احتياطات البنوك بلا جدوى إذا لم تستغل في أوقات الأزمات

عدم استغلال احتياطات البنوك في أوقات الأزمات يشبه الأطعمة على الأرفف غير القابلة للاستخدام
عدم استغلال احتياطات البنوك في أوقات الأزمات يشبه الأطعمة على الأرفف غير القابلة للاستخدام المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أي مخزون احتياطي لا يمكن استخدامه يصبح عديم الفائدة ولا جدوى منه؛ لنأخذ على سبيل المثال معلبات الطعام التموينية المكدسة في المخازن التي لا يمكنك تناولها مهما كنت جائعاً، أو آخر سيارة أجرة في محطة القطار التي لا يُسمح لأحدٍ بركوبها لأنه يجب أن تكون هناك دائماً سيارة أجرة واحدة على الأقل في المحطة. إذًا، ما الغرض من تسميتها احتياطات إن لم تكن توفّر أي هامش أمان أو إغاثة في حالات الطوارئ؟.

في حالة المصارف، يطرح الباحثان الماليان دوغلاس دايموند وأنيل كاشياب من كلية الأعمال في جامعة شيكاغو بوث وجهة نظر مثيرة للدهشة، إذ يعتبرون أنّ أفضل وسيلة للتأكد من عدم تهافت المودعين على سحب ودائعهم من المصارف هي إنشاء هامش أمان من السيولة التي لن تستخدم في أي حالة، تمامًا كعدم القدرة على لمس معلبات اللحمة، أو كضرورة بقاء سيارة أجرة واحدة في المحطة ولو كان آخر راكبٍ في أمسّ الحاجة إليها.

وبذلك، يتمايز الباحثان عن بعض منظمي البنوك، الذين يرون أنّ الهدف من وجود هوامش الأمان هو أن يتم الاعتماد عليها في حالات الطوارئ. ففي العام 2018، على سبيل المثال، أعلنت لجنة بازل للرقابة المصرفية أنّ نسبة تغطية السيولة "يمكن مخالفتها في أوقات الشدة".

الصمود أمام ذعر المودعين

أمّا المنطق غير المتوقّع لدايموند وكاشياب، فهو كالتالي: فلنقل أنّ مصرفًا ما لديه ما يكفي من القوة أساسًا ولكنّه يحتاج إلى أن يكون مستعدًا للصمود في حال ذُعِر بعض المودعين (وليس جميعهم) وتهافتوا للحصول على أموالهم. في هذه الحالة، يحتاج البنك إلى ما يكفي من النقد والأصول السائلة الأخرى في متناول اليد لتغطية كلّ من السحوبات العادية والسحوبات الناجمة عن ذعر المودعين. إذا كان بوسع البنك أن يثبت أن لديه هذا القدر من السيولة، فلن يبدأ الذعر في الأساس. لذا فإن النقود الإضافية الموجودة لدى البنك، والتي تتجاوز قيمتها القيمة المطلوبة لتلبية السحوبات العادية، ستكون ظاهريًا مفرطة. بمعنى آخر، يحتاج البنك إلى أن يكون أكثر أماناً من مستوى الأمان المطلوب منه، وهذه معضلة في العالم المالي.

ويفسّر الأستاذان في جامعة شيكاغو-بوث في ورقة عمل صادرة في 2016 عن المكتب الوطني للبحوث الاقتصادية في الولايات المتحدة بعنوان "متطلبات السيولة واختيار السيولة والاستقرار المالي" أنّه "بمجرد أن يتم ردع تهافت المودعين إلى سحب أموالهم، سيكون مستوى السيولة أكثر من المستوى المطلوب، وهذا أبسط مثال على فوائد الاحتفاظ بالسيولة غير المستخدمة أو وجود سيارات أجرة إضافية في محطة القطار".

إدارة الأزمات

وبعد نشر الورقة لاحقًا في دليل الاقتصاد الكلي (Handbook of Macroeconomics)، ما لبث علماء آخرون أن استخدموا مفارقة سيارة الأجرة الأخيرة في أبحاثهم. فقد خلصت ورقة عمل للبنك المركزي الأوروبي في عام 2018 إلى أنّه عندما يكون تهافت المودعين إلى سحب ودائعهم من البنوك في أوجه، "يتبيّن أنّ خفض معدل تغطية السيولة هو أداة مفيدة لإدارة الأزمات." ولكنّ ردع ذعر المودعين أساسًا أمرٌ مختلف. فقد ذكرت الصحيفة نقلًا عن دايموند وكاشياب أنّه "عندما يكون لدى الجهة المنظمة للبنوك معلوماتٍ أقلّ من تلك التي يملكها البنك، يجب أن يُطلب وجود سيولة إضافية (وغير قابلة للاستخدام) لتوفير حوافز للمحافظة على القدر المناسب من السيولة. بمعنى آخر، يجب أن تبقى آخر سيارة أجرة في المحطة."

وبطبيعة الحال، هناك خطرٌ دائم بأن يستخفّ البنك بمدى ذعر المودعين. لذلك، يقول دايموند وكاشياب، يجب على البنوك (تحسّبًا) أن تكون قادرة على الحصول على النقد فورًا من ملاذها الأخير، أي البنك المركزي، ولو أتى ذلك على حساب عقوبات معينة كتخفيض أجور المديرين التنفيذيين.