يناير الماضي إلى خفض سعر موديل 3 في ألمانيا – أكبر سوق للسيارات في أوروبا – بنسبة 7% مما يمكن أن يعكس توقعًا بتراجع الطلب على هذا الطراز. ويمكن أن يؤدي إلى تراجع في مبيعات سيارات تسلا في أوروبا إلى فائض في الطاقة الانتاجية في مصانعها على مستوى العالم مما يدفع بالشركة إلى مشاكل عديدة وقد تتأثر أسعار أسهمها سلبًا.

وبالنسبة لماسك فإننا نجده بحاجة ماسة لزيادة عدد مشتري سياراته في أوروبا للاحتفاظ بسيطرة يتمتع بها منذ سنين على سوق السيارات الكهربائية. وبينما كان موديل 3 أفضل السيارات الكهربائية مبيعًا في الولايات المتحدة والصين، نجد أن مبيعات سيارة رينو المعروفة باسم "زو" تفوقت عليها كثيرًا في أوروبا. لقد تفوقت أوروبا على الصين كأكبر سوق للسيارات الكهربائية في العالم في 2020. كما أن شركات صناعة السيارات في أوروبا بدأت في استثمار مليارات الدولارات في السيارات الكهربائية لإبعاد المنافس الأمريكي. وها هي "فولكس فاجن" تسعى إلى مضاعفة مبيعاتها من السيارات الكهربائية الخالصة خلال العام الجاري بما يجعلها قريبة من المبيعات المتوقعة لتسلا المقدرة بحوالي 750 ألف سيارة. كما تمكنت من التفوق على تسلا في مبيعاتها في أوروبا العام الماضي وفقًا للباحث جاتو ديناميكس.

زيادة مبيعات السيارات في أوروبا

ارتفعت مبيعات السيارات عن طريق الشركات في أوروبا بمقدار الخمس على مدى العقد الماضي. وكان مرجع ذلك سعى العاملين في الشركات إلى الاستفادة من الدعم الذي ورد في عدة أشكال منها: خفض الضرائب، وردّ ضريبة القيمة المضافة، وإلغاء ضرائب الاستهلاك. علمًا أن حجم الدعم بلغ نحو 32 مليار يورو في أكبر ثمانية أسواق بالقارة.

وكانت 4% فقط من السيارات التي اشترتها الشركات في 2019 من السيارات ذات البطاريات في 2019 (أخر عام تتوافر بشأنه الإحصائيات). ومن المتوقع لهذا الرقم أن يزيد في إطار سعى أوروبا إلى العمل بالطاقة النظيفة. وكانت فرنسا وألمانيا وإيطاليا بين الدول التي رفعت الدعم للسيارات ذات البطاريات كجزء من برامج تحفيزية لزيادة الإقبال على السيارات الكهربائية. وتتوقع بلومبرغ أن تصل مبيعات السيارات الكهربائية والسيارات الهجين في أوروبا هذا العام إلى 1,8 مليون سيارة وأن تشكل مبيعات السيارات الكهربائية بها 40% من السوق العالمية للسيارات الكهربائية.

وقد طبقت ألمانيا العام الماضي إعفاءً ضريبيًا يهدف إلى زيادة عدد السيارات الصديقة للبيئة التي تقدمها الشركات لموظفيها. وسهلت الشركات الكبرى مثل "سيمنز" و"دويتشه بنك" للموظفين هذا الاختيار وإجراء التعديلات التي تناسبهم على طرازاتها. ولايزال على الموظفين في أوروبا دفع فوائد على السيارات التي يحصلون عليها من شركاتهم. ففي فرنسا يدفع الموظف فائدة 9% من السعر المحدد للسيارة على مدى 12 شهرًا. وفي ألمانيا يدفع الموظف ضربية من السعر المحدد للسيارات العادية بمعدل 1% ضريبة شهرية تخصم من راتبه لمدة عام. ووفقًا لقوانين جديدة أقرتها الحكومة الألمانية، يدفع أصحاب السيارات الكهربائية في معظم الحالات ربع الفوائد التي يدفعها أصحاب السيارات العادية. وعن ذلك يقول المحلل الألماني "ماركوس فيلر" إنها حوافز مجزية للغاية لأن الموظف سوف يشعر بها وهو يتقاضى راتبه.

شركات تأجير السيارات

ومن المتوقع أن تستفيد شركات تأجير السيارات مثل "أرفال" و"ألفابيت" من استخدام السيارات الكهربائية لأن معظم سياراتها تباع كسيارات مستعملة بعد سنوات قليلة. وتنوي "أرفال" رفع نسبة السيارات الكهربائية والهجين وسيارات الهيدروجين لتشكل 25% من أسطولها بحلول 2025 مقابل 8,2 العام الماضي. وتسعى شركة "ليس بلان" الهولندية لتأجير السيارات، التي تدير 1,9 مليون سيارة في أكثر من 30 دولة، إلى تحويل أسطول سياراتها إلى "صفر –عادم "بحلول عام 2030. وتقدم وحدة الخدمات المالية التابعة لفولكس فاجن قروضًا للشركات لتسهيل إقامة محطات شحن للسيارات الكهربائية.

يمكن أن تكون العقبة الرئيسية أمام تسلا هي نقص ورش الصيانة في القارة، فالشركة تدير أربع ورش في إيطاليا في مدن بولونيا وميلانو وبادوا وروما، بينما تملك فيات 1300 ورشة تغطي إيطاليا بالكامل. وتملك فولكس واجن 800. ويتكرر الوضع نفسه في فرنسا (10) وإنجلترا (13)

تفيد "تسلا" أن الوقت الذي تقضيه السيارة في الإصلاح في ورشها يكون محدودًا لأنها تستخدم تقنيات متطورة منها التشخيص عن بعد وتحديث البرمجيات لا سلكيًا وأطقم الصيانة المتنقلة. وتضيف الشركة على موقعها باللغة الألمانية أنه على عكس السيارات التقليدية ذات محركات الاحتراق، لا تحتاج سيارات تسلا تغيير زيت ولا شمعة احتراق ولا استبدال مرشح الوقود أو اختبارات للعادم.

وتواصل الحكومة الالمانية تقديم الحوافز لراغبي شراء السيارات الكهربائية عن طريق الشركات. وتشمل الحوافز رد مبلغ نقدي إلى 9 آلاف يورو والإعفاء من ضريبة السيارات والسماح لها بالانتظار في مواقع مختارة دون مقابل. ولم تقدم تسلا ردًا على سؤال يطلب منها التعليق.

ولا تعد تسلا الشركة الأمريكية الوحيدة التي سعت إلى اقتحام سوق السيارات الأوروبى. فها هي شركة فورد سبق وأن اقتحمت السوق لكن منافسيها الأوروبيين تغلبوا عليها حتى نجحت في تأسيس شبكة لادارة المبيعات وخدمة السيارات في القارة الاوروبية. والآن أصبحت فورد تحتل المركز الخامس في مبيعات السيارات في ألمانيا بعد الشركات الألمانية الأربع الكبرى. وتحتاج تسلا أعوامًا من العمل قبل الوصول إلى المرحلة التي وصلت إليها فورد.

ترفض شركة باسف الألمانية للصناعات الكيماوية حتى الآن تقديم أي سيارة أمريكية من إنتاج تسلا إلى موظفيها (يصل عددهم إلى أكثر من 50 ألفًا) بسبب نقص خدمة الصيانة لدى الشركة، لكن "أورسولا فون ستيتن" المتحدثة باسم شركة "باسف" ذكرت أن هذا الوضع سوف يتغير عندما تكون هناك بنية تحتية ملائمة.