خريطة الأجور في أمريكا تتغير بعد عام من الوباء

التعافي قد يعيد تغيُّر خريطة الأجور في أمريكا
التعافي قد يعيد تغيُّر خريطة الأجور في أمريكا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

في ظل عديد من مقاييس الاقتصاد الأمريكي التي تشير إلى التعافي المتسارع، وحتى إلى طفرة ما بعد الوباء، يبدو توقيت تحذير الحكومة من أن الأجور على وشك الانكماش، أمراً غريباً.

ولكن من المرجَّح أن يحدث هذا للمقياس الرئيسي المتعلق بشيكات الرواتب، بفضل غرابة أخرى في حقبة كوفيد تتعلق بالبيانات الاقتصادية، وهو ما دفع البيت الأبيض إلى التحذير هذا الأسبوع من أنه من المفترض أن نموّ متوسط الدخل في الساعة سوف "ينخفض بشكل كبير" في الأشهر المقبلة، وقد يتحول إلى سلبي على أساس سنوي.

هذا لا يعني أن العمال الأمريكيين سيواجهون تخفيضات في الأجور، فالقصة وراء الأرقام أكثر تعقيداً من ذلك، وهي أحدث مثال على الكيفية التي أدت بها التحولات الزلزالية في أثناء الوباء إلى التخلص من سلسلة البيانات الموثوقة عادةً، وجعلت من الصعب على صانعي السياسات والمستثمرين اكتشاف ما يحدث في الاقتصاد بشكل صحيح الآن.

وعندما أغلق "كوفيد-19" أجزاء من البلاد، كان الجزء الأكبر من 21 مليون وظيفة اختفت في الأعمال منخفضة الأجر تتركز في صناعات الخدمات. وكان أحد الآثار الجانبية هو تسجيل متوسط الأجور بعض أسرع معدلات النمو في التاريخ الحديث، ليس لأن الموظفين كانوا يحصلون على زيادات، ولكن لأن تركيبة القوة العاملة انحرفت بحدّة نحو الأفضل أجراً.

العامل التقليدي

مع تسارع الأحداث، سيرسل الانتعاش الاقتصادي هذه العملية في الاتجاه المعاكس. بالنسبة إلى العمال ذوي الدخل المرتفع، فقد كان التوظيف سريعاً نسبياً للعودة إلى مستويات ما قبل الوباء، وفقاً لـ"أوبورتيونتي إنسايت" (Opportunity Insight)، وهو مشروع بحثي في جامعة هارفارد يتتبع التعافي.

لكن لا يزال في الوظائف ذات الأجور المنخفضة نقص كبير، ومن المتوقع أن تتقلص هذه الفجوة، إذ إن طرح اللقاح واقتراب فصل الصيف يعززان الطلب على الخدمات مثل وجبات المطاعم وغرف الفنادق.

وبالفعل في هذا العام استعاد الاقتصاد 1.5 مليون وظيفة خدمية، ومن المحتمل أن يستعيد مزيداً، لا سيما في مجال الترفيه والضيافة، وهي واحدة من أقلّ الصناعات ربحاً في الولايات المتحدة.

وستكون النتيجة انخفاض متوسط الأجور، وهي الديناميكية التي يحذر منها البيت الأبيض. وجادلت المدونة التي نشرتها رئيسة مجلس المستشارين الاقتصاديين سيسيليا روس مع مارثا غيمبل بأنه رغم أن التأثير قد يكون كبيراً "فمن الممكن أن ينخفض متوسط الأجور الحقيقية المُبلَغ عنها أسرع مما رأيناه من قبل"، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى "المراوغات الحسابية".

وكتبتا: "معظم العمال لم يتلقوا زيادات في أبريل من عام 2020، رغم أن هذا ما يوحي به متوسط الأجور. وبالمثل، فمن غير المرجح أن يعاني العامل العادي من التباطؤ في نمو الأجور الذي نتوقع رؤيته في البيانات القادمة".

الحد الأدنى للأجور

وفي حقبة "كوفيد-19" كثير من الحالات الأخرى عن أرقام اقتصادية رئيسية لا تروي القصة كاملة، فبيانات التضخم، على سبيل المثال، انحرفت بسبب التغيرات في عادات المستهلك في أثناء الإغلاق، وما يُسمَّى بآثار سنة الأساس، إذ تتسرب التحركات الدراماتيكية في بداية الوباء من الحسابات السنوية.

كل هذا يتسبب في صداع لواضعي السياسات، بخاصة في الاحتياطي الفيدرالي، الذي ينظر بشكل متزايد إلى نموّ أجور العمال ذوي الدخل المنخفض كمقياس رئيسي لمدى اقتراب الاقتصاد من الحد الأقصى من فرص العمل. ومن الصعب على مسؤولي الاحتياطي الفيدرالي تحديد الاتجاهات حتى تستقر البيانات.

وفي أحدث مسح لمجلس الاحتياطي الفيدرالي للظروف الاقتصادية الإقليمية، المعروف باسم "الكتاب البيج" (Beige Book)، تَحدَّث عديد من الأشخاص الذين جرت مقابلتهم عن زيادة ضغوط الأجور، رغم أن البعض قال أيضاً إن الشركات قد تؤجّل زيادات الأجور على أمل زيادة عدد الباحثين عن عمل الذين حصلوا على التطعيم حديثاً ويسعون للعودة إلى سوق العمل.

علامات مشجعة

وحملت الأشهر القليلة الماضية بعض العلامات المشجعة للعمال ذوي الأجور المنخفضة، إذ أعلن أرباب العمل الكبار من أمثال "ولمارت" عن زيادات في الأجور، ودخل الحد الأدنى للأجور حيز التنفيذ في 20 ولاية اعتباراً من 1 يناير، وفقاً لمعهد السياسة الاقتصادية.

ومع ذلك تُظهِر البيانات الصادرة عن مجلس الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا مدى اتساع الاختلافات، إذ شهد ما يقرب من ربع القوى العاملة تقلص الأجور بشكل مطرد خلال العقدين الماضيين، فيما سجّل فصل آخر زيادة بنسبة 14% تقريباً منذ بداية العام حتى مارس.

ولا يمكن تسجيل اختلافات كهذه بأرقام متوسطة أو مجمعة، وهو أحد الأسباب التي دفعت إدارة بايدن، في أول أيامه في المنصب، إلى طلب مراجعة كيفية أداء وكالات البيانات الحكومية عملاً أفضل في تفصيل الاقتصاد، حسب الدخل أو العرق أو الجنس، لإظهار كيف تعمل المجموعات المختلفة. ومن المقرر أن تقدّم مجموعة العمل تقريرها بحلول منتصف يوليو.