بايدن يعود مجدداً لمعركة المناخ ويتعهد بمضاعفة المساعدات المناخية للدول النامية

الولايات المتحدة تضاعف تعهداتها خلال قمة المناخ التي عُقدت مؤخرا افتراضياً
الولايات المتحدة تضاعف تعهداتها خلال قمة المناخ التي عُقدت مؤخرا افتراضياً المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

شهد يوم الخميس، نجاح الرئيس الأمريكي جو بايدن في إعادة بلاده إلى المعركة العالمية ضد تغير المناخ. وذلك أثناء قمة المناخ الافتراضية، التي دعا إليها 40 من قادة العالم. وتعهد خلالها بخفض انبعاثات غازات الاحتباس الحراري إلى النصف بحلول عام 2030، ومضاعفة المساعدات المناخية للدول النامية.

وأوضحت الدول الفقيرة، في قمة المناخ، أنها تتوقع تلقي أموالاً من الدول الأكثر ثراءً مقابل تسريع جهود الحد من الانبعاثات.

في حين تمسكت الصين والهند بخططهما لمواصلة زيادة انبعاثاتهما الكربونية قبل إجراء أي تخفيضات، ما أثار استياء دعاة حماية البيئة الذين يقولون إن العالم لا يزال في طريقه نحو الكارثة.

أهداف مناخية مضاعفة

وأعلن بايدن، في تصريحاته على هامش افتتاح القمة التي استمرت على مدى يومين، أن الولايات المتحدة ستخفض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة بحلول نهاية العقد بنسبة تتراوح بين 50% إلى 52% مقارنة بمستويات عام 2005. وهذا الأمر من شأنه تعزيز الالتزام الذي تعهد به الرئيس السابق باراك أوباما من قبل، ثم ألغاه الرئيس السابق دونالد ترمب.

وقال بايدن، يوم الخميس من البيت الأبيض: "لا يمكن لأي أمّة أن تحل هذه الأزمة بمفردها. علينا جميعاً، ولا سيما أولئك الذين يمثّلون أكبر اقتصادات العالم، أن نتقدم العمل".

ويهدف التعهد الأمريكي الجديد إلى تشجيع الدول الصناعية، مثل الصين والهند والبرازيل، المسؤولة عن معظم الانبعاثات الكربونية في العالم، لوضع أهداف صارمة فيما يتعلق بخفض الانبعاثات.

لكن بايدن قد يواجه استقبالاً فاتراً من القادة الذين يشعرون بالقلق إزاء الالتزام بخفض الانبعاثات التي قد تؤدي بدورها لإبطاء النمو الاقتصادي.

مساعدات مالية لقضايا المناخ

وفي كلماتهما الافتتاحية في القمة، حافظ زعماء الصين والهند على أهدافهما المعلنة سابقاً، بينما ربط البرازيلي جاير بولسونارو جهود بلاده إزاء المناخ، بما في ذلك التعهد بالحد من إزالة الغابات، بمساعدات مالية من الدول الأكثر ثراءً.

وعاد بايدن إلى القمة بعد أن أعلن زعماء آخرون عن زيادة التزام الولايات المتحدة بالمساعدة الخارجية المتعلقة بالمناخ. وكان الطلب الأولي للميزانية العامة، الذي قدمه للكونغرس في بداية هذا الشهر لعام 2022، يتضمن مساعدات مناخية بقيمة 2.5 مليار دولار.

وفي الوقت نفسه، يتعين على بايدن مواجهة المتشككين في الخارج الذين شاهدوا تحول سياسة المناخ في الولايات المتحدة بشكل كبير اعتماداً على خطط بايدن، والذين يتساءلون عما إذا كان من الممكن الوثوق بوعود الرئيس الأمريكي الأخيرة.

وسيتطلب تعهد بايدن تغييرات من شأنها أن تمس حياة كل أمريكي تقريباً. ومع ذلك، لا يرجح أن يدعم الجمهوريون في الكونغرس التشريعات المساهمة في خفض الانبعاثات الأمريكية بشكل كبير، ومنها على سبيل المثال ما يتمثل بفرض عقوبات على استخدام الوقود الأحفوري، أو فرض استخدام الطاقة المتجددة. فمن المؤكد أن أي لوائح تصدر لدعم قضايا إدارة بايدن ستواجه تحديات من الصناعات الداعمة لها.

وقال بايدن في القمة: "يخبرنا العلماء أن هذا هو العقد الحاسم. هذا هو العقد الذي يجب أن نتخذ فيه قرارات من شأنها تجنب أسوأ عواقب لأزمة المناخ. علينا أن نحاول إبقاء درجة حرارة الأرض عند مستوى لا يتجاوز 1.5 درجة مئوية".

وقالت جين بساكي، السكرتيرة الصحفية للبيت الأبيض، يوم الأربعاء: "الرسالة التي يوجهها بايدن للبلاد، وبشكل صريح أيضاً، إلى العالم هي أنه يرى أن أزمة المناخ التي نواجهها في العالم بأسره، وبالتأكيد في هذا البلد، باعتباره أكبر مصدر للانبعاثات بالعالم، ذات أهمية كبيرة لدرجة أنه دعا أكبر اقتصادات العالم لإجراء مناقشة حول ذلك في أول 100 يوم من رئاسته".

تعاون دولي على مستويات جديدة

وقد وافق القادة الذي يمثلون أربعين دولة، بداية من رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون إلى الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، على المشاركة في القمة. ومن بين المشاركين الآخرين البابا فرنسيس، وأعضاء مجموعات السكان الأصليين في أنحاء العالم، والمديرين التنفيذيين الحاليين والسابقين للشركات، مثل بيل غيتس ومايكل بلومبرغ، المؤسس المشارك والرئيس التنفيذي لشركة "بلومبرغ".

وبعد كلمة بايدن، جاء دور أنطونيو غوتيريس، الأمين العام للأمم المتحدة، الذي قال: "نحن على حافة الهاوية"، واصفاً الكوكب بأنه "يتسابق" نحو ارتفاع متوسط درجات الحرارة بمقدار 1.5 درجة مئوية.

ومن جهته، ربط الرئيس الصيني حماية البيئة بالإنتاجية. فقد قال: "حماية البيئة تعني حماية الإنتاجية، وتحسين البيئة يعني زيادة الإنتاجية. نحن بحاجة للتأكد من وجود بيئة سليمة لدعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية المستدامة في جميع أنحاء العالم".

وتعهد رئيس البرازيل بولسونارو بالتزام بلاده بالقضاء على الإزالة غير المشروعة للغابات بحلول عام 2030، ما يسمح بخفض الانبعاثات الكربونية. وجدير بالذكر أن إزالة الغابات كانت تمثل مشكلة مستمرة في منطقة الأمازون البرازيلية. لكنه حذر أيضاً من أنه: "يجب أن تكون هناك مدفوعات عادلة مقابل الخدمات البيئية التي توفرها البيئة الحيوية لدينا لصالح الكوكب بأسره، كوسيلة للاعتراف بالأهمية الاقتصادية لأنشطة الحفاظ على البيئة".

ومن جانبه، تجاهل رئيس الوزراء الأسترالي سكوت موريسون دور بلاده كمنتج رئيسي للفحم، وركز بدلاً من ذلك على جهودها لإنتاج تقنيات جديدة لمكافحة تغير المناخ. كما أنه أعلن عن تخصيص ما يصل إلى 1.5 مليار دولار لتمويل المناخ مع التركيز على منطقة المحيط الهادئ.

صعوبة الاتفاقات المُلزمة

ويهدف هذا التجمع إلى الدفع نحو اتخاذ إجراءات مناخية أكثر التزاماً، من شأنها منع ارتفاع متوسط ​​درجات الحرارة العالمية فوق حد 1.5 درجة مئوية، وهو الأمر الذي يعد نقطة تحول رئيسية.

ويلزم بايدن بلاده بخفض الانبعاثات بمقدار النصف على الأقل بحلول عام 2030 مقارنة بمستويات عام 2005، بحسب مسؤولون في الإدارة طلبوا عدم الكشف عن هويتهم أثناء مناقشة الخطط.

ويذكر أن التعهد السابق لأوباما، كان ينص على خفض الانبعاثات بنسبة 26% إلى 28% بحلول عام 2025، مقارنة بمستويات عام 2005.

ويكاد يكون من المستحيل مقارنة الالتزامات المتباينة للدول فيما يتعلق بخفض الانبعاثات، نظراً لعدم وجود اتفاق دولي يبين النسب والأرقام.

وحتى تستطيع الدول التوصل إلى اتفاقية باريس، على سبيل المثال، سُمح لها بوضع أهدافاً طوعية ووضع خطوط الأساس والمواعيد النهائية الخاصة بها، دون تنسيق واضح.

ويستهدف هذا التعهد وضع الولايات المتحدة على المسار الصحيح للوصول إلى انبعاثات صافية صفرية بحلول عام 2050. وكثيراً ما سلط بايدن الضوء على هذا الهدف، الذي يشير إلى ضرورة خفض الغازات الدفيئة المضافة من قبل الولايات المتحدة إلى الغلاف الجوي.

وذكر المسؤولون إن التعهد بخفض الانبعاثات بنسبة 50% إلى 52% جاء بعد تحليل قدرة مختلف قطاعات الاقتصاد على تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة.

وأشاروا إلى أن التخفيضات تعتمد على أكثر من عقد من الابتكار والتقدم التكنولوجي الذي أتاح فرصاً جديدة في تكنولوجيا احتجاز الكربون والهيدروجين الأخضر، مع خفض تكاليف الطاقة المتجددة والبطاريات.

وبالرغم من مناشدات جماعات أنصار البيئة. اختارت إدارة بايدن عدم الالتزام الصريح بكبح انبعاثات الميثان كجزء من التعهد.

تعهدات الحلفاء

وقد أعلن بعض حلفاء الولايات المتحدة عن خطط لتعزيز التعهدات السابقة. فهناك رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو الذي رفع هدف بلاده لخفض الانبعاثات إلى ما يتراوح بين 40% إلى 45% بحلول عام 2030، متجاوزاً الهدف السابق المتمثل في خفض 30% من مستويات 2005. كما عدّل رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوغا هدف بلاده من 26% في السابق إلى 46% بحلول عام 2030.

وأكدت الصين من جديد على خططها السابقة لبلوغ ذروة الانبعاثات الكربونية بحلول عام 2030 وخفضها إلى صفر بحلول عام 2060. ورغم أن هذا لم يكن بالأمر الجديد، إلا أن الرئيس الصيني تعهد أيضاً بخفض استهلاك الفحم بين عامي 2026 و2030.

وقبل القمة، قدم جون كيري، وزير الخارجية السابق والمبعوث الرئاسي الخاص لقضايا المناخ، بعض الثناء على خطط بكين للتصدي للانبعاثات.

وقال كيري: "من الواضح أن لدينا خلافات مع الصين بشأن قضايا معينة، لكن يجب التعامل مع قضايا المناخ بشكل منفصل"، مشيراً إلى الخلافات الناشبة بين البلدين حول التجارة وحقوق الإنسان وغيرها من القضايا. وأضاف: "لم يتحدثوا فقط عن الثبات أو الذروة، لكنهم اتفقوا الآن على ضرورة اتخاذ الإجراءات اللازمة بين عامي 2020 و2030".

ويعد تعهد بايدن أقل طموحاً من هدف الاتحاد الأوروبي لخفض انبعاثاته بحلول عام 2030 بنسبة 55% من مستويات عام 1990، كما أنه أقلّ من هدف المملكة المتحدة المتمثل في خفض بنسبة 78% بحلول عام 2035 من مستويات عام 1990. وجدير بالذكر أن خفض الانبعاثات بنسبة 50% من مستويات عام 2005 سيصل إلى خفض قدره 40% فقط عند إعادة تقييمه على نفس خط الأساس لعام 1990.

ومع ذلك، فإن الأهداف الحالية التي وضعتها الصين والهند ليست كافية لإبقاء ارتفاع درجة الحرارة العالمية دون درجتين مئويتين، بحسب "بلومبرغ NEF".

وأكد بوتين على هدف أعلنه في خطابه السنوي عن حالة الأمة يوم الأربعاء، وهو أن الحجم التراكمي للانبعاثات الصافية للبلاد يجب أن يكون أقل من الاتحاد الأوروبي على مدى العقود الثلاثة المقبلة. ويشك المحللون في أن هدف بوتين سيرقى ليكون تغيير حقيقي في السياسة، مشيرين إلى تأكيد روسيا على الاستمرار في استخراج الوقود الأحفوري من القطب الشمالي.

وقال بوتين في قمة المناخ: "لا يخفى على أحد أن الظروف التي سهلت الاحتباس الحراري العالمي وما يرتبط به من مشاكل آخذة في التراجع". وأوضح: "يمكن أن يبقى ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي لمئات السنين، لذا فإن معالجة قضية الانبعاثات الجديدة غير كافية. ومن المهم أيضاً إنجاز مهمة امتصاص ثاني أكسيد الكربون المتراكم في الغلاف الجوي".

وشدد على أن روسيا "تسهم بشكل كبير في امتصاص الانبعاثات العالمية، سواء الصادرة من روسيا أو خارجها".

ومع ذلك، فإن تعهدات تلك الدول غير ملزمة بالامتثال بها، والوفاء بأكثر الأهداف طموحاً سيتطلب تغييرات جذرية في الطريقة التي يولد بها العالم الطاقة ويستخدمها. كما أن الأمر يتطلب أيضاً خفض الانبعاثات من قطاعات الاقتصاد التي يصعب إزالة الكربون منها، من صناعة الأسمنت إلى الزراعة.

وقالت كيت بلاغوجيفيتش، رئيسة قضايا المناخ لدى منظمة السلام الأخضر بالمملكة المتحدة: "لن تؤدي الأهداف في حد ذاتها إلى خفض الانبعاثات، بل إن الأمر يتطلب سياسة حقيقية وأموال. وهو مسار لا يزال العالم كله بعيداً عنه".

النزاعات السياسية الأمريكية

ويقول دعاة حماية البيئة إن خفض الانبعاثات المخطط له من جانب بايدن يتسم بالطموح وقابلية التحقيق على حد سواء. وهو نقطة جيدة ضرورية لمصداقية الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن الوفاء بالالتزام لا يزال يعتمد على مجموعة من اللوائح البيئية التي لم تُكتب بعد والتي يمكن أن يمزقها الرؤساء المستقبليون، فضلاً عن حزمة البنية التحتية التي تقدر بمليارات الدولارات والتي تواجه معارضة شديدة في الكونغرس والتحول السريع لقطاع الكهرباء الأمريكي. وتأتي جهود بايدن بعد انسحاب ترمب من اتفاقية باريس للمناخ، لكن إدارة الرئيس الجديد عاودت بشكل منهجي الالتزام بسياسات المناخ التي اتخذت في عهد أوباما. ومن بين تلك السياسات معايير الكفاءة للحد من استخدام الكهرباء وقواعد خفض انبعاثات الغازات الدفيئة من محطات الطاقة والسيارات وآبار النفط.

ومع ذلك، يواجه بايدن أيضاً مخاوف داخل قاعدته السياسية المحلية، حيث يحاول التغلب على الضغوط من جانب كل من السيناتور جو مانشين، وهو ديمقراطي من فرجينيا الغربية الغنية بالفحم، والتقدميون مثل النائبة ألكساندريا أوكاسيو كورتيز، وحركة "صن رايز" السياسية.

وفي عشية انعقاد القمة، انتقد إيفان ويبر، المدير السياسي لــ"صن رايز"، قرار خفض الانبعاثات الذي اتخذه بايدن، زاعماً أن خفض الانبعاثات بنسبة 50% أقل بكثير مما تحتاجه الولايات المتحدة باعتبارها "أغنى دولة في العالم وأكبر ملوث على مدار التاريخ".

وقال ويبر في بيان: "ما يقوله العلم واضح، إذا لم تحقق الولايات المتحدة خفض أكبر بكثير للانبعاثات بحلول نهاية هذا العقد، فسيكون ذلك بمثابة حكماً بالإعدام على جيلنا، وعلى مليارات الناس في خطوط مواجهة أزمة المناخ في الولايات المتحدة وخارجها".

وتضع إدارة بايدن هدفها على أساس البرامج والسياسات المحلية المتعلقة بالمناخ، بما في ذلك الاستثمارات في الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، فضلاً عن التشريعات التي تحد من الانبعاثات الصادرة عن محطات الطاقة وآبار النفط والسيارات.

ومع ذلك، لا يزال هناك حواجز تقنية واقتصادية.

وحتى تستطيع الوفاء بالتزامها، ستحتاج الولايات المتحدة إلى خفض انبعاثات كافة قطاعاتها الاقتصادية، بما في ذلك قطاعات الطاقة والنقل والصناعة. وسيتعين عليها أيضاً تسريع زيادة الاعتماد على الطاقة المتجددة، وتحويل المزيد من المركبات في البلاد إلى أنواع كهربائية عديمة الانبعاثات، ونشر تقنية احتجاز وتخزين الكربون في مرافق التصنيع.

وفي الواقع، انتقد أنصار صناعة النفط، بما في ذلك الجمهوريون في الكونغرس، تعهد بايدن المتوقع باعتباره عدوانياً للغاية، ووصفه السيناتور جون باراسو، وهو جمهوري من ولاية وايومنغ، بأنه هدف "عقابي" سيحمل الأسر العاملة فواتير طاقة مرتفعة، بينما سيضر بالقدرة التنافسية للبلاد.