خبراء المال: "بتكوين" وسيلة تحوّط غير مضمونة ضد مخاطر التضخم

بتكوين غير قادرة على الحماية من مخاطر التضخم
بتكوين غير قادرة على الحماية من مخاطر التضخم رسم تعبيري لبلومبرغ بيزنس ويك
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يقول المتداولون أو المستثمرون النشطون في البتكوين إنَّ هذه العملة الرقمية هي أفضل تحوّط على الإطلاق ضد ارتفاع أسعار المستهلك؛ ومنطقهم وراء ذلك هو أنَّ البتكوين – على عكس الدولار الأمريكي أو أي عملة عادية أخرى – مصمم بحيث تكون كمية المعروض منه محدودة، كي لا يمكن خفض قيمته من طرف أي حكومة أو بنك مركزي من خلال توزيع كمية زائدة عن الحد منه.

ومؤخرًا، تبدو كل حالة طلب تقريبًا (أو ارتفاع في السعر) للبتكوين بمثابة عامل تنبؤي: فالعملة الرقمية متداولة حاليًا بسعر فوق 60 ألف دولار أمريكي تقريبًا للبتكوين الواحد بزيادة 100% خلال هذا العام مقارنة باغلاق 2020؛ وهو ما أضاف بدوره بعض الضجة على قصة التضخم هذه. ومع تحسّن آفاق الاقتصاد وتراجع حالات جائحة "كوفيد-19" ووجود المزيد من الحوافز المالية تلوح في الأفق، يبدو أنَّ المستثمرين بجميع أنواع الأصول يتوقعون حدوث ارتفاع طفيف في الأسعار. لكنَّ أساس هذا التوقّع متواضع للغاية، لا سيما وأنَّ معدل التضخم في الولايات المتحدة خلال العام الماضي كان 1.7%.

ثم إنَّ هناك مسألة ما إذا كان هذا الأصل الرقمي سيشكّل تحوّطًا فعالاً فعليًا. وفقًا لكام كارفي – كبير مستشاري الأبحاث بشركة "ريسرش أفيلييتس" وأستاذ العلوم المالية بجامعة ديوك – ليس لدى البتكوين تاريخ طويل بما يكفي لإثبات صحة ذلك. لكن من الناحية النظرية، إذا اعتبره المستثمرون مثيلاً للذهب، فمن المحتمل أن يتمكن البتكوين من الاحتفاظ بقيمته على المدى الطويل، خلال قرن من الزمان مثلاً أو يزيد، على حد قول هارفي. أمَّا بالنسبة للذهب، فقد وجد هارفي وزملاؤه – من خلال بحثهم حوله – أنَّه استطاع الاحتفاظ بقيمته جيدًا لآلاف السنين، لكنَّهم أيضًا وجدوا أنَّه عرضة لجنون الأسعار وانهيارها على مدى فترات أقصر (جدير بالذكر أنَّ الذهب قد تراجع بنسبة 9% هذا العام، رغم كل هذا الحديث عن حدوث تضخم).

البتكوين بدوره شهد تأرجحًا كبيرًا في أسعاره خلال عمره القصير، لأسعار لا تكاد تكون لها علاقة برأي أي شخص عن التضخم. يقول هارفي: "ما الذي سيحدث مع البتكوين؟ الأمر غير واضح إطلاقًا؛ لأنَّ السعر ليس مدفوعًا بقاعدة العرض والطلب فحسب، بل هناك أيضًا قوى مضاربة أخرى، ولهذا فإنَّ سعرها متقلب بأضعاف عن سوق البورصة". ومن الوارد أنَّ أي نوبة تضخم من الممكن أن يكون لها تأثير معاكس للتأثير المتوقع على البتكوين: على سبيل المثال، إذا تسبب التضخم في حدوث ركود، فقد يستجيب المستثمرون على ذلك بالابتعاد عن الأصول التي تنطوي على خطورة أكبر، كالعملات الرقمية.

العلاقة بين البتكوين والسندات

وعندما تسبب المستثمرون القلقون من التضخم في الأسابيع الماضية بارتفاع عائد سندات الخزينة لأجل 10 سنوات من 1.34% وصولاً إلى 1.62%، عانى البتكوين من أسوأ تراجع له منذ شهور. وبينما يؤكد مؤيدو العملات المشفَّرة أنَّ متداولي البتكوين توقعوا منذ وقت طويل بأنَّ عائد السندات سيرتفع – وقد حدث فعلاً لاحقًا ارتفاع مفاجئ في العائدات، صاحبه ارتفاعًا في العملات الرقمية – فإنَّ تحركات البتكوين الأخيرة تحمل تشابهًا عابرًا على الأقل مع التداولات المباشرة أكثر في سوق المضاربة.

ومع ذلك، فقد حاز البتكوين موافقة عدد ليس بالقليل من الشخصيات البارزة في وول ستريت (منهم مدير صناديق التحوّط المخضرم بول تيودور جونز)، الذين يقولون إنَّه نال استحسانهم باعتباره مخزنًا للثروة؛ وهو ما يُعقّب عليه مايكل سونينشين – الرئيس التنفيذي لشركة "جراي سكيل إنفستمنتس"، وهي شركة منوطة بإدارة صندوق استثمار يحتفظ بعملات بتكوين – بقوله: "بالتأكيد هذا عامل كان له الفضل في تحفيز الاستثمارات المؤسسية، خاصةً في أعقاب أداء صنَّاع السياسات فيما يتعلق بتنشيط الاقتصاد" بعد تباطئه من جراء جائحة فيروس كورونا (كوفيد-19)، مضيفًا: "ومن المؤكد أنَّه ليس لدينا نقص في عدد المستثمرين في الاقتصاد الكلي على مستوى العالم الذين كانت إضافة البتكوين بالنسبة إليهم بمثابة تحوّط ضد التضخم".

علامة تحذيرية

من الناحية الأخرى، يرى أشد المدافعين عن البتكوين الارتفاع في الأسعار بمثابة علامة تحذيرية مبكرة بأنَّ النظام المالي التقليدي هشّ، ويزعمون أنَّ العملات المشفرة قد ترتفع أكثر من هذا، مع بحث المستثمرين عن ملاذ للاستثمار. غير أنَّ الحُجج التي من هذا القبيل تعتمد على فكرة أنَّ التضخم لن يتصاعد تدريجيًا مع الاقتصاد المتنامي ببساطة، بل ربما ينفجر من جراء ما يُسمى بطباعة النقود.

إنَّ بنك الاحتياطي الفيدرالي لا يغيّر المعروض النقدي بطباعة الأوراق النقدية بالمعنى الحرفي للكلمة، لكن حدثت زيادة في مقياس لكمية النقود الموجودة في النظام المالي (يُعرف باسم M2)، والفضل في ذلك يعود جزئيًا إلى سياسة التيسير النقدي. كان رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي – جيروم باول – قد صرَّح في شهادة أدلى بها مؤخرًا أمام الكونغرس بأنَّ نمو المعروض النقدي لم يعد يحمل تداعيات مهمة على آفاق الاقتصاد، حيث قال: "لقد حققنا نموًا ضخمًا في المجاميع النقدية في فترات مختلفة دون تضخم، لذا فإنَّ هذا الارتباط هو أمر علينا تناسيه".

وهو رأي يتفق معه جيم بولسن، كبير المحللين الاستراتيجيين في مجال الاستثمار بمجموعة "لوثولد": صحيح أنَّ كمية النقود زادت، إلا أنَّ سرعة دورانها (أو وتيرة تداولها) انخفضت؛ وهذا عامل بالغ الأهمية لأنَّه يبين أنَّ الأموال تُدّخر بدلاً من أن تُنفق، وهو ما يُبقي ضغوط الأسعار مكتومة. لكن، حتى لو زادت سرعة دوران النقود، فلا يزال من الممكن أن تؤدي العوامل المضادة للتضخم المعاوضة دورها، والتي من بينها شيخوخة السكان وميل التقنيات الرقمية إلى الهبوط بالأسعار. يقول بولسن: "صحيح أنَّ التضخم بدأ يرتفع قليلاً، لكن لا أعتقد أن هذا يعني أنَّ العملات الرقمية ستشهد ارتفاعًا جنونيًا".

ما يجعل البتكوين مختلفًا عن بقية التحوّطات الأخرى ضد التضخم هو أنَّ قيمته معتمدة كليًا على رغبة الآخرين في الاحتفاظ به: إذ إنَّ هذا التوكن الرقمي ليس مربوطًا بأي أصل آخر قد ترتفع قيمته بصورة طبيعية مع ارتفاع أسعار المستهلك (كالنفط أو العقارات أو أرباح الأعمال التجارية). من المحتمل أن يرتفع معدل التضخم، ويرتفع معه سعر البتكوين أيضًا؛ لكنَّهما غير مرتبطان ببعضهما بالضرورة. حتى كاثي وود – مؤسسة شركة "آرك إنفستمنت مانجمنت"، وواحدة من أشهر المضاربين على صعود البتكوين على الإطلاق – قد صرَّحت في ندوة عبر الإنترنت (ويبنار) أٌقيمت مؤخرًا بأنَّها تخشى قوى الانكماش (أو تراجع الأسعار) بقدر ما تخشى التضخم.

يقول مارك شاندلر – كبير استراتيجيي السوق لدى "بانوكبيرن جلوبال فوركس": "إنَّ وقود التضخم موجود، لكن يجب على كل مستثمر أن يتخذ قراره بشأن ما إذا كانت الشرارة الموجودة كافية لتأجيج نيرانه". وبدلاً من النظر إلى البتكوين على أنَّه أداة لمعرفة اتجاه التضخم، يُفضّل مارك شاندلر النظر إلى دلائل أخرى، من قبيل أسعار النفط وتكاليف الشحن، بل وحتى أسعار أشباه الموصلات: كلها بدأت ترتفع مع تزايد قوة الاقتصاد، لكن هذا لا يعني أنَّ الدولار يضعُف نتيجة لطباعة سيل من النقود. ويضيف قائلاً: "إنًّ الشخصيات الريادية البارزة في مجال العملات الرقمية تبحث عن أي سبب يؤيد قضيتهم. أمَّا أنا، فمازلت أجد في نفسي حرجًا من اعتقاد أنَّ البتكوين يخبرنا أي شيء عن المتغيرات الاقتصادية سريعة الوتيرة". – مع كايتي جريفيلد.