انتعاش مُرتبك وطائرات في انتظار الإقلاع.. هل حان وقت التحليق مجدداً؟

قطاع الطيران يستعدّ للعودة بفضل اللقاحات
قطاع الطيران يستعدّ للعودة بفضل اللقاحات المصدر: صور غيتي
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

يبدو تعافي أمريكا القوي من جائحة فيروس كورونا بارزاً، لكن هذا وحده لا يكفي لدعم ثروات بعض أكبر شركاتها. في الوطن وفي قطاع الطيران شعور بعدم التكافؤ في الانتعاش العالمي، بما يعني أنه من الأفضل في هذه المرحلة أن تعمل في مجال تحليق الطائرات بدلاً من صنعها.

وأعطت الولايات المتحدة لقاحات ضد فيروس كورونا أكثر من أي دولة أخرى، وتَلقَّى أكثر من نصف البالغين الآن جرعتهم الأولى على الأقلّ.

وعلى عكس أجزاء أخرى من العالم، لا تزال فيها مجموعة قيود السفر سارية، لا حدود صارمة بين الولايات الأمريكية، ولم يعُد للحجر الصحي الذي يفصل بين الولايات وجود، وكانت من أنجح الإجراءات المطبقة على الإطلاق.

وأطلق ذلك العنان لموجة من الطلب المكبوت على السفر، وستستفيد شركات الطيران الأمريكية بشكل كامل من خلال إضافة رحلات جوية إلى مناطق الترفيه المحلية المرغوبة بشدة وبعض أسواق أمريكا الوسطى واللاتينية التي أثبتت شعبيتها -وسهولة الوصول إليها- أكثر من الرحلات الخارجية.

وكان متوسط امتلاء طائرات "أمريكان إيرلاينز" 80% ​​في الأسابيع الأخيرة، وتستهدف شركة "ساوثويست إيرلاينز" (Southwest Airlines) حركة نقل ركاب مماثلة لشهرَي أبريل ومايو.

وفي الوقت نفسه أصبح التدفق النقدي إيجابياً لشركة "دلتا إيرلاينز" و"يوناتيد إيرلاينز"، وفقاً لهذه الشركات، وتعتقد "دلتا" أنها يمكن أن تبدأ في جني الأموال مرة أخرى بحلول الربع الثالث.

تأثير اللقاحات

رغم ذلك لم تظهر هذه الخسارة حتى الآن بطريقة لها معنى لدى أكبر صانعي الطائرات في البلاد، واستخدم كبار المديرين التنفيذيين نبرة أشدّ تحفظاً من شركات الطيران عند الإعلان عن أرباحهم هذا الأسبوع.

ولا تزال عمليات تسليم الطائرات التي تعمل بمحركات من شركة "جنرال إلكتريك" ومشروعها المشترك الدولي "سي إف إم" (CFM) منخفضة بنسبة 34% تقريباً عن خط الأساس لما قبل الوباء، إذ تتوقع "جنرال إلكتريك" أن تكون الزيارات المربحة لورشات الصيانة ثابتة في عام 2021 مقارنة بمستوى العام الماضي المنخفض.

قليل من الأدلة يشير إلى تحول في وحدة الطيران حتى الآن، فقد استنزفت "جنرال إلكتريك" كثيراً من الأموال في الربع الأول كما توقع المحللون، وأشارت إلى أنها ستنفق أكثر في الربع الثاني. انخفضت أعمال الإصلاح بنسبة 43% في قسم قطع الغيار من "كولينز إيروسبيس" (Collins Aerospace) و35% في وحدة محركات "برات آند ويتني" (Pratt & Whitney).

وتمثل الأرباح جزءاً بسيطاً مما كانت عليه قبل انتشار الوباء، ووصف ديفيد كالهون، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "بوينغ" عام 2021، توزيع اللقاح بأنه "نقطة انعطاف رئيسية"، لكنه حذّر أيضاً من تعافٍ غير متساوٍ.

ماذا يحدث هنا؟ يعكس هذا جزئياً طبيعة أعمال هذه الشركات، فبين الوقت الذي يمكن فيه لشركات الطيران ملء طائراتها بالأشخاص مرة أخرى والوقت الذي تكون فيه على استعداد للإنفاق على الإصلاحات والطائرات الجديدة، فجوة طبيعية، كما أن لهذا علاقة كبيرة بالجغرافيا.

قد يكون لشركات "بوينغ" و"رايثون" (Raytheon) و"جنرال إلكتريك" مقرات رئيسية في الولايات المتحدة، وتصنع جزءاً كبيراً من منتجاتها في هذا البلد، لكنها شركات عالمية بطريقة لا يمكن لشركات الطيران الأمريكية فعلها.

عالم أكثر ترابطاً

حتى في أوقات ما قبل الجائحة، كانت أكبر شركات الطيران الأمريكية تحصل على نحو ثلثَي إيراداتها من الرحلات الداخلية. في المقابل لا يمثل العملاء من أمريكا الشمالية إلا نحو خُمس الطائرات الجديدة البالغ عددها 43,110 طائرة، التي تعتقد "بوينغ" أن سوق الطيران العالمي ستحتاج إليها خلال العشرين عاماً القادمة. ستكون منطقة آسيا والمحيط الهادئ أكبر مصدر للطلب المستقبلي حتى الآن (17,485 طائرة)، وفقاً لتوقعات سوق "بوينغ" الصادرة في أكتوبر.

وإذا كان الوباء علّمنا شيئاً واحداً، فهو أن سكان العالم أصبحوا أكثر ترابطاً من أي وقت مضى، وأن الأحداث في أحد جانبَي العالم يمكن أن يكون لها تأثيرات دراماتيكية في الجانب الآخر. يجري التداول في سوق الأسهم الأمريكية بالقرب من أعلى مستوياتها على الإطلاق، إذ يحتفي المستثمرون بإشارات ثابتة على أن الازدهار الاقتصادي على وشك الحدوث.

ويعود الفضل في جزء كبير منها إلى حكومة الولايات المتحدة، التي تحركت بقوة لتوفير إمدادات اللقاح، وأبقت شركات الطيران تعمل من خلال أكثر من 50 مليار دولار من مساعدات الرواتب، ومن خلال الاحتياطي الفيدرالي أبقت أسواق السندات مفتوحة للشركات المتعثرة مثل "بوينغ"، لكن عديداً من أكبر وأهمّ الشركات في البلاد لا يزال يعتمد على التعافي العالمي الذي يتحرك ببطء أكبر.

وأصبح من يبلغون سنّ 16 عاماً وأكثر مؤهلين الآن للحصول على اللقاح في الولايات المتحدة، وتقول إدارة بايدن إن هناك لقاحات كافية لتلقيح 300 مليون شخص بحلول نهاية يوليو.

أما في اليابان فإن العاملين في مجال الرعاية الصحية وأولئك الذين تزيد سنّهم على 65 عاماً فقط مؤهلون حالياً، ونقص الإمدادات يعني أن نحو 2% فقط من إجمالي السكان تلقوا جرعة واحدة، وفقاً لمؤشر تتبُّع اللقاح من "بلومبرغ".

الموجة الهندية

وبدأت فرنسا للتو تخفيف إغلاقها الوطني الثالث، وأصدرت ألمانيا إجراءات جديدة صارمة يمكن أن تستمر حتى يونيو، إذ يكافح البَلَدان تفشّي فيروس كورونا الجديد. وأحرزت المملكة المتحدة تقدماً جيداً في حملة اللقاحات الخاصة بها، لكنها اتبعت نهجاً حذراً لإعادة فتح السفر مع الاتحاد الأوروبي وأماكن أخرى وسط مخاوف بشأن المتغيرات. وتجتاح الهند حالياً موجة عدوى، وتترك آثاراً مدمرة على نظام الرعاية الصحية في البلاد.

وتشعر شركات الطيران الأمريكية بآثار هذا الانتعاش غير المتوازن عالمياً في أعمال السفر الدولية الخاصة بها، ولكن لا قاعدة تنصّ على أنه لا يمكن استخدام الطائرة إلا على نوع واحد من المسارات.

لقد تعافى صافي الحجوزات الدولية طويلة المدى في شركة "أمريكان إيرلاينز" إلى نحو 20% فقط من مستويات عام 2019، وستشكّل الرحلات عبر المحيط الأطلسي والمحيط الهادئ 3% فقط من استطاعة شركة الطيران هذا الصيف، وهذا الرقم هو ناتج تقريب خاطئ عملياً.

ولا تزال شركة "أميركان إيرلاينز" تتوقع شَغْل 80% من إجمالي سعة مقاعد الرحلات الدولية هذا الصيف. لقد كانت تحلق بطائرات "بوينغ 787 دريملاينر" وطائرات "777" التي تُستخدم عادة للرحلات فوق المحيطات على مسارات الولايات المتحدة إلى وجهات ترفيهية شهيرة مثل أورلاندو وميامي بدلاً من ذلك. في غضون ذلك ستعمل شبكة شركة الطيران هذه في أمريكا اللاتينية بشكل أساسي كالمعتاد، وستوفّر "ساوث ويست" (Southwest) مقاعد أقل بنسبة 4% فقط في يونيو مما كانت عليه في الفترة نفسها من عام 2019، وإن كان من خلال شبكة مسارات مختلفة.

وقال غوردون بيثون، كبير المديرين التنفيذيين السابق لشركة "كونتيننتال إيرلاينز" (Continental Airlines)، في مقابلة معه في مارس: "إنهم يستجيبون لطلب الركاب، وإذا تغير ذلك فسيتغيرون معه. تطير شركات الطيران إلى الأماكن التي يريد الناس الذهاب إليها".

مخاطر قائمة

ولا تتمتع الشركات المصنّعة في قطاع الطيران بنفس قدرة الارتكاز، و قال لاري كولب، كبير المديرين التنفيذيين لشركة "جنرال إلكتريك"، في مقابلة مع "بلومبرغ"، إن السفر الجوي يتعافى في الولايات المتحدة، والنشاط في الصين أعلى من مستويات عام 2019، "لكن من الواضح أن أجزاءً أخرى من العالم ستمثل تحدياً أكبر".

ولا يقلّ ما يحدث في الهند عن كونه أزمة إنسانية، ونحن نرى ذلك. إنها ثاني أكبر نقطة ارتكاز لشركة "جنرال إلكتريك"، لذلك لدينا اطّلاع جيد جداً على كل ذلك للأسف".

وفي تلك الأثناء أشارت "بوينغ" مراراً وتكراراً إلى الخطر الذي تتعرض له أعمالها بسبب العلاقات التجارية المتوترة بين الولايات المتحدة والصين.

وتُعَدّ الصين من بين المعيقين البارزين في عودة طائرة 737 ماكس" إلى الخدمة بعد حادثتين مميتتين. ويمنع تأخر المنظمين في التصريح بعودة الطائرة إلى العمل شركة "بوينغ" من تسليم جزء من طائرات "ماكس 400" التي لديها حالياً في المخازن والعائدة لشركات الطيران الصينية.

وقال كالهون كبير المديرين التنفيذيين: "تمثل الصين 25% من النمو العالمي في صناعتنا على مدى العقد المقبل، وعلينا إعادة علاقتنا التجارية في مجال الطيران مع الصين"، وأعرب عن تفاؤله بأن الولايات المتحدة كانت في مرحلة من التعافي الاقتصادي وأصبح بإمكانها تحويل تركيزها نحو إصلاح تلك العلاقة المهمة، لكن الوضع لا يزال غامضاً.

يبدو التعافي في الولايات المتحدة ملحوظاً ويستحقّ التشجيع، لكنه لن يكتمل حتى يتمكن باقي العالم من اللحاق بها.