لماذا تصعب مقارنة الأهداف المناخية بين الدول؟

مجموعة من قادة دول العالم أثناء قمة المناخ الافتراضية التي عُقدت في أبريل 2021
مجموعة من قادة دول العالم أثناء قمة المناخ الافتراضية التي عُقدت في أبريل 2021 المصدر: أ.ف.ب
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

لكل دولة طريقتها الخاصة لتقدير حجم العمل الذي تقوم به على صعيد التغير المناخي. حيث ينطبق هنا المثل القائل "كل يغني على ليلاه". إذ لا يوجد معيار مشترك لاحتساب ما تقوم به كلّ دولة عضو في اتفاقية باريس من أجل محاربة تغير المناخ.

وقد شكل ذلك تحدياً لمحاولات تقييم العمل على أرض الواقع على هامش قمة المناخ التي دعا إليها البيت الأبيض الأسبوع الماضي.

إنجاز مباحثات ديربان

وكان هذا الارتباك قد بدأ في الظهور مع الإنجاز الدبلوماسي في عام 2011، والذي جاء بعد تجمد في الحوار استمر لعقدين من الزمن بين الدول المتطورة من جهة والدول النامية من جهة أخرى، وذلك فيما يخص واجبات كل منها في محاربة الاحترار العالمي.

فالدول في طور النموّ التي لم تحصل على الطاقة الحديثة إلا بعد عقود أو حتى قرون من الغرب، ترى أن المشاكل المناخية هي نتيجة أنشطة الدول الثرية، وبالتالي يقع حلّها على عاتق تلك الدول. ومع ذلك، فإنه على مدى أربع إدارات أمريكية من جورج بوش الأب إلى باراك أوباما، أصرّ الحزبان الحاكمان في الولايات المتحدة أن على كل الدول عمل شيء ما على هذا الصعيد.

وكانت عشرات الدول قد اتهمت الولايات المتحدة بعرقلة التقدم في هذا المجال وإبطاء مساعي العالم بأسره، إلى أن اقتنع العالم أخيراً بوجهة نظرها.

حيث عقدت محادثات اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ في ديربان في جنوب أفريقيا عام 2011، وتمكنت الدول المجتمعة من تجاوز الانقسام القائم منذ عقدين من الزمن حول مسؤولية وواجبات كل دولة.

ودفع هذا التطور بالدبلوماسيين للدعوة إلى طرح "مساهمات محددة وطنياً"، هي أشبه برهانات قسرية قامت بها الدول، ففتحت فصلاً جديداً من الجدل الدولي. فمن خلال تحديد كلّ دولة للأهداف الخاصة بها، بات بإمكان العالم أن يحقق التقدم، وذلك من خلال فرض ضغط جماعي انطلاقاً من المنافسة بين الدول على الأداء الأفضل، وذلك بدلا من تبني نموذج الاتفاقيات القديم الذي ينصّ على أمور محددة تحكم الجميع.

وقالت رئيسة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب الأميركي في حينها نانسي بيلوسي إن "محادثات ديربان المناخية أوصلتنا إلى لحظة مهمة حيث تعمل كافة الدول ضمن خارطة الطريق نفسها، التي تساعد على تحقيق حلّ بعيد المدى لأزمة المناخ".

الافتقار إلى خط أساس موحد

ومع ذلك فإن هذا الإنجاز الدبلوماسي التاريخي كان السبب المباشر الذي أدى إلى الارتباك الذي حصل في الحسابات حين شارك رؤساء 40 دولة في قمة المناخ التي دعا إليها الرئيس بايدن. حيث أعلن كلّ منهم عن أهداف مختلفة، وعبروا عنها باستخدام مقاييس واستراتيجيات ومستويات دعم محلي ومعدلات تلوث متنوعة.

واللافت أن الدول انطلقت من خطوط أساس مختلفة من أجل قياس خفض الانبعاثات الذي تستهدفه.

فبحلول عام 2030:

· الصين تعتزم خفض انبعاثاتها الناجمة عن استخدام الطاقة بنسبة 60% بالمقارنة مع معدلات عام 2005، فيما تعتزم الهند خفضها بنسبة بين 33 و35%.

· المملكة المتحدة تنوي خفض انبعاثاتهما بنسبة 68% و55% على التوالي عن معدلات 1990.

· الولايات المتحدة تخطط لخفض انبعاثاتها بنسبة تتراوح بين 50 و52% عن معدلات 2005.

· اليابان التي عززت هدفها في الأسبوع الماضي، تنوي خفض الانبعاثات بنسبة 46% عن معدلات 2013.

· كوريا الجنوبية تعتزم خفض الانبعاثات بنسبة 24.4% عن مستويات عام 2017.

ولكن من يتصدر سباق خفض الانبعاثات؟ يصعب تحديد ذلك بما أن الدول تنطلق من خطوط أساس مختلفة.

وتسهم عدّة عوامل في اختيار خطّ الأساس، وبالتأكيد المعيار الأهم هو إظهار الدولة بالصورة الأفضل. ولكن توجد أسباب أخرى أيضاً. فقد أصدرت الهيئة الحكومية الدولية المعنية بتغيّر المناخ تقريراً في عام 2018 وضع العالم في سباق شرس نحو خفض الانبعاثات.

فبحسب التقرير، من أجل حدّ الاحترار العالمي 1.5 درجة مئوية، لا بدّ من خفض الانبعاثات بنحو 45% عن معدلات عام 2010 بحلول عام 2030. إلا أن عدداً قليلاً من الدول استخدمت عام 2010 كخط أساس. وكانت بريطانيا وأوروبا قد اختارتا عام 1990 بما أنه المعيار الأساسي الذي تم تحديده في تسعينيات القرن الماضي حين بدأت الدول تسعى إلى خفض التلوث.

وفي الأسبوع الذي سبق قمة المناخ في البيت الأبيض، حاول العديد من المحللين التنسيق بين كل هذه الأرقام المختلفة من أجل المقارنة بين التقدم الذي تحققه الدول. حيث إن التنافس الذي كان في صلب اتفاقية باريس لن يحقق مبتغاه مع تعذّر المقارنة بين الدول.

التنافس نحو السياسة المناخية الأكثر طموحاً

وهذه الأرقام مهمة أيضاً على صعيد الدبلوماسية المناخية الدولية وما يتعلق بها. إذ يمكن للأهداف التي تحددها دولة ما أن تعزز علاقاتها الثنائية أو أن تؤدي إلى جمود فيها، كما من شأنها أن تسهّل الشؤون المالية والتجارية أو أن تعرقلها. ويدخل ذلك ضمن دوافع بعض الدول لاستعراض قدراتها في علم الحساب.

وكانت أستراليا قد استدعت تدقيقاً خاصاً نظراً لأداء رئيس وزرائها سكوت موريسون في القمة التي دعا إليها بايدن. وقد وصف كيتان جوشي، المحلل في موقع "رينيو إيكونمي" المتخصص بالطاقة والسياسة، الحسابات التي يعتمدها موريسون بـ"مجموعة من الارتباكات والتوجهات المضللة التي تتضمن تلاعباً بتتبع الأرقام، وباستهداف العمل المناخي من أجل إظهار وجود خفض بالانبعاثات، في وقت لا يوجد فيه أي تخفيض فعلي". كذلك فإن كوريا الجنوبية اختارت خط أساس حساس، بما أن انبعاثاتها تضاعفت منذ عام 1990.

وتقول فيكتوريا كومينغ من "بلومبرغ NEF" الأسبوع الماضي إن العام الذي يتم اختياره كخطّ الأساس لا يؤثر في الواقع على كمية العمل الذي يتعين على دولة ما القيام به من أجل خفض الانبعاثات. وأضافت: "ولكن قد يتم اختياره لأسباب سياسية حتى تبدو الدولة أكثر طموحاً على صعيد المناخ".

إلا أن العزاء الوحيد في عالم الحسابات المتنوع هذا، هو أن كلّ دولة تسعى للحدّ من المخاطر المناخية، تدرك تماماً ما الذي عليها القيام به. فمهما كان الهدف الوطني المعلن عنه والسياسات المعتمدة، فهي أمور لا تغير حقيقة ضرورة خفض الانبعاثات من أجل بناء اقتصاد نظيف.