كيف جعل "هنري كوفمان" الأسواق تزأر لأربعين سنة؟

هنري كوفمان، رئيس شركة هنري كوفمان وشركاه
هنري كوفمان، رئيس شركة هنري كوفمان وشركاه المصدر: بلومبرغ
المصدر: بلومبرغ
تعديل مقياس القراءة
ع ع ع

استطاع هنري كوفمان، الذي لقبته الصحافة باسم "دكتور دووم" أن يحرك الأسواق في السبعينيات والثمانينيات بطريقة لا يقدر عليها أي خبير اقتصادي أو محلل استراتيجي اليوم. في ذلك الوقت، كان كوفمان قد حصل بالفعل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد، وسلسلة من الألقاب الإدارية رفيعة المستوى في شركة "سالومون براذرز"، التي كانت أكبر شركة لتداول السندات في العالم حينها.

كتبت صحيفة "بافالو كورير إكسبريس" في مقالة افتتاحية حملت قدراً كبيراً من الإبهار كعادة الصحيفة: "يجب على الأشخاص العاديين غير المدربين -أو ما يمكن أن نطلق عليهم اسم الحملان- أن ينظروا برهبة إلى قوة هنري كوفمان، الذي يتحكم في حالة السوق من مكانه، ويدفع الأسهم إلى الارتفاع أو الانهيار حسب هواه".

لا يزال كوفمان على قيد الحياة، ويبلغ من العمر 93 عاماً، وقد أنهى للتو كتابه الخامس، الذي يستعرض فيه بشكل متعمق الدور الذي لعبه في إطلاق موجة صعود ضخمة في سوق الأسهم يوم 17 أغسطس 1982. يحمل الكتاب عنوان: "يوم زئير الأسواق: كيف أشعلت توقعات عام 1982 شرارة صعود السوق العالمية".

الخبير المسيطر

في 19 أبريل الماضي، ناقش كوفمان الكتاب في ندوة عبر الإنترنت لجمعية الكتاب الماليين في نيويورك، وقمت أنا بإدارتها، كما شارك "مايرون كاندل"، الذي أجرى مقابلات متكررة مع كوفمان، وشغل في عام 1982 منصب المحرر المالي المؤسس لشبكة "كيبل نيوز نتوورك"، التي كان قد مر عامين على تاريخ تأسيسها حينها.

كانت الحقبة التي صعد فيها نجم كوفمان تتسم بالرزانة وبطء الحركة، حيث لم يكن هناك رموز غير قابلة للاستبدال. كما لم يكن موقع مناقشة الاتجاهات السوقية الشهير "ريديت Reddit" قد أبصر النور، ولا خوارزميات التداول عالية التردد. وكان الخبراء الاقتصاديون الحاصلون على درجة الدكتوراه حينها في "وول ستريت" نادرين. ويقول كوفمان، إنه ربما كان أول خبير اقتصادي يحصل على درجة الدكتوراه في "وول ستريت". ومع وجود عدد أقل من الخبراء الذين يحظون بالاهتمام؛ سيطر كوفمان على صدارة المشهد، حتى خارج الدوائر المالية.

ظهر كوفمان في بعض الرسوم الكاريكاتورية المنشورة بمجموعة من الصحف، بدءاً من "نيويورك بوست" وحتى صحيفة "ذا نيويوركر". كما تناوله كاتبو صحيفة "ذا نيويورك فاينانشيال" بشكل كوميدي عبر تأليف أغنية مالية ساخرة عنه كتبها "جيفرسون غريغسبي" واستخدمت لحن غيلبرت وسوليفان. كانت كلمات الأغنية تقول:

أنا النموذج الأبرز للخبير الاقتصادي في العصر الحديث.

أنا متخصص في الأخبار المخيفة والتنبؤات المشؤومة.

درست كل الأفكار المهمة وجميع المدارس الفكرية المعروفة.

من الماركسية إلى الكينزية، وحتى المدارس المجهولة.

المشهد المثير

لو تم إنتاج فيلم مصور عن حياة كوفمان، فقد يبدأ في الليلة التي مر بها عام 1937، عندما نهب النازيون منزل عائلته في قرية وينينغز الألمانية، مما أجبر هنري الذي كان يبلغ من العمر 9 سنوات حينها وعائلته على الفرار حفاظاً على حياتهم.

لكن أهم مشهد في أحداث الفيلم قد يكون صباح يوم 17 أغسطس من عام 1982، بفندق والدورف أستوريا في بارك أفينيو بنيويورك، حيث كانت اللجنة التنفيذية لشركة "سالومون براذرز" تعقد اجتماعاً خارج مقر الشركة. كان كوفمان وقتها شريكاً رئيسياً، ومديراً عاماً، وعضواً في اللجنة التنفيذية، بالإضافة إلى إدارته لأقسام الأبحاث الأربعة بالشركة. وكان يعشق التعامل مع ويليام بيلي سالومون، لكنه دخل في صدام مع جون غوتفروند، الذي تولى منصب الشريك الإداري للشركة بعد ويليام سالومون.

عندما وصل كوفمان إلى الفندق يومها، طلب من سائق سيارته الليموزين تسليم مذكرة توقعات السوق إلى سكرتيرته، هيلين كاتشر، لتتم طباعتها. وكان كوفمان قبل ذلك اليوم يعرب عن قلقه بشكل علني، ويصرح بأنه يخشى من تسبب العجز بالإنفاق والنمو الاقتصادي القوي في رفع أسعار الفائدة، ولكن في هذه المذكرة عكس مسار توقعاته، وتنبأ بانخفاض أسعار الفائدة، نظراً لضعف الاقتصاد الذي يقف وراءه "العوائق المالية والمنافسة الدولية الشديدة" من بين عدة أسباب أخرى.

التوقعات الأكثر إثارة

لم يقل كوفمان شيئاً عن مذكرته عندما بدأ الاجتماع في الساعة 8 صباحاً. لكن بعد خمسة عشر دقيقة، اتصلت كاتشر هاتفياً بالغرفة المجاورة، لتطلب من كوفمان التحقق مما كتبته. استأذن كوفمان من باقي المشاركين بالاجتماع لتلقي المكالمة، وقام ببعض التصحيحات، وطلب من كاتشر إرسال المذكرة على الفور إلى الصحافة، مع نشرها داخل مؤسسة سالومون. وعندما عاد كوفمان للاجتماع –حسبما يتذكره عن ذلك اليوم- سأله غوتفروند: "ما الذي دار؟، ولماذا نبقى جالسين هنا في الانتظار؟" وقتها شرح كوفمان تنبؤاته للسوق.

كتب كوفمان: "كان هناك صمت قصير في الاجتماع ولكنه ثقيل، مع العديد من نظرات الاستغراب". وأضاف: "ذكّرت غوتفروند وقتها والآخرين بما يعرفه الجميع عني من طباعي المعتادة كرئيس لأقسام الأبحاث في الشركة، حيث كنت دائماً أضع التصريحات المهمة مكتوبة"، وكان موظفو سالومون يتلقون التصريحات في وقت مماثل تقريباً للوقت الذي تصل فيه للأشخاص الآخرين.

ارتفعت أسعار الأسهم والسندات وسط توقعات كوفمان بانخفاض أسعار الفائدة، مما أجبر لجنة الإدارة على إنهاء الاجتماع الخارجي والعودة إلى المقر الرئيسي في وسط المدينة. وبحلول نهاية اليوم، ارتفع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 بنسبة 4.8%، وصعد مؤشر داو جونز الصناعي بنحو 4.9%. وتعتبر تلك النسب من أكبر المكاسب التي تحققت في يوم واحد، خلال حقبة ما بعد الحرب.

سلسلة الصعود لأربعة عقود

قبل تلك الواقعة، كانت الأسهم تتذبذب في نطاق عرضي لمدة 14 عاماً. ولكن ذلك اليوم شهد بداية سلسلة صعود الأسواق استمرت لأربعة عقود، وتسببت في ارتفاع مؤشر ستاندرد آند بورز 500 من مستوى 104 نقطة إلى 4135 نقطة، بزيادة نسبتها 3900%.

كان من الممكن أن يحدث الارتفاع بدون كوفمان بالطبع. علاوة على ذلك، قد تكون الأسهم مرتفعة أكثر من اللازم اليوم. ولكن مع ذلك، من المذهل أن ننظر إلى الوراء، ونتأمل العصر الذي كان من الممكن أن تؤدي توقعات سعر الفائدة الصادرة عن شخص واحد فقط إلى اشتعال السوق.