ما يجب أن تعرفه عن الركود الاقتصادي الذي يجتاح العالم

تصوير: باتريك تي فيلون/بلومبيرغ
تصوير: باتريك تي فيلون/بلومبيرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

مع التوقف المفاجئ للنشاط الاقتصادي في جميع أنحاء العالم، تحوَّل الحديث عن الركود الاقتصادي التالي مِن "هل؟" و"متى؟" إلى "كم سيستغرق الأمر من الوقت؟" و"إلى أي مدى سيكون الوضع سيئًا؟".

وأدت جائحة فيروس كورونا إلى إعاقة السفر وإغلاق الأعمال وإلغاء الأحداث الرياضية وانزلاق أسواق الأسهم إلى هاوية لا قرار لها، وقد أدّت إجراءات العزل حفاظًا على الأرواح إلى كبح الإنتاج الاقتصادي بصورة كبيرة، الأمر الذي كان بمثابة صدمة يعتقد كثيرون أنها ستؤدي إلى انكماش اقتصاديّ عالميّ.

1- ما الركود الاقتصادي؟

تعريفه في القاموس هو الفترة التي يتقلص فيها الإنتاج الاقتصادي لرُبعين متتاليين، وتستخدم لجنة تأريخ دورة الأعمال التابعة للمكتب القومي للأبحاث الاقتصادية، التي تحدّد القرار الرسمي للولايات المتحدة، نهجًا مختلفًا، مع مراعاة عوامل مثل الناتج المحلي الإجمالي المعدل وفقًا للتضخم، والعمالة والإنتاج الصناعي والدخل.

وينظر صندوق النقد الدولي، في تحديد حالات الركود الاقتصادي على نطاق عالميّ، إلى عدة مؤشرات، بما في ذلك انخفاض متوسّط نصيب الفرد في الناتج المحلي الإجمالي المعدل حسب التضخم، الذي يدعمه ضعف الإنتاج الصناعي، والتجارة، وتدفقات رأس المال، واستهلاك النفط، والبطالة.

2- الاقتصاد الأمريكي هل يعاني من ركود؟

نعم، بالتأكيد. يقول كثير من الاقتصاديين إنّ الإنتاج تقلّص في الربع المنتهي في مارس الماضي، وسط اتفاق واسع النطاق على أن الانكماش الاقتصادي في الربع الثاني، من أبريل حتى يونيو، كان الأكثر تأثيرًا في السجلات التي تعود إلى عام 1947.

توقعت "مورغان ستانلي"، وهي مؤسسة خدمات مالية واستثمارية أمريكية متعدّدة الجنسيات وتعتبر من أكبر المؤسسات المصرفية في الولايات المتحدة والعالم، أنّ ينخفض ​​الناتج المحلي الإجمالي بشكل صادم بالربع الثاني بنسبة 30.1%، تجاوزته مجموعة "غولدمان ساكس المحدودة"، التي تقدر أن الاقتصاد الأمريكي سينكمش بنسبة 34%.

جدير بالذكر أن وزير الخزانة الأمريكية، ستيفن منوشين، قال في 15 مارس الماضي، إنه يتوقع أن تؤدي جائحة فيروس كورونا إلى إبطاء النموّ، ولكنه لن يدفع الاقتصاد الأمريكي إلى الركود)، بينما يستغرق المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية عادةً نحو عام لإجراء طلب رسميّ لسداد الدَّين المستحَقّ، عندما ينتهي التوسع الأمريكي ويبدأ الركود الاقتصادي، على الرغم من أن هذه المرة قد لا يستغرق كل هذه الفترة.

3- ماذا عن الاقتصاد العالمي؟

توقعت "بلومبرغ إيكونوميكس" ركودًا عالميًّا في النصف الأول من عام 2020، وهذا ما حدث بالفعل، مشيرة إلى أنه "بالنسبة إلى بعض الأجزاء المهمة من العالم فقد بدأ الانكماش بالفعل".

ورجحت حينها أن ينكمش الاقتصاد العالمي بنسبة 1.8% على أساس سنويّ في النصف الأول من العام الجاري، مقارنة بالنمو بنحو 3% في عام 2019.

وتقول كريستالينا جورجيفا، العضو المنتدب لصندوق النقد الدولي، إنّ الاقتصاد العالمي بالفعل في وضع الركود، الذي قد يكون أسوأ من الانكماش الاقتصادي لعام 2009.

قبل عام 2020، كان صندوق النقد الدولي يحسب فقط 4 حالات ركود عالميّ تعود إلى عام 1960، مقارنة بـ11 حالة مدرجة في الولايات المتحدة منذ الحرب العالمية الثانية بواسطة المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية.

4- إلى متى يستمر هذا الأمر؟

لقد أصبح هذا السؤال سؤال الساعة، كان لدى الاقتصاديين قليل من الأمل في ألا يستمرّ الانكماش إلى ما بعد الربعين الأولين من هذا العام، وهو سيناريو ورديّ يفترض عملًا سريعًا وفعّالًا للسيطرة على فيروس كورونا.

وفي الآونة الأخيرة فقدَ الاقتصاديون الأمل في سيناريو التعافي الأشبه بحرف "V" صعودًا وهبوطًا، إذ يُستعاد الناتج المفقود بشكل سريع، في الوقت الذي تكون فيه المخاوف الأكبر من الاعتلال الممتدّ والطويل الذي يكون حاملًا بين طياته نكهة الركود الاقتصادي.

5- وما الكساد الاقتصادي؟

يُفسَّر بشكل عامّ على أنه كساد اقتصاديّ حادّ، ويُقاس عبر السنوات وليس الأرباع، فخلال الـ100 عام الماضية، لم يكن يوجد سوى "الكساد الكبير" أو "الانهيار الكبير" (وهي أزمة اقتصادية حدثت في عام 1929 واستمرت حتى عام 1933، وتعتبر أكبر وأشهر الأزمات الاقتصادية في القرن العشرين، وقد بدأت الأزمة بأمريكا)، كما استمر الكساد الاقتصادي لمدة 18 شهرًا، من عام 2007 إلى عام 2009، مما جعله الأطول منذ "الكساد الكبير"، ودفع إلى تسميته باسم "الركود الاقتصادي".

6- ما الذي يجعل الركود الاقتصادي معتدلًا أو حادًّا؟

الفترة الزمنية، بالإضافة إلى أنّ لخطورة الركود الاقتصادي معايير أخرى، تكمن في مدى الانكماش الاقتصادي وارتفاع معدلات البطالة. وتميل أسوأ فترات الركود الاقتصادي إلى أن تكون مقترنة بنوعٍ ما من الانهيار في النظام المالي، مثلما حدث في الولايات المتحدة في عام 1929 و2008. ويُعَدّ المحرك الآخر لخطورة الركود الاقتصادي هو مدى معاناة الاقتصاد من الانكماش، فعلى سبيل المثال كان الركود الاقتصادي القصير والمعتدل نسبيًّا لعام 2001 محصورًا إلى حدٍّ كبير في قطاع التكنولوجيا، مع تبعات بسيطة على بقية الاقتصاد.

7- هل ينذر التوسع الاقتصادي طويل المدى بالركود الاقتصادي الشديد؟

هذه مسألة ذات أهمية خاصّة في الولايات المتحدة، إذ استمر التوسع الاقتصادي ما يقرب من 11 عامًا، لكنّ الباحثين في البنك الاحتياطي الفيدرالي في كليفلاند وجدوا أدلة على أنّ المدة التي يستغرقها التوسع الاقتصادي قد تؤثر على مدى سوء الركود اللاحق. ومع ذلك، فقد وجدوا سببًا للتفكير في حدوث كساد حادّ (مثل الذي انتهى في عام 2009)، نتج عنه توسُّع قويّ.

8- هل سيكون الركود الاقتصادي القادم سيئًا؟

من حيث عمق الانكماش، قد يكون أسوأ من الركود الاقتصادي في 2007-2009، لكن سرعة الانتعاش يمكن أن تكون أسرع، لأن هذا الركود سيعكس صدمة "الفيروس" بدلًا من تراكم الاختلالات الاقتصادية الكامنة. وعلى الجانب الإيجابي أيضًا، فإنّ القطاع العائلي الأمريكي يكون في وضع جيّد؛ إنهم يتحمّلون ديونًا أقل، وقد أدّت زيادة إعادة تمويل الرهن العقاري إلى وضع مزيد من النقود في جيوب المستهلكين.

9- هل يوجد ما يمكن فعله حاليًّا لتخفيف الركود الاقتصادي القادم؟

تتسابق البنوك المركزية حول العالم للتخفيف من وطأة الركود الاقتصادي، إمّا عن طريق خفض أسعار الفائدة، والتدخّل في الأسواق، وشراء أصول الشركات، وإما عن طريق مساعدة البنوك على الاستمرار في الإقراض للشركات، بينما ضخّ بنك الشعب الصيني مليارات الدولارات في الاقتصاد، كما عزّز بنك اليابان مشتريات الأصول لتحقيق الاستقرار في الأسواق، وخفض الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي سعر الفائدة القياسي إلى ما يقرب من الصفر. لكن هذه المرة قد يكون العبء على الحكومات جزئيًّا لأن البنوك المركزية استهلكت كثيرًا من ذخائر أسعار الفائدة خلال العقد الماضي. وقالت رئيسة البنك المركزي الأوروبي، كريستين لاغارد: "أهمّ شيء هو وجود استجابة مالية".