القصة المفصلة لملياردير "وول ستريت" المفلس.. هكذا جمع "هوانغ" 20 مليار دولار وفقدها في يومين

المصدر: بلومبرغ بيزنس ويك
المصدر: بلومبرغ
محررو بلومبرغ
محررو بلومبرغ

الهيئة التحريرية في (رأي بلومبرغ)

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

كان "بيل هوانغ" أعظم متداول في البورصة لا يعرفه الناس قبل أن يفقد كل شيء، ويخسر نحو 20 مليار دولار كاملة.

فبعد انطلاقه عام 2013، استثمر هوانغ أكثر من 200 مليون دولار تبقت من صندوق التحوط المغلق التابع له في مجموعة من "الاستثمارات المجنونة"، من خلال المراهنة على الأسهم.

لو قرر "هوانغ" البالغ 57 عاماً التوقف عن العمل في أوائل شهر مارس الماضي واستفاد من هذه الأموال، لكان قد برز بين أصحاب المليارات في العالم. وبالرغم من أن هناك رجال ونساء أكثر ثراءً من هوانغ بالطبع على قائمة المليارديرات، إلا أن أموالهم مقيدة في الغالب بالأعمال التجارية، والعقارات، والاستثمارات المعقدة، والفرق الرياضية، والأعمال الفنية. أما هوانغ فقد كان صافي ثروته البالغة 20 مليار دولار عبارة عن أموال سائلة بالكامل تقريباً، مثلها كمثل شيكات التحفيز الحكومية "سهلة الصرف"، ولكن في خلال يومين قصيرين فقط تبحرت كل هذه الثروة.

بعكس نجوم وول ستريت

يعد الانهيار المفاجئ لشركة "أركيغوس كابيتال مانجمنت" التابعة لهوانغ في أواخر شهر مارس الماضي أحد أكثر الإخفاقات إثارة في التاريخ المالي الحديث، حيث لم يخسر أي شخص الكثير جداً من الأموال بهذه السرعة من قبل.

عندما كان هوانغ في أوج لحظات مجده، تجاوزت ثروته لفترة وجيزة حاجز 30 مليار دولار، وهو أمر غريب كذلك! فعلى عكس نجوم الاستثمار في شارع وول ستريت، والحائزين على جوائز نوبل، والذين أشرفوا على شركات إدارة الأصول لفترة طويلة والتي ظهرت بقوة في عام 1998، كان هوانغ غير معروف إلى حد كبير خارج دائرة صغيرة.

لم يكن الرجل معروفاً لأحد تقريباً سوى لزملائه في الكنيسة، وأصدقائه السابقين في صندوق التحوط، بالإضافة إلى حفنة من المصرفيين. لكنه أصبح "أكبر حوت بين الحيتان" دون حتى أن يخترق سطح البحر على الإطلاق.

كذلك، لم تظهر شركة أركيغوس أبداً في الإيداعات التنظيمية التي تكشف عن المساهمين الرئيسيين في الأسهم العامة، ولا أحد يعرف إن كان ذلك قد حدث بشكل متعمد أو عن طريق الصدفة.

لعبة المشتقات

استخدم هوانغ عقود المقايضة في مسيرته الاستثمارية، وهي نوع من المشتقات التي تمنح المستثمر تعرضاً للمكاسب أو الخسائر في الأصل الأساسي، دون امتلاكه مباشرة.

سمح هذا الأمر بإخفاء هويته وحجم المراكز التي يمتلكها. وحتى الشركات التي مولت استثماراته لم تستطع رؤية الصورة الكاملة لطريقة عمله. وهذا هو السبب فيما حدث يوم الجمعة، 26 مارس الماضي، عندما علم المستثمرون في جميع أنحاء العالم أن شركة تدعى "أركيغوس" قد تخلفت عن سداد القروض المستخدمة لبناء محفظة استثمارية مذهلة بقيمة 100 مليار دولار. وكان السؤال الأول الذي يطرحه الجميع وقتها هو: "من هو بيل هوانغ في الأصل؟"، وذلك لأنه كان يستخدم الأموال المقترضة، ويرفع رهاناته في الرافعة المالية بنحو خمسة أضعاف. كما تسبب سقوطه في سلسة كبيرة من الانهيارات، حيث تخلصت البنوك من الحيازات التي تمتلكها في شركته، مما تسبب بهزة عنيفة في أسعار الأسهم.

خسرت مجموعة "كريديت سويس"، وهي واحدة من مقرضي هوانغ نحو 4.7 مليار دولار، وطردت العديد من كبار المسؤولين التنفيذيين، بما في ذلك رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية. ويواجه بنك "نومورا" الياباني خسائر بنحو ملياري دولار تقريباً.

لم يمثل هوانغ سوى الرقم الكبير جداً ضمن سلسلة الخسائر المتوقعة وسط حالة من الفشل المالي الذريع. كما لم يكن يمتلك منزلاً فارهاً يطل على حديقة سنترال بارك في مانهاتن، ولا شاليه على جانب التل في نادي يلوستون، ولا حتى طائرات خاصة.

وسبق أن قال هوانغ في مقطع فيديو تم تسجيله بكنيسة ميترو كوميونيتي في ولاية نيوجيرسي عام 2019: "نشأت في عائلة قسيس، وكنا فقراء". وأضاف:

أعترف لكم بأنني لم أكن أحيا بشكل سيء للغاية. لكني عشت أسوأ بعدة درجات من المستوى الذي كنت أتمنى العيش فيه

أركان اللغز المحير

يمتلك هوانغ منزلاً في إحدى ضواحي نيوجيرسي ويقود سيارة هيونداي رياضية متعددة الاستخدامات. وتحتوي قصته على العديد من التناقضات، حيث كان يكرس حياته لكنيسته ويتبرع لها بسخاء من جانب، بينما يشتهي المخاطرة بالأموال في حياته المهنية، وكأنه يقامر في كازينو على الجانب الآخر.

في الوقت الحالي، لا يفصح هوانغ عن سبب دخوله في مثل هذه اللعبة الخطرة؟، ولم يدل المصرفيون الذين تعاملوا معه كذلك بأي تصريح. لكن أركان هذا اللغز المحير بدأت في الانكشاف واحداً تلو الآخر.

يبدو هوانغ كشخص متواضع من الخارج، لكنه كان يتمتع بكل الوجاهة التي يحتاجها داخل أقسام الوساطة المالية الكبرى في وول ستريت، والتي تمول كبار المستثمرين.

ويمكن وصف هوانغ بأنه كان كـ"شبل النمر"، وتلميذ متفوق في مدرسة صناديق التحوط المتميزة، التي أسسها رجل الأعمال الأمريكي جوليان روبرتسون، ففي العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كان هوانغ يدير صندوقه الاستثماري الخاص، والذي حمل اسم "تايغر آسيا مانجمنت"، وبلغ الحد القياسي للأصول المستثمرة فيه حوالي 10 مليارات دولار.

وتم اتهام هوانغ بالتداول من الباطن من قبل منظمي الأوراق المالية في الولايات المتحدة، إضافة إلى إقراره بالذنب في تهمة ارتكاب احتيال نيابة عن شركة "تايغر آسيا" في عام 2012، لكن كل ذلك لم يكن له أهمية.

كانت "أركيغوس" بمثابة مكتب عائلي، حيث أسسها هوانغ لإدارة ثروته الشخصية، كما كان يدر أرباحاً كبيرة لعملائه من البنوك، وكانت تلك البنوك حريصة على إقراض هوانغ مبالغ ضخمة.

وفي 25 مارس الماضي، عندما تمكن ممولو هوانغ أخيراً من مقارنة الأوراق المالية، أصبح من الواضح أمامهم أن إستراتيجية التداول الخاصة به كانت بسيطة للغاية، حيث يبدو أن "أركيغوس" كانت تستثمر معظم الأموال التي تقترضها في حفنة من الأسهم، ومن بينها أسهم شركات: "فياكوم سي بي إس" (ViacomCBS)، و"جي إس إكس تيشيدو" (GSX Techedu)، و"شوبيفاي" (Shopify). لم تمثل هذه الإستراتيجية مراهنة محسوبة على حزم مضمونة من العقود المالية غير المعروفة.

استثمر هوانغ على طريقة شركة "تايغر"، مستخدماً طرق التحليل الأساسية المتعمقة للعثور على أسهم واعدة، وقام ببناء محفظة عالية التركيز. ويمكن لمقيمي حركة التداول اليومي في قسم "وول ستريت بيتس" بموقع ريديت (Reddit) أن يفعلوا الشيء نفسه تقريباً على منصة "روبن هود"، ويستثمرون في قطاعات رائجة، مثل: شركات البث التلفزيوني على الإنترنت، وطرق التعليم الافتراضية، والتسوق الإلكتروني. ولكن لم تقم أي شركة وساطة بزيادة الاستثمار لمستوى عالي جداً في هذه الشركات أبداً، مقارنة بالمقدار الهائل الذي يحصل عليه المليارديرات منها.

ولمن يسألون عن طبيعة حياة هوانغ الشخصية، فقد صرح من قبل بأنه يقسم وقته بالتساوي بين 3 اهتمامات، وهي: عائلته، وعمله، وجمعيته الخيرية، التي تحمل اسم "غريس آند ميرسي" (Grace & Mercy).

وقال هوانغ في فيديو تم تسجيله عام 2019 لمؤسسته: "أحاول الاستثمار وفقاً لطريقة كلمة الله وقوة الروح القدس". وأضاف: "تعتبر هذه طريقة جريئة في الاستثمار إلى حد ما. ولكنني لا أخاف من الموت أو المال".

من كوريا إلى أمريكا

هاجر "سونغ كوك هوانغ" – الاسم الكوري الأصلي لهوانغ - إلى الولايات المتحدة من كوريا الجنوبية في عام 1982، وحصل على الاسم الإنجليزي "بيل". وتربى بيل هوانغ على يد والدته الأرملة، والتحق بجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وحصل في النهاية على ماجستير في إدارة الأعمال من جامعة كارنيغي ميلون.

وفي لقاء لم شمل كلية إدارة الأعمال، والذي تم تسجيله بالفيديو في عام 2008، كشف هوانغ عن الهدف الوحيد الذي كان يتمناه بعد التخرج، وهو الانتقال إلى نيويورك. وحق ذلك بالفعل في عام 1996، بعد أن عمل كمندوب مبيعات في شركتين للأوراق المالية، وحصل على وظيفة محلل في شركة "تايغر مانجمنت".

في مدرسة "روبرتسون"

كان العمل مع روبرتسون، الذي يعتبر أحد عمالقة القطاع وقتها، مثل اللعب لصالح فريق نيويورك يانكيز الأمريكي لكرة البيسبول. وشرع العديد من زملاء هوانغ في ذلك الوقت في إطلاق العديد من صناديق التحوط الأكثر نجاحاً في العالم، بما في ذلك المستثمرون العالميون في شركة "أندرياس هالفورسين" (Andreas Halvorsen)، وشركة "كوتيو مانجمنت" (Coatue Management) لمالكها فيليب لافونت، وشركة "تايغر غلوبال مانتجمنت" (Tiger Global Management) لمالكها تشيس كوليمان.

ووفقاً لما ذكره هوانغ في حفل لم الشمل، فإن عمله لدى روبرتسون علمه درساً رئيسياً، وهو: "التأقلم مع الخسائر". ففي مرحلة ما، خسرت شركة "تايغر" ملياري دولار في رهان خاطئ ضد الين الياباني، وكان الجميع في حالة من الذعر. وقتها دخل روبرتسون إلى المكتب وقال، بحسب هوانغ، "يا رفاق، اهدؤوا. إنه عمل فقط ونحن نفعل ما بوسعنا".

وعندما أغلقت الشركة أبوابها في عام 2001، حث روبرتسون هوانغ على إطلاق صندوقه الاستثماري الخاص، وعرض عليه أن يدعمه برأس مال.

في بداية إنطلاقهما، كان كل من صندوقي "تايغر آسيا"، و"كوليمانز تايغر غلوبال" في نفس الطابق الذي كان يضم مكاتب روبرتسون في ناطحة سحاب بارك أفينيو. وكان هوانغ وكولمان يتناولان الغداء معاً في بعض الأحيان، لتبادل وجهات النظر حول السوق.

ويتذكر موظف سابق في "تايغر آسيا" أن هوانغ عاد في أحد الأيام، وقرر هو وكولمان عدم تقليص بعض الاستثمارات وسط تقلبات السوق. وقال هوانغ بحسب هذا الموظف: "أعتقد أن تشيس كوليمان وأنا متشابهان للغاية، فنحن بحاجة إلى الاستثمار ضد التيار".

ولم يوافق أي من زملائه أو موظفيه السابقين على ذكر اسمائهم وهم يتحدثون عنه. فالبعض لا يزال صديقاً له، ولا يريد أن يظهر غير مخلص. والبعض الآخر مقيد بتعهدات السرية. أما الأشخاص المطلعون على أحوال "أركيغوس"، سواء بما يتعلق بحساباتها أو مراكزها، فتحدثوا بشرط عدم الكشف عن هويتهم؛ لأنهم غير مخولين بالتعليق.

ضربة البداية

سعى هوانغ في البداية إلى تمييز نفسه من خلال الاستثمار فقط في الشركات الكورية، واليابانية، والصينية التي حققت كل إيراداتها على المستوى المحلي فقط. ويقول العملاء والزملاء السابقون إن هوانغ ركز محفظة شركة "تايغر آسيا" في عدد صغير من الأسهم ثم عززها بعد ذلك.

وهناك حوالي 25 مركزاً أو نحو ذلك كانت عبارة عن صفقات شراء (مراهنات على ارتفاع الأسعار) وبعضها كانت صفقات بيع (رهانات على انخفاض الأسعار). ويقول الموظف السابق إن هوانغ كان كتوماً للغاية، وغالباً ما كان يخفي حيازات كبيرة بشكل خاص عن محلليه. وكرر طريقة العمل هذه نفسها بعد عدة سنوات في شركة "أركيغوس".

في عام 2008، باعت "تايغر آسيا" أسهماً على المكشوف في شركة فولكس واجن، ولكن وقتها أدت تكهنات تتعلق بالاستحواذ إلى ارتفاع سعر الأسهم، وتضاعف سعر السهم أربع مرات في يومين، واضطر هوانغ إلى إغلاق مركزه على خسارة، وأنهى العام بتراجع نسبته 23%. كما انسحب العديد من المستثمرين من الشركة وهم يشعرون بالغضب؛ بسبب مقامرة صندوق هوانغ الاستثماري الذي يركز على الاستثمارات الآسيوية في الأسواق الأوروبية.

الإقرار بالذنب

يمكن القول بأن هوانغ تعدى الخط الفاصل بين الاستثمار القوي وغير القانوني مرة واحدة على الأقل في حياته. ففي عام 2012، وبعد سنوات من التحقيقات، اتهمت هيئة الأوراق المالية والبورصات الأمريكية شركة "تايغر آسيا" بالتداول من الباطن والتلاعب في اثنين من أسهم البنوك الصينية. وقالت الهيئة، إن هوانع "تخطى جدار سرية"، حيث تلقى معلومات غير علنية حول عروض الأسهم المعلقة من بنوك الاكتتاب، ثم استخدم المعلومات لجني أرباح غير مشروعة.

وقام هوانغ بتسوية هذه القضية دون الاعتراف أو نفي ارتكاب أي مخالفات، وأقرت شركة "تايغر آسيا" بأنها مذنبة أمام وزارة العدل الأمريكية بتهمة الاحتيال الإلكتروني. واتصلت به والدته، التي أصبحت عضوة مبشرة بطائفة دينية في مدينة تيخوانا بالمكسيك، لتسأل عن العقوبات. وتحدث هوانغ عن هذه اللحظة في حديث تم إجراؤه عام 2016 في كوريا الجنوبية، حيث أخبرها أن الغرامات والتنازلات بلغت أكثر من 60 مليون دولار، فأجابته قائلة: "أوه، يا عزيزي سونغ كوك.. لقد أبليت بلاءً حسناً. فدولتنا الأمريكية تمر بوقت عصيب، وضع في اعتبارك أيضاً المبلغ الذي تدفعه كضرائب"، واضطر هوانغ لإغلاق الصندوق وقتها.

إطلاق المارد "أركيغوس"

في عام 2013، أطلق هوانغ شركة "أركيغوس" كمكتب عائلي. ولم يكن هناك مستثمرون خارجيون هذه المرة؛ بل أمواله فقط. واعتقد بعض الأصدقاء، بعد التفكير في الأمر، أنه يريد إثبات نفسه بعد التسوية التي أجراها مع هيئة الأوراق المالية والبورصات، بينما لم ير آخرون أي مصلحة في ذلك، فالمخاطرة بالنسبة لهوانغ مثل كرة السلة بالنسبة إلى ليبرون جيمس، وهي جزء من تكوينه.

وعلى الرغم من قلة شهرته في وول ستريت، فقد كان هوانغ أحد الداعمين الرئيسيين لمجتمع كنيسته. وكانت مؤسسته "غريس آند ميرسي" تتبرع بملايين الدولارات سنوياً لخدمة قضايا مسيحية في الغالب. وكانت مؤسسة ومدرسة فولر اللاهوتية في باسادينا بكاليفورنيا، ومتحف الكتاب المقدس في واشنطن بين أكبر المستفيدين من تلك التبرعات. ومن بين المدارس الأخرى المستفيدة من التبرعات في نيويورك، كانت "بويري ميشن" (Bowery Mission) وكلية "كينغز"، وهي مدرسة فنون ليبرالية مسيحية.

كان هوانغ يستضيف ثلاث جلسات تلاوة للكتاب المقدس أسبوعياً في مكاتب مؤسسته بوسط مانهاتن، وكانت الجلسات عبارة عن: عشاء ينعقد في تمام الساعة 6:30 مساء يوم الاثنين، وغداء عند الساعة 12:30 مساء يوم الأربعاء، وفطور عند الـسابعة صباحاً يوم الجمعة. كما كان هوانغ يتحمل تكلفة انعقاد جلسة تلاوة أخرى في مركز كنيسة مترو الاجتماعي أيضاً. وبين الاستماع إلى الكتاب المقدس وقراءته له بنفسه، كان هوانغ يمضى 90 ساعة على الأقل كل عام في استيعاب الكتاب المقدس بأكمله.

كان هوانغ أيضاً منخرطاً بشكل وثيق مع مجموعة تسمى "ليبرتي" (Liberty) في كوريا الشمالية، أو "لينك"، والتي ساعدت حوالي 1300 كوري شمالي على الهروب من النظام الكوري الشمالي.

ويقول جنسن كو، زميل هوانغ في "أركيغوس" عنه: "إنه لا يستخدم الدين كغطاء، ولكنه يعيش حقاً وفق معتقداته الإيمانية".

لقاء هوانغ وكاثي وود

في فبراير 2016، ظهر اسم هوانغ في دعوة تم إرسالها بالبريد الإلكتروني إلى أعضاء وزارة الخدمات المالية، وكانت الدعوة من مجموعة تابعة للكنيسة المخلصة المشيخية في نيويورك، والتي تربط المسيحيين العالمين في القطاع المالي.

ودعت المجموعة الأعضاء للاعتكاف في عطلة نهاية الأسبوع في مدرسة برينستون اللاهوتية، وقالت إنها دعوة "لاستكشاف قدرة الإنجيل على تغيير هويتنا، وما دُعينا للقيام به في هذا القطاع".

كان الحدث الأبرز في الاعتكاف هو عشاء تم عقده يوم السبت مع ثلاثة من مستشاري الوزارة، وهم: "كاثي وود"، والتي كانت شركتها "إيه آر كيه إينفستمنز" (ARK Investments) مجرد شركة ناشئة لإدارة الأموال في ذلك الوقت، و"بول غويكوفيتش" (Paul Gojkovich)، المدير السابق في شركة "ميريل لينش"، وهوانغ.

ولفترة من الوقت، شاركت وود وهوانغ في مسار استثماري مماثل. فعندما حققت "أركيغوس" مجموعة من الصفقات الرابحة غير التقليدية، أثارت ضجة كبيرة في عالم الاستثمار. وكذلك فعل صندوق "وود" الاستثماري الرائد المتداول في البورصة، والذي شكل محفظة استثمارية من أسهم شركات التكنولوجيا الثقيلة، وكان مفتوحاً لأي من المستثمرين الأفراد، وأبهر السوق بتحقيقه عائد يصل إلى 148% في عام 2020.

يعد هوانغ أيضاً أحد مستثمري "وود"، فوفقاً لأحد موظفيه السابقين، تعاونت شركتا "أركيغوس" و"إيه آر كيه" في إجراء أبحاث بالقطاع. ورفضت شركة "إيه آر كيه الإدلاء بتعليق في هذا الصدد.

ويقدم اجتماع الاعتكاف هذا لمحة عن كيفية جمع هوانغ بين التدين والمالية. ويتذكر أحد الأشخاص الذين حضروا الحدث أنه تحدث معه حول محفظة شركة "أركيغوس" الاستثمارية، والتي تضمنت بعد ذلك أسهم في شركات أمازون، وفيسبوك، ولينكد إن، ونتفلكس.

عمل إلهي

بحسب منظور هوانغ، كانت الشركات المتطورة تقوم بـ"عمل إلهي"، وذلك من خلال النهوض بالمجتمع. وأخبر المصلين أثناء مشاركته عام 2019 في مركز كنيسة مترو الاجتماعي أن الله يحب شركة غوغل التابعة لشركة ألفابت؛ لأنها "تقدم أفضل المعلومات للجميع"، وامتلكت "أركيغوس" أسهماً في غوغل لمدة خمس سنوات. ويضيف هوانغ في الفيديو المسجل له أيضاً: "يهتم الله أيضاً بالسعر العادل، لأن الكتاب المقدس يقول، إن الله يكره المقاييس الخاطئة"، في إشارة منه إلى الآيات التي تحدثت عن ضرورة العدل في الكيل والموازين بالعهد القديم.

واستطرد هوانغ: "تقوم شركتي بدور محدود في هذا النطاق، حيث توفر سعراً عادلاً لأسهم غوغل". وأضاف: "إذا كنتم تتسائلون عما إذا كان هذا مهماً عند الله؟ فإجابتي هي: نعم بالتأكيد".

التفنن في تداول اتفاقيات المقايضة

تمنع قواعد الولايات المتحدة المستثمرين الأفراد من شراء الأوراق المالية بأكثر من 50% من الأموال المقترضة على الهامش. ولكن لا تنطبق مثل هذه الحدود على صناديق التحوط والمكاتب العائلية. ويقول أشخاص مطلعون على شؤون "أركيغوس" إن الشركة رفعت من قيمة رافعتها المالية بشكل ثابت. ففي البداية كانت الشركة تستثمر بضعف النسبة المسموحة، أي 1 مليون دولار مقترض لكل مليون دولار من رأس المال. ولكن بحلول أواخر شهر مارس، وصلت الرافعة المالية في الشركة إلى 5 أضعاف أو أكثر.

حافظ هوانغ أيضاً على السرية في تعاملاته دون إثارة انتباه البنوك المتعاملة معه؛ وذلك من خلال تداول اتفاقيات المقايضة.

وفي اتفاقيات المقايضة التقليدية، يمنح البنك عميله تعرضاً لأصل أساسي، مثل الأسهم. بينما يربح العميل -أو يخسر- من أي تغيرات تحدث في السعر، ويظهر البنك في الملفات باعتباره المالك المسجل للأسهم.

وهذه هي الطريقة التي تمكن من خلالها هوانغ من تجميع حيازات ضخمة بهدوء شديد. ولأن المقرضين لديهم تفاصيل فقط عن تعاملاتهم معه، فهم أيضاً لم يعرفوا أنه كان يراكم الديون على الرافعة المالية في نفس الأسهم، عبر إجرائه مقايضات مع البنوك الأخرى.

ومن الأمثلة على ذلك شركة "فياكوم"، فبحلول أواخر مارس الماضي، كانت "أركيغوس" قد اشترت الملايين من أسهم شركة التكتل الإعلامي هذه، عبر التعاون مع مورغان ستانلي، وغولدمان ساكس، وكريديت سويس، وويلز فارغو.

رحلة الصعود

كانت شركة "فانغارد" صاحبة الرقم القياسي في هذه الشركة، حيث امتلكت نحو 59 مليون سهم.

ولم يكن هناك أي دليل على قيام "أركيغوس" بأي شيء غير مناسب، حيث كانت الأجواء التي تم الحفاظ عليها في مكاتب الشركة رصينة بشكل ملحوظ.

ويقول موظف سابق في الشركة إنه لم يكن هناك أي تسامح مع استخدام الشتائم في المكتب، وهي سياسة اكتسبها هوانغ من العمل في شركة "تايغر" مع روبرتسون، وتقف في تناقض صارخ مع الألفاظ النابية الشائعة في معظم شركات التداول الأخرى.

ويتذكر المصدر نفسه أيضاً أن هوانغ كان يحمل حقيبة ظهر مثل طالب جامعي ويمدح العلامة التجارية "يونيكلو" (Uniqlo) للأزياء الجاهزة، لأنها رخيصة ومريحة ويمكن الانتفاع بها بشكل مثالي.

وبرز الصراع بين التواضع والجرأة بشخصية هوانغ في الطابق 38 من مبنى الجادة رقم 7، والذي يتكون من 888 طابق فوق سنترال بارك في نيويورك. فمن جهة كانت هناك مؤسسة "غريس آند ميرسي" الدينية (التي تمثل الوجه المتواضع لهوانغ)، وعلى الجانب الآخر كانت شركة "أركيغوس" (وفيها يظهر الوجه الجريء له).

ويقول الأشخاص المطلعون على استثمارات هوانغ في السنوات القليلة الأولى التي أدار فيها شركة "أركيغوس" إن محفظة الشركة الاستثمارية تضمنت أسهم لشركات مثل: أمازون، ومجموعة "إكسبيديا"، التي تدير محركاً لحجوزات السفر، ولينكد إن، موقع البحث عن الوظائف الذي استحوذت عليه مايكروسوفت في عام 2016.

نفس استراتيجية كاثي وود

تسبب رهان فائز على أسهم شركة نتفلكس في تحقيق أرباح لـ"أركيغوس" بحوالي مليار دولار ، حسب تقديرات زميل سابق لهوانغ.

ويبدو أن هوانغ كان يستخدم نفس الإستراتيجية التي كانت وود تطبقها في شركة "إيه آر كيه"، والتي بدأ الملايين من المستثمرين الأفراد في تبنيها أيضاً، وهي: استغلال الاضطراب التكنولوجي.

حقق هوانغ سلسلة مكاسب سريعة ومتتالية. وبحلول عام 2017، كان لدى أركيغوس حوالي 4 مليارات دولار من رأس المال، وفقاً لمصرفي سابق ساعد في الإشراف على حساب الشركة في مؤسسته. وكان هوانغ يشارك القليل من التفاصيل المالية مع مقرضيه، لكن لم يطالبه أحد بالتوقف.

كانت الرافعة المالية في شركته خلال ذلك الوقت تماثل تقريباً حجم صندوق التحوط النموذجي الذي يدير استراتيجية مماثلة، أو يزيد حجمها عنه بمقدار مرتين إلى مرتين ونصف، بحسب ذلك المصرفي.

وكانت إحدى مشكلات انتقاء الأسهم حسب استراتيجية هوانغ هي التحوط، حيث يحاول العديد من منتقي الأسهم المحنكين تقليل مخاطرهم؛ من خلال موازنة المراكز طويلة الأجل مع مراكز البيع قصيرة الأجل في نفس الشركات. وبهذه الطريقة يعوضون بعض الخسائر من الأرباح إذا تعثرت السوق.

من حيث المبدأ، يعتبر البيع على المكشوف أمراً بسيطاً، حيث تقترض الأسهم وتبيعها، وتجني الأموال إذا انخفض سعر السهم. أما من الناحية العملية، فغالباً ما يكون من الصعب العثور على ما يكفي من الأسهم أو اقتراضها بسعر رخيص.

وهناك طريقة أخرى للتحوط تُعرف باسم "المحفظة الاستثمارية قصيرة الأجل"، وتشمل إجراء رهان واسع النطاق ضد سوق الأسهم، وغالباً ما يتم ذلك من خلال الاستثمار في عقود الخيارات، أو العقود الآجلة في مؤشر "ستاندرد آند بورز500".

ومن السهل نسبياً تنفيذ هذه الإستراتيجية. لكن التحوط هنا لا يؤتي ثماره، إلا إذا تراجعت السوق. ويقول المصرفي السابق إنه يتذكر أن "أركيغوس" كانت تمتلك محفظة قصيرة الأجل.

دور الرافعة المالية

في مرحلة ما خلال السنوات القليلة الماضية، تحولت استثمارات هوانغ من التركيز على شركات التكنولوجيا إلى الاستثمار في مزيج أكثر انتقائية. وأصبحت تكتلات وسائل الإعلام مثل: "فياكوم سي بي إس"، و"ديسكفري" من الشركات التي تحظى بحيازات ضخمة. وكذلك فعلت ما لا يقل عن أربعة أسهم شركات صينية، وهي: "جي إس إكس تشيدو"، و"بايدو"، و"آيكيي" (Iqiyi)، و"فيبشوب".

وعلى الرغم من أنه من المستحيل معرفة متى أجرت "أركيغوس" بالضبط صفقات المقايضة على هذه الأسهم، إلا أن هناك أدلة على إتمام تلك الرهانات في الإيداعات التنظيمية الخاصة بالبنوك التي تتعامل معها الشركة.

وبدءاً من الربع الثاني من عام 2020، أصبحت جميع البنوك التي يتعامل معها هوانغ من أصحاب حيازات الأسهم الكبيرة التي راهن عليها. وارتفعت حصة مورغان ستانلي من 5.22 مليون سهم في شركة فيبشوب القابضة المحدودة في 30 يونيو الماضي، إلى 44.6 مليون بحلول 31 ديسمبر.

بدأت الرافعة المالية في لعب دور أكبر، وكان هوانغ يبحث عن المزيد من الاستثمارات. وفي ذلك الوقت، كان بنك كريدي سويس ومؤسسة مورغان ستانلي يتعاملان مع "أركيغوس" منذ سنوات، دون أن ينزعجا من مناوشات هوانغ مع المسؤولين التنظيميين. لكن مصرف غولدمان ساكس وضع "أركيغوس" على القائمة السوداء. وقام مسؤولو قواعد الامتثال، الذين استاؤوا من ماضي هوانغ المتقلب، بمنع الجهود الداخلية المتكررة لفتح حساب لشركة "أركيغوس"، وفقاً لأشخاص مطلعين بشكل مباشر على هذا الأمر.

في نهاية كل يوم تداول، كانت "أركيغوس" تقوم بتسوية حسابات المقايضة. وإذا ارتفعت القيمة الإجمالية لجميع المراكز في الحساب، يقوم البنك المعني بالدفع لصالح "أركيغوس" نقداً. أما إذا انخفضت القيمة، فيتعين وقتها على "أركيغوس" تقديم المزيد من الضمانات، أو ما يعرف في القطاع المالي باسم "الهامش اللاحق".

فترة الانتعاش

كان الربع الأخير من عام 2020 مثمراً بالنسبة لهوانغ، فمع ارتفاع مؤشر "ستاندرد آند بورز500" بنسبة 12% تقريباً، صعدت 7 من أصل 10 أسهم تستثمر فيها "أركيغوس" بأكثر من 30%، وانتعشت أسهم شركات بايدو، وفيبشوب، وفارفيتش بنسبة 70% على الأقل.

وكل هذا النشاط جعل "أركيغوس" واحدة من أكثر شركات التداول جذباً للعملاء في وول ستريت. ويقول الأشخاص المطلعون على الوضع، إن الشركة كانت تدفع لكبار سماسرة البورصة عشرات الملايين من الدولارات سنوياً كرسوم، وربما أكثر من 100 مليون دولار في المجموع.

أول فصول الانهيار

وبينما كانت حسابات المقايضة الخاصة بـ"أركيغوس" تُدِر النقد، استمر هوانغ في تجميع رأس مال إضافي للاستثمار ودعم الرافعة المالية. ورضخ غولدمان ساكس أخيراً ووافق على دخول "أركيغوس" كعميل في أواخر عام 2020، ولكن بعد أسابيع قليلة انتهى الأمر برمته في لمح البصر.

بعد الساعة 4 مساءً بقليل، وقع أول حدث من سلسلة الانهيارات المتتالية التي عانت منها "أركيغوس" خلال الأسبوع المنتهي في 22 مارس، فبعد إغلاق التداول يوم الاثنين في نيويورك، أعلنت شركة "فياكوم"، التي كانت تكافح من أجل التنافس مع "أبل تي في"، و"ديزني بلس"، و"هوم بوكس أوفيس"، و"نتفلكس"، عن بيع أسهم وديون قابلة للتحويل بقيمة 3 مليارات دولار.

كانت أسهم الشركة قد تضاعفت 3 مرات خلال 4 أشهر، مدعومة بشراء هوانغ لأسهمها، حيث كان جمع الأموال للاستثمار في شركات بث المسلسلات والبرامج على الإنترنت أمراً منطقياً، أو هكذا بدا الأمر في جناح الاستثمار في "فياكوم".

لكن بدلاً من ذلك، انخفض السهم بنسبة 9% يوم الثلاثاء و23% يوم الأربعاء. وأصبحت رهانات هوانغ فجأة خاسرة، مما عرض اتفاقيات المقايضة الخاصة به للخطر. وناشده عدد قليل من المصرفيين لبيع الأسهم، ورأوا أنه لو فعل ذلك فسيتكبد الخسائر وينجو، متجنباً سيناريو التخلف عن السداد. ولكن هوانغ رفض هذا الاقتراح، وفقاً لأشخاص على دراية بهذه المناقشات، وعلى ما يبدو أنه نسى الدرس الذي تعلمه من سقوط شركة روبرتسون منذ فترة طويلة.

في يوم الخميس من ذلك الأسبوع، عقد كبار السماسرة في شركة هوانغ سلسلة من الاجتماعات الطارئة. ويقول أفراد لديهم خبرة في المقايضة إن هوانغ اقترض على الأرجح ما يقرب من 85 مليون دولار لكل 20 مليون دولار، حيث استثمر 100 دولار، وجنب 5 دولارات لتوسيع الهامش حسب الحاجة. لكن محفظته الاستثمارية الضخمة انهارت بسرعة كبيرة؛ لدرجة أن خسائرها أطاحت بهذا الهامش الصغير وذهبت برأس ماله أيضاً.

أول الناجين

كانت المعضلة التي يواجهها مقرضو هوانغ واضحة، وهي أنه إذا انتعشت الأسهم في حسابات المقايضة الخاصة به، فسيكون الجميع بخير. ولكن حتى إذا فشل بنك واحد من البنوك وبدأ في البيع، فسيتعرضون جميعاً لانخفاض الأسعار، وأراد بنك "كريديت سويس" الانتظار.

في وقت متأخر من بعد ظهر ذلك اليوم، ودون أن تتحدث إلى زملائها المقرضين، اتخذت شركة مورغان ستانلي خطوة استباقية، حيث تخلصت المؤسسة المالية بهدوء من 5 مليارات دولار من ممتلكاتها في "أركيغوس" بسعر مخفض، وباعت أسهمها بشكل أساسي لمجموعة من صناديق التحوط.

في صباح يوم الجمعة، قبل افتتاح بورصة نيويورك الساعة 9:30 صباحاً بوقت طويل، بدأ غولدمان ساكس بتصفية 6.6 مليار دولار من الأسهم على شكل كتل في شركات بايدو، ومجموعة تينسينت ميوزيك إنترتينمنت، وفيبشوب، وسرعان ما تبع ذلك بيع أسهم بنحو 3.9 مليار دولار في شركات "فياكوم سي بي إس"، وديسكفري، وفارفيتش، وآي كيي، وجي إس إس تيشيدو.

وعندما هدأت نيران الأزمة أخيراً، خرج كل من غولدمان ساكس، ودويتشة بنك، ومورغان ستانلي، وويلز فارغو من حملة البيع السريعة لأسهم "أركيغوس" سالمين. وليس هناك شك في أنهم تحركوا بشكل أسرع للبيع، بل ومن الممكن أيضاً أن يكونوا قد مددوا الرافعة المالية بشكل أقل، أو طالبوا بمزيد من الهامش. وحتى الآن، يبدو أن بنك "كريديت سويس" و"نومورا" قد تعرضا لأكبر قدر من الضرر.

وكشفت المجموعة المالية "ميتسوبيتشي"، وهي شركة سمسرة كبيرة أخرى، عن تكبدهاـ 300 مليون دولار من الخسائر المحتملة.

على من يقع اللوم؟

كل هذا يذكرنا بشكل مخيف بأزمة الرهن العقاري التي وقعت قبل 14 عاماً. ففي ذلك الوقت، كما هو الحال الآن، كانت المشكلة عبارة عن صرف سلسلة من القروض غير المسؤولة بشكل متزايد، وطالما كانت أسعار المساكن تستمر في الارتفاع، كان المقرضون يتجاهلون المخاطر المتزايدة. لكن عندما توقف مالكو المنازل عن الدفع، ظهرت الحقيقة، وهي أن جميع البنوك مولت الكثير من القروض، بحيث لا يمكن احتواء التداعيات.

وأفضل شيء يمكن لأي شخص أن يقوله عن انهيار "أركيغوس" هو أنه لم يتسبب في انهيار السوق. أما أسوأ شيء فهو أن تلك الكارثة كان من الممكن تفاديها تماماً.

ولكن مقرضي هوانغ هم من تسببوا في زيادة هذه الأزمة،ـ فلو كان هؤلاء المقرضين قلصوا من الرافعة المالية في شركته، أو أصروا على اتباع المزيد من الوضوح في الأعمال التي قام بها في وول ستريت، لكانت شركة "أركيغوس" ستزدهر بدلاً من أن تحترق، وربما لم تكن ستتعرض لسيناريو التخلف عن السداد.

يقع اللوم على المسؤولين أيضاً، فبحسب ما ورد في الكونغرس خلال جلسات الاستماع التي أعقبت كارثة شركة "غايم ستوب" في شهر يناير الماضي، لا توجد شفافية كافية في سوق الأسهم.

تتطلب القواعد الأوروبية من الطرف الذي يتحمل المخاطر الاقتصادية للاستثمار الإفصاح عن مصلحته، أما في الولايات المتحدة، فيمكن أن يستمر كبار المتداولين من حيتان البورصة مثل هوانغ في العمل دون أن يراهم أحد.