البنوك اليونانية تتألق مجدداً وسط تفاؤل بمعدلات النمو

اليونان تستعيد عافيتها الاستثمارية بعد سنوات من التراجع
اليونان تستعيد عافيتها الاستثمارية بعد سنوات من التراجع المصدر: بلومبرغ
Elisa Martinuzzi
Elisa Martinuzzi

Elisa Martinuzzi is a Bloomberg Opinion columnist covering finance. She is a former managing editor for European finance at Bloomberg News.

تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

تؤكِّد العديد من المؤشرات على عودة اليونان إلى مشهد الاستثمار مرة أخرى، بعد أن عزف عنها المستثمرون لعِقد من الزمان، وذلك بعد أن عادت الدولة الواقعة في جنوب أوروبا، إلى سوق السندات بإصدار لأجل 30 عاماً الشهر الماضي، ونجاحها في جذب المستثمرين الذين تدفَّقوا إليها طلباً للعائد.

كما يتفاءل المستثمرون بتوقُّعات تعافي الاقتصاد اليوناني بشكل أفضل وأسرع من باقي دول أوروبا، والدور الذي تقوم به البنوك الكبرى هناك كلاعب رئيسي في مسرحية عودتها للمشهد من جديد.

وشهدت أسهم البنوك إقبالاً ملحوظاً في الآونة الأخيرة، وزادت القيمة السوقية لثلاثة من أكبر أربعة بنوك في البلاد بأكثر من الضعف خلال ستة أشهر، وسط رهان شخصيات بارزة في عالم صناديق التحوط، مثل: الملياردير جون بولسون على أسهم البنوك اليونانية، التي يبدو أنَّها تسلك طريقها لتسجيل معدلات ربحية مستدامة، وسط انخفاض معدلات تعثُّر القروض لدى بعضها إلى أقل من 10% بفضل عمليات شطب القروض الضخمة.

وبرغم كل ذلك لا ينبغي للمستثمرين الاعتقاد أنَّهم على متن رحلة خالية من المطبات.

البنوك اليونانية تخرج من "غرفة الإنعاش"

تخرج اليوم البنوك اليونانية التي كان يعدُّها المستثمرون سامَّة في يوم من الأيام من الرعاية المركزة، برغم حالة عدم اليقين بشأن تعافي السياحة، التي يبقى الاقتصاد في أشد الحاجة لتعافيها لما يمثِّله القطاع من نحو خُمس الاقتصاد اليوناني، إلا أنَّ البنوك استطاعت زيادة إيراداتها مرة أخرى.

ونلقي الضوء هنا على مثالين لبنكي "الأهلي اليوناني"، و"يوروبنك إيرغاسيس"، فقد نجح البنكان بشكل كبير في تنظيف ميزانياتهما منذ أزمة الديون السيادية.

كما تصل تقييماتهم الآن إلى أقل بنحو 50% من القيمة الدفترية، ليتساووا في ذلك مع كبرى البنوك في أوروبا، مثل "يوني كريديت" الإيطالي، و"دويتشه بنك".

وبرغم أنَّ تلك التقييمات تعكس بشكل نسبي توقُّعات تحقيق البنكين نموَّاً في العائد على حقوق الملكية بحلول 2022، إلا أنَّ هناك حالة من عدم اليقين بشأن وتيرة نمو الاقتصاد اليوناني خلال العام المقبل وما بعده.

وبرغم ذلك الأداء الاقتصادي نجح البنكان في تسجيل زيادة في الدخل من الرسوم على أساس سنوي، وتعويض الانخفاض في الدخل من الفوائد.

وفي الوقت نفسه، جمع بنك "بيريوس" 1.4 مليار يورو (1.7 مليار دولار) لتمويل خطته لشطب القروض المعدومة. وتضمَّنت صفقة التمويل مضاعفة نجم صناديق التحوط "بولسون" لمشترياته من أسهم البنك، كما جذبت أيضاً العديد من المستثمرين، ومن بينهم بلاك روك، وفيديليتي.

قد لا يكون من الصعب العثور على مشترين للقروض المعدومة للبنك، ولكن ذلك يأتي على الرغم من تسجيل البنك لمستويات ربحية أقل من منافسيه من البنوك اليونانية الأخرى.

توجد الدولة بين قائمة ملَّاك البنوك الأربعة اليونانية الكبرى، ومن غير المرجح أن تتخلى عن ملكيتها بعد تحقيق ذلك الأداء، إذ تسيطر البنوك الأربعة وهم: البنك الأهلي، ويوروبنك، وبنك بيريوس، وبنك ألفا إيه إي على نحو 90% من السوق.

ضرورة النمو

وبرغم ذلك تقول وكالة "موديز" للتصنيفات الائتمانية، إنَّ البنوك اليونانية تحتاج إلى نمو الاقتصاد بمعدل 3.6% خلال العام الجاري، و5.7% في 2022 حتى تنجح في الحفاظ على ربحيتها، والتخلُّص من القروض المعدومة، وهو الأمر الذي يتطلَّب تعافي الطلب، والاستهلاك المحلي من أجل تعويض الانتعاش المتواضع المحتمل في قطاع السياحة.

ويستمد قطاع السياحة اليوناني قوَّته من اعتماده على الزوار من الدول الأوروبية المجاورة، ولكن في ظل استمرار حالة عدم القين بشأن وتيرة طرح اللقاحات في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي؛ يبقى هناك المزيد من الشكوك بشأن قوة الموسم السياحي هذا العام.

في حين يعتمد استمرار نمو الاقتصاد في المدى المتوسط على توظيف رئيس الوزراء كيرياكوس ميتسوتاكيس لحزمة مساعدات الاتحاد الأوروبي الثانية للتعافي من تداعيات الجائحة، بالإضافة إلى إصلاحات السوق.

وتتوقَّع وكالة "ستاندرد آند بورز" أن يشهد نمو الاقتصاد اليوناني زخماً ليصل إلى 18.3% بحلول عام 2026 مقارنة بالناتج المحلي الإجمالي الذي تحقَّق في العام 2020 بمتوسط نمو سنوي يصل إلى 8.3%.

كما رفعت الوكالة هذا الشهر تصنيف ديون اليونان طويلة الأجل بالعملة الأجنبية إلى مستوى BB بفارق مستويين أقل من درجة الاستثمار.

وفي الوقت الذي يصعب فيه تحديد حجم التعثر في سداد القروض في حالة فشل تعافي الاقتصاد، توقَّع البنك المركزي اليوناني أن تصل الديون المعدومة الجديدة خلال الأشهر الـ 18 المقبلة إلى 10 مليارات يورو، في حين أشارت وكالة "موديز" إلى أنَّ تلك التعثرات في حالة حدوثها ستمحو جانباً من القروض المتعثرة الحالية التي يتوقَّع أن تشطبها البنوك في غضون الـ 12 شهراً المقبلة، والبالغة قيمتها نحو 17 مليار يورو.

وبرغم تعديل وكالة "موديز" لنظرتها المستقبلية للبنوك اليونانية من مستقرة إلى إيجابية؛ إلا أنَّها حذَّرت من مخاطر ضعف مستويات الرسملة.

قد لا تتمكَّن البنوك اليونانية حتى مع تخفيضها للتكلفة، وإغلاق الفروع، وتقليص أعداد الموظفين من تخطي فشل الاقتصاد في تحقيق التعافي الذي تعتمد عليه في انتعاش إيراداتها، كما أنَّه قد لا يكون هناك مجال للاندماج كأحد الحلول في ظل تركُّز الحصة السوقية بين عدد محدود من البنوك.

من المؤكَّد أنَّ البنوك اليونانية قد نجحت في قطع شوط طويل منذ بدء إنقاذها كجزء من خطة إنقاذ الاقتصاد، واقترابها بالفعل من التحول أخيراً من سنوات الانكماش إلى نمو الائتمان، ولكن ما يزال هناك الكثير من العمل للاستمرار في المسار الصحيح.