جوازات سفر التطعيم قد تكون بلا جدوى

جوازات سفر التطعيم قد لا تحل أزمة قطاع السفر
جوازات سفر التطعيم قد لا تحل أزمة قطاع السفر رسم تعبيري لبلومبرغ بيزنس ويك
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تتجه حكومات العالم الآن، من بكين إلى بروكسل، إلى إثبات التطعيم على جوازات السفر، كوسيلة لإعادة فتح الحدود بين الدول، والسفر بأكبر قدر من الأمان، وتوفير غطاء للشركات التي تتطلب اتصالًا وثيقًا بين موظفيها أو العمل في تجمعات كبيرة. ولكن نظرًا لحالة عدم اليقين بشأن الفعالية النسبية أو طول عمر اللقاحات المختلفة المتنافسة - خصوصًا في مواجهة المتغيرات الجديدة - فإن استخدام (التطعيم المثبت على جواز السفر) كبطاقة خروج مجتمعية من سجن الإغلاق، سيظل محل جدل وقفزة غير مضمونة، على حد وصف الأطباء. يقول بيرجر فورسبيرج، أستاذ الصحة الدولية في معهد كارولينسكا في ستوكهولم: "قد تختلف المناعة ضد كوفيد 19من لقاح إلى آخر، وبما أننا لم نستخدم هذه اللقاحات لفترة طويلة بعد، فقد لا نتمكن من معرفة نتيجة استخدامها قبل عامين من الآن". أضاف: "يمكنك التكهن، يمكنك إعداد نماذج نظرية أو مناعية وما إلى ذلك، ولكن كما يُقال: فإن الدليل على طعم الحلوى يكمن في تناولها".

وفي واقع الأمر، هناك من يفصح عن قلقه بوضوح وشفافية تامة مثل الاتحاد الأوروبي، الذي يختلف بشدة عن الولايات المتحدة في حملة التطعيم الخاصة به، ويعتمد على حرية تنقل الأفراد، كركيزة أساسية لوجوده. وقد تعرض هذا المفهوم أو هذا التوجه للهجوم الشديد في أثناء تفشي الوباء خلال موجته الأولى، حيث أغلقت البلدان الحدود - بين عشية وضحاها - لأول مرة منذ الحرب العالمية الثانية.

الشهادة الخضراء

ابتكرت المفوضية الأوروبية في مارس الماضي ما يعرف بـ "الشهادة الرقمية الخضراء"، والتي سيتم إصدارها لأولئك الذين تعافوا من كوفيد-19، أو حصلوا مؤخرًا على نتيجة اختبار سلبية، أو تم تطعيمهم بجرعة معتمدة من وكالة الأدوية الأوروبية. وفي الوقت الحالي، يشمل ذلك اللقاحات من: "فايزر/بيوأنتك" "و"موديرنا" و"أسترازينيكا" و" جونسون آند جونسون".

وتسمح قواعد الاتحاد الأوروبي للدول الأعضاء باتخاذ قراراتها بمفردها فيما يتعلق باللقاحات، والتعامل من تلقاء نفسها في حالات الطوارئ. وفعلت ذلك بالضبط بعض دول أوروبا الشرقية، حيث أعطت إيماءات نحو استخدام بعض اللقاحات بما في ذلك "سبوتنيك في" الروسي و"سينوفارم" الصيني. وبناءً على خطة الاتحاد الأوروبي، يمكن لأي دولة تستخدم لقاحات بديلة منح امتيازات خاصة - على سبيل المثال، تعطيل أخذ المسحات أو إجراءات الحجر الصحي- لأي شخص حصل على نفس اللقاح في مكان آخر. ولكن دول الاتحاد الأوروبي الأخرى لا تحتاج إلى تمديد تلك الامتيازات. فبعض البلدان منزعجة بشدة بسبب انتشار الفيروس مثل المجر، والتي تلقى رئيس وزراءها فيكتور أوربان جرعة سينوفارم. وأوضح وزير الخارجية المجري بيتر سيجارتو في 16 مارس: "لا يمكن أن يكون جواز سفر كوفيد المحتمل تمييزيًا ضد أي شخص. يجب الاعتراف بجميع اللقاحات المعتمدة من السلطات الوطنية، وفقًا للقواعد الأوروبية، في جوازات سفر كوفيد الأوروبية".

وعلى الرغم من أن مجموعة اللقاحات المعتمدة في الولايات المتحدة وأوروبا قد أظهرت قدرات مذهلة للوقاية من الحالات الخفيفة إلى الشديدة من كوفيد، فمن غير الواضح مدى نجاح هذه اللقاحات في وقف انتقال العدوى – كما أنه ليس من الواضح بعد مدى فعالية واستمرارية الحماية التي توفرها. ولذلك ينصح الخبراء والأطباء حتى الأشخاص الذين حصلوا على التطعيمات باستمرار اتباع إرشادات التباعد الاجتماعي.

والخبر السار أن البيانات المشجعة آخذة في الظهور. فقد وجدت دراسة في إسرائيل أن جرعة التطعيم من "فايزر" منعت 94% من الإصابات بعد أن تلقى أصحابها الجرعة الثانية من اللقاح، وهو دليل قوي على انخفاض حاد في انتقال العدوى. كما أظهرت دراسة أخرى أن حقنة واحدة فقط من لقاح "أسترازينيكا" أو "فايزر"، اللذين تم إعطاؤهما للعاملين في المستشفيات ومراكز الخدمات الطبية في المملكة المتحدة، يقلل من معدل الإصابة لأفراد أسرهم في المنازل بنسبة 30% على الأقل.

مقارنة فعالية اللقاحات

ومع ذلك، من الصعب مقارنة فعالية اللقاحات المختلفة، لأن تجاربها السريرية أُجريت في أوقات وأماكن مختلفة. فقد خضعت لقاحات جونسون آند جونسون لتجارب وسط موجة عاتية من المتغيرات وأكثر قابلية لانتقال العدوى مثل تلك التي شوهدت لأول مرة في جنوب إفريقيا؛ بينما لم تعان لقاحات فايزر الظروف ذاتها. وبينما يدرس الباحثون مدى جودة وفعالية اللقاحات أمام المتغيرات الحالية، فمن المستحيل تحديد مدى إمكانية نجاح تلك اللقاحات في مواجهة السلالات الجديدة من الفيروس التي قد تظهر لاحقًا - مما يشير إلى أن ختم الموافقة المفترض على جواز السفر لأحد الحاصلين على اللقاح ضد كوفيد قد يكون عديم الفائدة مع مرور الوقت.

هناك أيضًا خطر من نوع آخر، ويتمثل في احتمالية تغيير بعض البلدان لمواقفها بشأن اللقاحات التي تعتبرها موثوقة الآن. لقد غيرت أوروبا بالفعل رأيها مرارًا وتكرارًا حول مدى أمان وفعالية لقاح "أسترازينيكا". ومثل هذه التقلبات في الرأي قد تزعج الكثيرين خصوصًا من هم يعيشون خارج أوطانهم. وتتساءل ميليندا ميلز، التي شاركت مؤخرًا في إعداد تقرير حول هذا الشأن للجمعية الملكية بلندن: "ماذا يحدث إذا كنت في بلد آخر وتوقف الاعتراف بنوع اللقاح الذي حصلت عليه؟ وما هو اللقاح الصحيح أو الفعال؟ إنه هدف متحرك فكيف يكون الحكم عليه؟"

في المستقبل القريب، لن تنطبق هذه الأسئلة على الكثير من الأشخاص، وذلك ببساطة لأنهم لم يحصلوا على لقاح ضد كوفيد من الأساس. فهذا صحيح بكل تأكيد، خصوصًا بالنسبة لمعظم الأطفال في جميع أنحاء العالم، مما يثير التساؤل حول ما إذا كانت فكرة جوازات السفر هذه المربوطة بالحصول على اللقاح منطقية على المدى القريب بالنسبة للسفر العائلي أم لا.

لذلك فإن الاتحاد الأوروبي يدرج إجراء المسحات وإثبات التعافي بالفعل من كوفيد كطريقتين أخريين للاستمتاع بمزايا جواز السفر المقترح. ومع ذلك، فهذه أيضًا طرق غير مضمونة للحد من انتشار العدوى. لقد مضى على انتشار الوباء عالميًا أكثر من عام بقليل، ومع ذلك هناك أعداد متزايدة من الحالات الموثقة التي أصيب فيها أشخاص للمرة الثانية. وعلى الرغم من أن مطالبة المسافرين إظهار نتيجة سلبية المسحات الخاصة بهم تعد بالتأكيد خطوة مهمة، لكنها ليست مضمونة كذلك. وكان العديد من الدول الأوروبية قد طلبت إجراء مثل هذه الاختبارات عندما خففت القيود على الحدود العام الماضي، وما زالت ترى أن السفر كان وراء زيادة حالات الإصابة في أواخر الصيف والخريف الماضيين.

يقول هوارد كوه، الأستاذ في مدرسة تشان للصحة العامة التابعة لجامعة هارفارد، الذي عمل أيضًا كمساعد وزير الصحة والخدمات الإنسانية الأمريكية في عهد الرئيس باراك أوباما: "هناك الكثير من الزوايا التي قد لا تضعها في اعتبارك بالضرورة عندما تبدأ في التفكير في هذه القضية. لذلك قد يكون هناك العديد من النتائج غير المقصودة".