إعادة فتح الاقتصادات يمهد لطلب مختلف على السلع الاستهلاكية

عودة بعض الانتعاش في قطاع الأزياء مع إعادة فتح بعض الاقتصادات حول العالم
عودة بعض الانتعاش في قطاع الأزياء مع إعادة فتح بعض الاقتصادات حول العالم المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

عاد الطلب على فساتين النساء، وملابس التأنق مرة أخرى ضمن إشارة على توجه المستهلكين للتعايش فيما بعد الإغلاق، إذ يعاد فتح الاقتصادات ببطء في أماكن، مثل الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة.

يعدُّ اختيار الملابس الأكثر تأنقاً مجرد بداية لما قد يصبح "تحوّلات كبيرة" في إنفاق المستهلكين عموماً. ففي نهاية العام الماضي، كنَّا نجادل بأنَّ التعافي الاقتصادي المدفوع بطرح اللقاحات سيغيِّر ما يشتريه الناس، بشكل يتراجع فيه إقبالهم على اقتناء الملابس المريحة، لكنَّهم سينفقون المزيد من الأموال على مظاهر الاحتفالات، والاجتماعات، وشراء البدل الرسمية.

ففي فئات مثل الموضة، ومستحضرات التجميل، يحدث هذا التحوُّل حالياً بالفعل، ولكنَّه لم يبدأ بعد في مجالات أخرى، مثل: تناول الطعام، والسفر، والمناسبات الكبرى.

بعيداً عن ملابس الراحة

إلى أن يتمَّ استئناف الكامل للعمل في المكاتب، وتعود الأجواء المشمسة مرة أخرى، سيتعيَّن على تجار التجزئة والمصنِّعين إدارة هذا الانتعاش الاقتصادي المتقطع والتعامل مع مستويات الطلب التي قد تكون أكثر أو أقل بكثير مما توقَّعوا.

كانت شركة " أوربان آوتفيترز" أوَّل من أشارت إلى عودة الإقبال على التأنق. وقالت، إنَّ سبعة من أكثر 10 سلع مبيعاً على الإنترنت في علامتها التجارية "أنثروبولوجي" خلال الأسبوع الأخير من فبراير، كانت عبارة عن فساتين، مقارنةً بمبيعات العام الماضي، التي كانت فستاناً، أو اثنين على الأكثر.

عندما أعيد افتتاح متاجر التجزئة البريطانية في يونيو وديسمبر 2020، اشترى المتسوقون العديد من الأشياء نفسها التي كانوا يطلبونها أثناء الإغلاق؛ أي الكثير من الملابس المريحة، وملابس النوم.

لكن في هذه المرة، ارتفعت مبيعات الملابس النسائية، وخاصة الفساتين الفضفاضة متوسطة الطول، وكذلك حقائب اليد، والـ"ماسكارا" (لوضع المكياج بالرغم من الكمامة). وانخفض الاهتمام بالملابس المريحة المصمَّمة للاسترخاء في المنزل.

كانت شركة "أسوشيتد بريتش فودز"، المالكة لسلسلة "برايمارك" المعروفة بالملابس ذات الأسعار الرخيصة، أعلنت عن "ازدهار خاص في قطاع الأزياء". إذ تشهد الملابس تحوُّلاً مع الاتجاه للتغيير من الجينز الضيق، وهو الذي كان العمود الفقري لخزائن الملايين من النساء لأكثر من عقد، إلى أنواع وقصَّات أخرى من الجينز النسائي عالي الخصر وغيره. ويعمل ذلك على زيادة مبيعات الملابس المصنوعة من الـ"دينيم"، التي تدفع بدورها مبيعات القمصان، والأحذية الجديدة التي تتناسب معها.

العودة إلى المكاتب

من شأن العودة إلى الحياة المكتبية أيضاً زيادة الإنفاق على الأزياء. وفي هذ الإطار، تشهد مبيعات شركة "وينسر لندن" (Winser) المتخصصة في تصميم ملابس العمل الأنيقة للنساء، زيادةً في الطلب على الفساتين الضيقة مع افتتاح المدن مرة أخرى. ولم يرتفع الطلب على الملابس الرجالية بالقدر نفسه، لكن يُتوقَّع انتعاش المبيعات مع استدعاء أصحاب العمل موظفيهم، للعمل بمقار الشركات مرة أخرى.

ما ينطبق على قطاع الأزياء، لا ينطبق على غيره

فيما يبدو أنَّ تناوب توجهات الاستهلاك في سوق الملابس يجري على قدم وساق، إلا أنَّ الصورة تبدو أكثر تعقيداً في قطاعات الاستهلاك الأخرى. ففي قطاع الطعام، على سبيل المثال، أصبحت المطاعم أكثر ازدحاماً، لكن الناس ما زالوا يطبخون، ويطلبون توصيل الكثير من الوجبات إلى المنزل.

تقول شركة "نستله"، إنَّها تشهد انتعاشاً في الطلب على المنتجات المستخدمة في المطاعم، وخاصة في الصين. لكن في الوقت نفسه، ما تزال وحدة إعداد القهوة من "نسبريسو" التابعة للشركة، تستفيد من احتراف صناعة الناس للقهوة لأنفسهم في منازلهم عن طريق آلات القهوة الجديدة.

كما تشهد "ريكي" (Rekki)- وهي منصة تكنولوجية تربط المطاعم المستقلة بموردي المواد الغذائية- ارتفاعاً في الطلبات مع عودة قطاع الضيافة للعمل.

كذلك بدأت مبيعات فروع شركة "ستاربكس" في المناطق الحضرية المزدحمة في التعافي، إذ تعتمد تلك الفروع على الموظفين والسائحين. لكنَّ نمو سوقها المحلية خلال الربع الأخير كان ما يزال مدعوماً بمواقع فروعها في الضواحي، ومنافذ البيع داخل ممرات عبور السيارات، مما يشير إلى عدم تلاشي إجراءات الوباء بعد.

رحلات العطلات غير مؤكدة

وفي حين لم تتغير فئة إعادة تشطيب المنازل كثيراً بعد، لكن من المتوقَّع أن يتباطأ الإنفاق على التجديدات والمشاريع المنزلية الأخرى بمرور الوقت. وبما أنَّك قمت غالباً بكل ما يمكن القيام به من تحسينات في منزلك، فمن المحتمل أنَّك لن تكرر هذه العمليات في وقت قريب. وفي حين ما تزال بعض مشاريع التجديد تنتظر التنفيذ بسبب الإغلاق، أو بسبب انتظار العثور على مقاول متاح. ولكن من المحتمل أن يكون هناك عدد أقل من المشاريع، فيما تستعيد العطلات والتذاكر حصتها المالية الخاصة بها من ميزانيات العائلات والأفراد.

عادة ما تبتلع العطلات جزءاً كبيراً من ميزانية الأسرة، غير أنَّ هناك الكثير من عدم اليقين حالياً بشأن السفر الدولي. بالإضافة إلى تراجع عدد السائحين الذين يقومون بحجز عطلات خارجية في وجهات مشمسة، مثل اليونان وإسبانيا. (لا عجب أنَّ الطلب على ملابس السباحة يتذيل قائمة مبيعات الملابس)، ولكن إذا تمَّ استئناف السفر إلى أوروبا وما حولها هذا الصيف، فسوف يطلق العنان لسيل من الإنفاق.

تقول شركة "يونيليفر"، إنَّ أداء أعمالها في مجال الآيس كريم في أوروبا، يرتبط بتمكُّن الناس من زيارة الشواطئ، والمدن السياحية.

ويعني الوجود وسط هذه التحولات أنَّ على تجار التجزئة، ومجموعات السلع الاستهلاكية الاستمرار في التخطيط لمواجهة عدم اليقين، والتحلّي بالمرونة. ويجب أن تأخذ الاستراتيجيات في الاعتبار تجارب "كوفيد" المختلفة إلى حدٍّ كبير في العالم. ففي الولايات المتحدة وأوروبا، على سبيل المثال، يجب أن يكون تجار الملابس والأغذية على استعداد لزيادة إمداداتهم. أما في الأسواق التي ما تزال تعاني من الفيروس، مثل الهند، سيكون التركيز على تلبية احتياجات الأشخاص الذين يحتاجون إلى العزلة، والبقاء في المنزل، والتعافي من الفيروس.

وفي ظلِّ التحوُّل الكبير الذي حدث بعد الوباء في عادات المستهلكين، لم يصبح القول المأثور القديم بأنَ "التجزئة تدور حول الاهتمام بالتفاصيل" (retail is detail) أكثر ملاءمة للواقع الحالي.