"رئة الأرض" في خطر.. انتفاضة دولية لوقف تدمير الغابات المطيرة

المصدر: Bloomberg Creative Photos
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عندما يتعلق الأمر بإنقاذ الغابات المطيرة في العالم، فالحكومات هي الأقدر على إحداث فرق كبير وسريع.

فإندونيسيا التي تجاوزت البرازيل في عام 2012 لتصبح الأولى عالميًا في تدمير الغابات الاستوائية المطيرة، لكنها خططت في عام 2017 لخفض فقدان الأشجار بنسبة 60 بالمئة عن العام السابق، من خلال فرض قوانين حماية صارمة في المناطق المعرضة للخطر.

وفي المقابل يمكن للحكومات أن تسير بالاتجاه المعاكس وبالسرعة نفسها، وهذا ينطبق على البرازيل التي حوّلت مسارها بعد أن طبّقت قوانين حماية الغابات لمدة عقد من الزمان.

تعد هذه القضية مصدر قلق داخل المناطق الاستوائية وخارجها على حد سواء، إذ تتعرض الشركات متعددة الجنسيات لضغوط متزايدة من أجل إيقاف التعامل مع الموردين الذين يُلحقون الضرر بالمناطق الطبيعية؛ لأن الغابات المطيرة تعتبر موطنًا لنصف فصائل الكائنات الحية على كوكب الأرض، وتساعد في تنظيم أنماط المناخ العالمي وتنتج معظم كمية الأكسجين على كوكبنا.

ويسهم اختفاء هذه الغابات، سواءً بحرقها أو قطعها، في انبعاث 10 بالمئة من الغازات الدفيئة التي ينتجها العالم في عام واحد والتي تؤدي بدورها إلى تغير المناخ. وحسب أحد التقديرات، فقد سجّل العامان 2016 و2017 قدرًا كبيرًا من إزالة الغطاء الشجري الاستوائي وهو ما لم يشهده أي عام آخر في القرن الحالي.

الوضع الحالي للغابات

تتولى مجموعة من الدول مسؤولية حماية الغابات المطيرة في العالم، حيث توجد ثلثها في البرازيل وتتقاسم حوالي 15 بالمئة منها كل من إندونيسيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية. ويرى المنتقدون أن انتكاسة البرازيل حدثت نتيجة لتراجع فرض قوانين حماية البيئة في منطقة نهر الأمازون منذ تولي الرئيس ميشيل تيمير (Michel Temer) الحكم في البلاد عام 2016.

كما ارتفعت وتيرة حرائق الغابات كثيرًا بسبب جفاف الطقس "نتيجة لتغير المناخ وظاهرة إل نينيو (El Niño) المناخية". وفي الكونغو، دفعت مشاريع الزراعة والطاقة وقطع الأشجار، ظاهرة إزالة الغابات إلى مستويات قياسية في عام 2017.

أما إندونيسيا فقد مثلت الجانب المشرق من هذه القضية؛ لأنها فرضت حظرًا على تزايد أعداد أراضي الخث الغنية بالكربون التي تغطي فيها الأشجار التربة المشبعة بالمياه. وعند إزالة هذه الأشجار، تجف أراضي المستنقعات تاركةً مساحة شاسعة من المواد الجافة التي قد تحترق تحت الأرض لسنوات عديدة.

وأطلقت جاكرتا كذلك حملات توعية، وسنت قوانين أكثر صرامة، ما أدى إلى نجاح قرار الحظر في تخفيض نسب فقدان الغابات إلى أدنى مستوى منذ 14 عامًا، رغم حدوث بعض الانتكاسات في جزيرة سومطرة موطن النمور وقرود الأورانغوتان المهددة بالانقراض.

خلفية الموضوع

رغم انخفاض معدلات إزالة الغابات الاستوائية بأكثر من الثلث منذ التسعينيات، إلا أن الغابات المطيرة لا تزال مهددة بالاختفاء خلال قرن تقريبًا. وما يؤكد ذلك، إقرار اتفاق باريس للمناخ 2015 بأن الغابات المطيرة جزءٌ من الحل الهادف إلى الحد من انبعاثات الكربون؛ لأنها تمتص كميات هائلة من غاز ثاني أكسيد الكربون وتخزنها في الأشجار والنباتات الأخرى والتربة.

ونتج عن حرائق الغابات في إندونيسيا عام 2015 انبعاث كمية كبيرة من الغازات الدفيئة تفوق ما تنتجه القطاعات الاقتصادية الأمريكية بأكملها. وتستمر ظاهرة إزالة الغابات الاستوائية غالبًا بسبب تزايد الطلب، سواءً داخل الدولة التي توجد فيها الغابات أو خارجها، على الأخشاب والسلع، خاصةً الصويا وزيت النخيل ولحوم البقر والتي تزدهر مع إزالة الغابات.

تُصدّر إندونيسيا على سبيل المثال، حوالي نصف محصول زيت النخيل في العالم الذي تبلغ قيمته 50 مليار دولار أمريكي سنويًا، حيث يعتبر هذا الزيت من أرخص الزيوت النباتية ويستخدم على نطاق واسع في منتجات عديدة ابتداءً بالمايونيز وانتهاءً بمستحضرات التجميل، كما يعد مصدرًا لعيش المزارعين.

كل ذلك دفع مئات الشركات الدولية إلى التعهُّد بإبقاء سلاسل توريدها نظيفة، أي أنها ستحرص على الحصول على السلع من المنتجين المعتمدين لاتباعهم الممارسات المستدامة فقط.

الجدل الدائر

يقول علماء المناخ إن الحفاظ على الغابات المطيرة واسترجاع الغابات السابقة، يمثل وسيلة مباشرة ومقتصدة نسبيًا لتحقيق أهداف مكافحة تغير المناخ. وحسب تقديرهم، يمكن أن تساعد هذه الإجراءات في إيصال الإنسانية إلى ثلث الطريق الذي يجب أن تقطعه لتحقيق هدف اتفاق باريس للمناخ المتمثل في الحد من ارتفاع حرارة الأرض إلى أقل من درجتين مئويتين (3.6 درجة فهرنهايت).

ولا يتفق النشطاء البيئيون على المنهج الأفضل لتحقيق ذلك، ولكن الأهداف البيئية وإجراءات حماية الغابات قد أثبتت فعاليتها بالتطبيق الصارم فقط.

وتتضمن الاستراتيجيات المطبقة إزالة الطرق التي توصل للمناطق المهددة أو دفع مبالغ مالية للمجتمعات الريفية ومجتمعات السكان الأصليين مقابل الحفاظ على البيئات الطبيعية. ويحث النشطاء الدول الغنية على أن تحذو حذو النرويج التي قدمت حوافز للحد من فقدان الغابات، حيث دفعت مليار دولار أمريكي للبرازيل على مدار 8 سنوات بدءًا من عام 2015، كما أنها أعدت برنامجًا مماثلًا مع إندونيسيا.

وتحث المجموعات المُناصرة لحماية البيئة الشركات على أن تبادر في هذا المجال أيضًا، حيث يمكنها على سبيل المثال أن تُدرج عمليات التدقيق البيئي في تقاريرها المالية. كما تضغط هذه المجموعات لإيجاد أنظمة تقدم اعتمادات لمنتجي السلع المزروعة بأساليب مستدامة، مما يسهل على الشركات تجنب التعامل مع المنتجين غير القانونيين، وتمكّن المستهلكين من اتخاذ خيارات صديقة للبيئة.

ولا يزال الطريق طويلًا، فقد كشف استطلاع أجرته منظمة السلام الأخضر (Greenpeace) عام 2018 أن جميع الشركات متعددة الجنسيات التي شملها الاستطلاع وعددها 16 شركة، باتت مخيرة ما بين الكشف علنًا عن موردي زيت النخيل الذين تتعامل معهم، أو تكون قد تعاملت مع منتجين يُلحقون الضرر بالغابات المطيرة.