الأمريكيون الأثرياء يندفعون للتقاعد المبكر بسبب "كورونا".. ما القصة؟

الأمريكيون ممن لديهم مدخرات وحسابات تقاعدية قوية يفكرون بالتقاعد المبكر بعد عام صعب بسبب كورونا
الأمريكيون ممن لديهم مدخرات وحسابات تقاعدية قوية يفكرون بالتقاعد المبكر بعد عام صعب بسبب كورونا المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

بعد عام من مكالمات "زوم" في الصباح الباكر، وشبح فيروس مميت وارتفاع قيم الأسهم والعقارات، يخطط الأمريكيون العاملون ممن ينتمون لجيل طفرة المواليد، والذين لديهم الإمكانيات المالية، للتقاعد مبكراً.

تظهر البيانات الحكومية أن حوالي 2.7 مليون أمريكي يبلغون من العمر 55 عاماً أو أكثر يفكرون، بسبب الوباء، في التقاعد قبل سنوات مما كانوا يتصورون، وأغلبهم من البيض، وهي مجموعة لديها عادةً كمية أكبر من الثروة المتراكمة.

ويستند الكثير منهم في هذا القرار إلى حساباتهم التقاعدية القوية، والإرهاق الناجم عن كوفيد-19، كأسباب وراء خروجهم المبكر، وفقاً لمقابلات مع مديري الثروات والاستطلاعات الفيدرالية.

ويشبه هذا إلى حد كبير ما يسمى الانتعاش الاقتصادي الأمريكي على شكل (K)، فإن الوباء يعامل الأثرياء بشكل مختلف، ويمكّنهم من مغادرة حياة الشركات في وقت مبكر. بينما اضطر الآخرون الذين فقدوا وظائفهم إلى تأخير موعد تقاعدهم، أو أصيبوا بالإحباط والتقاعد قبل أن يكونوا مستعدين.

تأثير التقاعد المبكر على الاقتصاد

إن التقاعد المبكر، سواء أكان مرغوباً أو قسرياً، سيحرم سوق العمل من بعض أكثر العاملين فيه إنتاجية وسيكون له تأثير على الانتعاش الاقتصادي الذي لا يزال من السابق لأوانه تقييمه.

حيث استشهد رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول هذا الأسبوع بـ "عدد كبير" من الأشخاص الذين قالوا إنهم تقاعدوا كأحد أسباب قيام الشركات بالإبلاغ عن نقص العمالة، على الرغم من أنه من غير الواضح ما إذا كانوا ينوون إعادة انضمامهم لاحقاً إلى سوق العمل.

في منطقة مينيابوليس، كان كريغ دي لورينزو (58 عاماً)، من بين أولئك الذين اختاروا الانسحاب، بعد أن شعروا بالإحباط من سيرتهم المهنية والاستيقاظ عند الساعة السادسة صباحاً للعمل بشركة الصناعة العملاقة "ثري إم".

وقال إن الخوف من مرض السرطان قبل خمس سنوات جعله يعيد النظر في التزامه بتسلق سلم الشركات الوظيفي، والعام الماضي الذي جعله عالقاً في المنزل ساهم بتعزيز هذه المشاعر.

وقال دي لورينزو، الذي تقاعد في نهاية شهر مارس: "إن هذا الأمر يجعلك تفكر، هل كل هذا مهم بقدر ما كنت تعتقد أنه مهم؟".

وتشتهر الزمرة التي ينتمي إليها دي لورينزو بالتشبث بوظائفها لأطول فترة ممكنة، وعادة ما يتقاعدون في وقت متأخر مقارنةً بنظرائهم الأوروبيين.

إن خروجهم المحتمل من عالم الشركات، إلى جانب الزيادة الحادة في عدد أصحاب الأعمال الذين يسعون إلى التقاعد في وقت أقرب مما كانوا يتوقعون، هو ظاهرة مقلقة للشركات التي تعتمد على خبراتهم المتراكمة.

بالإضافة إلى ذلك، يدفع الإرهاق بين الأطباء والمعلمين الأكبر سناً البعض للخروج المبكر، مما يهدد بحدوث نقص في الرعاية الصحية والتعليم.

نهج "الحياة القصيرة"

يقول المستشارون الماليون إنهم يرون نهجاً جديداً مفاده أن "الحياة قصيرة" تنتشر بين العملاء الذين لديهم أموال كافية تخرجهم إلى التقاعد.

وفي هذا السياق، قال كينيث فان ليوين، مؤسس شركة الخدمات المالية "فان ليوين آند كو"، التي تتخذ من برينستون الواقعة في نيو جيرسي مقراً لها، إن احتمالية العودة إلى العمل اليومي ستكون "مثل قرص الدواء الذي يصعب على كثير من الناس ابتلاعه".

وقال فان ليوين إن أحد العملاء، وهو مسؤول تنفيذي كان أداء محفظته المالية جيداً، يتقاعد في عمر 48 عاماً لأن احتمال الاضطرار إلى العودة إلى السفر من 10 إلى 12 ليلة في الشهر لم يعد جذاباً بالنسبة له بعد الآن.

على بعد أربعين ميلاً إلى الغرب من بوسطن، سئمت ميليسا مارتيني من العمل أكثر بتكلفة أقل مع استمرار الوباء.

لقد ساعدت "مارتيني" في الإشراف على حدائق الولاية لقسم الحفظ والاستجمام في ماساتشوستس، وكُلفت بتوظيف المئات من المنقذين وغيرهم من العمال الموسميين كل ربيع.

ولكن حتى مع تدفق الناس إلى المتنزهات هرباً من عمليات الإغلاق الخاصة بـكوفيد-19، قطعت الدولة الموظفين الإداريين الموسميين الذين كانوا يساعدونها في عملية فرز المرشحين.

تقاعدت "مارتيني" هذا العام عن عمر يناهز 58 عاماً، أي قبل حوالي خمس سنوات مما كان متوقعاً.

وتقاعد زوجها أيضاً من وظيفته في شركة للخدمات المالية، ويخطط الزوجان الآن للإبحار إلى منطقة البحر الكاريبي خلال الشتاء في مركب شراعي يبلغ طوله 42 قدماً (12.8 متراً).

وعلى الرغم أنه من خلال التقاعد مبكراً، ستحصل على تعويضات أقل من معاشها التقاعدي، لكن حسابات التقاعد الأخرى للزوجين قد تضخمت كثيراً مؤخراً لدرجة أنها تقول "إننا سنظل في حالة جيدة حتى أبلغ من العمر 92 عاماً".

وقالت مارتيني: "لقد رأيت الكثير من الأشخاص الذين قرروا الانتظار لفترة طويلة حتى يتقاعدوا - العديد من زملائي أو أفراد أسرتي الأكبر سناً - ويتقاعدون لمدة عام ويمرضون ويموتون، أنا لا أريد ذلك".

الحصول على مزايا التقاعد مبكراً

ووجدت دراسة أجريت في نوفمبر من مركز "بيو" للأبحاث زيادة في عدد المواليد، الذين ولدوا بين عامي 1946 و 1964، والذين أبلغوا عن تقاعدهم. فمقارنةً بالسنوات السابقة أبلغ أكثر من 1.2 مليون عما هو معتاد كمتوسط سنوي تاريخي لأعداد المتقاعدين.

نقاط البيانات الأخرى تدعم النتائج. انخفض عدد الأشخاص الذين يتوقعون العمل بعد سن 67 إلى مستوى قياسي منخفض بلغ 32.9 % الشهر الماضي، وفقاً لمسح أجراه بنك الاحتياطي الفيدرالي في نيويورك.

ويخطط حوالي 2.7 مليون عامل يبلغون من العمر 55 عاماً أو أكبر للتقدم مبكراً للحصول على مزايا الضمان الاجتماعي - ما يقرب من ضعف عدد 1.4 مليون شخص في نفس الفئة العمرية الذين يتوقعون العمل لفترة أطول، وفقاً لمسح أجراه مكتب الإحصاء الأمريكي مؤخراً.

ارتفاع قيمة الأصول

وتعمل الزيادة غير المسبوقة في الأسهم وقيم المنازل خلال أزمة اقتصادية على تسهيل مسار التقاعد لأولئك الذين لديهم استثمارات.

إذ ارتفعت الأصول المخصصة للأمريكيين الذين تتراوح أعمارهم بين 55 و69 عاماً بمقدار 4.2 تريليون دولار في عام 2020، بما في ذلك زيادة قدرها 2.2 تريليون دولار في أسهم الشركات وأسهم الصناديق المشتركة و250 مليار دولار في قيمة الشركات الخاصة، وفقاً لبيانات مجلس الاحتياطي الفيدرالي، وارتفعت الأصول العقارية لهذه المجموعة بنحو 750 مليار دولار.

إن القلق من أن بعض أو كل تلك الثروة قد تتبخر قد أثر بشكل خاص على رواد الأعمال الذين مروا بالركود العظيم لعام 2008.

وتضاعف عدد أصحاب الأعمال الذين يقولون إنهم يخططون للتقاعد في وقت أقرب مما كان متوقعاً منذ أغسطس الماضي، وفقاً لمسح أجرته شركة الخدمات المالية "ويلمنغتون ترست".

وفي هذا الصدد، قال ستيوارت سميث، المدير الوطني لاستراتيجيات قيمة الأعمال في "ويلمنغتون ترست": "إن التعامل مع حدثين اقتصاديين كبيرين في أقل من 15 عاماً قد يجعلهم يتساءلون عما إذا كان الوقت قد حان لسحب الأموال من الطاولة، خاصةً مع اقترابهم من التقاعد".

إنتاجية قوية وتغيّب أقل

"فقدان العمال الأكبر سناً سيضر بسوق العمل"، هذا ما قالته سوزان وينستوك، نائبة رئيس برامج المرونة المالية في مجموعة مناصرة لكبار السن يطلق عليها اسم "الرابطة الأمريكية للمتقاعدين" وتتخذ من واشنطن العاصمة مقراً لها، حيث تقول "وينستوك" إن هؤلاء العمال يتمتعون بإنتاجية قوية، وتغيّب أقل، ويمكنهم تدريب وتوجيه الوافدين الجدد.

وأضافت قائلةً: "يتمتع العمال الأكبر سناً بالقوة بشكل خاص في المهارات الشخصية - الأشياء التي تتطور بمرور الوقت ويصعب تدريسها".

ويمكن أن يصبح الوضع دقيقاً بشكل خاص في مجال الرعاية الصحية. حيث قالت مؤسسة أطباء غير ربحية في مقال نشرته في نوفمبر إن ما يقرب من ثلث الأطباء تزيد أعمارهم عن 60 عاماً، محذرة من أن الإرهاق يهدد بتفاقم النقص الحالي، خاصة بين المتخصصين النادرين.

وفي بيثيسدا بولاية ماريلاند، قام جراح العظام "ستيفن روكور" بالتقاعد، رغم أنه ليس شاباً ويبلغ التاسعة والستين من عمره، قبل الموعد المخطط له في الصيف الماضي بعد أن أخاف الوباء العديد من مرضاه.

وقال الطبيب: "أدركت أنه كلما عادت الأمور إلى الوراء، لم يكن في داخلي ما يكفي للقتال وإعادة البناء بهدف ممارسة مهنتي، لو كان عمري 45 عاماً، كان علي أن أفعل ذلك، لكن في سن 69 قلت لنفسي: أنا لست مضطراً لفعل هذا بعد الآن".