الولايات المتحدة تبعث برسالة تحذيرية للأسواق الناشئة

جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية
جانيت يلين، وزيرة الخزانة الأمريكية المصدر: بلومبرغ
Daniel Moss
Daniel Moss

Daniel Moss is a Bloomberg Opinion columnist covering Asian economies. Previously he was executive editor of Bloomberg News for global economics, and has led teams in Asia, Europe and North America.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

أرسلت وزارة الخزانة الأمريكية تحذيراً للاقتصادات الناشئة مفاده أنَّ الاعتماد على التصدير لتحقيق الازدهار لاقتصادكم أصبح غير مقبول لدينا.

كان يُعتقد في السابق أنَّ ذلك النموذج يصب في مصلحة الولايات المتحدة -كطريقة للحصول على سلع رخيصة وفيرة- والآن يواجه هذا النموذج الذي تعتمد عليه الاقتصادات الناشئة لتحقيق التنمية مزيداً من الشكوك. والرسالة التحذيرية التي قدَّمتها وزارة الخزانة موجَّهة إلى آسيا بصورة رئيسية وواضحة، حتى لو تجاوزت بعض الاقتصادات بيانات تقرير الوزارة الأسبوع الماضي.

امتنعت وزارة الخزانة عن تصنيف تايوان، وفيتنام، وسويسرا كمتلاعبين بالعملة ضمن تقييمها نصف السنوي لسياسات صرف العملات الأجنبية للشركاء التجاريين، وذلك على الرغم من انطباق الشروط عليهم.

في الأوقات العادية، كان من الممكن أن يتمَّ تصنيفهم ضمن الدول التي تتلاعب بأسعار الصرف، وإدخالهم ضمن قائمة الدول التي تقوم بخفض قيمة عملاتها بشكل متعمد. لكنَّ المسؤولين لم يتمكَّنوا من تحديد ما إذا كانت ممارساتهم متعمدة بهدف الحصول على ميزة تنافسية، أو لمجرد دعم الأسواق، والتخفيف من الركود الناتج عن جائحة كورنا. فقد أدَّى الوباء إلى انحراف تدفُّقات رأس المال على مستوى العالم، وردت العديد من البلدان -ومن بينها الولايات المتحدة- بالمثل. لذا أفلت الثلاثي هذه المرة مع المتغيرات التي فرضتها الجائحة على النظام العالمي.

يمثِّل نهج وزارة الخزانة الجديد الأكثر تساهلاً تحوُّلاً كبيراً مقارنة بنهج إدارة ترمب، التي وصفت قبل ذلك هانوي وبرن بالمتلاعبين، ووجهت اللوم إلى مجموعة أخرى من الدول، بما في ذلك الهند، وتايلاند، وسنغافورة، وكوريا الجنوبية.

قياس التلاعب بالعملة

منذ صدوره في أواخر الثمانينيات، كان من الواضح أنَّ تقرير وزارة الخزانة يستهدف بشكل أساسي اليابان. وبمرور الوقت تحوَّل التركيز إلى الصين، المنافس الاستراتيجي والتجاري التالي، التي تلعب حكومتها دوراً كبيراً في إدارة عملة البلاد.

جاءت تصنيفات الوزارة التي صدرت الأسبوع الماضي لتكشف عن تحوُّل جديد يعكس نظرة عالمية أكبر تمتد إلى ما هو أبعد من بكين. فمنذ صدور قانون 2015 الذي أضاف معايير يجب انطباقها على ممارسات تلك الدول لتوجيه اتهامات التلاعب بالعملة، كانت الفوائض متضائلة في الحساب الجاري. كما كانت الفوائض التجارية الثنائية متباينة بقدر تعقيدات معاملات الصرف الأجنبي لبعض الشركاء.

فلا يكفي أن نقول ببساطة، إنَّ دولة معينة باعت قيمة محدَّدة بالدولار من عملتها على مدار أشهر معينة، وبالتالي يتمُّ توجيه الاتهام إليها بالتلاعب.

تستند الطريقة المتَّبعة في قياس التلاعب بالعملة إلى بحث المسؤولين عن حجم فائض الحساب الجاري، وما إذا كان يمثِّل 2% على الأقل من الناتج المحلي الإجمالي. كما يقومون بمراجعة الفائض التجاري بين الدولتين، فإذا كانت الفجوة 20 مليار دولار على الأقل خلال 12 شهراً، فإنَّ ذلك يمثِّل مؤشراً على وجود تلاعب في العملة.

إذا تحقَّقت الشروط الثلاثة ستكون الدولة متلاعبة. وإذا تحقَّق شرطان فقط، فإنَّها تدخل في قائمة المراقبة. وهذه هي الطريقة التي تتمُّ بها مراقبة دول تربطها علاقات صداقة مع الولايات المتحدة مثل كوريا الجنوبية ،وألمانيا، وإيطاليا، وسنغافورة، وتايلاند، وماليزيا، واليابان، والهند، وهو نوع من الفصل في التصنيف. (الصين ضمن قائمة المراقبة الآن).

معضلة التصدير وقيمة العملة

تضمَّن آخر تقريرين مراجعةً لسجل التطور لدى بعض الشركاء التجاريين المنافسين على مدى العقود القليلة الماضية، ودراسة كيف استمالت اقتصادات تلك الدول الصناعات التحويلية من الخارج لتحصل على مكانة مؤثِّرة في سلاسل التوريد العالمية، التي بدأت تتشكَّل عبر دول آسيا في فترة الثمانينيات. تمَّ التدقيق بشأن مؤشرات تايوان التجارية في أحدث إصدار، في حين ظهرت فيتنام في إصدار شهر ديسمبر، عندما تمَّ تصنيفها على أنَّها من الدول المتلاعبة.

وتصف مراجعات تجارب التنمية الواردة بتلك التقارير الطريقة التي خرجت بها الاقتصادات الآسيوية من الفقر، عبر جذب الاستثمار الأجنبي المباشر (غالباً بفضل العمالة منخفضة التكلفة، ولكن أيضاً من خلال الإعفاءات الضريبية)، والالتزام بتطوير البنية التحتية، والوجود بالقرب من الأسواق الكبيرة.

وهو ما دفع الشركات متعددة الجنسيات- والعديد منها يقع مقرّها الرئيسي في الولايات المتحدة- إلى إيجاد موطئ قدم لها في دول آسيا.

وبما أنَّ الدول الآسيوية سريعة التحول إلى التصنيع، فقد كانت تعتمد بشدَّة على التجارة، فإنَّها لم تكن تحبذ أن تكون أسعار صرف عملاتها مرتفعة. وبما أنَّ الوجهة النهائية لهذه البضائع كانت رفوف المتاجر في كاليفورنيا أو خطوط المصانع في الغرب الأوسط الأمريكي، فقد كان من السهل على المسؤولين والسياسيين النظر في اتجاه آخر قد يتمُّ رؤيته على أنَّه إيجابي، ولكن ذلك النموذج بدأ يتراجع مع تغيُّر المناخ السياسي.

قانون بين اللين والقسوة

لكن ما هو الثمن الذي ستدفعه الولايات المتحدة في محاولة لتغيير طريقة التعامل مع متلاعبي العملة؟ إنَّها طريقة "اسفنجية" بعض الشيء، لأنَّ تلك الدول ستفلت من العقوبات التي يتعيَّن فرضها على المتلاعبين.

يطلب القانون من وزارة الخزانة التعامل مع المتلاعبين لمعالجة هذه المسألة عبر تطبيق العقوبات، بما في ذلك الاستبعاد من عقود الحكومة الأمريكية في العام التالي ما لم تتم إزالة الاتهامات والخروج من قائمة المتلاعبين. ويمكن أيضاً استخدامه كعصا من قبل الوكالات الأخرى التي لها أولوياتها وقوانينها. ففي العام الماضي، حقق مكتب الممثِّل التجاري الأمريكي فيما إذا كانت هناك حاجة إلى مراجعة مؤشرات التقييم الخاصة بخفض عملة الدونغ الفيتنامية.

وإذا لم تتخذ وزارة الخزانة رد فعل مناسب هذا المرة تجاه تلك الدول ستكون هناك مخاطر بتشجيع السلوك الذي تسعى إلى تغييره، فقد ألمحت تايوان إلى تلك المعضلة الشهر الماضي عندما قال محافظ البنك المركزي يانغ تشين لونغ، إنَّ فائضها التجاري الكبير مع الولايات المتحدة يرجع إلى الطلب القوي على أشباه الموصلات، وليس لأيِّ ميزة غير عادلة، مثل التدخل في العملة. وقال يانغ للمشرِّعين مازحاً: "إذا كانوا يريدون تقليل الفائض التجاري معنا، يمكننا التوقف عن بيعهم رقائقنا". وأضاف: "لكنَّهم بحاجة إليها!".

اختبار قوة الصداقة الأمريكية

قد يكون يانغ على حق، لكن بالنسبة لتايوان –خاصة مع سيناريوهات لعبة الحرب بناءً على هجوم صيني محتمل- فإنَّ قوة الصداقة الأمريكية لا يمكن اختبارها في الوقت الحالي.

لكنَّ تجربة فيتنام مفيدة، لقد تحوَّلت من متلاعب صغير تمَّ استخدامه لنقل سلاسل التوريد في حقبة الحرب التجارية من الصين، إلى تأثير أكبر مع قوة التصنيع والتدخل الحكومي، وهو ما يستدعي القلق من تقويض المنتجين الأمريكيين. وقد استعرض تقرير وزارة الخزانة في ديسمبر تفاصيل هذا التطور بالنسبة لدولة اعتقدت أنَّها يمكن أن تستفيد من التوسُّع في التصنيع على حساب الصين –وهو بالتأكيد ما يرغب فيه ترمب– وهو أمر واقعي إلى حدٍّ بعيد.

لن يكون من الحكمة لفيتنام، وغيرها من المتلاعبين السابقين، اعتبار أنفسهم خارج دائرة الضوء لمجرد أنَّ جانيت يلين (وزيرة الخزانة) رفضت هذه المرة تسميتهم بالمتلاعبين.

المنطقة الرمادية مهمة. إذا كنت تعتقد أنَّ كل شيء في العاصمة الفيتنامية يتعلَّق بالصين، فإنَّ التقريرين الأخيرين لوزارة الخزانة يقترحان خلاف ذلك. فهناك إطار عمل للنهوض الاقتصادي حديثاً في فيتنام تحت المجهر، ويتجاوز هذا الإطار إرشادات التداول اليومية المعلَّقة باليوان. وفي النهاية سيكون الاختبار الحقيقي لتلك الدول عندما تبدأ الاضطرابات الناجمة عن جائحة كورونا في الانحسار.