"الحكومة الضخمة" تعود.. بايدن يغير السياسة الاقتصادية الأمريكية

الرئيس الأمريكي جو بايدن
الرئيس الأمريكي جو بايدن المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

الحكومة الضخمة تعود بعد أربعة عقود من ترسخ فلسفة "رونالد ريغان" في خفض الضرائب وتقليص الحكومة – والتي بلغت ذروتها في التخفيضات الضريبية التي فرضها "دونالد ترمب" في عام 2017 - يعمل جو بايدن على قلب السياسة الاقتصادية الأمريكية في الاتجاه المعاكس.

وخلال الـ 14 شهراً الماضية، أقرّ الكونغرس ثلاث حزم للإغاثة من الجائحة ضخت ما يقرب من 5 تريليونات دولار في الاقتصاد. ووفقاً لخطته الأخيرة التي تم الكشف عنها يوم الأربعاء، سيطرح الرئيس طلباً إضافياً بقيمة 1.8 تريليون دولار في الإنفاق والائتمانات الضريبية على مبادرات تتراوح بين التعليم ورعاية الطفل وصولاً إلى الإجازة العائلية والطبية مدفوعة الأجر.

ويأتي هذا علاوةً على مبلغ 2.25 تريليون دولار في البنية التحتية، والرعاية الصحية المنزلية، والنفقات الأخرى المقترحة الشهر الماضي. وسيتم تمويل حزمة الإنفاق الجديدة من خلال مجموعة من الزيادات الضريبية الموجهة إلى الشركات والأثرياء الأمريكيين.

وهي تهدف جميعها إلى زيادة الإنتاجية، وتوسيع القوة العاملة، وتوزيع فوائد الاقتصاد الأمريكي بشكل أكثر إنصافاً.

تحول في السياسة الأمريكية

وفي الواقع، لدى الاقتصاديين من اليسار واليمين آراء متضاربة تماماً حول ما إذا كان هذا سيفيد أو يضر بالاقتصاد الأمريكي. وهناك القليل من اليقين بشأن مقدار الحزمة التي يمكن لـ بايدن أن يمررها عبر الكونغرس، بالنظر إلى الأغلبية الضئيلة للديمقراطيين والمعارضة الجمهورية القوية.

وحتى لو تم تقليص المقترحات، فهناك اعتراف متزايد بأن هناك تحولاً كبيراً جارياً في السياسة الأمريكية، وهو التحول الذي يستعد لإنهاء فلسفة الحكومة الصغيرة التي هيمنت على واشنطن خلال معظم السنوات الأربعين الماضية.

وفي هذا السياق، قال ويليام غيل، الاقتصادي والزميل البارز في معهد بروكينغز بواشنطن، عن التحول الفلسفي: "لا أعتقد أنه مبالغ فيه؛ فهناك اعتراف بأن نظرية جانب العرض لم تنتج حقاً ما وعدت به".

وأوضح"غيل" أنه نتيجة لذلك، تغير نطاق ما يجوز مناقشته عند الحديث عن السياسة العامة، بما في ذلك مقدار الضرائب والإنفاق.

سنوات ريغان

يشير مصطلح "جانب العرض" إلى الفلسفة الاقتصادية والسياسية التي انتشرت خلال إدارة "ريغان" في الثمانينيات؛ حيث جادل مؤيدوها بأن خفض الضرائب وتقليص الحكومة من شأنه أن يحفز المزيد من الاستثمار الخاص، وتخصيص رأس المال بشكل أكثر كفاءة، وتحقيق نمو اقتصادي أكبر، مما يعود بالفائدة على الجميع.

ويميل الليبراليون والمحافظون إلى قياس النتائج من خلال عدسات مختلفة. حيث يشير الليبراليون إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي السنوي في الولايات المتحدة والذي بلغ متوسطه 2.3% منذ عام 1991 و1.7% منذ عام 2001.

ويقارن ذلك بنسبة 4% في الخمسينيات والسبعينيات من القرن الماضي - حقبة الحكومة الضخمة التي أعقبت الحرب والضرائب المرتفعة. حيث يجادل الليبراليون بأن الرسوم المنخفضة وتآكل خدمات الرعاية الاجتماعية قد ساهمت أيضاً في اتساع مقلق في عدم المساواة الاقتصادية وإهمال البنية التحتية والتعليم والسلع العامة الأخرى.

وبالاستناد إلى هذا الواقع، يرى بايدن أن الجائحة كانت مدمرة بشكل خاص للأمريكيين ذوي الدخل المنخفض، مما أدى إلى تفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية المزمنة منذ فترة طويلة.

وبعد أن خاض حملته الانتخابية بالاستناد إلى أفكاره القوية حول الإنفاق والضرائب، فإنه يحث الكونغرس الآن على تمرير مقترحه، حيث يقول بايدن ومساعدوه إن فوزه في الانتخابات واستطلاعات الرأي الأخيرة يُقدّم دليلاً على أن الأمريكيين يدعمون مقاربته.

وحظيت خطة بايدن للبنية التحتية بتأييد بنسبة 68% في استطلاع أجرته جامعة مونماوث يوم الاثنين، في حين قال 64% إنهم سيدعمون خطة إنفاق كبيرة مع أحكام تتعلق برعاية الأطفال والتعليم والرعاية الصحية، مثل "خطة العائلات الأمريكية" المعلنة يوم الأربعاء.

ووجد هذا الاستطلاع أيضاً أن ما يقرب من ثلثي الأمريكيين يؤيدون دفع تكاليف خطط "بايدن" من خلال زيادة الضرائب على الشركات والأفراد الذين يجنون أكثر من 400 ألف دولار.

رأي بلومبرغ إيكونوميكس

"جنباً إلى جنب مع موازنة الزيادات الضريبية وانتشارها على مدى 10 سنوات، نعتقد أن الأثر الاقتصادي الصافي لخطة العائلات الأمريكية من المرجح أن يكون متواضعاً، ويمكن القول إنه يمكن أن يصبح سلبياً بمرور الوقت. وهذا ليس حكماً على مزايا الخطة، لأن الناتج المحلي الإجمالي ليس المقياس الوحيد للرفاه الاقتصادية".

- "كارل ريكادونا"، و"أندرو هوسبي"، و"ييلينا شولياتيفا".

خلاف حول زيادة الضرائب

تعليقاً على الموضوع، قال "تيد كوفمان"، مستشار بايدن منذ فترة طويلة والذي شارك في رئاسة الفترة الانتقالية الرئاسية: "إحدى الأشياء التي كشفتها الجائحة هي حقيقة أن الحكومة بحاجة إلى برامج ضخمة. حيث كانت فكرة ريغان أن الحكومة لا تستطيع فعل أي شيء بشكل صحيح. حسناً، أعتقد أن الحكومة تفعل الأشياء بشكل صحيح وتحتاج إلى فعل الأشياء بالشكل الصحيح للطبقة الوسطى".

وبقدر ما تعالج الخطة عدم المساواة الاقتصادية، فهي قد تروق أيضاً للكثيرين في القاعدة السياسية للديمقراطيين.

وفي هذا الصدد، قال برادلي هاردي، رئيس قسم الإدارة العامة والسياسة في الجامعة الأمريكية في واشنطن، إن مقترحات بايدن تمثل سياسة اقتصادية سليمة حقاً، ولها آثار مهمة على الإنصاف العرقي؛ لذلك يمكن أن يشمل الترويج للخطة أيضاً الحديث عن تلك الفوائد.

وفي الجانب المحافظ، يدرك الكثيرون أن البنية التحتية والتعليم بحاجة إلى الاستثمار والإصلاح؛ إلا أنهم يرفضون فكرة أن انخفاض الضرائب أدى إلى انخفاض النمو.

حيث قال ميكي ليفي، كبير الاقتصاديين في الولايات المتحدة وآسيا في شركة "بيرينبيرغ كابيتال ماركتس"، إنه من المفيد مقارنة البلدان المختلفة خلال نفس الفترات الزمنية.

وهو يشير إلى نمو أسرع في الولايات المتحدة باستمرار مقارنة بدول أوروبا الغربية التي تبنت منذ فترة طويلة حكومة أضخم وفرض ضرائب أعلى. ومنذ عام 1992، نمت منطقة اليورو بمعدل 1.3% سنوياً، مقابل 2.4% للولايات المتحدة.

وقال "ليفي": "الفكرة القائلة بأن الضرائب المرتفعة لن تضر بالاقتصاد ولم تضر بالاقتصاد هي فكرة خاطئة".

دور أكبر للحكومة

وفقاً للبيت الأبيض، فإن مقترح بايدن برفع ضرائب مكاسب رأس المال على أصحاب الدخول المرتفعة، وإغلاق ثغرة فيما يخص فرض ضرائب على أرباح رأس المال عند الوفاة، سيؤثر فقط على 0.3% من الأسر.

لكن حتى هذا قد يغير الطريقة التي تستثمر بها تلك العائلات الثرية، وسيكون له تأثير غير مباشر على تقييمات الأسهم وسلوك الشركات، كما قال "ليفي". وعلى صعيد الشركات، وفي حين أن بعض الضرائب المرتفعة ستقلل الأرباح، فإن الكثير منها سيضر بالعمال من خلال توظيف أقل أو أجور أقل، كما قال.

ومع ذلك، لا يجادل ليفي في أن الأرضية السياسية تتغير. حيث قال: "ما من شَكٍّ في أن ثورة ريغان من أجل إنفاق أقل وضرائب أقل كانت تحولاً مهماً في الفلسفة، وما حدث مؤخراً هو بالتأكيد تحول دراماتيكي نحو حجم أكبر بكثير ليس فقط على صعيد حجم الحكومة وإنما دورها كذلك".