لهذه الأسباب لن تعود أسواق النفط لطبيعتها سريعاً

الرهان على عودة السفر ينعش آمال الطلب على النفط
الرهان على عودة السفر ينعش آمال الطلب على النفط المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

نعقد جميعاً آمالنا على الأمصال لتحررنا، فنقابل الأصدقاء والعائلات، ونسافر ثم نعود إلى شيء يشبه حياتنا الطبيعية، وكغيرهم أصبح المتنبئون في سوق النفط العالمية كذلك أكثر تفاؤلاً بشأن التعافي في الطلب الذي يصاحب مثل هذه العودة، لكن عند إلقاء نظرة أقرب نجد أنَّنا لم نقترب من هذه المرحلة بعد.

وفي أحدث تقاريرها الشهرية، عزَّزت وكالة الطاقة الدولية، وإدارة معلومات الطاقة الأمريكية، ومنظمة الدول المصدِّرة للبترول "أوبك" توقُّعاتها لتقديرات الطلب على البترول في 2021، وهذه هي المرة الأولى منذ أن بدأت في نشر توقُّعاتها أن تكون جميعها أكثر تفاؤلاً مما كانت عليه منذ شهر.

الرهان على اللقاح

وعندما تنظر بشكل أعمق قليلاً في التوقُّعات، يتضح أمر واحد بشدة، وهو أنَّ الوكالات الثلاث أكثر تفاؤلاً بكثير بشأن النصف الثاني من العام أكثر من النصف الأول، وهذا ليس شيئا مثيراً للتعجب، وإنَّما يرفع بعض الأعلام الصفراء التي تدعو للحذر.

وتعتمد هذه التوقُّعات بشدَّة على توزيع الأمصال المضادة لكوفيد 19 بوتيرة أسرع مما هي الآن، وعلى كون الجرعات فعَّالة ضد السلالات المتحوِّرة التي أشعلت موجات ثانية، وحتى ثالثة من العدوى في بعض الدول.

وبجانب الأمصال، تقول الوكالات، إنَّ تفاؤلها الجديد ينبع من الآفاق الأكثر إيجابية من صندوق النقد الدولي، الذي رفع توقُّعات نمو الاقتصاد العالمي للمرة الثانية في ثلاثة أشهر، وبرغم أنَّ حزمة التحفيز البالغة 1.9 تريليون دولار للرئيس جو بايدن تعدُّ عاملاً مساهماً، فإنَّ تفاؤل صندوق النقد يعتمد إلى حدٍّ كبير أيضاً على التوزيع واسع النطاق للقاحات فيروس كورونا الفعَّالة.

وهو ما يعني أنَّ المتكهمين في سوق البترول يضاعفون تركيزهم على اللقاحات، ولكن من المبكِّر للغاية أن نقول، إنَّها ستحقق الخلاص الذي نتوق إليه جميعاً، ناهيكم عن متى، ولذلك يتعيَّن علينا تجنُّب الانغماس في التفاؤل.

كفاءة التوزيع

وتعرَّضت حملات التطعيم الضخمة لرياح معاكسة الأسبوع الماضي بعد المخاوف المتزايدة بشأن الروابط المحتملة بين جلطات الدم النادرة والخطيرة، وجرعات "أسترا زينيكا"، و""جونسون آند جونسون"، وقد لا يجدد الاتحاد الأوروبي الطلبيات من الشركتين، مما يعني أنَّه لن يتمَّ تطعيم 75% من سكانه بالكامل حتى ديسمبر.

وقد تواجه الولايات المتحدة أيضاً نكسات من التوقُّف المؤقت في إعطاء لقاحات "جونسون آند جونسون"، ولم تبدأ حملة التطعيم في اليابان سوى يوم الإثنين الماضي.

كما أنَّ التوزيع غير المتكافئ حول العالم يترك أجزاء كبيرة من السكان غير محصَّنين، وهو ما يجعل هناك أعداداً ضخمةً من المستضيفين المحتملين الذين قد يواصل فيروس كورونا التحور من خلالهم، وربما لسلالات أكثر عدوى. وهو ما يأخذنا مجدداً إلى الطلب على البترول.

وقاد تخفيف القيود في الولايات المتحدة وبريطانيا إلى تعافٍ كبير في الطلب على وقود الطرق، خاصة الجازولين المستخدم لتزويد السيارات الخاصة في الولايات المتحدة، وتقترب تسليمات الجازولين، وهي مؤشر للطلب، من أعلى مستوى لها منذ أن بدأ الوباء، وتقل بمقدار 60 ألف برميل يومياً، أو 0.6% فقط عن الذروة المشهودة بعد الوباء في قمة موسم القيادة الصيفي العام الماضي، ويُرجَّح أن تتجاوز هذا المستوى قريباً جداً.

وفي بريطانيا، تظهر البيانات الحكومية أنَّ استخدام الطرق وصل إلى 91% من مستويات قبل الوباء في 12 أبريل، برغم أنَّ السيارات الخاصة لا تزال تتخلَّف إلى حدٍّ ما عن المركبات التجارية.

ولكن السفر الجوي لا يزال متعثراً، وقد يظل كذلك، وبرغم أنَّ أعداد المسافرين في الولايات المتحدة وصلت لأعلى مستوى منذ بداية الوباء بسبب عيد الفصح، فإنَّها

لا تزال منخفضة بأكثر من الثلث مقارنة بالفترة نفسها في 2019، وفقاً لبيانات إدارة سلامة النقل، وهذا يحدث في دولة تشكِّل الرحلات المحلية جزءاً كبيراً من إجمالي الرحلات، وتتخلَّف الرحلات الدولية أكثر بكثير مع استمرار تقييد حركة السفر بحدَّة عبر أغلب أجزاء العالم.

طريق طويل

وحتى إذا تمَّ تخفيف هذه القيود خلال الأشهر المقبلة، فإنَّ فتح الحدود في وقت عطلات الصيف في نصف الكرة الشمالي لن ينتج عنه بالضرورة الارتفاع المطلوب في الرحلات لتحقيق أحدث توقُّعات الطلب على البترول.

وإذا ظلَّ السفر مرهقاً فيما يتعلَّق باختبارات كوفيد المكلفة، أو الحجر الصحي، أو اشتراطات العزل، فقد يختار الناس قضاء العطلات في أماكن أكثر قرباً بكثير لموطنهم للعام الثاني على التوالي. وقال مطار هيثرو في بريطانيا، أكثر المطارات ازدحاماً في الدولة، إنَّ فترات انتظار المسافرين الوافدين تصل بالفعل إلى ست ساعات، وذلك حتى دون تخفيف قواعد السفر إلى الخارج بالكامل.

وقد تكون صورة السفر، ومعها التعافي المستمر في الطلب على البترول أكثر وردية مما كانت عليه قبل شهر، لكن لا يزال أمامنا طريق طويل للعودة إلى الوضع الطبيعي.