"كوفيد 19" يربك حسابات "أوبك" ويجبرها على الانتظار

الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي
الأمير عبد العزيز بن سلمان وزير الطاقة السعودي المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تجتمع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) مع حلفائها في نهاية الشهر لاتخاذ قرارٍ بشأن مستقبل التخفيضات الهائلة التي قاموا بها، وساعدت في وضع حد لتدهور أسعار النفط. وكانت الآمال مرتفعة مؤخراً في قدرتهم على تخفيف التقييدات، لكنَّ الرياح المعاكسة في تعافي الطلب على النفط، وزيادة الإنتاج من جانب دول، لا تخضع لسيطرتها يعني أن عليها الانتظار.

وقد وافقت 23 دولة من أعضاء منظمة "أوبك+" على تخفيض إنتاجها بحوالي 9.7 مليون برميل يومياً قبل تخفيف هذه التخفيضات على مرحلتين، بموجب الاتفاق الذي تم التوصل إليه بعد عدة أيام من الاجتماعات المتقطعة في أبريل، وكان من المفترض أن تبدأ أولى مراحل زيادة الإنتاج في شهر يوليو، وقد تم تأجيلها إلى أغسطس. وحان الآن موعد المرحلة الثانية التي من المفترض أن تبدأ في يناير، علماً أن تأجيلها أصبح أمراً شبه مؤكد.

كان الالتزام بالاتفاق جيداً بشكل مثير للانتباه، بسبب تصميم وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان على جعل الجميع يشعرون بفداحة المشكلة، دون استثناء أحد. وسمّى علناً الذين يقصرون في تطبيق الاتفاقية مطالباً إياهم بالتعويض عن أي تقصير. مثل بعض البلاد، كالعراق التي عانت كثيراً لتنفيذ التخفيضات الإجبارية، لكنها بذلت أكثر من مجرد المحاولة، بفضل الإضاءة السعودية عليها.

التزام روسيا والسعودية

تعد روسيا الدولة الوحيدة من خارج منظمة الدول المصدرة للنفط التي نجحت في تحقيق أفضل معدل التزام، بالرغم من أنها تضخ حوالي 100 ألف برميل في المتوسط يومياً أكثر من هدفها منذ شهر مايو. وقد تكون هذه الزيادة بسيطة نسبياً، نظراً لأن التخفيض الأولي في إنتاج البلاد وصل إلى 2.5 مليون برميل يومياً، لكن إنتاجها الزائد يعد الثاني من جانب ضخامة الحجم بين كامل أعضاء المجموعة. ويمكن بالقول بأن روسيا تحصل على معاملة خاصة نظراً لكونها حليفاً جديداً مهماً.

كان أداء أعضاء "أوبك" أفضل التزاماً بواجباتهم، بقيادة المملكة العربية السعودية، وهو ما ساعد المجموعة الأوسع على تحقيق هدفها مدة الأشهر الثلاثة الماضية.

إن استمرار الوباء يؤكد أنه لا يمكن للمنتجين الشعور بالراحة بعد؛ فالطلب على النفط لم يتعافَ بشكل كامل، أو بالسرعة المأمولة. فقد أدت الموجة الثانية لتفشي فيروس كورونا إلى تجديد تقييدات السفر في أوروبا، وقد يدفع هذا إلى خطوات مماثلة في الولايات المتحدة وفي آسيا أيضاً، إذ يبدو التعافي أقوى، مع أن مستويات النقل لا تزال أدنى من معدلاتها منذ عام مضى في الكثير من المدن، وفق مؤشر "توم توم" للحركة المرورية.

وعلى الرغم من أن الطلب على النفط في كل من الصين والهند قد تجاوز مستويات العام الماضي، إلا أن صورة موردي النفط لا تزال مهزوزة. فقد أشارت وكالة الطاقة الدولية في التقرير الأخير الذي أصدرته يوم الخميس، إلى أنه بالرغم من توقعات عمل مصافي النفط في آسيا في العام القادم عند مستويات تقارب مستويات عام 2019، إلا أن معالجة منتجات هذه المصافي في حوض الأطلسي (خاصة في أوروبا والأمريكيتين) ستبقى في أدنى مستوياتها لعقدين. لأن مصافي النفط، وليس سائقو السيارات؛ هم زبائن منتجي النفط. ويبرر هذا الكثير من القلق لدى روسيا ونيجيريا الأكثر انكشافاً بين أعضاء "أوبك+" على السوق الأطلسية .

تلاشي معظم مكاسب إعلان اللقاح

لكن القلق الذي ينتاب مجموعة "أوبك+" يحمل في طياته القليل من المفاجأة. فأكثر من ثلث الارتفاع في سعر النفط الخام الذي عقب الإعلان عن التوصل إلى لقاح يوم الاثنين، ذهب أدراج الرياح بحلول يوم الجمعة.

لا يزال أمامنا عدة أشهر قبل أن يتم تطعيم ما يكفي من الأشخاص لتعديل مسار الوباء بشكل فعال. حتى إن كانت اللقاحات التي يتم اختبارها فعالة مثل "فايزر" و"بايو إن تيك"، مع أملنا أن تكون كذلك، وحتى ذلك الحين، ستبقى أنواع التقييدات لإبطاء انتشار الفيروس، وهنا تتحدد مشكلة المنتجين.

أما مصدر الصداع الثاني بالنسبة لهم، كما ذكرت في الأسبوع الماضي، فيكمن في ارتفاع التوريدات. فليبيا المستثناة من اتفاقيات "أوبك+" تعود للإنتاج بسرعة أعلى بكثير من المتوقع بعد حرب أهلية مدمرة. ووصل إنتاجها يوم الجمعة إلى 1.145 مليون برميل، مرتفعاً من 90 ألف برميل في اليوم في شهر سبتمبر. وبعد أن توصلت الفصائل المتناحرة في هذه الدولة في شمال إفريقيا إلى اتفاق أولي بهدف إقامة انتخابات خلال 18 شهراً؛ فقد ازدادت الآمال المعقودة على استمرار اتفاق السلام هذا، وإنتاج النفط الذي يترافق معه.

استبعاد تعميق خفض الإنتاج

يكفي أن نقول " إن وزراء النفط في دول "أوبك+" لا يستطيعون تخفيف قيود الإنتاج في يناير. لكن من غير المرجح أن يوافقوا على زيادة التخفيضات، وهو أمر من المحتمل أن يفتح المجال أمام حجج عدة في وقت يحتاجون فيه إلى إظهار الوحدة ووضوح الهدف. ويبدو خيارهم الواقعي الوحيد في تأخير تقليص التخفيضات، مع بقاء ذلك السؤال الحقيقي الوحيد الذي يتعين عليهم الإجابة عليه: إلى متى؟. ويستمر فيروس كوفيد في كونه قوةَ دفعٍ رئيسية لهذه المجموعة التي تكون على خلاف غالباً، كي تظهر جبهة موحدة بشكل غير معتاد.